الهدف؛ وفاءً لذكرى أسد الله ورسوله سيّد
الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم النبيّ الأكرم (ص)، وذِكْر بعض الدروس المستفادة من
غَزوة أُحد.
محاوِر الخِطبة؛
1 - مطلع الخِطبة
2 - نشأة سيّد الشهداء حمزة
3 – إظهار حمزة الإسلام
4 - حمزة في المدينة المنورة
5 - صور من معركة أُحد
6 - التحوّل الذي غيّر مجرى الأحداث
7 - مقتل سيد الشهداء حمزة (ع)
8 - بعضاً من معاناة النبيّ الأكرم (ص)
9- وقوف النبي (ص) على مصرع حمزة
10- حمزة على لسان أهل الكساء
مطلع الخِطبة
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على خاتم النبيّين وأشرف الخلق
أجمعين؛ سيّدنا ومولانا رسول الله أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيبين
الطاهرين، وبعد: قال الله العظيم في كتابه الكريم: {مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ
قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }[1].
أيُّها المؤمنون الكرام؛ نحن معكم في هذه البُرهةِ من الزمن لنختار بعض القبسات
الإيمانية من سيرة أحدِ هؤلاء العظماء؛ الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فغدا
سيّداً للشهداء، وأحد مفاخر أهل الكساء.
نحن أيّها الأحبة؛ في رحاب حضرة الملِك الأزهر، والأسدِ المرسل حمزة بن عبد المطلب
بن هاشم[2]، وقد قال رسول الله (ص): "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى
قريشاً من كنانة، "واصطفى من قريش بني هاشم"، واصطفاني من بني هاشم"[3]. فسيّدنا
الحمزة بن عبد المطلب (ع) سليل المصطفين من قريش وكنانة واسماعيل، وهم أصحاب بيت
المكارم، والسنام الأكبر من هاشم قمّة العرب فضلاً، وأوسطهم نسباً[4]، وأعزّهم
كياناً، وأفصحهُم لساناً. هم مِلح الأرض وزينةُ الدنيا، ولُباب كلّ جوهر كريم. وسرّ
كلّ عنصرٍ لطيف، والطينة البيضاء والمغرس المبارك، والنصابُ الوثيق. ومعدِن الفهم
وينبوع العلم؛ قومٌ لا خيرَ إلّا هم، أو فيهم، أو لهم، أو معهم، أو انضافَ إليهم.
من يُباريهم وفي الشمس معنى ... مجهد متعب لمن باراها
نشأة سيّد الشهداء حمزة
أيّها الأحبّة؛ إذا كانت ركائز الفرد الروحية والأخلاقية تستند إلى بوادر تربيته
وبيئته، وبيته الذي نشأ فيه، فإنّ أسد الله ورسوله (ص) قد وُلِد ونشأ في بيت أبيه
العظيم سيّد مُضر؛ عبد المطلب بن هاشم. تحُوطُه العِزةُ والكرامةُ، فحازَ من مكارم
الأخلاق أعلاها، ومن الآداب أفضلها وأسناها، وحوى من الشمائل أزكاها وأنداها. فعُرف
بين العرب بسموّ الروح وعلوّ الهمّة، وقوّة الإرادة ومضاء العزيمة، وجلال الشرف،
وعزّة الكرامة، إلى الكثير الكثير من خصائله الحميدة وشمائله المجيدة.
إظهار حمزة الإسلام؛
قال عزّ الدين بن الأثير الجزري: أسلَم في السنة الثانية من المبعث،
وكان سبب إسلامه ما أخبرنا به أَبُو جَعْفَر عبيد اللَّه بْن أحمد بِإِسْنَادِهِ
إِلَى يونس بْن بكير، عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاق، قال: إنّ أبا جهل اعترض رَسُول
اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فآذاه وشتمه، ونال منه ما يكره من العيب
لدينه والتضعيف له. فلم يكلمه رَسُول اللَّهِ (ص) ومولاة لعبد اللَّه بْن جدعان
التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك، ثم انصرف عنه، فعمد إِلَى ناد لقريش عند
الكعبة، فجلس معهم، ولم يلبث حمزة بْن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، أن أقبل متوشّحاً
قوسه راجعاً من قنص له. وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم
يرجع إِلَى أهله حتى يطوف بالكعبة. وكان إذ فعل ذلك لم يمرّ على ناد من قريش إلّا
وقف وسلّم وتحدّث معهم. وكان أعزّ قريش وأشدّها شكيمة، فلمّا مرّ بالمولاة، وقد قام
رَسُول اللَّهِ (ص) فرجع إِلَى بيته، فقالت له: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابن
أخيك مُحَمَّد من أَبِي الحكم آنفاً، وجدّه ههنا فآذاه وشتمَه، وبلغَ منه ما يَكره،
ثم انصرفَ عنه، ولم يكلّمه مُحَمَّد، فاحتمل حمزة الغضب لـِما أراد اللَّه تعالى به
من كرامته. فخرج سريعاً لا يقف على أحد، كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، مُعدّاً
لأبي جهل أن يقع به. فلمّا دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوَه حتى
إذا قام على رأسه رفع القوس، فضربه بها ضربة شجّهُ شجّةً مُنكرة، وقامت رجال من
قريش من بني مخزوم إِلَى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلا قد
صبَأت، فقال حمزة: وما يمنعني، وقد استبانَ لي منه ذلك؟ أنا أشهد أَنَّهُ رَسُول
اللَّهِ، وأنّ الذي يقول الحقّ، فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين، قال
أَبُو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني والله لقد سببتُ ابن أخيه سبًّا قبيحاً، وتمّ حمزة
على إسلامه. فلمّا أسلم حمزة عرفت قريش أنّ رَسُول اللَّهِ (ص) قد عزّ وامتنع، وأنّ
حمزة سيمنعه، فكفّوا عن بعض ما كانوا يتناولون منه"[5].
حمزة بن عبد المطلب في المدينة المنوّرة
عاش حمزة مع رسول الله (ص) في مكّة مُلازماً له إلى أن أمرَهُ رسول الله
(ص) بالهجرة إلى يثرب، فكان من أوائل المهاجرين. وفي السنة الأولى من الهجرة لم يغزُ
رسول الله (ص) بنفسه، وبعث عمَّه حمزة في جمادى الأولى، فكان أوّل من غزا في سبيل
الله، وأوّل من عقدت له راية في الإسلام خرج في ثلاثين راكباً إلى سيف البحر"[6]،
وكان حمزة يعلم في الحرب بريشة نعامة. وقاتل يَوْم بدر بين يدي رَسُول اللَّهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ) بسيفَين، وسأل بعض أسارى الكفار: من الرجل المعلم
بريشة نعامة؟ قَالُوا: حمزة رضي اللَّه عنه؛ قال: ذاك فعل بنا الأفاعيل"[7].
صور من معركة أحد؛
معاشر أهل الإيمان؛ بعد غزوة بدر الكبرى عادت فلول المشركين إلى مكّة
حانقة الصدر تتجرّع غُصص الهزيمة التى لم تُصب بمثلها في كلّ تاريخها . عادت وفي
نفسها ثورة لا تريد لها أن تهدأ حتى تثأر لشرفها المثلوم، وكرامتها الملتاثة، فحشدت
وتهيّئت بكلّ ما أُوتيت من قوّة، وقصدت المدينة المنورة، فكانت معركة أحد التي
تقاربَ فيها الجمعان، وتدانت الفئتان، وبدأت مراحل القتال. وكان أوّل وقود المعركة
حامل لواء المشركين طلحة بن أبي طلحة العبدري، وكان من أشجع فرسان قريش، فلما صاح:
مِن يبارز؟ برز لَهُ أمير المؤمنين علي (ع)، فالتقيا بين الصفين، فبدره عَلِيّ
فضربه على رأسه حتى فلَقَ هامتَهُ فوقع، وهو كبشُ الكتيبة، فَسُّرَ رَسُول اللَّهِ
(ص) بذلك وأظهر التكبير، وكبّر المسلمون وشدّوا على كتائب المشركين يضربونهم حتى
نقضت صفوفهم[8]، وقُتلَ كلّ من حمل لوائهم، وأصبح لواء المشركين ملقى لا يجْسر على
حمله أحد، وقصد" حنظلة الغسيل" أبا سفيان حتى علا مفرق رأسه لولا أن اغتاله من
الخلف شداد بن الأسود الليثي، وأمعَن في المشركين قتلاً كلاً من أسد الله الغالب
علي بن أبي طالب، وأسد الله ورسوله حمزة بن عبد المطلب -الذي كان يقاتل بين يدي
رسول الله (ص) بسيفين"[9]، "وقد قتل من المشركين في ذلك اليوم واحداً وثلاثين
نفساً[10]- وتبعهما على خطاهما أبو دجانة الأنصاري في رجال من شجعان الصحابة؛ فأنزل
الله نصرهُ وصدقَهُم وعدَه، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم، وكانت الهزيمة لا يشكّ فيها"[11].
التحوّل الذي غيّر مجرى الأحداث؛
أيّها المؤمنون الكرام؛ استطاع شجعان المسلمين أن يشتتوا شمل خالد بن
الوليد، وخيالته، وردّوه مدحوراً، وهزم المشركون هزيمة بيّنة، وهربت نسائهم مصعدات
في الجبل، وولّوا الأدبار[12]، وكانت هند بنت عتبة امرأة ثقيلة، قاعدة خاشية من
الخيل ما بها مشي"[13]، وما أن رأى الرماة "نساء قريش" يهِمن في الجبل، والرجال
يُولّون الأدبار، والغنائم تزحمُ الوادي.. حتى غادروا مواقعهم هابطين بُغية جمْع
الأسلاب، مخالفين قائدهم عبد الله بن جبير الذي ناداهم قائلاً: أنسيتم ما قال لكم
رسول الله ؟ فقالوا له: والله لنأتينّ الناس ولنصيبنّ من الغنيمة، فقال عبد الله بن
جبير: لا أجاوز أمر رسول الله (ص)، قالوا: لم يرد هذا قد انهزم المشركون، فما
مقامنا هاهنا، فانطلقوا يتبعون العسكر .."[14]، وحدث ما كان يتخوّف رسول الله (ص)
منه، حين كرّر وصاياه، وشدّد تعليماته على الرماة ألّا يبرحوا أماكنهم ولو تخطّف
الطير المسلمين. غير أن حبّ الدنيا عصفَ بتلك التوصيات!، وثبُتَ عبد الله بن جبير،
ومعه نفر يسير دون العشرة، وكان خالد بن الوليد محسوراً بهزيمته الأولى، فما إن
شاهد هذا الانسحاب حتى انتهز الفرصة على عجَل، ولوى أعناق الخيل، وقتل ابن جبير،
ومن بقى معه، وانقضّ على المسلمين من الخلف، من حيث لا يحتسبون، وثابَ المشركون إلى
رايتهم، وأُحيط بالصحابة من الخلف والأمام، ووقعوا بين شقي الرّحى، فقاتل قسم منهم
حتى استشهدوا، وفرّ آخرون لمـّا سمعوا المشركين ينادون "قتل محمد"، والله تعالى
يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي
اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}[15].
مقتل سيد الشهداء حمزة (ع)؛
روى زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: "وكانت هند بنت عتبة جعلت
لوحشي جعلاً على أن يقتل رسول الله (ص)، أو أمير المؤمنين (ع) أو حمزة بن عبد
المطلب سلام الله عليهم، فقال: أمّا محمد فلا حيلة لي فيه لأنّ أصحابه يطيفون به.
وأمّا علي، فإنه إذا قاتل كان أحذر من الذئب. وأمّا حمزة فإني أطمع فيه لأنه إذا
غضب لم يبصر بين يديه. وكان حمزة يومئذ قد أعلَم بريشة نعامة في صدره، فكمن له وحشي
في أصل شجرة، فرآه حمزة فبدر بالسيف، فضربه إليه ضربة أخطأت رأسه؛ قال وحشي وهززتُ
حربتي حتى إذا تمكنتُ منه رميتُه، فأصبتُه في أربيتهِ فأنفذته وتركته حتى إذا برَد
صِرتُ إليه، فأخذت حربتي، وشغل عني وعنه المسلمون بهزيمتهم، وجاءت هند، فأمرت بشقّ
بطن حمزة، وقطع كبده والتمثيل به، فجذعوا أنفه وأذنيه ومثلوا به، ورسول الله (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) مشغول عنه"[16].
بعضاً من معاناة النبي الأكرم (ص)؛
أيّها الأخوة الكرام؛ بلغت الشدّة أن خلُصت كتائب الشرك المتتالية قريباً
من رسول الله (ص)، "فرماه عتبة بن أبي وقاص بحجر كسر أنفه ورباعيته اليمنى السفلى،
وجرح شفته السفلى، وأنّ عبد الله بن شهاب شجّهُ في جبهته، وأنّ ابن قمئة جرحَ
وجنتَهُ، فدخلت حلقتان من حلقِ المغفر في وجنته،..."[17]، فأثقله الألم بعد نزف
الدمّ من وجهه الشريف، وفي خضمّ هذه المعاناة؛ برزَ دور أبطال المسلمين من الثابتين
حول رسول الله (ص) كأمير المؤمنين علي (ع) ومصعب بن عمير وأبو دجانة، ونسيبة وأهل
بيتها الكرام رضوان الله عليهم، فقد سطّروا بثباتهم حول النبيّ الأكرم (ص) وذبِّهم
عنه أروع الملاحم الخالدة، وكان رائدهم فيها الصدق والإخلاص، صدق الإيمان والإخلاص
فيما عاهدوا الله عليه، وفي ذلك يقول الإمام أمير المؤمنين علي (ع):"لقد رأيتني
يومئذٍ وإني لأذبّهم في ناحية، وإنّ أبا دُجانة لفي ناحية يذبّ طائفة منهم حتى فرّج
الله ذلك كلّه، ولقد رأيتني وانفردت منهم يومئذ فرقة خشناء فيها عكرمة بن أبي جهل،
فدخلت وسطهم بالسيف، فضربت به واشتملوا عليّ حتى أفضيت إلى آخرهم، ثم كرّرت فيهم
الثانية حتى رجعت من حيث جئت، ولكنّ الأجل استأخر، ويقضي الله أمراً كان مفعولا"[18].
وقوف النبيّ (ص) على مصرع حمزة؛
عن جابر بن عبد الله، قال:"لمّا رأى النبي (ص) حمزة قتيلًا بكى، فلمّا
رأى مَا مُثِّلَ بِهِ شَهَقَ"[19]، فإنه"لم يمثّل بأحد ما مثل بحمزة، قطعت هند كبده،
وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، وبقرت بطنه[20]، وأنزل الله عز وجل:
{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ
بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ
إِلَّا بِاللَّهِ }[21]، فصبر رسول الله (ص) ونهى عن المثلة، وصارت
تشريعًا متّبعاً في حروب المسلمين، مهما بدا من وحشيّة الأعداء وخسّتِهِم واعتدائهم
على الحُرمات.
وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال:" ... فنظروا، فإذا حمزُة قد بُقرَ بطنُه، وأخذتْ
هند كَبده فلاكتْها، فلم تستطِعْ أن تأكلها، فقال رسولَ الله (ص):"أأكلتْ منه شيئاً؟
" قالوا: لا، قال: "ما كان الله ليُدخل شيئاً من حمزةَ النارَ"، فوضع رسول الله (ص)
حمزة فصلّى عليه، وجيء برجَل من الأنصار فوُضعِ إلى جنبه، فصلّى عليه، فرُفِع
الأنصاريُّ وترك حمزة، ثم جيء بآخر فوضعه إلى جنب حمزة، فصلّى عليه، ثم رُفع وتُرك
حمزة، حتى صلّى عليه يومئذٍ سبعين صلاةً"[22].
دفن سيد الشهداء حمزة؛
روى اسماعيل بن جابر، وزرارة عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع) قال:" دفن
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمّه حمزة في ثيابه بدمائه التي أُصيب فيها،
ورداه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) برداء فقصر عن رجليه، فدعا له بإذخر،
فطرحه عليه، وصلّى عليه سبعين صلاة، وكبر عليه سبعين تكبيرة"[23].
وروى ثابت بن أبي صفية عن الإمام زين العابدين علي بن الحُسين (عليهما السلام)
قال:"ما من يوم أشدّ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من يوم أُحد، قُتل
فيه عمّه حمزة بن عبد المطّلب أسد الله وأسد رسوله،.."[24].
في رثاء حمزة الخير؛
لمـّا عاد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة سمع النوْح على قتلى
الأنصار، فقال (ص):" لكن حمزة لا بواكي له"، فسمع رجال الأنصار، فأمروا نساءهم أن
يندبْنَ حمزة قبل قتلاهم، ففعلن ذلك[25]، وكانت شهادة حمزة بن عبد المطلب (ع) يَوْم
السبت النصف من شوال[26]، وقد رثاه عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فقال :
بكت عيني وحقّ لها بكاها ... وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا .... أ حمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعًا .. هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلي، لك الأركان هُدّت ... وأنت الماجد البرّ الوصول
عليك سلام ربّك في جنان ... يخالطُها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبرًا ... فكلّ فِعالُكم حسَنٌ جميل
رسول الله مصطبرٌ كريم ... بأمر الله ينطقُ إذ يقول
ألا مَن مبلغ عنّي لؤياً ... فبعد اليوم دائلة تدول
ألا يا هند لا تبدي شماتًا ... بحمزة إن عزّكم ذليل
ذِكْر حمزة على لسان أهل الكساء؛
لم ينقطع ذِكْر حمزة بن عبد المطلب (ع) عن ألسنة الذين أذهب الله عنهم الرجس
وطهّرهم تطهيراً أبدا، فهذا جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: وُلد لرجل منا غلام،
فقالوا: ما نسمّيه؟ فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «سمّوه بأحب الأسماء
إليَّ، حمزة بن عبد المطلب»[27]، فحمزة متجذّرٌ في القلب النبويّ، عالِقٌ بذاكرة
خاتم النبيّين (ص)، ومن حديث سلمان رضوان الله عليه أنّ النبيّ (ص)، وقبل أن يلتحق
بالرفيق الأعلى قال لبضعته الطاهرة فاطمة الزهراء (ع): "شهيدنا سيّد الشهداء، وهو
حمزة بن عبد المطلب، وهو عم أبيك، قالت (عليها السلام): يا رسول الله؛ وهو سيّد
الشهداء الذين قتلوا معه ؟ قال: لا؛ بل سيّد شهداء الأوّلين والآخرين، ما خلا
الأنبياء والأوصياء"[28].
وروى إبراهيم بن محمد الثقفي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع)؛ أنّ مولاتنا
فاطمة الزهراء عليها السلام "كانت مسبحتَها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد
التكبيرات، فكانت عليها السلام تديرها بيدها تكبّر وتسبّح إلى أنْ قُتل حمزة بن عبد
المطلب سيد الشهداء، فاستعملت تُربته وعملت المسابيح، فاستعملها الناس .."[29].
حمزة على لسان أمير المؤمنين (ع)؛
كان أمير المؤمنين علي (ع) يحبّ عمّه سيّد الشهداء حمزة (ع) حبّاً جمّاً،
وما أكثر المواقف التي ذكرها فيها مصرّحاً بفضله، ومن تلكُمُ المواقف موقفه الشهير
لمـّا صاح بأعلى صوته:"يا كتيبة الإيمان والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم،
فقذف الله الرعب في قلوب بني قريظة، وقالوا: يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ"[30]،
وقبلوا التحكيم.
ومن خِطبة خطبها الإمام أمير المؤمنين علي (ع) بالبصرة، وذكر فيها خير الخلق عند
الله تعالى قال (ع):"ألا وإنّ أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، .."[31].
وممـّا تواتر عن الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله :
مُحَمَدٌ الـنَّبـيُّ أَخـي وَصِهـري ... وَحَمزَةُ
سَيِّدِ الشُهداءِ عَمّي[32]
حمزة على لسان الإمام المجتبى؛
قال الحسن بن علي (عليهما السلام) فيما احتجّ على معاوية :"وكان ممّن
استجاب لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) عمّه حمزة، وابن عمّه جعفر، فقتلا شهيدين
رضي الله عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجعل
الله تعالى حمزة سيّد الشهداء من بينهم، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة
كيف يشاء من بينهم، وذلك لمكانهما من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومنزلتهما
وقرابتهما منه (صلّى الله عليه وآله) وصلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على
حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه"[33].
حمزة على لسان إمام الشهداء؛
حمدَ الله وأثنى عليه وقال: "أمّا بعد أيّها الناس؛ انسبوني وانظروا من
أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم، فعاتبوها هل يحلّ لكم سفك دمي وانتهاك حرمتي؛ ألستُ
ابن بنت نبيّكم وابن ابن عمّه، وابن أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم، أوَليس حمزة
سيّد الشهداء عمّ أبي؛ أو لم يبلغُكم قول رسول الله (ص) مستبشراً لي ولأخي أنّا
سيّدا شباب أهل الجنة؛ أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي وانتهاك حرمتي"[34].
إنّا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولا نقول إلا
ما يرضى ربنا، فالحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه المصطفى محمّد
وآله الطيبين الطاهرين.
[1] سورة الأحزاب، الآية 23.
[2] الإمام أبو جعفر الباقر (ع) هو من أطلق هذا اللقب على سيّد الشهداء حمزة،
يُراجع أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، تفسير فرات الكوفي، ص397، طبعة
1، مؤسّسة الطبع والنشر في وزارة الإرشاد الإسلامي، طهران.
[3] مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، ج7، ص58، حديث 6077، باب فضل
نسب النبيّ (ص)، طبعة دار الجيل بيروت ودار الآفاق الجديدة، بيروت.
[4] يقال فلان أوسط القبيلة؛ أي أعرفهم وأشرفهم نسباً، وأرفعهم محلاًّ، وأكرمهم
موضعاً، ويقال إنّ الوسيط هو الشريف في قومه، لأنّ النسب الكريم دارَ به من كلّ جهة
وهو وسط، فالوسط في ذِكر النسب من أوصاف المدح والتفضيل.
[5] علي بن أبي الكرم الشيباني الجزري"أبن الأثير"، أُسد الغابة، ج1، ص529، ترجمة
1251، طبعة دار الفكر.
[6] يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، الاستيعاب في معرفة الأصحاب،
ج1، ص42، طبعة1، دار الجيل.
[7] أبن الأثير، أُسد الغابة، ج1، ص529، ترجمة 1251.
[8] محمد بن عمر بن واقد السهمي الواقدي المدني، مغازي الواقدي، ج1، ص226، طبعة 3،
دار الأعلمي، بيروت، ومحمد بن سعد، الطبقات الكبرى، ج2، ص31، وغيرهم الكثير.
[9] الحافظ ابن عبد البر، الاستيعاب، ج1، ص373، وقد روى ذلك مسنداً عن عمير بن
اسحاق.
[10] أبن الأثير، أُسد الغابة، ج1، ص528، ترجمة 1251.
[11] محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي بالولاء، المدني، سيرة ابن إسحاق، ج1، ص329،
طبعة1، دار الفكر، بيروت، وابن الأثير الشيباني الجزري، الكامل في التاريخ، ج2،
ص43، طبعة 1، دار الكتاب العربي، بيروت.
[12] محمد بن جرير الطبريّ، تاريخ الأُمم والرسل والملوك، ج2، ص62، طبعة1، دار
الكتب العلمية، بيروت، و ابن الأثير الجزري، الكامل في التاريخ، ج2، ص43.
[13] ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج70، ص176.
[14] محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، ج2، ص41، طبعة دار صادر.
[15] سورة آل عمران، الآية 144.
[16] الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري، الأرشاد، ج1، ص82-83، طبعة1،
مؤسسة آل البيت (ع)، نشر مؤتمر ألفية الشيخ المفيد، قم.
[17] شمس الدين الذهبي، تاريخ الإسلام، ج2، ص193، طبعة 1، دار الكتاب العربي، بيروت.
[18] محمد بن عمر الواقدي، مغازي الواقدي، ج1، ص256، وابن عساكر الدمشقي، تاريخ
دمشق، ج25، ص78.
[19] الحافظ ابن عبد البر، الاستيعاب، ج1، ص374.
[20] الحافظ ابن عبد البر، الاستيعاب، ج1، ص373-374.
[21] سورة النحل، الآيتان 126-127.
[22] أحمد بن حنبل، المسند، ج4، ص251، حديث 4114، طبعة1، دار الحديث، القاهرة،
تحقيق أحمد محمد شاكر.
[23] ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج3، ص211، طبعة 4 دار الكتب
الإسلامية، طهران.
[24] الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، الأمالي، ص462، المجلس السبعون،
طبعة 6، كتابجي طهران.
[25] أحمد بن حنبل، المسند، ج4، ص474، حديث 4984.
[26] أبن الأثير الجزري، أُسد الغابة، ج1، ص529، ترجمة 1251.
[27] أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، المستدرك، ج3، ص196، طبعة1، دار الكتب
العلمية، بيروت.
[28] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ج1، ص263-264، طبعة 2، الدار
الإسلاميّة، طهران.
[29] الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري، كتاب المزار، ص150، طبعة1،
مؤتمر ألفية الشيخ المفيد، قم.
[30] ابن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص240.
[31] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص450.
[32] محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني "مرتضى الزَّبيدي"، تاج العروس، ج26،
ص445، طبعة دار الهداية، ومحمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي، لوامع الأنوار
البهية، ج2، ص338، طبعة مؤسسة الخافقين ومكتبتها، دمشق.
[33] الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، الأمالي، ص563، طبعة 1، دار الثقافة، قم.
[34] الشيخ المفيد، الأرشاد، ج1، ص97-98.