تصدير:
"هَلْ إِلَيْكَ يَا بْنَ اَحْمَدَ سَبيلٌ فَتُلْقى"1
1- مقدمة:
من رحمة الله تعالى وألطافه التدبيرية أنه جعل يوم الخامس عشر من شهر شعبان المعظم يوم النصف من شعبان وليلته من الأيام المباركة عند كل المسلمين وكل يحتفل بطريقته ولأسبابه، وأما نحن الشيعة فإن احتفالنا به وإحياءنا ليوم وليلة النصف من شعبان فلأمر عظيم يرتبط بمولد من على يديه تتحقق آمال الأنبياء والأولياء بل إن الدولة الكريمة التي يقيمها ويشيد بنيانها هي حلم البشرية ومطمحها، فهو عليه السلام خلاصة المخلصين وبقية الآل بل بقية الله في الأرضين يأتي بطوفان نوره ليجلو عن الأرض الظلمات ومن أنحائها وأرجائها الظلامات والجور.
وربما لأجل كرامة هذا المولود وهذا الموعود كانت ليلة النصف من شعبان ليلة من ليالي القدر التي جعلها الله، وأي يوم أعظم بركة من يوم ولادة النور الأعظم الذي ربما كان الإلفات إليه في دعاء العهد إذ كان مفتتحه "اَللّـهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظيمِ"2 وكذلك إلى هيمنة سلطان العدل الإلهي بما جاء بعدها "وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفيعِ"3 وبالإشارة إلى تحقيق آمال الربانيين والمؤمنين بما جاء في نفس الدعاء: "وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالإِنْجيلِ وَالزَّبُورِ، وَرَبَّ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ، وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظيمِ"4
فالخامس عشر من شعبان يوم عيد للإنسانية لأنه بشرى تحقق الكرامة الإلهية لبني آدم (عليه السلام) التي أخبر بها ملائكته: {.. إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..}5
فالخلافة الحقة للإنسان في الأرض بكمال مرتبتها وأرقى درجتها الموافقة للمشيئة والعلم الإلهيين {..إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}6
تتم فعلا وتظهر الحجة الإلهية باختيار آدم وذريته على يدي هذا المولود ولذا فعلينا أن نستغل فرصة شهر شعبان لا سيما ذكرى ولادة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) لنقدم ما يجعلنا من الذين وفوا بالعهد له (عجل الله فرجه الشريف).
2- ما هي العلاقة التي يجب أن نقيمها مع الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)؟
والجواب سهل وبديهي وقد أرشدت إليه الآيات والروايات، ألا وهو علاقة الحب والمودة، فالله أراد أن تقوم العلاقة معه على أساس الحب ولذلك تحبب إلى خلقه إذ نقرأ في دعاء الافتتاح: "وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ"7-.
وقد تحبب إلينا تعالى بتوالي نعمه وإرسال رسله وآيات تدبيره وآلائه وأرشدنا عبر كتابه ونبيه إلى طريق نيل محبته:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}8 فالمحبة هي الناظم للعلاقة بين الله وعباده وبين العبد وربه، وهي كذلك التي تنظم العلاقة بين الله وأوليائه.
بل إن قوام الحياة الاجتماعية واستقامتها هي المحبة سواء كنا نتحدث عن الأب والأم والأولاد، والإخوة والأخوات، والأرحام والجيران وبين أبناء المجتمع الذي يتجلى في مظاهر مختلفة منها التكافل والتضامن والوحدة.
ومما لا شك فيه أن العلاقة مع الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) لا تشذ عن ذلك فإن قوامها المحبة له والتي لها تجلياتها النفسية والعاطفية والعملية.
3- كيف تتحقق المحبة له(عجل الله فرجه الشريف)؟
لما كان الحب أنواعاً منها ما هو ظاهري إدعائي لا حقيقة قلبية له وإنما هو ألفاظ لا تجاوز اللسان وحركات لا تجاوز الجوارح، وأيضاً لما كان بعض أنواع المحبة متزلزلاً، بل كل عارية لا يلبث أن يسلب عند الإمتحان والبلوى بنعمة أو نقمة. وبعض الحب المتأرجح الذي يأتي ويذهب يقوى ويضعف ويقبل ويدبر، حسب ظروف الزمان والمكان والأموال وهذا حال مجملنا في مواسم كعاشوراء أو أوقات الزيارات أو عند المقامات الشريفة للأولياء، لكن إن بعد المكان وغابت ملامح المكان ضعف ذلك التعلق وتلك المحبة.
فإن المطلوب تحصيله هو الحب الثابت المستمر الذي يستطيع أن يحفظ صاحبه من الإنحراف مهما اشتدت البلاءات وتراكمت المصائب وتوالت الإغراءات.
فالمهم والسؤال هو كيف يصل الإنسان منا إلى هذا النوع من الحب؟ والجواب أنه من جملة ما يعين على تحقيق المحبة الثابتة المستقرة أمور منها:
1-الصدق:
والمقصود به الصدق في القول والصدق في العمل، بمعنى ما يشمل القول والموقف، ذلك أن الله بيده القلوب فإذا رأى صدق العبد في محبته ومودته التي طلبها منه لآل بيت رسوله بقوله تعالى:{... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى...}9 عمد إلى رعاية هذا القلب واعتني بنبته حبه وحب أوليائه فيه لتثبت وتفرع وتزهر وتثمر.
أليس هو كما في دعاء كميل "يَا حَبِيبَ قُلُوبِ الصَّادِقِينَ"10 فمحبة الله لا تنزل إلا ساحة قلب صادق وكذلك محبة أوليائه. لا تستقر إلا في أرض قلوب الصادقين، (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)11.
2- معرفة فضل وجوده المبارك:
إن لمعرفة بركات وجود الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف) علينا وعلى الوجود كله آثاراً جمة في تعلق قلوبنا به وهي آثار وبركات كثيرة منها:
1- حامل همومنا والمشتاق إلينا:
فإنه (عجل الله فرجه الشريف) مشتاق إلى شيعته وأنصاره وينتظر جهوزيتهم عددا وعدة ويقضي أيامه ولياليه بالشوق إلى الوقت الذي يصبحون فيه جاهزين ومؤهلين لإعانته في مهمته، بل يترقب تلك اللحظات ولعله لذلك الحال أشارت الرواية القائلة: (بأبي من ليله يرعى النجوم...)12.
2- أمان أهل الأرض
ويكفي دلالة على ذلك ما جاء في الروايات أنه:" لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها"13 فهو الأمان لأهل الأرض بل ببركة وجوده الشريف تنزل الخيرات وتدفع البليات.
3- الولاء العملي له:
هناك أنواع من الولاء منها العاطفي الذي ربما يقتصر عليه البعض بإظهار المحبة له وزيارة المراقد الشريفة وإحياء المناسبات المتصلة بهم لكن هناك ولاء آخر.
هو الولاء العملي، ويتلخص بالإستقامة على الشرع الحنيف وعدم الإنغماس بالمعاصي وهذا ما عبر عنه (عجل الله فرجه الشريف) في إحدى مكاتباته إذ يقول:
"وَلَوْ أَنَّ أَشْياعَنا ـ وَفَّقَهُمُ اللّه لِطاعَتِةِ ـ عَلَى اجْتِماعٍ مِنَ القُلُوبِ فِي الوَفاءِ بِالعَهْدِ عَلَيْهِمْ، لَما تَأَخَّرَ عَنْهُمُ الْيُمْنُ بِلِقائِنا، وَلَتَعَجَّلَتْ لَهُمُ السَّعادَةُ بِمُشاهَدَتِنا عَلى حَقِّ الْمَعْرِفَةِ وَصِدْقِها مِنْهُم بِنا، فما يحبِسُنا عنْهم إلاَّ ما يتَّصِلُ بنا ممَّا نكرههُ، ولا نؤثرهُ منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم"14.
4- التشبه به:
يقول الإمام علي (ع): (ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدى به ويستضئ بنور علمه..)15-، إن الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) هو إمام زماننا ومعنى ذلك إضافة إلى كونه قائدنا أن يكون قدوتنا، وهذا من جهة ومن جهة ثانية إن من موجبات من بل من آثار المحبة له هو المسانحة أي أن يكون بيننا وبينه شبه ونحو مسانخة في أخلاقه وصبره وعبادته ومعبوديته لربه وفي شوقه لتحقيق الوعد الإلهي هذا الشوق الذي تجلى في دعاء الندبة بطوله في أين... ومن.. وهل.
إذ إنها من آيات المحبة شدة الشوق واللهفة للقائه.
خاتمة: علينا بالتوبة:
أخي المؤمن إن كنت تؤمن حقاً أن أعمالك تعرض على إمامك فاعلم أنك إن أردت محبته لك ومحبتك له الدوام والثبات والاستقرار عليك أن تحرص على أن لا تؤذيه وعلى ألا تدخل الأسى والحزن إلى قلبه إذا ما نظر في أعمالك بل عليك أن تجعل كاتبيك يخطان ما لو أطلع عليه المولى صاحب الزمان كان ذلك سبباً في سرور قلبه وراحة نفسه، فعليك إن كنت محباً له أن يجعلك ذلك الحب تقلع عن الذنب وتدخل باب التوبة.
عزيزي المؤمن اجعل إقلاعك عن الذنب وتوبتك منه هدية وتحفة تتحف بها قلب مولاك فتدخل بذلك السرور على قلبه وتؤنسه في غربته...
1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 99 ص 109.
2- مصباح المهجد
3- مصباح المهجد
4- مصباح المهجد
5- سورة البقرة، الآية:30.
6- سورة البقرة، الآية:30.
7- مفاتيح الجنان، دعاء الافتتاح.
8- سورة آل عمران، الآية:31.
9- سورة الشورى، الآية:23.
10- مفاتيح الجنان، دعاء كميل بن زياد.
11- الأحزاب، الآية 24.
12- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 83 ص 81
13- بحار الأنوار، المجلسي، ج 57 : 213 / 22
14- بحار الأنوار، المجلسي، ج 53، ص 177.
15- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 33 ص 474