الهدف: تبيانُ بعضٍ من مواقف السيرة النبويّة المبارَكة، والاستفادةِ من مُعطياتِها
في مجال المقاومة.
محاور الخِطبة؛
1 - مطلع الخطبة
2 - حال المشركين في مكّة والطائف
3 – ما قبل حُنين
4 - مقدّمات المعركة
5 - من مُجريات غزوة حُنين
6 - جبهة المقاومة المنصورة
7 - صوت العبّاس بثّ الحماس
8 – دور المرأة المسلمة في غزوة حُنين
مطلع الخِطبة؛
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على أشرف الخلق وأعزّ المرسلين
سيّدنا ومولانا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد؛
قال الله العظيم في كتابه الكريم: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * هُوَ الَّذِي بَعَثَ
فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ ﴾[1].
معاشر أهل الإيمان؛ إنّ اظهار حقائق السيرة النبويّة المباركة من الناحية الفكريّة
والتربويّة يؤدّي إلى إبراز جوانبها المـُشرقة، وهذا ما يحبّب الناس فيها، ويرغّبهم
في الإقبال عليها، والاقتداء بصاحبها العظيم (صلّى الله عليه وآله وسلّم). إنّ
المسلمين بأشدّ الحاجة اليوم إلى معطيات سيرة نبيّهم المصطفى في كلّ مجالات حياتهم
المتنوّعة، ومنها مجال مقاومتهم لأعداء الأمّة، ومجابهة المستكبرين، وهذا كثير في
السيرة النبوية. من المواقف الدالّة عليه ما جرى في الثلث الأول من شهر شوال؛ في
السنة الثامنة من الهجرة، في غزوة حُنين.
حال المشركين في مكّة والطائف؛
كانت تقام أسواق العرب في الجاهلية في ديار ثقيف؛ ومنها سوق عكاظ الشهير
بين نخلة والطائف، حيث تتمّ الصفقات التجارية، وتُعقد الندوات الشعرية. منها؛ سوق
ذي المجاز قرب عرفات من جهة الطائف، وسوق مِجَنَّة بمر الظهران القريبة من مكّة،
والطائف، حيث تسكن في ربوعها قبائل عربية متعدّدة من أكبرها قبيلتي هوازن وثقيف.
وقد كان سكّان الطائف والأودية المجاورة لها يستفيدون كثيراً من تجارتهم في هذه
الأسواق، وتصريف نتاجهم الزراعي، حيث يمتلكون بساتين الأعناب والرمان والخضروات.
وقد تشابكت مصالح ثقيف وهوازن مع مصالح قريش تشابكاً وثيقاً بحُكم الجوار، والصلات
النسبيّة التي وثّقتها المصاهرات المتجدّدة. فلا غرابة أن تقف قبيلة هوازن مع قريش
في صراعها ضدّ المسلمين، وأن يؤول إليها بعد فتح مكّة حمل راية المشركين الوثنيين
ضدّ الإِسلام الحنيف؛ فإنّ قريشاً وهوازن أمرُهم واحد، فمن خرج على قريش ودينِها
ومصالِحها، فقد خرج على دين هوازن وهدّد مصالحها.
ما قبل حُنين؛
أيّها المؤمنون الأفاضل؛ لمـّا قرّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله
وسلّم) أن يردّ على قريش اعتدائهم على حلفائه من خزاعة، ونقضهم لصُلح الحديبيّة،
وأراد التوجّه إلى مكّة "أمر (ص) الناس بالجهاز، وكتمهم مخرجه، وسأل الله أن يعمي
على قريش خبره، حتى يبغتهم في بلادهم"[2]. ومن خلال توجيهاته المباركة؛ تمكّن أمير
المؤمنين علي (عليه السلام) من إجهاض محاولة حاطب ابن أبي بلتعة تسريب خبر تحرّك الجيش
الإسلامي[3]، والذي يظهر من سياق الأحداث أنّ نجاح المسلمين في كتمان هدف تحرّكهم
ساهم في عدم نجدة هوازن وثقيف لقريش، ويبدو أن عدم اشتراك ثقيف في المبادرة للدفاع
عن مكّة يرجع إلى اعتمادها على قريش وضعف تصورها لحقيقة قوّة المسلمين. فلمّا فتح
الله مكّة على رسوله الكريم انهارت مقاومة قريش التي استمرّت منذ بدء الرسالة إلى
ذلك اليوم العظيم؛ فحملت هوازن راية الشرك، وتحرّكت بسرعة لمواجهة الإسلام.
من مقدّمات المعركة؛
أجرت قبيلة هوازن إتّصالات مكثّفة بينها وبين ثقيف، واجتمعت إليها نَصْرٌ،
وجُشَمٌ، وسعد بن بكر، وناس من بني هلال. كانت هذه القبائل قد رأت في نفسها عزّاً
وأنَفَةً؛ فرفضت أن تقابل انتصار النبيّ (ص) بالخضوع. فاجتمعت إلى "مالك ابن عوف
النَّصْري" الذي كان المدبّر لتحرّكاتهم، وبعد سلسلة من المداولات التي جرت فيما
بينهم؛ قرّروا أن يبادروا بالمسير إلى حرب المسلمين، وتوجيه ضربة قويّة لهم من خلال
خطّة عسكرية مُحكَمة قائمة على الخدعة. فخرج إليهم رسول الله (ص) في اثني عشر ألفاً
من المسلمين؛ عشرة آلاف ممّن كانوا خرجوا معه لفتح مكّة، وألفان من أهل مكّة "مسلمة
الفتح" وأكثرهم من الطلقاء، فقال أبو بكر" لن نهزم اليوم من قلّة"[4]، وقد أعجب بعض
أفراد هذا الجيش بكثرتهم على خلاف ما مضى، وغفلوا عن خطط العدو ونواياهُ، فكان ذلك
داعياً إلى هزيمتهم، وقد صرّحت آيات سورة التوبة بأنّ هناك إعجاباً حصل من بعض
المسلمين، وأنّهم ابتلوا بسبب هذا الإعجاب، وحصل ما نصّت عليه الآيات الكريمة.
من مُجريات غزوة حنين؛
كان مالك بن عوف قد سبق المسلمين إلى وادي حُنين، فأدخل جيشه بالليل في
ذلك الوادي، وفرّق كُمَنَاءه في الطرق، والمداخل والشعاب والأخباء والمضايق، وأصدر
إليهم أمره بأن يرشقوا المسلمين أوّل ما يطلعوا عليهم، ثمّ يشدّوا عليهم شدّة رجل
واحد .
وبعد الفجر من ذلك اليوم؛ عبّأ مولانا رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جيشه،
وعقَد الألوية والرايات للقادة الذين كانوا قد دخلوا مكّة فاتحين، وكانت رايته
العظمى مع عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)[5]، وراية بني سليم مع خالد بن الوليد في مقدّمة
الجيش، وفي عَمَاية الصبح استقبل المسلمون وادي حنين، وهو وادي أجوف من أودية
تُهامة؛ إنّما ينحدرون فيه إنحداراً، وهم لا يدرون بوجود كمناء العدو في مضايق هذا
الوادي. فبينما هم على ذلك، إذ تمطر عليهم النبال من كلّ جانب، وفاجئتهم كتائب
العدو وهي تشدّ عليهم شدّة رجل واحد، وبدأ الضرب بمقدّمة المسلمين، وسقط خالد بن
الوليد "وانهزم الناس راجعين. فاستمرّوا لا يلوي أحد منهم على أحد"[6]، وكانت نسيبة
بنت كعب المازنية رضي الله عنها تحثو التراب في وجوه المنهزمين، وتقول:"أين تفرّون
عن الله ورسوله"[7]. وتكلّم رجال بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب
شامتاً: "لا تنتهي هزيمتهم دون البحر"[8]، وصرخ أخو صفوان بن أميّة لأمّه،
فقال:"ألا بطُل السِّحْر اليوم"[9]، كلّ ذلك وغيره تعريضاً برسول الله (ص) ومن معه
من الذين آمنوا.
جبهة المقاومة التي نصرها الله؛
لقد فعلت مكيدة هوازن فعلتها في قلوب المسلمين، فقد أوحشتها، وأصابت
المسلمين بالفوضى، وخلخلت صفوفهم فلاذوا بالفرار، وظهرت بوادر هزيمتهم، فانحاز رسول
الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذات اليمين، ثم قال:"إليّ أيّها الناس؛ هلمّ إلي
أنا رسول الله؛ أنا محمد بن عبد الله"[10]، وأقبل المشركون إلى النبيّ (ص)، وهو على
بغلته البيضاء، وابن عمّه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر،
ثم قال: "أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب"[11]، و"كان علي بن أبي طالب(عليه
السلام) يومئذٍ أشدّ الناس قتالاً بين يديه"[12]، في نفر قليل قد سطّروا أروع
مقاومة في التاريخ استماتوا خلالها في الدفاع عن النبيّ (ص)، ومن هؤلاء النفر
الكرام العباس بن عبد المطلب أخذ بلجام بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)،
والفضل عن يمينه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره، ونوفل بن الحارث،
وربيعة بن الحارث في نفر من بني هاشم معهم أيمن بن أم أيمن"[13]، وفيهم قال العباس:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة.... وقد فرّ من قد فرّ عنه فأقشعوا
وقولي إذا ما الفضل كرّ بسيفه ......على القوم أخرى يا بني ليرجعوا
وعاشرنا لاقى الحِمام بنفسه ............... لما ناله في الله لا يتوجعُ.[14]
وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام):"قَتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) بيده يوم حنين
أربعين"[15]، وذكر عبد الله ابن مسعود أنّه ما توجّه أحد من أهل الشرك نحو النبيّ
(ص) إلا لاقى حتفه"[16].
صوت العباس بثّ الحماس؛
لما رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هزيمة القوم عنه طَفِق
يركض على بغلته قبل الكفار؛ قال العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله (ص) أكفّها،
وهو لا يألو يسرع نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بغرز رسول الله (ص) فقال
رسول الله (ص) : "يا عباس نادِ: يا أصحاب السمرة" وكنت رجلاً صيتاً، فقلت بأعلى
صوتي : أين أصحاب السّمرة، فو الله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على
أولادها يقولون : يا لبيّك يا لبيّك، وأقبل المسلمون فاقتتلوا هم والكفار، فنادت
الأنصار: "يا معشر الأنصار" ثمّ قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فنادوا : "يا
بني الحارث بن الخزرج"؛ قال : فنظر رسول الله (ص)، وهو على بغلته كالمتطاول عليها
إلى قتالهم، فقال رسول الله (ص):"هذا حين حمِيَ الوطيس". ثمّ أخذ رسول الله (ص) بعض
الحصى فرمى بهم وجوه الكفار ثم قال:" انهزموا وربّ الكعبة؛ انهزموا وربّ الكعبة قال
: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فو الله ما هو إلّا أن رماهم رسول
الله (ص) بحصياته فما أرى حدَّهم إلّا كليلا وأمرهم إلا مُدبرا حتى هزمهم الله؛ قال:
وكأنّي أنظر إلى النبيّ يركض خلفهم على بغلته"[17].
وقال ابن عباس:" أنّ علياً (عليه السلام) ناول رسول الله (ص) تراباً، فرمى به وجوه المشركين
يوم حنين"[18].
دور المرأة المسلمة في غزوة حنين؛
وتروي لنا أمّ عمارة نسيبة بنت كعب المازنية رضي الله عنها طرفاً عن
دَورِها في ذلك اليوم المشهود، فتقول:" لَمَّا كان يومُ حُنين، والناس منهزمون في
كلِّ وجه، وأنا وأربعُ نسوة في يدي سَيف صارم، وأمُّ سُليم قد حزمتْ وسطَها، وهي
يومئذٍ حامل، وأمُّ سليط، وأمُّ الحارث، فجعلتُ أسلُّ السيف، وأصيح بالأنصار: أيَّة
عادة هذه؟! ما لكم وللفِرار؟! وأنظر إلى رجل مشركٍ من هوازن على جمل، معه لِواء،
يريد أن يوضع جمله في أثر المسلمين، فأعترض له فأضربُ عُرقوبَ الجمل، فوقع على
عَجُزِه، وأشُدُّ عليه، فلم أزلْ أضربُه حتى أثبتُّه، وأخذتُ سيفًا له، ورسول الله
(ص) قائمٌ مصلِّت السيفَ بيده، قد طرح غِمدَه، ينادي: يا أصحابَ سورة البقرة، وكّر
المسلمون، "[19].
ونزل النصر من عند الله، وانهزمت هوازن هزيمة قبيحة، ففرّوا في كلّ وجه، ولم يزَل
المسلمون في آثارهم، وفرّ مالك بن عوف فدخل حِصن الطائف، وأغنَم الله المسلمين
أموالهم.
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ؛
تُعدُّ غزوة حُنين آخر غزوات خاتم النبيّين (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
في جزيرة العرب، وبعدها لم تقم للوثنية فيها قائمة، حيث تهاوت ألوية الشرك، وارتفع
علم التوحيد في سماء جزيرة العرب بعد أن انطفأت جمرتهم لغزو رسول الله (ص)
والمسلمين؛ حتى لم يجدوا بُدّاً من الدخول في دين الله أفواجاً.
وفي ذُكرت هذه الغزوة ومجرياتها إذ قال الله عَزَّتْ آلاَؤُهُ
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا
رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا
وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾[20]، والمتدبّر في
هذه الآيات المباركة؛ ومجموع آي الذكر الحكيم يرى بوضوح التأكيد الربّاني على أنّ
النصر لا يكون ابتداء وانتهاء؛ إلّا من عند الله عَزَّتْ آلاَؤُهُ، وبيده؛ يهبَهُ
لمن يشاء، ويصرفه عمّن يشاء، مثله مثل الرزق، والأجل، وأنّه من ينصره الله فلا غالب
له، ومن يخذله فلا ناصر له غيره، وهو القائل في مُحكم كتابه:﴿وَمَا النَّصْرُ
إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾[21] .
انبثاق المقاومة الإسلامية؛
من مواقف مولانا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأهل بيته
الطاهرين (عليهم السلام) انبثقت المقاومة الإسلامية في لبنان، وستبقى السيرة
النبوية المباركة رافد المقاومة الثاني بعد كتاب الله عزّ وجل، ومنهما معاً نستلهم
معنى العزّة والكرامة في طريق المقاومةِ حيث شرفُ الأمّةِ ورمزُ عزّتها، فالشعوبُ
التي تُحتَلُّ أراضيها ولا تسعى لأجلِ طردِ المحتَلِّ وتعنو لإرادتهِ, هيَ شعوبٌ لا
تدري معنى الكرامةِ، ولا تُبصِرُ سبيلَ العزّةِ، وعلى هذه الشعوبِ أن تنظرَ إلى
تجربةِ المؤمنين الذين ثاروا في وجهِ المحتَلِّ الصهيونيّ, وقاوموه بكلِّ أشكالِ
المقاومةِ وبما توفّر لهم من أنواعِ السلاحِ, فكانَ الرجالُ, عند انطلاقِ أولى
شراراتِ المقاومةِ, يحملونَ العصيَّ يواجهونَ بها جنودَ العدوّ, وكانوا يرشقونهم
بالحجارةِ، وبما يتيَسّرُ لهمْ من أدواتٍ بسيطةٍ، وكانتِ النساءُ يغلينَ الزيتَ في
أوعيةٍ كبيرةٍ ويسكبْنَهُ على الجنودِ عندما كانوا يجتازونَ الطرقاتِ مشاةً أو في
آليّاتهم العسكريّةِ، ومع مرورِ الأيّامِ وثَباتِ العزيمةِ, ومعَ الإخلاصِ لله
تعالى, رأينا المجاهدينَ يحقّقونَ النصرَ العظيمَ, ورأينا جيشَ العدوّ يفرُّ منهزماً
من أرضنا العزيزةِ, وعادَ جنوبُنا الحبيبُ يزهو برجوعِ أبنائهِ إليه ورجوعهِ إليهم.
وكانَ هذا النصرُ تحقيقاً لقولِ اللهِ تعالى :﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
[1] سورة الجمعة، الآيات 1-4.
[2] ابن كثير الدمشقي، السيرة النبوية، ج3، ص527، طبعة دار المعرفة للطباعة والنشر
والتوزيع، بيروت.
[3] محمد بن إسماعيل البخاري، الأدب المفرد، ج1، ص156، حديث 438، طبعة:3، دار
البشائر الإسلامية، بيروت.
[4] محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، ج2، ص150، طبعة 1، دار صادر، بيروت، وأبو الفداء
اسماعيل ابن كثير الدمشقي، السيرة النبوية، ج3، ص610، دار المعرفة للطباعة والنشر،
بيروت، وغيرهم.
[5] قال عبد الله بن عباس:"لعليّ أربع خصال ليست لأحد غيره؛ هو أوّل عربي وعجميّ
صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، "وهو الذي كان لواؤه معه في كلّ زحف"،
وهو الذي صبر معه يوم فرّ عنه غيره، وهو الذي غسّله وأدخله قبره"، رواه الحافظ يوسف
بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج3، ص1090،
طبعة 1، دار الجيل.
[6] أحمد بن حنبل، المسند، ج11، ص95، حديث 15027، طبعة 1، مؤسّسة الرسالة، بيروت.
[7] علي بن إبراهيم القمّي، تفسير القمّي، العلّامة المولى محمد باقر المجلسي، بحار
الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار ج21، ص150، طبعة 2، مؤسّسة الوفاء،
بيروت.
[8] عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري، السيرة النبوية، ج2، ص443، طبعة 2، مصطفى
البابي الحلبي، مصر.
[9] محمد بن حبان التميمي البستي، صحيح ابن حبان، ج15، ص401، طبعة 2، مؤسّسة
الرسالة، بيروت.
[10] أحمد بن حنبل، المسند، ج23، ص273، حديث 15027.
[11] محمد بن اسماعيل البخاري، صحيح البخاري، ج3، ص1071، حديث 2772.
[12] أحمد بن علي أبو يعلى الموصلي، مسند أبي يعلى، ج6، ص289، حديث 3606، طبعة 1،
دار المأمون للتراث، دمشق، وأبو القاسم الطبراني في المعجم الأوسط، ج3، ص148، حديث
2758، طبعة دار الحرمين، القاهرة.
[13] محمد بن مسلم بن قتيبة الدينوري، المعارف، ج1، ص164، طبعة 2، الهيئة المصرية
العامة للكتاب، القاهرة، وقد ذكر سبعة منهم، ونقل الحافظ ابن حجر بقيّة عدّتهم في
فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج8، ص30، وهم جعفر بن أبي سفيان بن الحارث وقثم بن
العباس، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، ونوفل بن
الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب، ورجح قول العبّاس بن عبد المطلب عمّ النبيّ
الأكرم (ص).
[14] المتعمد ما روي عن العباس أنّهم كانوا تسعة عاشرهم أيمن؛ وله في ذلك الشعر
الذي تقدّم نقلُه، وذلك أنّه كان ممّن ثبَت مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
طول الوقعة، وشاهد ما كان من الأمر، وهو الذي كان ينادي المنهزمين و يستلحقهم بأمر
النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). و قد باهى بما قاله من الشعر، ومن الممكن أن
يثبت جمع بعد انهزام الناس هنيئة ثم يلحقوا بالمنهزمين، أو يرجع جمع قبل رجوع غيرهم،
فيلحقوا بالراية فيُعدّوا ممّن ثبُت وقاتل، فالحرب العوان لا يجري على ما يجري عليه
السلم من النظم، ومن هنا يعلم ما في قول بعضهم: -(إنّ الأرجح رواية الثمانين كما عن
عبد الله بن مسعود، وإليها يرجع ما رواه ابن عمر أنّهم كانوا دون المائة، فإنّ
الحجّة لِمَن حفظ على من لم يحفظ. انتهى)- وعلّق صاحب تفسير الميزان، فقال: وذلك أنّ
كون الحجّة لِمَن حفظ على من لم يحفظ حقّ؛ لكن الحفظ في حال الحرب على ما فيه من
التحوّل السريع في الأوضاع الحاضرة غير الحفظ في غيره، فلا يعتمد إلّا على ما شهدت
القرائن لصحّته وأيّد الاعتبار وثاقة حفظِه، وقد كان العباس مأمورا بما من شأنه حفظ
هذا الشأن وما يرتبط به"السيد محمّد حسين الطباطبائي، تفسير الميزان، سورة التوبة.
[15] ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، ج8، ص376، طبعة الدار الإسلامية،
طهران.
[16] أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، فتح الباري، ج8، ص29، طبعة دار المعرفة،
بيروت.
[17] أحمد بن حنبل، المسند، ج2، ص382، حديث 1775، طبعة 1، دار الحديث، القاهرة،
بتحقيق أحمد شاكر.
[18] أحمد بن عمرو العتكي "البزار"، مسند البزار، ج11، ص35، طبعة1، مكتبة العلوم
والحكم، المدينة المنوّرة.
[19] محمد بن عمر الواقدي، مغازي الواقدي، ج3، ص903، غزوة حُنين.
[20] سورة التوبة، الآيتان 25و26.
[21] سورة آل عمران، الآية 126.