الهدف: الإضاءة على بعض مضامين خطبة الرسول (ص) في حجة الوداع التي تعتبر
أهم وصية في تاريخ البشرية.
المحاور:
- مقدمة: في معنى الوصية.
- ميزان عظمة الوصية وأهميتها.
- أهمية وصية الرسول الأكرم (ص) في حجة الوداع.
- مما وصى به الرسول (ص) في حجة الوداع.
- خاتمة.
تصدير: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[1].
مقدمة: في معنى الوصية:
الوصية في مؤداها هي العهد الذي يؤخذ على الإنسان في مجال النصح، والحث على الفضائل
وإنجاز الأمور المهمة والأعمال الحسنة، والتحذير من المنكرات والأمور السيئة.
قال في لسان العرب: (أوصى الرجل ووصاه، عهد إليه)[2].
ميزان عظمة الوصية وأهميتها:
عظمة وأهمية الوصية هي بحسب عظمة ورفعة الموصي بها وبحسب خطورة وأهمية المضمون الذي
تحمله. ولا يوجد ما هو أهم وأعظم من وصايا الأنبياء والأوصياء (ع)، وذلك لشرافة
نفوسهم ورفعة مقاماتهم واتصالهم بمنبع الخير والعلم اللامتناهي، إضافة إلى ما
تتضمنه وصاياهم من أمور تتعلق بمصير الإنسان وما فيه مصلحته في الدنيا والآخرة.
أهمية وصية الرسول الأكرم (ص) في حجة الوداع:
للنبي (ص) وصايا عديدة أوصى بها أهل بيته وأصحابه ومن كان يطلب منه النصح والمشورة،
ولكن تبقى وصيته التي ألقاها عند غدير خم في حجة الوداع هي أهم وأخطر الوصايا التي
تركها للبشرية وذلك للأمور الآتية:
1- كون هذه الوصية صدرت منه في حجة الوداع حيث أبلغه الوحي أن موعد لقائه لربه قد
اقترب، وفي هكذا ظرف فإنه (ص) سيبادر إلى أن يودع لدى الأمة أهم ما فيه مصلحتها إلى
قيام الساعة قبل أن يفارقهم ويرحل عنهم.
2- كون هذه الوصية تحدد المرجع والخليفة الذي يجب على المسلمين الرجوع إليه في كل
شيئ بعد رحيل النبي الخاتم (ص) وانقطاع الوحي التشريعي من بعده.
3- إكثار جبرائيل (ع) من النزول مرسَلاً من الله عز وجل ليؤكد على إتمام هذه المهمة
المقدسة والعظيمة وهي إبلاغ رسول الله (ص) الناس المجتمعين بالوصية والتي بوصولها
إليهم يتحقق مضمون الآية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[3].
مما وصى به الرسول (ص) في حجة الوداع:
نذكر هنا على شكل نقاط وعناوين أهم ما وصى به رسول الله (ص) في خطبته الخالدة
والتاريخة التي ألقاها على مسامع الناس المحتشدة في غدير خم:
1- الوصية بامتثال أمر الله عز وجل بتعيين علي (ع) خليفة لرسول الله (ص):
الذي يتأمل في خطبة رسول الله (ص) في حجة الوداع وهي ليست بالخطبة الصغيرة
سيجدها مشحونة بالفقرات التي تؤكد على أهم عنصر فيها وهي إبلاغ الأمر الإلهي بتعيين
علي بن أبي طالب (ع) خليفة على الناس بعد وفاة رسول الله (ص)، وإليكم بعض العبارات
حول ذلك:
- (.. إن جبرئيل هبط إلي مرارا يأمرني عن السلام ربي - وهو السلام - أن أقوم في هذا
المشهد فاعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والامام من بعدي..).
- (معاشر الناس إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر
ربكم، فإن الله عز وجل هو وليكم وإلهكم، ثم من دونه رسولكم محمد وليكم والقائم
المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر الله ربكم..).
- (معاشر الناس إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكر ولايته ولن يغفر له،
حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الأبد ودهر
الدهور، فاحذروا أن تخالفوا فتصلوا نارا وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين).
2- الوصية باتباع الأئمة (ع) من ذرية رسول الله (ص) بعد علي (ع) إلى قيام الساعة:
النبي (ص) لم يكتف بتحديد ما فيه صلاح الأمة في زمانه وعصره، بل كشف للبشرية ما
فيه مصلحتها وصلاحها إلى يوم الدين، وصلاح الأمة يكون بالحاكم الذي على يديه تُملأ
الأرض قسطاً وعدلاً، ويعم الخير جميع الناس بل جميع المخلوقات: قال رسول الله (ص)
في وصيته: (..ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله عز اسمه ورسوله).
3- البشارة بالمهدي المنتظر (عج) والوصية باتباعه لأنه خاتم الأئمة (ع):
النبي (ص) بشر بالمنتظر المهدي (عج) في مناسبات عدة، وهذا ما فعله الانبياء (ع)
من قبله، ولكن تأكيده على ظهور الإمام المهدي (عج) في خطبة الغدير مما يدلل على
عظمة هذا الحدث وأنه سيكون محور التغيير العظيم الذي سيطال الأرض حين ظهوره، وهو إذ
يبشر بذلك فإنه يهيئ البشرية لهذا الزمن العظيم:
قال (ص): (..ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين، ألا
إنه المنتقم من الظالمين، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه قاتل كل قبيلة من
أهل الشرك، ألا إنه المدرك بكل ثار لأولياء الله عز وجل، ألا أنه الناصر لدين الله..).
4- الوصية باللجوء للإمام لمعرفة حلال الله وحرامه:
الله عز وجل لا يمكن أن يترك الناس من دون أن ينصب لهم من يعلمهم دينه وشريعته،
وهذا من مقتضيات كونه تعالى رباً وهاديا ومرشدا للعباد. ومن خلال الإمام (ع) يعرف
الناس حلال الله وحرامه، والنبي (ص) أودع علمه الأوصياء من بعده، فهم الملجأ للتفقه
في دين الله: (..لا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه الله، عرفني الله
الحلال والحرام وأنا أفضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه. معاشر الناس
ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمته فقد أحصيته في إمام المتقين، وما
من علم إلا وقد علمته عليا وهو الامام المبين).
5- الوصية باللجوء إلى الإمام (ع) لتفسير القرآن واستخراج نفائسه:
جميع المسلمين يحرصون على فهم كتاب ربهم، ذلك الكتاب الخالد الذي هو معجزة في
بيانه ومضمونه، وبعد رحيل النبي (ص) عن هذه الدنيا فإن الولوج إلى أعماق القرآن ليس
متيسراً من دون اللجوء إلى الإمام (ع): (معاشر الناس تدبروا القرآن وافهموا آياته
وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم
تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إلي وشائل بعضده، ومعلمكم أن من كنت مولاه
فهذا مولاه، وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيي، وموالاته من الله عز وجل أنزلها علي..).
6- التحذير من الانقلاب على الأعقاب من بعده:
وهذا التحذير ليس عبارة عن إنذار يتعلق بأمر محتمل أو افتراضي، بل من المعلوم
أن النبي (ص) كان يعلم بما يبيته بعض القوم، وأن هؤلاء لن يقبلوا بخلافة أمير
المؤمنين (ع) عليهم، ولذلك كان رسول الله (ص) يحذر من امر يعلمه علم اليقين، وهو
بإنذاره هذا يتم الحجة على المنقلبين وعلى كل من سيتبعهم في المستقبل: (معاشر الناس
أنذركم أني رسول الله قد خلت من قبلي الرسل أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم؟
ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين، ألا وإن عليا هو
الموصوف بالصبر والشكر..).
7- التحذير من الرايات الضالة ومن الأئمة المنحرفين:
لقد حذر رسول الله (ص) البشرية من أن هناك من سيحكم ويتسلط على رقاب العباد تحت
شعار إسلامي ومن خلال عناوين إسلامية، ولكنهم ليسوا إلا أئمة ضلال، واتباعهم لا
يؤدي إلا إلى النار، وعلى البشرية أن تتلمس خط الهدى من خلال حبل أهل البيت (ع)
المتين وصراطهم المستقيم:
- (معاشر الناس سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون، معاشر
الناس إن الله وأنا بريئان منهم).
- (معاشر الناس أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم باتباعه، ثم علي من بعدي، ثم
ولدي من صلبه أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون).
8- التأكيد على استمرار سنة التمحيص والامتحان في الخلق:
وهذه سنة إلهية لا تتبدل ولا تتغير، وهي موجودة مع وجود هذا الإنسان في الأرض
التي هي دار الابتلاء والامتحان والكبد، وأعظم امتحان للبشرية بعد رحيل رسول الله
(ص) هو ولاية أمير المؤمنين (ع) والأئمة من بعده، فبها يميز الله الخبيث من الطيب:
- (..معاشر الناس إن الله عز وجل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث
من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب).
- (معاشر الناس إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن يقوم
مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عز وجل فأولئك حبطت أعمالهم
وفي النار هم خالدون لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون).
9- الوصية بالتقوى وبإتيان الفرائض والحذر من الآخرة:
- (معاشر الناس التقوى التقوى، واحذروا الساعة كما قال الله عز وجل: "إن زلزلة
الساعة شئ عظيم" اذكروا الممات والحساب والموازين والمحاسبة بين يدي رب العالمين
والثواب والعقاب، ومن جاء بالحسنة أثيب ومن جاء بالسيئة فليس له في الجنان نصيب).
- (ألا فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر).
- (معاشر الناس حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا استغنوا، ولا تخلفوا عنه إلا
افتقروا).
[1] - المائدة، 67.
[2] - لسان العرب، ج 15، ص 394.
[3] - المائدة، 3.