الهدف: الاستفادة من مواعظ أهل البيت (عليه السلام) ووصاياهم من خلال التأمل
في مضمونها واستخراج بعض مكنوناتها.
المحاور:
- مقدمة
- الكرامة للنفس الإنسانية لا المهانة
- الاستغفار الحقيقي
- التوفيق مقرون بالاجتهاد
- الحزم والحذر
- الصبر من مفاتيح الجنان
- النار محفوفة بالشهوات
- يخشى الموت ولا يبادر الفوت
- ذكر الله علامة المسارعين إلى لقائه
تصدير:
قال الإمام الرضا (عليه السلام): (سبعة أشياء بغير أشياء من الاستهزاء: من
استغفر الله بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزأ بنفسه، ومن سأل الله التوفيق ولم
يجتهد فقد استهزأ بنفسه، ومن سأل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزأ بنفسه،
ومن تعوذ بالله من النار ولم يترك شهوات الدنيا فقد استهزأ بنفسه، ومن ذكر الموت
ولم يستعد له فقد استهزأ بنفسه، ومن ذكر الله تعالى ولم يشتق إلى لقائه فقد استهزأ
بنفسه)[1].
مقدمة:
تمتاز مواعظ أهل البيت (عليه السلام) بجامعيتها لجميع شؤون الإنسان في جميع
العصور والأزمان. وهي ترسم له منهجاً متكاملاً يطال الأبعاد العقائدية والاخلاقية
والعملية. وهذه المواعظ كالدرر والجواهر المنثورة في بطون الكتب والمجاميع الروائية
تحتاج إلى من يلتقطها ويستفيد منها ويتأمل فيها.
والإمام الرضا (عليه السلام) مثله مثل آبائه صلوات الله عليهم أسهم في إغناء التراث
الروائي الإمامي بلآلئ وجواهر من كلماته ومواعظه ووصاياه وفي مختلف المجالات. ومن
جملة مواعظه عليه السلام التي نرغب بالتطرق إليها ما ذكره حول استهزاء الإنسان
بنفسه، وهي سبعة مواطن سنذكرها محاولين الاستفادة منها.
الكرامة للنفس الإنسانية لا المهانة:
ذكر الإمام الرضا (عليه السلام) عدة أمور تستلزم استهزاء الإنسان بنفسه،
والاستهزاء يعني السخرية والاستهانة والاستخفاف والحط من قدر الشئ. وهذه الأمور
التي ذكرها عليه السلام توجب ذلك، وهو ينبه منها. فنفس الإنسان هي صنيعة اليد
الإلهية، خلقها لتتكامل وتسمو وتصل إلى اعلى الدرجات. ودعاها لتكون إلى جواره
وبقربه، واودعها القابليات والامكانيات لذلك. فالإنسان إذن أودع جوهرة نفيسة وآلة
عجيبة، إن أحسن استغلالها فإنها توصله إلى المعالي، فيقبح أن يصدر منه ما يهينها
ويحط من قيمتها. قال الإمام علي (عليه السلام): (إن النفس لجوهرة ثمينة، من صانها
رفعها، ومن ابتذلها وضعها)[2].
الاستغفار الحقيقي:
يقول الإمام الرضا (عليه السلام): (من استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزأ
بنفسه..):
وهذا الكلام منه عليه السلام مطابق لما جاء عن آبائه الطاهرين الذين قالوا إن
الاستغفار ليس مجرد قول وذكر باللسان، بل من أبرز أركانه الندم والتصميم الحقيقي
على عدم العودة إلى الذنب مجدداً: قال الإمام علي (عليه السلام): (التوبة على أربعة
دعائم: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وعمل بالجوارح، وعزم أن لا يعود)[3]. وسر ذلك
يعود لكون عدم الندم معناه أن عودة هذا الشخص إلى الذنب مرة أخرى ستكون واردة.
فالذي لا يكتوي بنار الندم لا يردعه شئ من اقتراف الذنب مجدداً. فإذا لم يندم فهذا
يعني انه يسخر من نفسه بالاستغفار اللساني المجرد، لأنه سيعود إلى ذنبه مرة اخرى.
ومن هنا عبر عن الندم بأنه بحد ذاته توبة: قال الإمام الباقر (عليه السلام): (كفى
بالندم توبة)[4].
التوفيق مقرون بالاجتهاد:
قال الإمام الرضا (عليه السلام): (ومن سأل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزأ
بنفسه..):
التوفيق من اعظم نعم الله عز وجل على العباد. وهو جذبة من جذبات الرب وقائد الصلاح
ورأس النجاح كما ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) في حكمه. وينبغي على العباد
طلب التوفيق من الله دائماً: (وارغبوا إليه في التوفيق، فإنه أس وثيق)[5]. فالله عز
وجل هو مصدر التوفيق، ولا توفيق إلا به تعالى: (...وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت
وإليه أنيب)[6]. ولكن مع ذلك، فإن العبد إن لم يهيئ الأرضية لنزول التوفيق فإنه لن
يحصل عليه. فالتوفيق ينزل على العباد المجاهدين الذين يستحقون هذه العطية الإلهية.
ولذلك يقول تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[7]. فالهداية هنا توفيق. ويقول أيضاً: (وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[8]. واليسر في الأمور توفيق
أيضاً. وهذان التوفيقان سبقهما عمل وتهيئة وذلك من خلال الجهاد في الله وتقوى الله
عز وجل.
الحزم والحذر:
قال الإمام الرضا (عليه السلام): (ومن استحزم ولم يحذر فقد استهزأ بنفسه..):
الحزم في اللغة معناه الضبط وشد الشيئ وإحكام ربطه. والحزم هنا يظهر منه أنه العقل
الذي هو عقال القوى المودعة في النفس، ومن خلاله يستطيع العاقل والحازم أو يضبط
الأمور ويسلك طريق الصواب. ومن أن أراد أن تستقر هذه الصفة عنده فعليه أن يكون حذرا
ومتأنياً ومتروياً في أموره وشؤونه. فمن الحذر مثلاً الوقوف عند الشبهة. فمن يقتحم
الشبهات ولا يحذر منها لا يمكن أن يكون حازماً وعاقلاً: (أصل الحزم الوقوف عند
الشبهة)[9].
ومن الحذر أيضاً عدم الركون إلى الدنيا المخادعة، ولذلك من يركن إليها لا يكون
عاقلاً وحازماً: (الحازم من لم يشغله غرور دنياه عن العمل لأخراه)[10].
من هنا، فالذي يريد أن يتخذ من الحزم شعاراً له من دون أن يحذر فهذا يستهزئ بنفسه،
لأن الحزم لا استقرار له من دون حذر وروية.
الصبر من مفاتيح الجنان:
يقول الإمام الرضا (عليه السلام): (ومن سأل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد
فقد استهزأ بنفسه..):
لقد وُصف الصبر في بعض كلمات أهل البيت (عليه السلام) بأنه رأس الإيمان، وفي بعض
آخر أن ذهابه ذهاب للإيمان. ومن هنا يتضح كلام مولانا الرضا (عليه السلام) من كون
صبر المؤمن على الشدائد من أبواب دخوله إلى الجنة. وعليه، فمن يلح على الله عز وجل
في دعائه ليدخله الجنة ثم لا يعد لهذه الغاية صبرا على البلايا والمحن فهو يستهزئ
ويستخف بنفسه ولا يصدق معها بإرادة الوصول بها إلى الجنة. وعلى المؤمن معرفة علامات
الصبر ليتحرى وجودها فيه، وعليه ان يطلب من الله عز وجل توفيق الصبر على الشدائد
والمحن بحال وقوعها.
النار محفوفة بالشهوات:
قال الإمام الرضا (عليه السلام): (ومن تعوذ بالله من النار ولم يترك شهوات
الدنيا فقد استهزأ بنفسه..):
المقصود بالشهوات في كلام الإمام عليه السلام الشهوات المحرمة. وهذه الدنيا محفوفة
ومليئة بها. وهي من وسائل الاختبار والامتحان. وامتحان الشهوات المحرمة ليس امتحانا
سهلا وبسيطاً، خصوصاً وأن الإنسان يملك بعض القوى التي تدفعه بإلحاح لتلبية رغباته
ضمن هذا المجال. ومن هنا كان ترك الشهوات المحرمة أفضل الورع كما عن امير المؤمنين
(عليه السلام). إن اقتراف الشهوات المحرمة يُدخل إلى النار، فيصير التعوذ من النار
مع اقتراف ما يوجب الدخول إليها من أسباب السخرية والاستهزاء بالنفس.
يخشى الموت ولا يبادر الفوت:
قال الإمام الرضا (عليه السلام): (ومن ذكر الموت ولم يستعد له فقد استهزأ
بنفسه..):
الموت هو الأمر الحتمي الذي لا يشك الإنسان في وقوعه. وهو اليقين الذي يفر منه أغلب
الناس ولا يستعدون له: (ما خلق الله عز وجل يقينا لاشك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من
الموت)[11]. والتيقن بوقوع شيئ مع عدم الاستعداد له من أبرز مؤشرات الاستهزاء
بالنفس والاستخفاف بمصيرها. فالإنسان في حياته اليومية يعمل حساباً حتى للأمور
الاحتمالية، فما باله لا يولي أي عناية لما هو يقين لا مفر منه!!
ذكر الله علامة المسارعين إلى لقائه:
قال الإمام الرضا (عليه السلام): (ومن ذكر الله تعالى ولم يشتق إلى لقائه فقد
استهزأ بنفسه..):
المفروض أن ذكر الله عز وجل دليل على المحبة والطلب القلبي له تعالى. فالذي يحب
حبيبه يكثر من ذكره وتذكره والحديث عنه. وهذا يلزم منه أمر آخر وهو السعي للقرب من
هذا المحبوب ولقائه. والسعي للقرب منه تعالى يكون من خلال الطاعة والعبادة والزهد
والورع عن المحارم والتحلي بصفات أولياء الله. فمن ذكر الله عز وجل ولم يشتق إلى
لقائه ومن ثم لم يستبق إلى قربه وجواره من خلال الاجتهاد والعمل فهذا لا يعد ذاكراً
حقيقياً له تعالى، ولذلك يعد مستهزءاً بنفسه.
[1] - تنبيه الخواطر
ونزهة النواظر، ورام بن أبي فراس الاشتري، ج 2، ص 429 - 430.
[2] - ميزان الحكمة، الريشهري، ج 4، 3322.
[3] - ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، 342.
[4] - ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، 341.
[5] - ميزان الحكمة، الريشهري، ج 4، 360، والحديث وارد عن امير المؤمنين (عليه
السلام).
[6] - سورة هود، 88.
[7] - سورة العنكبوت، 69.
[8] - سورة الطلاق، 4.
[9] - ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، 605
[10] - ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، 605
[11] - ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، 2956.