تصدير:
في كلام لرسول الله (ص): (علي مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي
الحوض)[1].
الأهداف:
بيان فضل القرآن وصفاته الواردة في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)،
وكذلك شئ من فضائل الإمام علي (عليه السلام) الواردة في القرآن حسب روايات غير
الشيعة.
المحاور:
- علي (عليه السلام) قرين القرآن.
- القرآن على لسان علي (عليه السلام).
- القرآن يتحدث عن علي (عليه السلام).
- خاتمة: مودته (عليه السلام) من الرحمن.
مقدمة: علي (عليه السلام) قرين القرآن:
لقد كان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) مرافقاً لنزول القرآن،
يسمعه بعدما يوحى إلى النبي (ص) من فمه تنساب مفرداته وآياته وسوره، معارف وقيماً
وهدى من قلب النبي (ص) إلى فيه فإلى الأذن الواعية لعلي (عليه السلام)، حيث ورد في
تفسير الثعلبي عن الإمام علي عليه السلام أنه لما نزلت:
(وتعيها أذن واعية)[2]. قال النبي (ص): (سألت الله أن يجعلها أذنك يا
علي...)[3]، وعنه نقل القرطبي في تفسيره.
ولذا فإن علياً (عليه السلام) كان حافظ القرآن والعالم بتأويله وحافظ أسراره، وأكمل
الخلق بعد رسول الله (ص) فهماً للقرآن، إذ كما قلنا كان قرينه شديد الصلة به لا
يستطيع أحد أن يدخل بينهما وهذا الارتباط وهذه الصلة قائمة باقية بقاء السماوات
والأرض، وهذا أحد معاني قول النبي (ص): (علي مع القرآن والقرآن مع علي، لا يفترقان
حتى يردا علي الحوض)[4].
ومما تفيده هذه الرواية أن هناك علاقة تبادلية بين علي (عليه السلام) والقرآن ليس
أقلها كونه (عليه السلام) من أجلى مصاديق المطهرين الذين يسبرون أغوار القرآن
ليستخرجوا كنوره ودفائن علومه ومكنون ما فيه، حيث قال تعالى:
(فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم، إنه لقرآن كريم في كتاب
مكنون، لا يمسه إلا المطهرون)[5].
والمطهرون أعلاهم وأجلاهم معنى المقصودون بقوله تعالى:
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)[6].
فعند باب علي (عليه السلام) يقف مريدو التفسير والتأويل، وإلى مورد علي (عليه
السلام) يرد العطاشى إلى معين الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن
خلفه، ومريدو الاقتراب من مقام علي (عليه السلام) ليعرفوا شيئاً من فضائله عليهم أن
يرجعوا إلى القرآن ليعرفوا ما نزل فيه لمعرفة شئ من تاريخه وفضائله ومقاماته
وأياديه وجهده وجهاده وغير ذلك.
فتعالوا إخوتي ننظر في تراث علي (عليه السلام) كيف تحدث عن القرآن الكريم:
القرآن على لسان علي (عليه السلام):
1- القرآن الكتاب الخالد:
من خطبة طويلة للإمام علي (عليه السلام): (ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ
مصابيحه وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يضل نهجه، وشعاعا لا
يظلم ضوؤه، وفرقانا لا يخمد برهانه، وتبيانا لا تهد أركانه، وشفاء لا تخشى
أسقامه..)[7].
2- القرآن عز لحامله:
وفيما ورد عنه (عليه السلام): (ثم أنزل عليه الكتاب... وعزا لا تهزم أنصاره،
وحقا لا تخذل أعوانه..)[8].
ومن كلام آخر له (عليه السلام): (وكتاب الله بين أظهركم ناطق لا يعيا لسانه وبيّن
لا تهدم أركانه، وعز لا تهزم أعوانه)[9].
وقال كذلك: (جعله الله... وحبلاً وثيقاً عروته معقلاً منيعاً ذروته وعزاً لمن
تولاه)[10].
3- القرآن البحر الذي لا ينفذ:
قال (عليه السلام) في ذلك: (... ولا يخلقه طول الرد، ولا يفنى عجائبه...)[11].
وقال كذلك: (... وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون ومناهل لا
يغيضها الواردون...)[12].
4- من بركات القرآن:
قال علي (عليه السلام): (واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي
الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو
نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان من عمى. واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من
فاقة، ولا لاحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لاوائكم،
فان فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال، فاسألوا الله به،
وتوجهوا إليه بحبه ولا تسألوا به خلقه، إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله. واعلموا
أنه شافع مشفع، وقائل مصدق، وإنه من شفع له القرآن يوم القامة شفع فيه)[13].
وكذلك ورد عنه (عليه السلام): (جعله الله رياً لعطش العلماء وربيعاً لقلوب الفقهاء
ومحج لطرق الصلحاء ودواء ليس بعده داء)[14].
5- لابد للقرآن من المعصوم:
وهذا يمكن استفادته من قوله تعالى: (لا يمسه إلا المطهرون)[15]. وقوله كذلك:
(... وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم..)[16]. ولذا نجده يشير بل يصرح
بذلك مشيراً إلى أنه من هؤلاء الذين عندهم علم القرآن وقد وكلوا ببيانه، ففي كلام
له (عليه السلام): (أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم، وانتقاض من
المبرم فجاءهم بتصديق الذي بين يديه، والنور المقتدى به، ذلك القرآن فاستنطقوه، ولن
ينطق لكم، ولكن أخبركم عنه، ألا إن فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء
دائكم، ونظر ما بينكم)[17].
ولذا نجد أن الإمام علي (عليه السلام) اعتزل الناس مدة من الزمن بعد رحيل الرسول
الأكرم (ص) ليقوم بمهمة جمع القرآن، وقد أقسم على ما روي أن لا يضع عليه رداءً حتى
ينتهي من هذه المهمة، ففعل ذلك ولم يخرج إلا بعد أن أنجز المهمة.
القرآن يتحدث عن علي (عليه السلام):
سبق أن قلنا أنه ثمة علاقة تبادلية بين علي (عليه السلام) والقرآن، فكما
أن علي (عليه السلام) مظهر القرآن فهو القرآن الناطق وحامله ومفسره ومبينه وحارسه
وحافظ علومه كذلك كان القرآن في العديد من آياته وبياناته مرافقاً لعلي (عليه
السلام) في سيرته وجهاده ومبينا لشئ من فضائله ومقاماته، ولما لم يكن المجال متسعاً
لذكر كل ذلك نقتصر على بعض ما نزل من القرآن في حق علي (عليه السلام) مقتصرين على
ما روي من طرق غير الشيعة من المسلمين، ومن ذلك:
1- علي نفس النبي (ص):
في كتاب المحاسن والمساوئ للبيهقي عن رجل من بني هاشم قال: حدثني أبي قال: يا
أبا عبد الرحمن، من أفضل أصحاب رسول الله (ص)؟
فقال: (فلان وفلان وعد جماعة من الصحابة ليس بينهم أمير المؤمنين (عليه السلام)،
فقال له: فأين علي بين أبي طالب (عليه السلام)؟
قال: يا هذا! تستفتيني عن أصحابه أم عن نفسه؟
قال: بل عن أصحابه.
قال: إن الله تبارك وتعالى يقول: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
وأنفسنا وأنفسكم..) فكيف يكون أصحابه مثل نفسه؟![18]
2- علي خير البرية:
في شواهد التنزيل للحسكاني: قال رسول الله (ص): (علي خير البرية)[19].
لعله في إشارة لقوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير
البرية)[20].
3- علي (عليه السلام) هو صالح المؤمنين:
قال تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو
مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير)[21].
في شواهد التنزيل للحسكاني قال: قال رسول الله (ص): (صالح المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام)[22].
4- الهادي:
في تاريخ دمشق عن ابن عباس قال: لما نزلت (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)[23]،
قال النبي (ص): (أنا المنذر وعلي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون)[24].
خاتمة: مودته من الرحمن:
لما كان لعلي (عليه السلام) ذلك الفضل وذاك المقام وتلك الأيادي على
الدين وأهله ثبت له في رقبة الدين ورقاب أهله دين وحق ما طلبه ولا رغب فيه وإن الله
تعالى لا ينسى ولا يضيع حقوق عبيده وأوليائه، ولذلك فقد خص علياً (عليه السلام)
بواجب هو حق مودته ومحبته بعد ولايته فقد جاء في الدر المنثور عن البراء: قال رسول
الله (ص) لعلي: (قل: اللهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي عندك وداً، واجعل لي في
صدور المؤمنين مودة).
فأنزل الله تعالى: (إن الذين أمنوا وعملوا الصالحات سيجعل
لهم الرحمن وداً)[25]. قال: فنزلت في علي عليه السلام[26].
[1] كنز العمال،
المتقي الهندي، ج 11، ص 603
[2] الحاقة / 12
[3] كنز العمال، المتقي الهندي، ج 13، ص 177
[4] كنز العمال، المتقي الهندي، ج 11، ص 603
[5] الواقعة، 75 - 79
[6] الأحزاب / 33.
[7] بحار الأنوار، المجلسي، ج 89، ص 21
[8] م. ن.
[9] بحار الأنوار، المجلسي، ج 89، ص 24
[10] بحار الأنوار، المجلسي، ج 89، ص 22
[11] بحار الأنوار، المجلسي، ج 89، ص 25
[12] بحار الأنوار، المجلسي، ج 89، ص 21
[13] بحار الأنوار، المجلسي، ج 89، ص 24
[14] نهج البلاغة، تحقيق صالح، ص 316.
[15] الواقعة / 79.
[16] آل عمران / 7
[17] الكافي، الكليني، ج 5، ص 372.
[18] المحاسن والمساوئ للبيهقي
[19] شواهد التنزيل للحسكاني
[20] البينة / 7
[21] التحريم / 4
[22] شواهد التنزيل للحسكاني
[23] الرعد / 7
[24] شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، ج 2، ص 272.
[25] مريم / 96
[26] شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، ج 1، ص 441.