ولادة الإمام الحسن بن
عليّ العسكريّ (عليه السلام)
الهدف:
التعرّف إلى مكارم أخلاق الإمام العسكري وعبادته، والظروف المحيطة بتسلّمه (عليه
السلام) للإمامة.
المحاور الرئيسة:
سيرة مشرقة
قبس من مكارم أخلاقه وعبادته
الظروف السياسية في عصر الإمام العسكريّ(عليه السلام)
التواصل بينه وبين شيعته
الإمام العسكريّ(عليه السلام) والتمهيد للإمام المهديّ(عج)
تصدير:
حدّث عليّ بن جعفر عن الحلبيّ: اجتمعنا في العسكر وترصّدنا لأبي محمّد (عليه
السلام) يوم ركوبه، فخرج توقيعه: "ألا لا يسلّمنّ عليّ أحد، ولا يُشير إليّ بيده،
ولا يومئ، فإنّكم لا تؤمَنون على أنفسكم".
سيرة مشرقة:
ولد الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ(عليه السلام) في المدينة في الثامن من ربيع
الآخر سنة 232 هـ. أبوه الإمام علي الهادي(عليه السلام)، ويقال له ولأبيه
وجدّه(عليه السلام) ابن الرضا، ووالدته اسمها حُديث أو سليل، وكانت في غاية الصلاح
والتقى، وكانت في بلدها في مصافّ الملوك. ويكفي في فضلها، أنّها كانت مفزعاً وملجأً
للشيعة بعدة شهادة الإمام العسكريّ[1].
وكان من ألقابه: التقيّ، المرضيّ، النقيّ، الزكيّ،الهادي، العسكريّ[2].
كنيته: أبو محمّد.
وقد تسلّم الإمامة بعد شهادة أبيه الإمام الهادي(عليه السلام) في سنة 254هـ، إلى
سنة 260هـ، فاستمرّت إمامته ست سنوات، وكان(عليه السلام) قبل شهادته قد أوصى إلى
ابنه الإمام المهديّ(عج) بالإمامة من بعده.
وكانت شهادته يوم الجمعة الثامن من ربيع الأوّل سنة 260 هـ وعمره 28 عاماً، ودفن مع
أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) في سامرّاء.
قبس من مكارم أخلاقه وعبادته:
لقد برز في حياة الإمام العسكريّ(عليه السلام) رغم المراقبة الشديدة والقاسية
من قبل حكّام عصره خدمته للناس، واهتمامه بهم، روى محمّد بن القاسم أبو العيناء
الهاشميّ مولى عبد الصمد ابن عليّ عتاقة قال: كنت أدخل على أبي محمد (عليه السلام)
فأعطش وأنا عنده فأجلّه أن أدعو بالماء فيقول: يا غلام اسقه، وربّما حدّثت نفسي
بالنهوض فأفكر في ذلك فيقول يا غلام دابته[3].
وكان الإمام(عليه السلام) كثير العبادة لله سبحانه وتعالى، يقوم الليل ويصوم النهار،
وقد كان الإمام موضوعاً تحت المراقبة الشديدة، وقد تأثّر به الكثير من الناس. يروى
أنّه دخل العبّاسيون على صالح بن وصيف عندما حبس أبي محمد(عليه السلام)، فقالوا له:
ضيّق عليه ولا توسّع، فقال لهم صالح: ما أصنع به وقد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت
عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم.
ثمّ أمر بإحضار الموكّلين، فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا:
ما نقول في رجل يصوم النهار، ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة،
فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا؟ فلمّا سمع ذلك
العبّاسيّون انصرفوا خائبين[4].
وكان كثير الوعظ والتذكير بالله سبحانه وتعالى، ومن مواعظه قوله: "أورع الناس من
وقف عند الشبهة، أعبد الناس من أقام على الفرائض، أزهد الناس من ترك الحرام، أشدّ
الناس اجتهاداً من ترك الذنوب"[5].
الظروف السياسية في عصر الإمام العسكريّ(عليه السلام):
واصل الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) مهامّ الإمامة بعد والده الإمام
الهادي (عليه السلام). وعاصر في فترة إمامته القصيرة (ست سنوات) حكومة ثلاثة حكّام
من العباسيين هم المعتزّ والمهتدي والمعتمد. وكانت المعاناة مع الدولة العبّاسية ما
زالت شديدة؛ ففي غضون حكم المعتزّ قُتل الكثير من الأبرياء وسُجن من العلويّين أكثر
من سبعين شخصاً من آل جعفر وآل عقيل. وبعد المعتزّ تسلَّم المهتدي الخلافة، وسجن
الإمام (عليه السلام)، بل وحتّى اتّخذ قراراً بقتله إلّا أنّ الأجل لم يمهله فمات.
وحدّث عليّ بن جعفر عن الحلبيّ: "اجتمعنا في العسكر وترصّدنا لأبي محمّد (عليه
السلام) يوم ركوبه، فخرج توقيعه: "ألا لا يسلّمنّ عليّ أحد، ولا يُشير إليّ بيده،
ولا يومئ، فإنّكم لا تؤمَنون على أنفسكم"[6].
يقول أحمد بن محمّد: "كتبت إلى أبي محمّد (الإمام العسكريّ) حين أخذ المهتدي في قتل
الموالي: يا سيّدي الحمد لله الذي شغله عنّا، فقد بلغني أنّه يتهدّدك، ويقول والله
لأجلينّهم عن جديد الأرض، فوقّع أبو محمّد (عليه السلام) بخطّه: "ذلك أقصر لعمره،
عدّ من يومك هذا خمسة أيام ويُقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به"،
فكان كما قال (علي)"[7].
وقد بلغت درجة الضغط والمضايقة في عهد الإمام العسكريّ (عليه السلام) على الإمام
والشيعة إلى درجة اضطرّ الإمام(عليه السلام) إلى أن يعيش بطريقة أمنية، وذلك لأنّ
العباسيين وغيرهم كانوا يعلمون وطبقاً للروايات المتواترة أن المهديّ المنتظر الذي
سيتحقّق على يديه العدل والحرية من جهة، ومن جهة أخرى سوف يبيد كلّ الحكومات
الظالمة أنه من أبناء الحسن العسكريّ، ولهذا شدّدوا الرقابة على الإمام
العسكريّ(عليه السلام) في كلّ صغيرة وكبيرة، فقد أخضعوه للمراقبة الشديدة، ووضعوه
تحت أعينهم[8].
وبعد خلافة المهتدي تسلَّم المعتزّ زمام السلطة، وفي عهده استشهد الإمام العسكريّ (عليه
السلام)، وقُتِل مجموعة من العلويّين في هذه الأحداث. وتذكر بعض المصادر التاريخيّة
أنّه قد تمّ قتل بعضهم بأفجع صورة وحتّى بعد القتل مثّلوا بأجسادهم[9].
التواصل بينه وبين شيعته:
بعد اتّساع رقعة التشيّع في عهد الإمام العسكريّ(عليه السلام)، ووجود الشيعة
بأكثر من بلد في العالم، كان لا بدّ من إيجاد وسيلة للتواصل فيما بينهم، وكان ذلك
سبباً في إيجاد وسيلة للتواصل المنظّم تؤمّن اتّصال الشيعة بالإمامة من جهة،
واتّصالهم ببعضهم بعضاً من جهة أخرى، ويتمّ من خلال ذلك توجيههم دينياً وسياسياً
وتعبوياً، فقام الإمام(عليه السلام) بتعيين بعض الأشخاص في مناطق متعدّدة ليكونوا
حلقة الوصل بين الإمام وشيعته وبين الشيعة أنفسهم، منها على سبيل المثال ما فعله مع
إبراهيم بن عبده، حيث أرسل رسالة إلى عبد الله بن حمدويه البيهقي: "فقد نصبت لكم
إبراهيم بن عبدة ليدفع النواحي وأهل ناحيتك حقوقي الواجبة عليكم إليه، وجعلته ثقتي
وأميني عند مواليّ هناك، فليتقوا الله وليراقبوا، وليؤدّوا الحقوق، فليس لهم عذر في
ترك ذلك، ولا تأخيره"[10].
الإمام العسكريّ(عليه السلام) والتمهيد للإمام المهديّ(عج):
إنّ المهمّة المميّزة في إمامته (عليه السلام) كانت التمهيد لولادة الإمام
المهديّ (عج) وغيبته الصغرى والكبرى، والارتباط الصحيح به وضرورة الانتقال بالشيعة
من نقطة اتّصال مباشرة بالمعصوم إلى نقطة اتّصال غير مباشرة. وتعتبر هذه المرحلة من
أدقّ المراحل على الفكر الشيعيّ منذ النبيّ محمّد (ص) إلى عهد الإمام العسكريّ،
لذلك كان على الإمام أن يكثّف أحاديثه وأن يقوم عمليّاً، كما سيتّضح، بالتمهيد
للغيبة، التي عمل الإمام(عليه السلام) على التمهيد لها، ويمكن تلخيص دور الإمام (عليه
السلام) بالحرص على النصّ على الإمام وتعريف شيعته به:
عن محمّد بن عبد الجبّار قال: قلت لسيّدي الحسن بن عليّ (عليه السلام): يا بن رسول
الله، جعلني الله فداك، أحبّ أن أعلم من الإمام وحجّة الله على عباده من بعدك.
قال (عليه السلام): "إنّ الإمام من بعدي ابني، سَميّ رسول الله (ص) وكنيُّه، الّذي
هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه".
قال: ممّن هو يا بن رسول الله؟ قال (عليه السلام): "من ابنة قيصر ملك الروم، ألا
إنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثمّ يظهر"[11].
وعن يعقوب بن منقوش قال: "دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) وهو جالس
على دكّان في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت: سيّدي، من صاحب هذا الأمر؟
فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسيّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح
الجبين، أبيض الوجه، درّيّ المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن
خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد (عليه السلام) ثمّ قال لي: هذا صاحبكم،
ثمّ وثب فقال له: يا بُنيّ ادخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ
قال لي: يا يعقوب، انظر من في البيت، فدخلت فما رأيت أحداً"[12].
[1] الشيخ عباس القمي،
منتهى الأمال، ج2، ص649.
[2] ق الشيخ الصدوق علل الشرائع، ج1، ص230.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص512.
[4] م.ن.
[5] ابن شعبة الحراين، تحف العقول، ص489.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 50، ص 269.
[7] المفيد، الإرشاد، ص324.
[8] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص434.
[9] أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 685- 690.
[10] الشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ص580.
[11] الميرزا حسين النوري الطبرسي، النجم الثاقب، ج1، ص 136.
[12] الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ص413.