الهدف: التعرّف على حركة الإمام السجاد(ع) في مواجهة الطغاة بعد معركة
كربلاء.
المحاور:
- قبس من السيرة العطرة
- الإمام السجاد(ع) في كربلاء
- المواجهة مع ابن زياد في الكوفة
- المواجهة مع يزيد في الشام
- الإمام السجاد(ع) وحركات الثأر للحسين(ع)
- الشهادة.
تصدير : عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «كان علي بن الحسين
عليه السلام لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من خدم الرفقة
فيما يحتاجون إليه، فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه فقال لهم: أتدرون من هذا؟
قالوا: لا. قال: هذا علي بن الحسين عليهما السلام. فوثبوا فقبلوا يده ورجله وقالوا:
يا بن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم، لو بدرت منا إليك يد أو لسان، أما كنا قد
هلكنا آخر الدهر، فما الذي يحملك على هذا؟ فقال: إني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني
فأعطوني برسول الله صلى الله عليه وآله ما لا أستحق، فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك
فصار كتمان أمري أحب إليّ»[1].
قبس من السيرة العطرة
هو الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) رابع أئمة أهل البيت (عليهم
السلام) وجدّه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وجدّته فاطمة الزهراء بنت
رسول الله (عليها السلام) وبضعته، وأبوه الإمام الحسين (عليه السلام) أحد سيِّدَيْ
شباب أهل الجنّة، وهو أحد الأئمّة الاثني عشر (عليهم السلام). وقد ولد (عليه
السلام) في سنة ثمان وثلاثين للهجرة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين، وعاش سبعة وخمسين
سنة تقريباً، قضى ما يقارب سنتين أو أربع منها في كنف جدّه الإمام علي (عليه
السلام)، ثمّ ترعرع في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسين (عليه السلام).
الإمام السجاد(ع) في كربلاء:
تؤكّد المصادر التاريخية أنّ الإمام السجاد (ع) كان حاضراً في كربلاء
إذ شهد واقعة الطفّ بجزئياتها وتفاصيلها وجميع مشاهدها المروّعة، وكان شاهداً عليها
ومؤرّخاً لها. وممّا ورد في هذا السياق: «وكان علي بن الحسين عليلاً، وارتُثَّ
يومئذٍ، وقد حضر بعض القتال، فدفع الله عنه وأُخِذ مع النساء»[2]. وإنّ كلمة
(ارتُثَّ) هذه تدلُّ على اشتراكه في القتال، لأنها تُقال لمن حُمل من المعركة بعد
أن قاتل وأُثخن بالجراح، فأُخرج من أرضها وبه رمق، كما يقول اللغويون[3]. إلاّ أنّ
المؤكّد في معظم المصادر التاريخية، أنّه كان يوم كربلاء مريضاً أو موعوكاً[4]
للحدّ الذي لا يستطيع الوقوف على قدميه، أو لا تحمله قدماه.
المواجهة مع ابن زياد في الكوفة:
وقف(ع) شامخاً في قصر الإمارة بالكوفة مع عمّته زينب وهما يحملان بلاغة
علي وعنفوان الحسين وعزّة العباس، ليقولا بكلام عربي فصيح ومواجهة كلامية حادّة
بينهما وبين الطاغية عبيد الله بن زياد، قولاً لا يمكن أن يقوله ثائر مغلوب منكسر
في مثل موقعهما وموقفهما وأمام هذا الطاغية يلتفت ابن زياد لزينب وهي جالسة حزينة
منكسرة وقد صدّت بوجهها عنه فيقول: «من هذه الجالسة؟» فلا تكلّمه، ويكرّر فلا
تكلّمه، فيعيد ثالثة وهي مصرّة لا تكلّمه، حتى يقول بعض إمائها: «هذه زينب بنت
فاطمة». فقال لها ابن زياد: «الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، وأكذب أُحدوثتكم».
فتقول (ع) : «الحمدُ لله الذي أكرمنا بمحمد (ص) وطهّرنا تطهيراً، لا كما تقول (
أنت)، وإنّما يُفتضح الفاسق، ويكذّب الفاجر، وهو غيرنا يا ابن مرجانة...»[5] .
ثمّ يلتفت ابن زياد إلى الإمام عليّ بن الحسين ويقول: «ما اسمك ؟» قال «علي بن
الحسين» قال: «ألم يقتل الله علي بن الحسين ؟» فسكت، فقال: «مالك لا تتكلّم؟» قال:
«كان لي أخ يُقال له علي قتله الناس» !!
فقال ابن زياد : « إنّ الله قتله » فسكت الإمام (ع) .
قال: «مالك لا تتكلّم ؟ » فقال(ع) : «الله يتوفى الأنفس حين موتها... وما كان
لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن الله ...» .
ثم غضب ابن زياد فأراد قتله على جرأته وتجاسره على الطاغية بتلك الأجوبة، فتشبّثت
به عمّته زينب وتعلّقت به، وقالت لابن زياد: «يا ابن زياد، حسبُك منّا ما أخذت،
أما رويتَ من دمائنا ؟ وهل أبقيت مِنّا أحداً ؟ أسألك الله ـ إن كنت مؤمناً ـ إن
قتلته لمّا تقتلني معه...»[6].
المواجهة مع يزيد في الشام:
أمّا في الشام حيث حيث المواجهة مع رأس الظلم والفسق والفجور...، وقف
الإمام السجاد (ع) في مجلس يزيد طالباً الإذن بالحديث فيُسمح له، فينبري بعد أن
يحمد الله ويثني عليه مسفّهاً الدعاوى الأموية التي حاولت تشويه نهضة أبيه، وتزييف
أهداف ثورته، قائلاً: «يا معشر الناس: فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا
أُعرّفه نفسي، أنا ابن مكّة ومِنى، أنا ابن مروة والصفا، أنا ابن محمد المصطفى ...
أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المجزور الرأس من القفا أنا ابن العطشان حتى قضى،
أنا ابن صريع كربلاء،... أيُّها الناس إنّ الله تعالى وله الحمد،ـ ابتلانا أهل
البيت ببلاء حسن، حيث جعل راية الهدى والتُقى فينا وجعل راية الضلالة والردى في
غيرنا... »[7].
وهكذا حتى عمّ المجلس النحيب والبكاء فكشف مالم يكشف وفضح ما تمّ التكتّم عليه أو
يُراد له ذلك، فذكّر الناس أولاً بنسبه الشريف واتصاله بالإسلام ونبي الإسلام،
وأشار إلى العديد من الحوادث التأريخية والجنايات التي ارتكبها جيش الأمويين باسم
الإسلام وتجاوزت حدود الدين وتعاليمه المعروفة كالتمثيل بالقتلى مثلاً: «أنا ابن
المجزور الرأس من القفا»، والوحشية: «أنا ابن العطشان حتى قضى» والتطاول على حرمة
بيت النبوة، وبنات المصطفى والمرتضى اللواتي «من العراق إلى الشام تُسبى» ... وأكثر
من كل ذلك وبصريح القول والعبارة: «أنا ابن المقتول ظُلماً».
إنّه، باختصار شديد، وبهذه الخطبة الموجزة أصبح الرمز الذي يقود مسيرة الإحياء ـ
إحياء هذا الدين المضيّع ـ الذي شوّهته السلطة الأموية وحكمت أو تحكّمت باسمه...
فتراه (ع) حين أراد يزيد أن يقطع حديثه بالآذان للصلاة، يُعلِّق على صوت المؤذن
الذي يقول: «أشهد أن محمداً رسول الله» بقوله: «يا يزيد! هذا جدي أم جدّك؟ فإن قلت
جدك فقد كذبت! وإن قلت جدي، فلمَ قتلتَ أبي وسبيت حرمه وسبيتني؟»، ثمّ قال مخاطباً
الناس: «أيُّها الناس، هل فيكم من أبوه وجده رسول الله (ص) ؟» فعلت الأصوات
بالبكاء.
الإمام السجاد(ع) وحركات الثأر للحسين(ع)
لعلّ أول موقف سياسي حكيم اتّخذه الإمام (ع) بعد عودته إلى المدينة،
وبعد أيام من مشاعر الحداد والنحيب التي أجّجها في نفوس أهلها، هو أن ينأى بعيداً
عن الناس الذين أدرك ضعفهم وخواءهم في لحظات المواجهة الساخنة مع الأعداء، فاتخذ
خيمةً في البادية، واستظلّ ببيتٍ من بيوت الشعر في فيافيها مع مجموعةٍ من عياله
وأهل بيته وخلّص شيعته . نعم، اتخذ(ع) هذا الموقف ليعمّق الشعور بالذنب لدى أهل
المدينة الذين خذلوا أباه، واكتفوا بالبكاء أو التباكي معه حين عودته أولاً، ولكي
يتحاشى الاصطدام بالحكّام الأمويين الذين سيستهدفونه حتماً إذا أحسوا منه أي بادرةٍ
أو همسةٍ للتحريض ضد حكمهم ثانياً، ( فبقي خارج المدينة من سنة 61 هـ إلى نهاية سنة
63 هـ[8].
وفعلاً، وحين أحسّ الأمويون بتململ أهل المدينة جاءت واقعة الحرّة المعروفة التي
استباح فيها مسلم بن عقبة هذه المدينة، وأباح فيها القتل والسبي والاعتداء
الوحشي... وأباح المدينة ثلاثة أيام بأمر يزيد، وقد انفضّت فيها ألف عذراء، وولد
مئات الأبناء لا يُعرف آباؤهم، وكان من بينهن بنات ونساء صحابة...[9].
ويتّضح من المصادر التاريخية أن الإمام السجاد (ع) كان يرصد عن كثب أنباء تلك
الثورات التي رفعت شعارات الثأر للإمام الحسين (ع)، وإن بقي بعيداً عن بعضها، ولعلّ
ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، وكذلك ثورة المختار، كانتا أبرز
الأمثلة على تعضيد الإمام سرّاً لمثل هذه الحركات، ولو بدرجة من الدرجات، رغم أنّه
لم يعلن ارتباطه المباشر معها، ولكنه ترك الأمر لعمّه محمد بن الحنفية لكي يتعامل
مع روادها بحكمة ودقّة، مشيراً إليه باختصار: « يا عم، لو أن عبداً تعصّب لنا
أهل البيت، لوجب على الناس مؤازرته، وقد أوليتُك هذا الأمر، فأصنع ما شئت ...»[10].
ويُشير العديد من المؤرخين أنّه لما أرسل المختار برؤوس قتلة الإمام الحسين عليه
السلام وأولاده وأصحابه إلى الإمام، خرّ الإمام ساجداً ودعا له وجزّاه خيراً[11].
أما ما ينقله بعض المؤرخين من سلبية موقف الإمام السجاد(ع) من المختار وثورته فهو
محاولة لتشويه تلك الثورة التي أدخلت السرور على بنات المصطفى ونساء الرسالة[12].
إضافة إلى قيام الإمام السجاد (ع) بأداء دور كان لابدّ له أن يؤديه، لكي يُبعد عن
أذهان الأمويين المتربّصين به ارتباطه بهذا الثائر العظيم، وبالتالي تبرير استهدافه
وقتله من قبلهم.
شهادة الإمام زين العابدين (ع):
كانت شهادة الإمام زين العابدين (ع) في يوم 25 من شهر محرم الحرام عام
94 للهجرة. وقد سمّه وليد بن عبد الملك، فقضى نحبه مسموماً شهيداً، ودفن في البقيع
الغرقد حيث مزاره الآن، وقد هدم الوهابيون تلك المزارات الطاهرة، وقيل ان الذي سمه
هشام بن عبد الملك، ويحتمل ان هشام حرض اخاه على قتل الإمام عليه السلام ـ كما
احتمل ذلك الشيخ عباس القمي في منتهى الآمال .
وصية الإمام زين العابدين (ع):
روى الشيخ الثقة الجليل علي بن محمد الخزاز القمي في كتابه كفاية الأثر
عن عثمان بن عفان بن خالد انه قال: مرض على بن الحسين عليهما السلام ـ في مرضه الذي
توفي فيه، فجمع أولاده محمداً والحسن وعبد الله وعمراً وزيداً والحسين وأوصى الى
ابنه محمد بن علي عليهما السلام وكنّاه الباقر، وجعل أمرهم إليه، وكان فيما وعظه في
وصيته أن قال: «يا بني ان العقل رائد الروح والعلم رائد العقل (إلى أن قال)
واعلم ان الساعات تذهب عمرك وانك لا تنال النعمة إلا بفراق أخرى فإياك والأمل
الطويل فكم من مؤمل أملاً لا يبلغه وجامع مال لا يأكله...»[13].
وورد وصايا أخرى للإمام(ع) لم نذكرها اختصاراً.
[1] الشيخ الصدوق،
عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج2، ص145.
[2] محمد رضا الحسيني الجلالي، جهاد الإمام السجاد، ص51.
[3] لسان العرب، ج 4، ص 457.
[4] المفيد، الإرشاد، ص 23.
[5] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج3، ص45.
[6] الكامل في التاريخ، ج3 ، ص 435.
[7] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب المازندراني، ج4، ص 182 .
[8] ابن طاووس، فرحة الغري، ص 43.
[9] المفيد، الإرشاد، ص292.
[10] ابن هر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج4 ، ص157.
[11] تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 259.
[12] المصدر نفسه.
[13] كفاية الأثر، ص239 ـ عنه في البحار، ج46، ص230، ح7.