الهدف:
التعرّف على عناصر النهضة في الخطاب والثورة الحسينية
محاور الموضوع:
مفهوم الاستنهاض.
عناصر الاستنهاض العامة.
عناصر استنهاض الأمة في الخطاب الحسيني.
مقدمة:
ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) نموذج من الثورات الفريدة في تاريخ البشرية،
في أهدافها، وقيمها، ونتائجها، وقادتها، وشهدائها.. ومن أهم ما في هذه الثورة ما
يحمله الخطاب الحسيني الذي صدر عن أبي عبدالله (عليه السلام) الحسين قبل معركة
كربلاء وأثنائها؛ الذي يعبّر عن مجموعة من العناصر التي تشكّل منهجاً متكاملاً في
استنهاض الأمم ومواجهة الظلم والظالمين، ومدرسة في التضحية والإيثار، ونبراساً لكل
المجاهدين والأحرار عبر التاريخ.
مفهوم الاستنهاض:
النهضة جمع نَهَضات ونَهْضات، والنَّهْضَة: الطَّاقةُ والقُوَّة والوثبةُ في سبيل
التقدّم الاجتماعي أَو غيره كالسياسي والعلمي والحضاري والاقتصادي، وكان من فلان
نهضةٌ إلى الخير: أي حركة وهمَّة، وباعث النَّهضة أوّل الدعاة إليها، وعصر
النَّهضة عصر التجديد والتطوّر والتقدّم في المجالات المختلفة.
وعليه فالنَّهْضَةُ الحسينية: تعني الاِنْبِعَاثُ، والتَّجَدُّدُ، والتَّقَدُّمُ
والقوة الذي انبعث في جسم المجتمع والأمة، فبعد مرحلة الضعف والخذلان التي ابتليت
بها الأمة جاءت الثورة الحسينية لتزرع مبادئ ثابتة، وقيم رفيعة، في الدفاع عن
المقدّسات والأنفس والأعراض والممتلكات، ما أسّس لنهضة قوية في عقل وقلب الأمة ما
زالت آثارها إلى يومنا هذا، وستبقى إلى قيام يوم الدين.
عناصر الاستنهاض العامة
يرى الإمام الخامنئي أنَّ لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ثلاث عناصر هي: المنطق
والعقل، والحماسة المشفوعة بالعزة، والعواطف.
العنصر الأول: المنطق والعقل:
إنّ عنصر المنطق والعقل في هذه النهضة يتجلّى من خلال كلمات ذلك العظيم، فكل فقرة
من كلماته النورانية التي نطق بها (عليه السلام) سواء قبل نهضته، عندما كان في
المدينة، والى يوم شهادته تُعرب عن منطق متين، خلاصته: إنّه عندما تتوفّر الشروط
المناسبة يتوجَّب على المسلم تحمّل المسؤولية، سواء أدّى ذلك إلى مخاطر جسيمة أم
لا.
وإنَّ أعظم المخاطر تتمثّل في تقديم الإنسان نفسه وأعزائه وأهل بيته المقربين؛
زوجته وأخواته وأولاده وبناته إلى أرض المعركة وفي معرض السبي قربة لله. وإنَّ
مواقف عاشوراء هذه أصبحت أمراً طبيعياً عندنا لكثرة تكرراها، مع أنَّ كل موقف من
هذه المواقف يهزّ الأعماق.
بناءً على ذلك، عندما تتوفّر الشروط المتناسبة مع هذه المخاطر، فعلى الإنسان أن
يؤدي وظيفته، وأن لا يمنعه عن إكمال مسيرته التعلّق بالدنيا والمجاملات وطلب
الملذات والخلود إلى الراحة الجسمانية، بل عليه أن يتحرّك لأداء وظيفته. فلو أنّه
تقاعس عن الحركة، نتج عن ذلك تزلزلاً في أركان إيمانه وإسلامه، عن رسول اللَّه
(صلى الله عليه وآله وسلم): "من رأى سلطانا جائرا مستحلاً لحرم اللَّه ولم يغيّر
عليه بفعل ولا قول كان حقّا على اللَّه أن يدخله مدخله".
هذا هو المنطق، فلو أن أصل الدين تعرض إلى خطرـ كما حصل في فاجعة كربلاء ولم
يُغيّر ذلك بقول أو فعل، كان حقاً على الله أن يبتلي الإنسان اللامبالي وغير
الملتزم بما يُبتلى به العدو المستكبر والظالم.
العنصر الثاني: الحماسة
أي أنَّ العملية الجهادية الملقاة على عاتقنا، يجب أن تقترن بالعزة الإسلامية
لأنَّه ﴿لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وعلى المسلمين في
نفس الوقت الذي يتحرّكون فيه نحو الهدف، ويتحمّلون المسؤولية الجهادية، أن يحافظوا
على عزّتهم وعزّة الإسلام، ولابد أن يتحلّى الشخص بسمات الشموخ والعزة في أشد
الأزمات.
فلو أننا نظرنا إلى الصراعات السياسية والعسكرية المختلفة في تاريخنا المعاصر، سوف
نجد حتى أولئك الذين كانوا يحملون السلاح ويواجهون الحرب بأبدانهم، يُعرِّضون
أنفسهم أحياناً إلى مواقف الذلّة، إلا أنَّ هذه المسألة ليس لها وجود في فلسفة
عاشوراء، فعندما يطلب الإمام الحسين (عليه السلام) أن يمهلوه ليلة واحدة، يطلبها من
موقع العزّة، وفي الوقت الذي يقول: "هل من ناصرٍ ينصرني" فيطلب النصرة من موقع
العزّة والاقتدار، وعندما تلتقي به الشخصيات المختلفة في الطريق بين المدينة
والكوفة، ويتكلّم معهم ويطلب النصرة من بعضهم، لم يكن ذلك من موقع الضعف وعدم
القدرة، وهذا أحد العناصر البارزة في نهضة عاشوراء.
فينبغي أن يُطبّق عنصر الحماسة المشفوع بالعزّة في جميع الحركات الجهادية المدرجة
في جدول أعمال سالكي طريق النهضة الحسينية، وأن تكون جميع الحركات الجهادية سواء
كانت سياسية، أم إعلامية، أم المواقف التي تسدعي التضحية بالنفس منطلقة من موقف
العزّة.
العنصر الثالث: العاطفة
أي أنّه قد أصبح للعاطفة دوراً مميزاً في نفس واقعة كربلاء وفي استمرارها، أدّى إلى
إيجاد برزخٍ بين النهضة الحسينية والشيعية من جهة وبين النهضات الأخرى من جهة
ثانية، فواقعة كربلاء ليست قضية جافة ومقتصرة على الاستدلال المنطقي فحسب، بل قضية
اتحد فيها الحب والعاطفة والشفقة والبكاء.
فإنَّ الجانب العاطفي جانب مهم ولهذا أمرنا بالبكاء والتباكي، وتفصيل جوانب
الفاجعة. ولقد كانت زينب الكبرى (عليه السلام) تخطب في الكوفة والشام خطباً منطقية،
إلا أنها في نفس الوقت تقيم مآتم العزاء وقد كان الإمام السجاد (عليه السلام) بتلك
القوة والصلابة ينزل كالصاعقة على رؤوس بني أمية عندما يصعد المنبر، إلا أنه كان
يعقد مجالس العزاء في الوقت نفسه.
فإنَّ مجالس العزاء مستمرة إلى يومنا هذا، ولابد أن تستمر إلى الآبد لأجل استقطاب
العواطف، فمن خلال أجواء العاطفة والمحبة والشفقة يمكن أن تُفهم كثير من الحقائق،
التي يصعب فهمها خارج نطاق هذه الأجواء.
وبالنتيجة يمكن القول: إنَّ العناصر الثلاثة للنهضة الحسينية تعتبر من العناصر
الأساسية لبناء هذه النهضة، هذا على مستوى التحليل، وزاوية من زوايا عاشوراء الحسين
(عليه السلام)، إلا أن هذه الزاوية تمثّل لنا دروساً عمليةً كثيرةً.
عناصر استنهاض الأمة في الخطاب الحسيني:
عندما نتتبّع كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) نجد أنّه يركّز على مجموعة من
العناصر الهادفة إلى إيقاظ الأمة واستنهاضها، ومن هذه العناصر:
1- مبدأ الإصلاح
يعتبر إصلاح المجتمعات والأمم من الضرورات الاجتماعية والدينية، التي أكّدت عليها
الشرائع السماوية كافة، ولاسيما الدين الإسلامي، واعتبرتها القوانين الوضعية من
أصول البنية الاجتماعية.
ولهذا فإن الإصلاح الذي أعلنه الإمام الحسين (عليه السلام) واعتبره شعاراً وهدفاً
لثورته هو استمرار لهذا المبدأ، وقد أشار إليه (عليه السلام) في سياق وصيّته لأخيه
محمد بن الحنفية حيث قال: «.. وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا
ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن
المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى
بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين»
مقتل الحسين للمقرّم: 156...
2- عدم بيعة الظالمين
البيعة تعني الإقرار بالوراثة السياسية في الحكم مهما كانت صفات وقدرات الخليفة،
والبيعة تعني إعطاء الشرعية لسلطة بني أمية: ولهذا خرج الإمام الحسين(عليه السلام)
على السلطة الأموية آنذاك ورفض البيعة ليكون هذا الرفض بمثابة عدم اعتراف بمشروعية
السلطة حيث لا مشروعية لمنطق الغلبة والواقع المفروض بناءً على رؤية ترى أنّ
مشروعية السلطة أقوى من السلطة نفسها، وأن أية سلطة مهما تغلبت لا بد لها في نهاية
المطاف من أن تخضع لمنظومة من المفاهيم هي التي تمنحها أو تسلبها صفة المشروعية
ولهذا نجد أن الإمام الحسين قد صرّح عند لقائه بمروان عند محاولة الأخير تحسين
صورة أمر بيعة يزيد في عين الإمام (عليه السلام) أجابه قائلاً: "على الإسلام السلام
إذا ابتليت براعٍ مثل يزيد...". وصرّح برفضه لبيعة يزيد ب بقوله(عليه السلام):
ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله،
ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة.
3- أصالة العزة في النهضة والثورة
هيهات منا الذلة ليست شعاراً شكلياً رفعه الإمام الحسين (عليه السلام)، بل نهجاً
رسمه الإمام الحسين (عليه السلام) للأمة ولكل الأجيال القادمة بأن الذل والخضوع
للظالم لا مكان له في قاموس المجاهدين الحسينيين، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين
كما صرح الذكر الحكيم. فقد أعلن الإمام الحسين (عليه السلام) عندما توضّحت نوايا
الغدر والخذلان والإصرار على محاربة الإمام(عليه السلام) وطاعة يزيد الفاسق: بقوله:
«ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا
الذلّة! يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت وحجور طهرت واُنوف حميّة
ونفوس أبيّة لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام...»[ أعيان الشيعة: 1 / 603.]