الهدف:
التعرّف على سيرة أهل البيت(عليهم السلام) في العشر الأواخر وآداب عيد الفطر.
المحاور
1. سيرة أهل البيت(عليهم السلام) في العشر الأواخر من شهر رمضان.
2. سيرتهم (عليهم السلام) يوم العيد وليلته.
3. معنى العيد وآدابه ومستحبّاته.
4. الآداب العامّة للعيد.
تصدير جاء في الفقه الرضوي، أروي عن العالم عليه السّلام أنّه قال : إنّ الله عز
وجل يعتق في أول ليلة من شهر رمضان ستمائة ألف عتيق من النّار، فإذا كان العشر
الأواخر عتق في كلّ ليلة منه مثل ما أَعتق في العشرين الماضية، فإذا كان ليلة الفطر
أَعتق من النّار مثل ما أَعتق في سائر الشهر[1] .
سيرة أهل البيت(عليهم السلام) في العشر الأواخر من شهر رمضان
يُستفاد من الرّوايات التي تحكي سيرة النّبي(صلى الله عليه وآله) وأهل البيت(عليهم السلام) في العشر
الأواخر من شهر رمضان المبارك، أنّهم (ع) كانوا يُكثرون من العبادة وتلاوة القرآن،
علاوةً على عباداتهم في ما مضى من شهر رمضان. من هنا، يمكن أن نستنتج أن العشر
الأواخر هي ليست أيام تعبٍ وإرهاق بانتظار انتهاء شهر الله، والتخلّص من فريضة
شاقّةٍ كالصّوم؛كما يحلو للبعض أن يفهم أو يمارس؛ بل على العكس من ذلك، هي أيام
وليالي عبادة خاصّة يجب استثمارها والاستفادة منها أكثر، إقتداءً بالنبي(صلى الله عليه وآله) وأهل
بيته(عليهم السلام).
وقد خصّص الشيخ الطّوسي صاحب مصباح المتهجّد، فصلاً خاصاً ذَكر فيه أعمال ومستحبّات
العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.
فقد روي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) إذا دخل العشر الأواخر، شدَّ المئزر واجتنب النّساء وأحيا
الّليالي وتفرّغ للعبادة[2]. وفي رواية أنّه(صلى الله عليه وآله) كان إذا دخلت العشر الأواخر من شهر
رمضان، اعتكف في المسجد وضربت له قبّة من شعر، وشمّر المئزر وطوى فراشه.
وكان الإمام الصادق (ع) يحثّ أصحابة في العشر الأواخر بتكرار دعاء( أعوذ بجلال وجهك
الكريم..).
وفي رواية كان (ع) يقول في كلّ ليلة من العشر الأواخر بعد الفرائض والنوافل (اللهم
أدّ عنا حقّ شهر رمضان.....).
وفي ثالثة كان (ع) يقول في كلّ ليلة من العشر الأواخر (اللهم إنّك قُلت في
كتابك..)[3].
وكان عليه السّلام يبادر أصحابه بالسّؤال عن أداء مستحبّات العشر الأواخر من غُسلٍ
أو عبادةٍ،كما فعل مع حماد بن عثمان عندما دخل عليه في ليلة واحد وعشرون[4]. وكان
الإمام الكاظم (ع) في العشر الأواخر يأخذ المصحف وينشره على رأسه، ويقول: (اللهم
بحقّ من أرسلته إلى خلقك، وبكلّ آيةٍ هي فيه، وبحقّ كلّ مؤمن مدحته فيه، وبحقّك
عليك...)[5].
سيرتهم (ع) يوم العيد وليلته
كان السّجاد عليه السّلام يوصي أولاده في حقّ ليلة الفطر، وكان يُلزمهم
أن يزيدوا من جَدِّهم في العمل والعبادة[6]. وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يحثّ أصحابه على وداع
شهر رمضان بالدّعاء من آخر جمعة منه: (الّلهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إيّاه،
فإن جعلته فاجعلني مرحوماً ولا تجعلني محروماً[7]. وكان السّجاد (ع) يودّع شهر
رمضان بدعاءٍ رائعٍ وجميل، حيث يخاطب الشّهر وكأنه يودّع عزيزاً عليه، يقول فيه:
(الّلهم يا من لا يرغب في الجزاء، ولا يندم على العطاء...)[8]. وكان السّجاد (ع)
يجمع يوم العيد كلّ عبدٍ وأَمَة، ويعطيهم جوائز تصونهم وتُغنيهم عمّا في أيدي
النّاس[9].
معنى العيد وآدابه ومستحبّاته
لعلّ أفضلَ كلمةٍ قيلت في معنى العيد، هي كلمة الإمام علي(ع): "إنما هو
عيدٌ لِمن قَبِل اللهُ صيامَه وشَكر قيامَه"[10]. فلقد جاء في نهاية موسمٍ عباديّ
محمّل بمختلف ألوان العبادة والطّاعة، والدّعاء والتذلُّل لله تعالى، فشهر رمضان هو
شهر الله الذي يفتح الله فيه باب رحمته ومغفرته ولطفه وعفوه وغفرانه للصّائمين،
وللقائمين، وللمجاهدين، وللعاملين في مواقع رضاه؛ فهو شهر التوبة والمغفرة
والرّحمة، ولهذا اعتبر أمير المؤمنين(ع) أن بإمكان المؤمن أن يحوّل كل أيّامه إلى
أعياد، فقال(ع): (كُلُّ يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد)[11]. والعيد شَعيرة من
شعائر الله تعالى، التي ينبغي أن تظهر وتبرُز في المجتمع الإسلامي، ومنها استحباب
التّكبير والتّهليل والتّحميد صبيحة العيد، وما الاجتماع للصّلاة وغيرها من الأعمال
والمستحبّات إلّا للتأكيد على هذا الجانب، وإظهار هذه الشّعيرة.
1- من الآداب العامّة للعيد:
للعيد في المفهوم الإسلامي آدابٌ وسننٌ هامّة ينبغي الاهتمام بها
ومراعاتها وهي:
أ- بثُّ روح الإلفة والإكرام في العيد: كثيرة
هي الأحاديث التي تحثّ وترغّب المسلم في الاهتمام بالآخرين، ولطافة التعامل معهم،
حيث قال النبي محمد(صلى الله عليه وآله): (إنّ أحبكم إلى الله الذين يألَفون ويؤلفون، وإنّ أبغضكم
إلى الله المشّاؤون بالنّميمة، والمفرّقون بين الإخوان)، والعيد هو فرصة ثمينة
لتكريس ثقافة التّزاور والضّيافة والاستضافة، لأنها من باب تكريم المؤمن، وإدخال
السّرور على قلبه بلا فرقٍ بين الزّائر والمَزور، أو بين الضّيف والمضيف، ولهذا
ينبغي إكرام المؤمن بل والمسلم بتلبية دعوته، وعدم الاقتصار على الحضور والمشاركة
عند طبقة إجتماعيّة خاصّة.يقول (صلى الله عليه وآله): (حقّ المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام،
وعيادة المريض، وإتّباع الجنائز، وإجابة الدّعوة، وتشميتُ العاطس)[12].
ب- التّلاقي والتّزاور: التّلاقي والتّزاور وغيرها من مظاهر العيد،
تنمّي مفاهيم إنسانيّة جميلة، حيث تزيد من التّواصل والتّرابط الحميم بين أفراد
المجتمع، فقد ورد الحثّ الشّديد على التّزاور في الله ولقاء الإخوان، قال رسول
الله(صلى الله عليه وآله): (من زار أخاه المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه كُتب من زوار الله، وكان
حقيقاً على الله أن يُكرِم زائره)[13].
فمن آداب الإسلام المتّفق على رجحانها في الشّريعة أن يتزاور المؤمنون، وأن يُكرموا
بعضهم البعض بما يملكون من قدرة وإمكانيّة ولو بكلمةٍ طيّبة. يقول النبي محمد(صلى الله عليه وآله):
(الزيارة تُنبت المودّة)[14]. ويقول الإمام علي (ع): (لقاء الإخوان مَغنمٌ جسيم وإن
قلّوا)[15].
ج- التزيّن والتجمُّل: صحيح بأن بهجة العيد
وزينته ليست لذات العيد، بل لما يحمله العيد من معانٍ ومفاهيمَ عظيمةٍ في الإسلام
تتجلّى في غفران ذنوب الحاج، وقبول حجّه وسعيه..، إلّا أنّ هذا لا يتنافى أبداً مع
إبراز مظاهر الزّينة المعنوية بالتّهليل والتّكبير، والزّينة المادّية من خلال
التجمّل في الّلباس للكبار والصّغار، فقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله: (إن الله يحب
إذا خرج عبده المؤمن إلى أخيه، أن يتهيّأ له وأن يتجمّل)[16]، وقد ورد التّأكيد في
النّصوص على أن خيرَ لباسِ كلّ زمانٍ لباسُ أهله[17].
د- التّكافل ومعونة الفقراء: وذلك بالسّعي الجدّي للمشاركة في تحمّل
المسؤولية تجاه الفقراء والمستضعفين، لنُشعرهم جميعاً بفرحة العيد، وليكن شعارنُا
العمل ليَفرح النّاس كلّ النّاس بالعيد، وذلك من خلال التّعاون والتّكافل والإيثار،
فقد ورد أن علياً اشترى ثوباً فأعجبه فتصدّق به، وقال سمعت رسول الله يقول: من آثر
على نفسه آثره الله يوم القيامة الجّنة)[18] .
2- من الآداب الخاصّة بعيد الفطر:
سُنَن يوم العيد وآدابه كثيرةٌ منها:
أ- التّكبير والتّهليل: أن تكبّر بعد صلاة الصّبح وبعد صلاة العيد بما
مرّ من التكبيرات فيليلة العيد بعد الفريضة. فالعيد شَعيرة من شعائر الله تعالى،
التي ينبغي أن تظهر وتبرُز في المجتمع الإسلامي، ومنها استحباب التّكبير والتّهليل
والتّحميد صبيحة العيد، وما الاجتماع للصّلاة وغيرها من الأعمال والمستحبّات إلا
للتّأكيد على هذا الجانب. فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (زيّنوا العيدين
بالتّهليل والتّكبير والتّحميد والتّقديس)[19] .
ب- زكاة الفطرة: إخراج زكاة الفطرة صاعاً عن
كلّ نسمة من الواجبات، وتُدفع قبل صلاة العيد على التّفصيل المبيَّن في الكتب
الفقهيّة.
ج- الدُّعاء: أن تدعو بعد فريضة الصّبح بما
رواه السّيد (رحمه الله) من دعاء اَللّـهُمَّ اِنّي تَوَجَّهْتُ إليك بِمُحَمَّد
إمامي، الخ .. وقد أورد الشّيخ هذا الدّعاء بعد صلاة العيد.
د- الغُسل: وقت الغُسل من الفجر إلى حين أداء صلاة العيد.
ه- الإفطار: الإفطار أول النّهار قبل صلاة
العيد، والأفضل أن يَفطر على التّمر أو على شيء من الحلوى، وقال الشّيخ المفيد:
يُستحبّ أن يبتلع شيئاً من تُربة الحسين (ع) فإنّها شفاءٌ من كلّ داء.
و- صلاة العيد: أن لا تخرج لصلاة العيد إلّا
بعد طلوع الشّمس، وأن تدعو بما رواه السّيد في الإقبال من الدّعوات، منها ما رواه
عن أبي حمزة الثّمالي، عن الباقر (ع) قال: ادعُ في العيدين والجمعة إذا تهيّأت
للخروج بهذا الدّعاء: (اللّـهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ في هذَا الْيَوْمِ اَوْ تَعَبَّأَ
اَوْ أعَدَّ وَاسْتَعَدَّ لِوِفادَة إلى مَخْلُوق رَجاءَ رِفْدِهِ وَنَوافِلِهِ
وَفَواضِلِهِ وَعَطاياهُ، فَإنَّ إلَيْكَ يا سَيِّدي تَهْيِئَتي
وَتَعْبِئَتي...)[20].
ز-زيارة الإمام الحسين ( ع) : قال الإمام
الصادق ( ع) : ( من زار قبر الحسين ( عليه السّلام ) ليلة من ثلاث ليالي، غفر الله
له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، ليلة الفطر ، وليلة الأضحى ، وليلة النّصف من
شعبان)[21] .
ح- دعاء النُّدبة.
[1] علي بن بابويه القمي،
فقه الرضا، ص205.
[2]الشيخ الصّدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص100.
[3] الشيخ عباس القمّي، مفاتيح الجنان، ص283- 284.
[4]مفاتيح الجنان، ص 286.
[5] السيد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص 346.
[6]المراقبات، ص 213.
[7]مفاتيح الجنان، ص 294.
[8]الصحيفة السجادية، الدعاء 46.
[9]المراقبات، ص 200.
[10] نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص551.
[11] نفس المصدر.
[12]الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج4، ص 415.
[13] الري شهري، ميزان الحكمة، ج3، ص 1192.
[14] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج71، ص 355.
[15] نفس المصدر، ص350.
[16]الشّيخ الطّبرسي، مكارم الأخلاق، ص 97.
[17]راجع: الكافي، ج6.
[18]الري شهري، ميزان الحكمة، ج1، ص18.
[19] المتقي الهندي، كنز العمال، ج8، ص547.
[20] السّيد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص 477.
[21]الفيض الكاشاني، الوافي، ج14، ص1474.