الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1259 - 18 شوال 1438 هـ - الموافق 13 تموز 2017 م
الطّلاق بين سموّ التّشريع والتسرُّع في التّطبيق

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الهدف:
 التعرُّف على نظرة الإسلام إلى ظاهرة الطّلاق والدّعوة إلى الحذر منها.
 
المحاور:
تمهيد:
1. سموّ التّشريعات الإسلاميّة في قضيّة الطّلاق
2. الطّلاق أبغض الحلال
3. التّشدّد في إيقاع الطّلاق فقهيّاً
4. أخلاق العِشرة الزّوجية من مُبعدات الطّلاق
5. وقع الطّلاق، ماذا بعد؟
 
تصدير:
 عن الإمام الصّادق (ع): "تزوّجوا، ولا تطلّقوا فإنّ الطّلاق يهتزّ منه العرش.."[1].                        
 
تمهيد:
إنّ كثرة الطّلاق هو ظاهرة إجتماعيّة خطيرة تهدّد أمن المجتمعات وسعادتها، ولذا نرى اهتماماً بمعالجة هذه المشكلة من كافّة الجّهات والمستويات، فالدّول والحكومات تسعى من أجل وضع حدّ لتنامي هذه الظّاهرة لما لها من الآثار السّلبية الهدّامة للمكوّن الأُسري والاجتماعي؛ ذلك أنّ الأسرة هي حجر الأساس في هذا البناء؛ وعليها تتوقّف متانته واستقامته. كثرة الطّلاق هي بداية الانحراف والسُّقوط في الهاوية المـُخيفة، حيث الفساد الأخلاقي والأمراض النّفسية والضّياع الشامل للإنسان .
 
سموّ التّشريعات الإسلاميّة في قضيّة الطّلاق:
يظهر للمتأمّل في التّشريعات الإسلامية المتعلّقة بالزّواج والطّلاق، أنّ الإسلام يرفض الطّلاق كيفما كان، ويراه أمراً مبغوضاً له، ولهذا اتّخذ الإسلام مختلف التّدابير الحقوقيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة من أجل منع الطّلاق وصيانة المؤسّسة الأُسرية من خطر الانحلال، واستعان بمختلف الوسائل والطّرق من أجل الحيلولة دون وقوع الطّلاق، ولهذا  فتشريع الطّلاق في الإسلام لا يلجأ إليه إلّا بعد أن تستنفذ كلّ وسيلة من وسائل الإصلاح، بحيث يصبح الاستمرار في الحياة الزّوجية أمراً لا يُطاق، ويصبح الوئام بين الزّوجين أمراً ميؤوساً منه، ويدلّ على هذا الكثير من التّشريعات منها:

1.  الطّلاق أبغض الحلال:
الواضح من مجموعة من النّصوص أنّ الطّلاق أمرٌ بغيضٌ في نظر الإسلام، حيث تضافرت الأخبار عن النّبي (ص)، والأئمّة (ع) في مبغوضيّته وذمّه، روي عن رسول الله (ص) قوله: "ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة يعني الطّلاق "[2]. وعن الإمام الصّادق (ع): "إنّ الله عزّوجلّ يحبّ البيت الذي فيه العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطّلاق، وما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من الطّلاق.."[3]. وبهذا المضمون وردت أخبار كثيرة عن الأئمّة الطّاهرين(ع) تحذّر منه، وذلك لما له من الآثار السيّئة على الأفراد والمجتمع.

فالواضح من هذه الرّوايات وغيرها، أنّ الأصل في الإسلام هو ديمومة العلاقة الزّوجية واستمرارها، ولكنّ هذا لا يعني أن لا يضع الإسلام الحلّ المناسب عندما تتفاقم المشاكل بين الزّوجين، وتخرج عن الحدود والضوابط الشّرعية والأخلاقيّة، وذلك لأنّ المبغوضية الواردة في الرّوايات لا تتعارض مع تشريع الطّلاق المحلّل وإلا لوقع المحظور....

2.  التّشدّد في إيقاع الطّلاق فقهيّاً[4]:
 كثُرت الأحكام الشّرعية المـُستنبطة من الكتاب والسّنة المتعلّقة بالطّلاق، والتي يُفهم منها التّضييق من دائرة إيقاع الطّلاق بين الزّوجين على المستوى الاجتماعي، وهذا ما يتّضح بأدنى تأمّل في جانب من أحكام الطّلاق. فمثلاً لا يقع الطّلاق إلا بلفط  خاصّ هو: "طالق"، ولا يكفي ما عداها كطلّقت، وأنت مطلّقة، فضلاً عمّا عداها من ألفاظ كالكناية كأنتِ خليّة أو إلحقي على أهلك ونحوها، ولا يقع  بالكتابة ولا الإشارة إلّا في حالات خاصّة كالعجز عن الّلفظ.
والأهم هنا، أنّه يعتبر في صحّة الطّلاق أن يقع بحضور شاهدين عدلين بحيث يسمعان إنشاء الطّلاق، ويشترط في الشّاهدين إجتماعهما حين سماع الإنشاء، وكذا يُشترط في الزّوج المطلّق أمور: منها القصد، فلا يصحّ طلاق غير القاصد كالنّائم والسّاهي والهازل.

3.  أخلاق العشرة الزّوجية من مُبعدات الطّلاق:
إنّ التّشريعات الإسلامية الخاصّة بالحياة الزوجيَّة، والتي تنظّم العلاقات الحقوقيّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة بين الزّوجين، لها أثر كبير ودور أساسي في منع وقوع الطّلاق، وحفظ هذا الكيان الزّوجي من الخلافات والمشاكل أو التصدّع والانهيار. ولتوضيح الفكرة بذكر بعضها:

أ‌. حُسن الخلق بين الزّوجين:
إنّ  أحسنَ الحسن هـو الخُلُق الحَسَن، وهـو أهمّ  شيء في  حياة الإنسان في الدّنيا، وأكثر مـا يُدخـل النّاس الجنّة  في الآخرة، وكلّ النـاس  بمختلف طبقاتهم يحتاجون إلى الأخلاق الحسنة، وأحوج هؤلاء  الزّوجان: الرّجل والمرأة، لأنّه لا غنى لكلّ واحد منهما عن حُسن الخلق، بـل هو  ركيزة  أساسيّة في الحياة الزّوجية والعيش السّعيد بينهما، فقد روي عن الإمام الصّادق(ع) قال: ((الِبّر وحُسن الخلق يَعمران الدّيار ويَزيدان في الأعمار ))[5].

ومن الواضح من هذه الصّحيحـة، أن حُسن الخلق مع البِّر للوالدين والزّوجة  والأهل يَعمران الدّيار؛ لأنّ الانسان إذا حسَّن خُلقه مع زوجته والزّوجـة حسّنت خُلقها مع زوجها ، فدارهما تعمُر وتستقرّ ويعيشان في انسجام حتى آخر حياتهما ، ونتيجـة ذلك هـو  طول عمرهما وهذه نتيجة طبيعيّة.

ويُفهم من مجموعة من الرّوايات عن النّبي(ص) والأئمة(ع)، تخصيص الأهل (الزّوجة) بحُسن الخلق وفعل الخير من قبل الرّجل، ولو لم يكن لهذا التّخصيص غاية سوى إيجاد الأُلفة مع الزّوجة، لكفى..

روي عن أمير المؤمنين(ع) قـال : قـال رسول الله (ص) :( أقربكم منّي مجلساً يوم القيامة أحسنكم خُلقاً وخيركم لأهله ))[6]. وعنه (ع) عن رسول الله (ص): (أحسن الناس إيماناً أحسنهم خُلقاً وألطفهم بأهله، وأنا ألطفكم بأهلي))[7].

ج‌.حُسن المعاشرة:
العِشرة الحسنة من الأمور التي حثّت عليها الشّريعة الإسلامية المقدّسة، واعتبرتها من القضايا التي تحتلُّ مكانة محوريّة في الحياة الزّوجية والأُسرية بين المسلمين، وكذلك في حياتهم العامّة مع المسلمين وغيرهم. ولقد حثّ الإسلام على معاشرة الزّوجة بالمعروف؛ فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبّة؛ كما دعا إلى حلّ المشاكل والخلافات التي تؤدّي إلى الطّلاق؛ فأمر بالعِشرة بالمعروف. قال الله تعالى: {.. وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى إن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً}[8] . وتتّسع دائرة العِشرة الحَسنة بين الزّوجين لتشمل العديد من المفاهيم الأخلاقيّة والتربية السّلوكية، كونها متداخلة مع كلّ التفاصيل الحياتيّة للزّوجين، لذا نقتصر على ذِكر بعضها:

- مهارة حُسن المداراة: إنّ الحياة الزّوجية السّليمة هي الحياة التي يعيش فيها الزّوجان بتناغم وتفاهم كبيرين، والعنوان الأبرز لهما هو: ألّا يُسيء أحدهما للآخر، بل يحرصان على أن يكون الإحسان هو الهدف الحاكم على سير الحياة الزّوجية بينهما، قال الله تعالى: {وعَاشرُوهنَّ بالمعرُوفِ... وروي عن الإمام علي(ع): "إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلِّ حال، وأَحسِن الصُّحبة لها، فيصفو عيشك"[9].

- عدم استخدام القسوة: نهى الرسول الأكرم (ص) عن استخدام القسوة مع المرأة، وجعل من حقّ الزوجة عدم ضربها والصّياح في وجهها، ففي جوابه على سؤال خولة بنت الأسود قال: "حقّكِ عليه...ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك"[10]. وقال (ص): "خير الرجال من أُمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم"[11].

ولهذا، فإنّ الغاية الأساسية من العِشرة في الشّريعة الإسلامية ترتبط بضمان حفظ المجتمع وتثبيت أركانه، وبناء العلاقات المـُثلى بين أفراده على اختلاف طبقاتهم ومواقعهم. روي عن الإمام الصّادق (ع) : "إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خِلال يتكلّفها وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرةٌ جميلة، وسِعة بتقدير، وغيرةٌ بتحصّن"[12]. عن أمير المؤمنين (ع) في وصيّته لولده الحسن (ع): "لا يكن أهلك أشقى الخلق بك"[13]

د‌. المُداراة وضبط النّفس:
 يؤدّي اختلاف المشارب والأذواق بين الزّوجين إلى ظهور الاختلافات والنّزاعات بينهما، ولهذا حثّت الرّوايات على الصّبر عند وقوع الخلاف؛ قولاً كان أم فعلاً. روي عن الإمام الباقر(ع) أنّه قال: "من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته من النّار، وأوجب له الجنّة"[14]. والوجه المـُقابل لضبط النّفس هو الغضب، الذي إن اشتعل في أحد الزّوجين أو كليهما، فإنّه يؤدّي إلى هتك الحُرمات، وقتل الأنفس الزّكية، والافتراء على العوائل المحترَمة والتسبّب لها بالعار والذّل، كما إنّه يقضي على النّظام العائلي بكشف الأسرار وهتك الأستار، وارتكاب أفجع الأعمال بين الأزواج بسبب الغضب واشتعال ناره الحارقة. ورد عن أبي عبد الله(ع) : "الغضب يُفسد الإيمان كما يُفسد الخلّ العسل"[15].
إنّ خصلة الغضب تؤدّي إلى أن يعتبر أحد الزّوجين نفسه وصيّاً على الآخر، فيسعى للسّيطرة عليه ويحاول تأكيد مكانته في الأسرة كندٍّ ومساوٍ في الحقوق والواجبات, ومعظم الشِّجارات ومنابت الغضب تبدأ من هنا، لتنعكس لاحقاً على سلوك الزّوجين وتُخرجهما عن جميع خُلُقيَّات الحياة الزّوجية، لأنّ الغضب عندما يسيطر على أحدهما أو كليهما يُخرجه عن حدود العقل وضوابطه. فلا يدرك الزّوج حينها أن الزّوجة ليست جارية, وليست خادمة ومدبّرة منزل ومربيّة أطفال فقط نهاراً،, وجاهزة لرغباته الجّنسية ليلاً, بل هي  رفيقة حياة, شريكة في كلّ شيء...

وقع الطّلاق، ماذا بعد؟
صحيح بأنّ الطّلاق يقع بين الزوجين وتنتهي العلاقة الزّوجية بينهما بإيقاع الصّيغة المحدّدة في الشريعة، إلا أنّ ما ينتج عنه من آثار سيّئة يطال - إضافة إلى طرَفي العلاقة – أطرافاً عدّة تبدأ بالأولاد ولا تنتهي بالأقارب والأرحام والأصدقاء، وأمام هكذا مشكلة إجتماعية خطيرة يجب أن يلتفت الطّليقان إلى عدّة أمور أهمّها:

- أنّ الانفصال بالطّلاق لا يُبيح لأحدهما تخطّي حدود الشرّع والأخلاق، وأنّ كلّ الأفعال والأقوال التي تَصدر منهما تدخل في إطار المحرّم الشّرعي الذي يُعاقب عليه صاحبه يوم القيامة، وهذا ما يجب أن يضعكما أمام خسارة الآخرة بعد انهيار حياتكما الزّوجية بالطّلاق.

- الالتفات الجدّي إلى أنّ الطّلاق تسريحٌ بإحسان؛ كما عبّر القرآن الكريم في قوله  تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ...}[16]. والمـُراد من التّسريح بإحسان؛ أن يؤدّي الرّجل للمرأة حقوقها بعد الانفصال النّهائي، و لا يسعى إلى الإضرار بها عملاً و قولاً بأن يُعيبها في غيابها أو يتّهمها بكلمات رخيصة؛ و يسقط شخصيّتها وسمعتها أمام النّاس[17]، ولهذا تضيف الآية الشرّيفة {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً}[18].

- وصحيح بأنّ الطّلاق يؤدّي إلى ابتعاد الزّوجين عن بعضهما وانفكاك الواجبات الزّوجية بينهما، إلا أنّ هذا يضعهما أمام مسؤولية أخطر من الأولى؛ وهي وجوب حفظ الأطفال من التّسيُّب والحرمان من عطف الأبوين المجتمعين في إطار الرّحمة والمودّة، وإلى تمزيق حياة الطفل وحقوقه بين الأبوين؛ ما  يدفع الكثير من الأطفال إلى الجنوح، والشّذوذ بل والجريمة أحياناً. الأطفال- كما تؤكّد الدّراسات- الذين ينشأون في أُسرة مضطربة قلقة يسودها النّزاع؛ لا بد وأن يشبّوا مهزوزين نفسيّاً، يطلّ من عيونهم البريئة إحساسٌ بالرّعب وشعور بالحرمان حتى لو حاول الوالدان تقديم النّصائح لهم، فإنّ ذلك سوف يكون عديم الجّدوى .
 
[1] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج22، ص9.
[2] الشيخ الكليني، الكافي ج5، ص238.
[3] المصدر نفسه، ج6، ص54.
[4] يراجع: روح الله الموسوي الخميني، تحرير الوسيلة، ج2، كتاب الطلاق.
[5] الكافي، ج2، ص،100، كتاب الإيمان والكفر، باب حسن الخلق، ح8 .
[6] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 68، ص387 .
[7] المصدر نفسه.
[8] سورة النّساء، الآية 19.
[9] الطّبرسي، مكارم الأخلاق، ص218.
[10]  المصدر نفسه، ص218
[11]  المصدر نفسه، ص216-217.
[12] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج‏78، ص‏236.
[13] نهج البلاغة، الكتاب 31، والحكمة 257.
[14] الطّبرسي، مكارم الأخلاق، ص 216.
[15] الشّيخ الكليني، الكافي، ج2، ص302.
[16] سورة البقرة، الآية 229.
[17] الشّيرازي، آية الله العظمى ناصر مكارم،الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏2، ص 160.
[18] العلامة الطّباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 2 ص 234 ذيل الآية.

12-07-2017 | 16-58 د | 2282 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net