الهدف: التّعرّف على معالم الجهاد الزّينبي
مقدمة: وُلِدت السيّدة زينب(عليها السلام)، في
الخامس من جمادى الأولى، في السّنة الخامسة - أو السّادسة للهجرة - وقيل في غرّة
شعبان في السّنة السّادسة. وتُكنّى بأمّ كلثوم، وأمّ الحسن، وتُلقّب: بالصدّيقة
الصّغرى، والعقيلة، وعقيلة بني هاشم، وعقيلة الطالبيّين، وهي أوّل بنت وُلدت
لفاطمة(عليها السلام).
نتناول في هذه الخطبة شخصيّة السيّدة المجاهدة الصّابرة زينب ابنة علي(عليه
السلام) من خلال المحاور الآتية:
1. زينب المرأة، الزّوجة، الأمّ: بيان دورها في الحياة الزوجيّة والأسريّة.
2. زينب العالمة، العابدة.
3. زينب أمّ الشّهداء، أخت الشّهيد، عمّة الشّهيد... فهي القدوة لأمّهات شهدائنا
4. الجهاد الزّينبي: تتجلّى محاور الجهاد الزّينبي في ثلاث جبهات:
أ. الجبهة الأولى: مع إمامها الحسين(عليه السلام) يوم
العاشر من المحرّم.
- حينما سمعت عقيلة بني هاشم أخاها وبقيّة أهلها، يعالج سيفه ويصلحه وهو
ينشد هذه الأبيات الّتي ينعى فيها نفسه: يا دَهْـــــرُ أُفٍّ مِـــــنْ خَــلِيلِ
كَمْ لـَــــكَ بـِــالإشْرَاقِ وَالأصِيلِ ...
تقدّمت إلى الإمام الحسين(عليه السلام) وقالت لأخيها: (واثكلاَهُ، وَاحُزْنَاهُ،
لَيْتَ الْمَوْتَ أَعْدَمَني الْحَيَاةَ، يَا حُسَيْنَاهُ، يَا سَيِّدَاهُ، يَا
بَقِيَّةَ أَهْلِ بَيْتَاهُ، أسْتَسْلَمْتَ لِلْمَوتِ وَيَئِسْتَ مِنَ الحَيَاةِ،
الْيَوْمَ مَاتَ جَدِّي رَسُولُ اللهِ، الْيَوْمَ مَاتتْ أُمِّي فَاطمَةُ
الزَّهْراءِ، وَأَبِي عَليُّ الْمُرْتَضى، وَأَخي الْحَسَنُ الزَّكِيُّ، يَا
بَقِيَّةَ الْمَاضِينَ وَثِمالَ الباقينَ).
- الصدّيقة إلى جانب الحسين(عليه السلام) يوم العاشر:
مضى الحسين يُودّع عقائل النّبوة، وسيّدات نساء الدّنيا، ويأمرهنّ
بالخلود إلى الصّبر، ونظر إلى شقيقته زينب وهي غارقة بالدّموع، فعزّاها وأمرها
بالصّبر، وخرجت حفيدة الرّسول من خبائها، وهي تندب أخاها بأشجى ما تكون النّدبة
وتقول:(ليت السّماء وقعت على الأرض..). وصاحت بالخبيث الدّنِس عمر بن سعد قائلة: (يا
عمر، أرضيت أن يقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه..). فأشاح الخبيث بوجهه عنها
ودموعه تسيل على لحيته المشؤومة.
- اللّهم تقبّل منّا هذا القربان:
وقفت زينب (عليها السلام) على مصرع أبي عبد الله (عليه السلام)
والشّهداء، وأخذت (عليها السلام) تندب أخاها الحسين(عليه السلام) وتنادي بصوت حزين
وقلب كئيب: "يا محمّداه، صلّى عليك مليك السّماء، هذا حسينك مرمَّل بالدّماء،
مقطَّع الأعضاء، وبناتك سبايا، و إلى الله المشتكى…" ثم بسطت يديها تحت بدنه
المقدّس ورفعته نحو السّماء وقالت: "إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان"، وفي الحديث:
أنّها أبكت والله كلّ عدوٍّ وصديق.
ب. الجبهة الثّانية: الكوفة: في مواجهة الطّاغية ابن زياد
- تقريع المتجمهرين في الشّوارع:
لما اتَّجه موكب السّبايا نحو قصر الإمارة، مُخترقًا جموع أهل الكوفة،
وهم يبكون لما حلَّ بالبيت النّبوي الكريم، قال بشير بن خزيم الأسدي: ونظرتُ إلى
زينب بنت علي يومئذ، ولم أرَ خفرة والله أنطق منها، كأنّها تفرع من لسان أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السّلام )، وقد أومأت إلى النّاس أن اسكتوا،
فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثمّ قالت: "الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلاَةُ عَلىَ
جَدِّي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الأَخْيَارِ، اَمَّا بَعْدُ: يَا أَهْلَ
الْكُوفَةِ، يَا أَهْلَ الْخَتْلِ والْغَدْرِ، أَتَبْكُونَ؟! فَلَا رَقَأَتِ
الدَّمْعَةُ، ولَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي
نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا، تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ
دَخَلًا بَيْنَكُمْ...َأتَبْكُونَ وَتَنْتَحِبُونَ؟! إِيْ وَاللهِ فَابْكُوا
كَثِيرًا، واضْحَكُوا قَلِيلًا، فَلَقَدْ ذَهَبْتُمْ بِعَارِهَا وَشَناَرِهَا ...".
- المنطق الأقوى: "وَيْلَكُمْ يَا أَهلَ
الْكُوفَةِ، أَتَدْرُونَ أَيَّ كَبِدٍ لِرَسُولِ اللهِ فَرَيْتُم؟! وَأيَّ كَرِيمَةٍ
لَهُ أبْرَرْتُمْ؟! وَأَيَّ دَمٍ لَهُ قالت (عليها السلام)سَفَكْتُمْ؟! وَأّيَّ
حُرْمَةٍ لَهُ انتَهَكْتُمْ؟! لَقَدْ جِئْتُمْ بِهَا صَلعَاءَ عَنْقَاءَ سَوْدَاءَ
فَقُمَاءَ...أَفَعَجِبْتُمْ أَنْ مَطَرَتِ السَّمَاءُ دَمًا، وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ
أَخْزىَ وَأَنْتُمْ لاَ تُنْصَرُونَ..".
- الحجّة والمنطق في مواجهة ابن زياد:
ولَمّا روى المجرم الخبيث ابن مرجانة أحقاده من رأس ريحانة رسول الله
(ص)، التفَتَ إلى عائلة الإمام الحسين(عليه السلام)، فرأى سيّدة منحازة في ناحية من
مجلسه، فانبرى ابن مرجانة سائلًا عنها، فقال: مَن هذه الّتي انحازت ناحية ومعها
نساؤها؟ فأعرضت عنه احتقارًا واستهانة به، وكرّر السّؤال فلم تُجبه فانبرت إحدى
السيّدات فأجابته: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (ص). فقال لها: الحمد لله الذي
فَضَحكم وقَتَلكم، وأبطل أحدوثتكم. فثارت حفيدة الرّسول (ص) وأجابته بشجاعة أبيها
محتقرةً له قائلة: (الحمْدُ للهِ الَّذي أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ، وَطَهَّرَنــــَا
مِنَ الرِّجْسِ تَطْهِيرًا، إِنَّمَا يُفْتَضَحُ الْفَاسِقُ وَيُكَذَّبُ
الْفَـــاجِرُ، وَهُوَ غَيْـــرُنَا يَا بْنَ مَرْجَانَة).
- عندما خاطبها ابن زياد مستهزئًا: كيف رأيت صُنعَ الله
بأخيك؟
فأجابته حفيدة الرّسول بكلمات الظَفر والنّصر لها ولأخيها قائلة: (ما
رَأَيْتُ إِلاّ جَمِيلًا، هؤُلاَءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْقَتَلَ،
فَبَرَزُوا إِلى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمعُ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَتُحَاجُّ
وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلَجُ يَومَئِذٍ، ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ يا بْنَ
مَرْجَانَةَ..).
- إنقاذ العقيلة للإمام زين العابدين: وأدار ابن مرجانة بصره في بقية
الأسرى من أهل البيت، فوقع بصره على الإمام زين العابدين، وقد أنهكته العلّة فسأله:
مَن أنت؟ فقال (عليه السلام): عليّ بن الحسين.. فالتفت إلى بعض جلاديه فقال له: خذ
هذا الغلام واضرب عنقه. فانبرت العقيلة بشجاعة لا يُرهِبها سلطان، فاحتضنت ابن
أخيها، وقالت لابن مرجانة: (حسبُك يَا بْنَ زِيَادٍ مَا سَفَكْتَ مِن دِمَائِنَا،
إِنَّكَ لَمْ تُبْقِ مِنّا أَحَدًا، فَإنْ كُنْتَ عَزَمْتَ عَلى قَتْلِهِ
فَاقْتُلْني مَعَهُ..). وبُهِر الطاغية وانخذل، وقال متعجّبًا: دعوه لها، عجبًا
للرّحم ودَّت أن تُقتل معه.
ج. الجبهة الثّالثة: الشّام: في مواجهة رأس الظّلم يزيد
- الدّفاع عن السّبايا:
لما وصلت قافلة السّبايا إلى الشّام إلى مجلس الطاغية يزيد بن معاوية،
وأظهر الطّاغية فرحته الكبرى بإبادته لعترة رسول الله (ص)، وراح يترنّم هذه الأبيات
الّتي مطلعها:
لَيْــــتَ أَشـــــْيَاخِي بِبَدرٍ شَـهِدُوا جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِـنْ وَقْعِ
الأَسَـلْ
ولَمّا سمعت العقيلة هذه الأبيات، ألقت خطبتها الشّهيرة بفصاحة وشجاعة أبيها علي (عليه
السلام)، وقد ضمّنتها أعنّف المواقف لفرعون عصره يزيد وممّا قالته (عليها السلام):
(أَلْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلىَ مُحَمّدَ وآلِهِ
أَجْمَعِيَن، صَدَقَ اللهُ كَذَلكَ يَقُولُ: (ثمّ كان عاقبة الذين أساؤوا السّؤى أن
كذّبوا بأيات الله وكانوا بها يَسْتَهْزِؤُونَ...، أَمِنَ الْعَدْلِ يَا بْنَ
الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَإمَاءَكَ وَسَوقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللهِ
سَبَايَا؟! قدْ هَتَكْتَ سُتورَهُنَّ، وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ، تَحْدُو بِهِنَّ
الأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدِ إلى بلدٍ، .. وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ
وَالبَعِيدُ..".
- الدّعاء على الظّالم في محضره: فقالت (عليها
السلام): "أَللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا، وَانتَقِمْ مِمَّنْ ظَلَمَنَا، وَاحْلُلْ
غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَقَتَلَ حُمَاتَنَا. فَوَاللهِ مَا فَرَيْتَ
إِلاَّ جِلْدَكَ، وَلا حَزَزْتَ إِلاَّ لَحْمَكَ، وَلَتَرِدَنَّ عَلى رَسُولِ اللهِ
(صلّى الله عليه وآله) بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ ذُرّيَّتِهِ،
وَانْتَهكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَلُحْمَتِهِ..".
- اليقين والتّسليم بالحقّ: فقالت مخاطبة يزيد
- مؤكّدة على أنّ نهج محمّد لن يمحوَه أحدٌ مهما عظُمت التّضحيات-: "كِدْ كَيْدَكَ،
وَاسْعَ سَعْيَكَ، ونَاصِبْ جَهْدَكَ، فَوَاللهِ لاَ تَمْحُوَنَّ ذِكْرَنَا، ولاَ
تُمِيتُ وَحْيَنَا، وَلاَ تُدْركُ أَمَدَنَا، وَلاَ تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا".
- توبيخ يزيد الظالم في مجلسه، قالت (عليها
السلام): "..وَلَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ، إِنِّي
لأَسْتَصْغِرُ قَدْرَكَ، وَأَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَكَ، وَأَسْتَكْثِرُ تَوْبِيخَكَ،
لَكِنّ الْعُيُونَ عَبْرى، وَالصُّدَورَ حَرّىَ".
- حزب الشّيطان: صرّحت (عليها السلام) قائلة:
"أَلاَ فَالعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللهِ النُّجبَاءِ بِحِزْبِ
الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاءِ..".