الهدف: التعرّف إلى الدور العبادي والتربويّ
للمساجد
المحاوِر:
- المساجد أحبُّ البقاع إلى الله
- آثار إحياء المساجد
- التعلُّق بالمسجد
- كيف تعمّر مساجد الله؟
- كمال صلاة جار المسجد
- السبّاقون إلى المساجد أهل الألوِية
مطلع الخِطبة
إنّ المساجد بيوت الله ومهابط رحمتِه، فيها يُعبد الله ويُوحَّد، وفيها
يُذكر اسمُه، وزوّاره فيها عُمَّارُها، وهي ملتقى المؤمنين من عبادِه وصفوتِه، وأحبُّ
البقاع إلى الله تعالى، أساسُها على التقوى، وهي منارات الهدى وأعلام الدين، ومنطلق
إعلان التوحيد لله سبحانه، وعمرانها بالإيمان وإقام الصلاة ليتحقّق فيهم قول الله
عَزَّتْ آلاَؤُهُ: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا
اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾[1].
ويكفي المساجد شرفاً ومنزلة أنّ الله سبحانه وتعالى أضافها إلى ذاته العليّة،
ونسبَها إليه، فقال في فرقانه: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ
اللهِ أَحَدًا﴾[2]، وقد أتت هذه الإضافة إلى ذاته بلام الإختصاص، ثمّ أكّد عزّت
آلاؤه ذلك الإختصاص بقوله: ﴿فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً﴾، وقد روي عن عن
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: "قال الله تبارك وتعالى: ألا إنّ
بيوتي في الأرض المساجد، تُضيء لأهل السماء كما تُضيء النجوم لأهل الأرض.."[3].
المساجد أحبُّ البقاع إلى الله
روي عن مولانا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم للأمين جبريل (عليه
السلام): "يا جبرائيل أيّ البقاع أحبّ إلى الله عزّ وجلّ؟
قال: المساجد، وأحبّ أهلها إلى الله أوّلهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها"[4].
وروي عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى
النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الْمَسْجِدِ؟
فَقَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلهِ ذِكْراً، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله
وسلم مَنْ أُعْطِيَ لِسَاناً ذَاكِراً فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ"[5].
آثار إحياء المساجد:
روي عن مولانا خاتم النبيّين رسول الله محمّد (ص): "ألا أدلُّكم على شيء
يكفّر الله به الخطايا، ويزيد في الحسنات؟ قيل: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ
الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى هذه المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وما
من أحد يخرج من بيته متطهّراً، فيصلّي الصلاة في الجماعة مع المسلمين، ثمّ يقعد
ينتظر الصلاة الأخرى، إلذا والملائكة تقول: اللهم أغفر له، اللهم ارحمه"[6].
ومن حديث رسول الله الأعظم (ص): "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله،
ويتدارسونه بينهم إلّا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة،
وذكَرهم الله فيمن عنده"[7].
وقال إمامنا الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام): "عليكم بإتيان المساجد فإنّها
بيوت اللَّه في الأرض، فمن أتاها متطهّراً طهّره الله من ذنوبه، وكُتب من زوّاره،
فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء"[8].
التعلّق بالمسجد
لقد نسج الإسلام بين الإنسان والمسجد رابطة من أجمل ما يُمكن أن ينشأ
بين الإنسان والموجودات، وليس ذلك إلّا تأكيداً منه سبحانه على أهمّيّة المسجد وما
يحتلّه من المكانة العظيمة عند الله حتّى أنّ الله عزّ وجلّ يُظلّه بظلّه يوم
القيامة، فعن النبيّ (ص) أنّه قال: "سبعة يُظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا
ظلّه: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عزّ وجلّ، ورجل قلبه متعلّق بالمسجد إذا
خرج منه حتّى يعود إليه، ورجلان كانا في طاعة الله عزّ وجلّ فاجتمعا على ذلك
وتفرّقا، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال:
إنّي أخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما يتصدّق بيمينه"[9].
كيف تعمّر مساجد الله؟
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذرّ، من أجاب داعي
الله، وأحسن عمارة مساجد الله، كان ثوابه من الله الجنّة،
فقلتُ: بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله، كيف تُعمّر مساجد الله؟
قال: لا تُرفع فيها الأصوات، ولا يُخاض فيها بالباطل، ولا يُشترى فيها ولا يُباع،
واترك اللّغو ما دمتُ فيها، فإنْ لم تفعل فلا تلومنّ يوم القيامة إلاّ نفسك .
يا أبا ذرّ، إنّ الله تعالى يُعطيك ما دمتَ جالساً في المسجد بكلّ نفس تنفّس فيه
درجة في الجنّة، وتُصلّي عليك الملائكة، وتُكتب لك بكلّ نفس تنفّستَ فيه عشر حسنات،
وتُمحى عنك عشر سيّئات.
يا أبا ذرّ، أتعلم في أيّ شيء أُنزلت هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾[10]؟ قلت: لا فداك أبي وأُمّي . قال: في انتظار
الصلاة خلف الصلاة.
يا أبا ذرّ، إسباغ الوضوء في المكاره من الكفّارات، وكثرة الاختلاف إلى المساجد،
فذلكم الرباط"[11].
وقال حفيده الإمام الصادق (عليه السلام): "عليكم بالصلاة في المساجد، وحُسن الجوار
للناس، وإقامة الشهادة، وحضور الجنائز; إنه لابدّ لكم من الناس، إنّ أحداً لا
يستغني عن الناس حياته، والناس لابدّ لبعضهم من بعض"[12].
وقد قال مولانا الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام):"من اختلف إلى المسجد أصاب
إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آيةً محكمةً، أو يسمع
كلمة تدلّ على هدى، أو رحمةً منتظرة، أو كلمةً تردّه عن ردي، أو يترك ذنباً خشيةً
أو حياء"[13].
كمال صلاة جار المسجد
عن مولانا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "لا صلاة لجار المسجد
إلّا في مسجده"[14].
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات
من جيران المسجد إذا كان فارغاً صحيحاً"[15].
وروي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عن أبيه عن آبائه الكرام عن أمير المؤمنين علي
(صلوات الله عليهم جميعاً) أنّه قال: "لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد . إلّا
أن يكون له عذر، أو به علة، فقيل له ومن جار المسجد يا أمير المؤمنين ؟ قال (عليه
السلام): من سمِع النداء"[16].
صلاة الجماعة في المسجد
عن الإمام أبو جعفر الباقر (عليه السلام): "من ترك الجماعة رغبة عنها،
وعن جماعة المسلمين من غير علّة، فلا صلاة له"[17].
وكذلك ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): "مَنْ لم يصلِّ جماعة، فلا صلاة له بين
المسلمين، لأن رسول الله (ص) قال:" لا صلاة لمن لم يصلِّ في المسجد مع المسلمين إلا
من علة" [18].
وروى زُريق الخاقاني أنّه سمِع الإمام الصادق (عليه السلام) يقول:" ومن صلّى في
بيته جماعة رغبة عن المساجد، فلا صلاة له، ولا لِمَن صلّى معه، إلّا من علّة تمنع
من المسجد "[19] .
وعن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله (ص): "من صلّى المغرب
والعشاء الآخرة، وصلاة الغداة في المسجد في جماعة، فكأنّما أحيا الليل كلّه"[20].
من فضائل صلاة الجماعة:
سأل زرارة الإمام الصادق(عليه السلام): عن ما يروي الناس أنّ الصلاة في
جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة، فقال (عليه السلام):" نعم، صدقوا،
فقلت: الرجلان يكونان جماعة، قال (عليه السلام): نعم ويقوم الرجل عن يمين الإمام"[21]
.
وروي عن النبي الأكرم (ص) أنّه قال:"إنّ الله يستحي من عبده إذا صلّى في جماعة ثمّ
سأله حاجته أن ينصرف حتى يقضيها"[22] .
وروى الشيخ الصدوق بسنده إلى الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):"
وإنّ الله عز وجل لَيَهِمُّ بعذاب أهل الارض جميعاً حتى لا يحاشي منهم أحداً، فإذا
نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلوات، والولدان يتعلّمون القرآن رحمهم الله،
فأخّر ذلك عنهم "[23].
التخلّف عن صلاة الجماعة
إنّ التخلّف عن صلاة الجماعة ليس من شأن أهل الإيمان وعاداتهم وهو منافٍ لأحوالهم؛
وقد ورَدَ عن الإمام الصادق عليه السلام، "أنّ أمير المؤمنين عليه السلام بلغه أنّ
قوماً لا يحضرون الصلاة في المسجد، فخطب فقال: إنّ قوماً لا يحضرون الصلاة معنا في
مساجدنا فلا يؤاكلونا ولا يُشاربونا ولا يشاورونا ولا يُناكحونا ولا يأخذوا من
فيئنا شيئاً، أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة، وإنّي لأوشك أن آمر لهم بنار تشعل في
دورهم فأحرق عليهم أو ينتهون، قال: فامتنع المسلمون عن مؤاكلتهم ومشاربتهم
ومناكحتهم حتّى حضروا الجماعة مع المسلمين"[24].
السبّاقون إلى المساجد أهل الألوِية
روي عن الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله
وسلّم قال لجبرئيل عليه السلام: "يا جبرئيل أيّ البقاع أحبّ إلى الله تعالى؟ قال:
المساجد، وأحبّ أهلها إلى الله أوّلهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها"[25].
وفي وصية النبي الأكرم (ص) لصاحبه الجليل أبي ذر الغفاري رضوان اللَّه عليه:"يا أبا
ذر طوبى لأصحاب الألوِية يوم القيامة يحملونها فيسبقون الناس إلى الجنة، ألا وهم
السبّاقون إلى المساجد بالأسحار وغير الأسحار.."[26].
وجاء عن الإمام الصادق عن آبائه الكرام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:
"ومن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكلّ خطوة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من
الدرجات مثل ذلك، فإن مات وهو على ذلك وكّل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره
ويُبشّرونه ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرون له حتّى يُبعث"[27].
صغّر خُطاك إذا غدوتَ لمسجدٍ .. فلربّما غُفرَت ذنوبك
بالخطى
تمشي ومشيك للمساجد قربة ... تسمو بشأنك للجنان وللتقى
المشّائون في الظُّلَم إلى المساجد:
لا يخفاكم أنّ الله جلَّ وعلا رتّب على وجود المساجد أجوراً عظيمة، وخيرات عميمة،
وعَظّم منزلة المشَّائين إليها، فجعل سبحانه المشي إليها سبيلاً لرفعة الدرجات، فقد
روى عبدالله بن جعفر بن محمّد، عن أبيه عن آبائه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه
وآله وسلّم: "قال الله تبارك وتعالى: ألا إنّ بيوتي في الأرض المساجد، تُضيء لأهل
السماء كما تُضيء النجوم لأهل الأرض، ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته، ألا طوبى
لعبدٍ توضّأ في بيته ثمّ زارني في بيتي، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر، ألا بشّر
المشّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة"[28].
وقوله (ص): "بشّر المشّائين في الظُلَم إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة"
وروى محمّد بن مروان عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "ومن
مشى إلى المسجد، لم يضع رجله على رطب ولا يابس، إلّا سبّحت له الارض إلى الأرضين
السابعة"[29]
[1] سورة التوبة، الآية 18.
[2] سورة الجن، الآية 18، وأحد الأقوال في تفسيرها أن المراد بالمساجد في الآية
أماكن الصلاة.
[3] الشيخ الصدوق محمّد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص28، طبعة 2، دار
الشريف الرضي للنشر، قم، ورواه أبو القاسم الطبراني من حديث بن عباس موقوفاً،
المعجم الكبير، ج10، ص262، طبعة 2، دار العلوم والحكم، الموصل.
[4] الشيخ محمد بن يعقوب الكلينيّ، الكافي، ج3، ص489.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص498.
[6] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص323، المجلس الثاني والخمسون، حديث 9.
[7] مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحيح مُسلم، ج8، ص71، حديث 7028، طبعة دار الجيل+
دار الآفاق، بيروت.
[8] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص293، حديث رقم 8.
[9] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج5، ص199.
[10] سورة آل عمران، الآية 200.
[11] الحسن بن الفضل الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص458-468، طبعة 4، والشيخ محمد بن
الحسن الحُر العاملي في وسائل الشيعة، والفيض الكاشاني في الوافي، والعلامة المجلسي
في بحار الأنوار، ج74، ص74-86.
[12] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص464، حديث 1.
[13] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج5، ص197.
[14] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج3، ص478، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد،
الباب 2، حديث 1.
[15] المصدر نفسه، حديث 3 .
[16] القاضي النعمان، دعائم الإسلام، ج1، ص148، ومسند زيد الشهيد، ج 1 ص 113 عن
الإمام زين العابدين عن أبيه عن الإمام عليّ (عليهم السلام)، وليس فيه " إلّا أن
يكون له عذر أو به علّة ".
[17] دعائم الإسلام، ج1، ص373 .
[18] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص325، باب علة الجماعة .
[19] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص696، حديث 1486.
[20] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج8، ص295.
[21] ثقة الإسلام الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص371، باب فضل الصلاة في الجماعة.
[22] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 85، ص4، باب 1، فضل الجماعة.
[23] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص39، ثواب نقل الأقدام إلى الصلاة
وتعليم القرآن .
[24] وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج5، ص196.
[25] الحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج3، ص554، باب 68، حديث 2.
[26] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص529، مجلس [19]، يوم الجمعة الرابع من المحرم سنة
سبع وخمسين وأربعمائة.
[27] م. ن، ج8، ص287 .
[28] أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، المحاسن، ج1، ص47، ثواب دخول المساجد، طبعة 2،
دار الكتب الإسلامية، قم، والحُر العاملي، وسائل الشيعة، ج1، ص381-382، باب استحباب
الطهارة لدخول المساجد، طبعة 1، مؤسّسة آل البيت، قم.
[29] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال وعقابها، ج1، ص46، باب ثواب المشي إلى المساجد.