الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1315 - 26 ذو القعدة1439 هـ - الموافق 09 آب2018م
اقتران النور بالنور، وأهداف الزواج في الإسلام

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الهدف؛ التعرّف على بعض من أهداف الزواج في الإسلام، والتذكير بزواج مولانا الإمام أمير المؤمنين، علي (عليه السلام)، من مولاتنا الطهْر البتول فاطمة سلام الله عليها.

محاور الخِطبة
1- مطلَع الخِطبة.
2- سنّة المصطفى فمن رغب عنها، فليس منه.
3- المؤمن كُفءٌ للمؤمنة، والمسلم كُفءٌ للمسلمة.
4- الرحمة والعلاقة بين الزوجين.
5- الزواج وتكوين الأسرة.
6- الامتداد الطبيعي للوالدين.
7- أمر الله بتزويج فاطمة من علي عليهما السلام.
8- تفاصل زفاف النورَين.
 
مطلع الخِطبة
الحمد لله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على خاتم النبيّين وأشرف الخلق أجمعين سيّدنا ومولانا رسول الله أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد:

قال الله العظيم في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً[1].

أيّها المؤمنونَ الكرام؛ إنّ العيش الهانِئ ضرورةٌ من ضَرورات الحياةِ؛ ليستقرَّ المجتمَع ويحصلَ النمَاء والبناء، والنفس البشريّة قد جُبِلت على أن تسكنَ وتطمئنَّ إلى نفسٍ أخرَى، ففي ظلّ الزواج تلتقي النفوس على المودّة والرحمة، والحصانة والطُهر، وكريم العيش والسّتر، وفي كنفه تنشأ الطفولة، وتترعرع الأحداث وترتبط النفوس بالنفوس، وتتعانق القلوب بالقلوب، والأمر كما قال الله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ[2]، وفي رحاب الإسلام العظيم يعدّ تحقيق الأمن والاستقرار النفسي من أسمى أهداف الزواج؛ وقد قال الله تعالى في معرِض ذكرِ نِعمه الوفيرةِ وآياته الكثيرة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ[3]، والمتأمّل في هذه الآية المباركة سيجد أنّ الربّ تبارك وتعالى قد قال: ﴿أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَ، ولم يقُل: لتسكنوا معها، وذلك يدلّ على أنّ الزواجَ سكَنٌ واستقرار وراحةُ.
 
سُنّة المصطفى فمن رغب عنها، فليس منه
لا غَرابة إزاء ما قدَّمنا أن يحثَّ الإسلام على الزواج، ويَجعلَه رُكناً مهمّاً في حياة الفرد المسلم، ويجعله ضرورةً لكلِّ قادرٍ عليه؛ فيحثَّ على تيسيرهِ وتسهيلِ طريقه، وينهى عن كلِّ ما يقِف في سبيلِه أو يعكِّر صَفوَه، ويأمَرَ الله به، فيقول:﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً[4]، ويقول عزّت آلاؤه: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [5]، ولأنّ الزواج آيةٌ عظيمة من آياتِ الله تعالى وجّه مولانا رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم حديثَه إلى الشباب، فقال:”يا معشر الشباب، مَن استَطاع منكم الباءَةَ فليتزوَّج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفَرْج، ومَن لَم يَستطع، فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاءٌ”[6] أي وقاية من الزنا، فإنّ المطلوب شرعاً من الرجل والمرأة أن يعفّ كلّ منهما الآخر، وهذا من أهم أهداف الزواج وغاياته، كما قال صلّى الله عليه وآله وسلّم: فإنه “أغضُّ للبصر وأحصن للفرج”، وزاد صلّى الله عليه وآله وسلّم الأمرَ وضوحاً وتحديداً، فقال:” النكاح سنّتي، فمَن رَغِب عن سُنَّتي فليس مني”[7].
 
المؤمن كُفءٌ للمؤمنة، والمسلم كُفءٌ للمسلمة:
إنّ مولانا رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم، لمـّا أراد مواجهة العصبية القومية والقبلية، في العلاقات الاجتماعية، شجّع المسلمين على الاندماج فيما بينهم، بغضّ النظر عن أعراقهم أو قوميّاتهم أو قبائلهم، وجعل (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الزواج قاعدة مهمّة لتجاوز الحواجز القومية والقبلية، ووسيلة من الوسائل الناجعة التي كافح فيها حميّة الجاهليّة، ولذلك نراه قد حَرِص على تزويج جويبر، وكان من أصحاب البشرة السوداء، على فتاة عربيّة عريقة النسب، هي الدلفاء بنت زياد بن لبيد من أشراف بني بياضة (بطن من الأنصار)، وقال النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم لأبيها زياد: ”يا زياد جويبر مؤمن، والمؤمن كُفء للمؤمنة، والمسلم كُفء للمسلمة، فزوجه يا زياد، ولا ترغب عنه”[8].
 
ليعلموا أنّ أكرمهم عند الله أتقاهم:
روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام، في نفس السياق السابق، أنه قال: ”إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوّج المقداد بن الأسود، ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب، وإنما زوّجه لتتضع المناكح، وليتأسّوا برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وليعلموا أنّ أكرمهم عند الله أتقاهم”[9].

ولقي تلميذ الصادق “هشام بن الحكم” بعض الخوارج فقال: يا هشام ما تقول في العجم يجوز أن يتزوّجوا في العرب؟ قال: نعم؛ قال: فالعرب يتزوّجوا من قريش؟ قال: نعم؛ قال: فقريش تزوّج في بني هاشم؟ قال: نعم؛ قال: عمّن أخذت هذا؟ قال: عن جعفر بن محمد عليه السلام سمعته يقول: ”أتتكافأ دماؤكم، ولا تتكافأ فروجكم”[10].
 
الرحمة، والعلاقة بين الزوجين
يتصوّر البعض أنَّ العلاقةَ بين الزوجَين ليست إلّا علاقة دنيويّة مادّية، ويبالغ هذا البعض بوصفها أنه شهوانيّة بهيميّة، والحقّ إنها علاقةٌ روحيّة كريمة تحوطها الرحمة من كلّ الجهات، وليست الرحمة لوناً من الشفقة العارضة، وإنّما هى نبع للرقّة الدائمة ودماثة الأخلاق وشرف السيْرة.. وعندما تقوم البيوت على السكَن المستقر والودّ المتصل والتراحُم الحاني؛ فإنّ الزواج يكون أشرفُ النِّعم، وأبركها أثراً حيث تمتدّ أثاره الشريفة إلى الحياة الآخرة، وهناك يكون الأمر كما قال الله تعالى: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ[11].
 
الزواج وتكوين الأسرة
معاشر المؤمنين؛ إنّ الأسرة كيان مقدَّس في نظر الإسلام، وهي اللَّبِنَة الصالحة الأساسية في بناء المجتمع الإنساني السليم، ولهذا أَوْلَى الإسلام بناءها عناية فائقة، وأحاط إنشاءها بأحكام وآداب تكفَل أن يكون البناء قويّاً ويحقِّق الغاية الكبرى من وجوده، وقد جعل الزواج بداية الطريق لتحقيق هذه الغاية. فالحياة الزوجية، في الإسلام، أنبل صلة عرفتها الإنسانيّة، لأنّها رسالة ومسؤولية عظمى وتعاون مستمر وتضحية دائمة في سبيل توجيه البشرية إلى الطريق السليم (طريق التقوى)، وفي ذلك قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[12].
 
الامتداد الطبيعي للوالدين
حضّ الإسلام العظيم على الزواج لأنه حاجة فطرية للإنسان فطره اللّه عليها وهيّأه لها ووجّهه إليها ليقوم بواجبه في الحياة من المحافظة على النوع الإنساني، وتكاثر هذا النوع وزيادته, وفى ذلك يقول اللّه سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً[13]، ولو ترك الأمر لتسير تعاليم “بولس” عندما قال: ”لغير المتزوجين والأرامل: إنّه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا”[14] أي بلا زواج”، فلو تمّت هذه الإرادة لهلك العالم، وأقفرت القارات!!

ولا يخفى عليكم إنَّ الولد يشكّل الامتداد الطبيعي لوالديه، فمن خلاله ينقل الوالدان صفاتهما وأفكارهما وأخلاقهما، وفي كلّ ذلك امتداد معنويّ لوجودهما، وفي ذلك يقول الاِمام الباقر عليه السلام: ”من سعادة الرّجل أن يكون له الولد، يعرف فيه شبهه: خَلقه، وخُلقه، وشمائله”[15].

كما أنّ الآباء سوف ينالون الثواب نتيجة لأعمال أولادهم الحسنة من دعاء أو صدقة أو عبادة، وما إلى ذلك. وهذا ، بحد ذاته، حافز آخر يشجّع على اتخاذ الذّرية، لمِا يوفّره الولد للوالدين من سعادة أُخروية، واستمرار لذكرهم في الحياة لتبقى نفحات الهداية بالمـُهتدين.

فقد روي عن النبيّ (ص) أنه قال: ”سبع يجري للعبد أجرهن، وهو في قبره، وبعد موته: من علم علماً أو كرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً أو ورث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته”[16]، وذكر الإمام الصادق (عليه السلام ) ست خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته، جاء في أولها:”ولد صالح يستغفر له”[17].
 
أمر الله تعالى بتزويج فاطمة من علي عليهما السلام
معاشر أهل الأيمان؛ يطالعنا عزة شهر ذي الحجة بحادثة عزيزة على قلوب أهل الإيمان، وهي ذكرى زواج أمير المؤمنين علي من سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولأهمية هذه الزيجة في الإسلام نجد في كتب الحديث والتاريخ حشداً ضخماً من الأخبار التي تتناول بتفصيل أو بإيجاز زواج علي من فاطمة عليهما السلام، مما يعكس اهتمام السابقين من المسلمين بهذه الزيجة. فبعد غزوة بدر الكبرى تعرّض شيوخ الصحابة كأبي بكر وعمر لخطبة السيدة الزهراء (عليها السلام)، فردّهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم”[18]، وخطبها من المهاجرين عبد الرحمن بن عوف فلم يجبه[19]، وكان صلّى الله عليه وآله وسلّم ينتظر بها القضاء[20]، مما دفع نفر من الأنصار، وعلى رأسهم سعد بن معاذ أن يلحّوا على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بخطبة الطهر البتول فاطمة عليه السلام، فأتى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال له المصطفى:”ما حاجة ابن أبي طالب؟”، فقال: يا رسول الله؛ ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال:”مرحباً وأهلاً”؛ لم يزد عليها، فخرج علي بن أبي طالب على أولئك الرهط من الأنصار ينتظرونه، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما أدري غير أنّه قال لي:”مرحباً وأهلاً”؛ قالوا: يكفيك من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إحداهما، أعطاك الأهل والمرحب”[21].
وكم خاطب قد رُدّ فيها ولم يُجَب.. وكم طالبٍ صهراً وما كان بالأهلِ
ولــــــولا عـلـي ما استجيب لخاطبٍ.... ولا كانت الــزهــرا تزفّ إلى بـعــلِ


ثم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: يا علي، إنّه قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك، فدخل إليها... فقال لها : يا فاطمة؛ فقالت: لبيك لبيك، حاجتك يا رسول الله؟ قال : إنّ علي بن أبي طالب من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه، وإني سألت ربي أن يزوجك خير خلقه وأحبّهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟ فسكتت ولم تولّ وجهها، ولم يرَّ فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها، فأتاه جبرئيل عليه السلام، فقال:”يا محمد ، زوّجها علي بن أبي طالب، فإنّ الله قد رضيها له، ورضيه لها”[22]، وفي ذلك روى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام:”أُمرت بتزويجك من السماء”[23]، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:”إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي”[24].
 
الاستئذان والمشاورة
وهنا درس نتعلّمه من زواج الزهراء عليها السلام؛ هو الاستئذان من الفتاة البكر ومشاورتها، واستئمارها لكسب رضاها قبل الزواج، وهو من الحقوق المهمّة التي أولاها الإسلام للمرأة إظهاراً لكرامتها، ورغم أنّ زواج الزهراء عليها السلام كان بأمر الله تعالى، فقد عمل ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سنة وتأديباً للاُمّة.
 
خطبة العقد
وهي من السنن المستفادة من زواج أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، بسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام، فبعدَ أن خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) من عند رسول الله ، إلى المسجد؛ قال جابر بن عبد الله الأنصاري، قال علي (عليه السلام): فوالله ما توسّطناه (المسجد) حتى لحق بنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإنّ وجهه يتهلّل فرحاً وسروراً، فقال: أين بلال؟ فأجاب لبيك وسعدَيك يا رسول الله ! ثم قال أين المقداد؟ فأجاب لبيك يا رسول الله، ثم قال: أين سلمان؟ فأجاب لبيك يارسول الله، ثم قال: أين أبو ذر؟ فأجاب لبيك يا رسول الله، فلما مثلوا بين يديه قال: انطلقوا بأجمعكم فقوموا في جنبات المدينة، وأجمعوا المهاجرين والانصار والمسلمين، فانطلقوا لأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فجلس على أعلى درجة من منبره، فلما حشد المسجد بأهله قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فحمد الله وأثنى عليه... ـ وذكر الخطبة،...إلى أن قال: وإن الله عز وجل أمرني أنْ أزوج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي، وأولى الناس بي علي بن أبي طالب، والله عزّ شأنه قد زوجه بها في السماء، بشهادة الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الأرض، وأشهدكم على ذلك، ثم جلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: قم ـ يا علي، فاخطب لنفسك،  وابتدأ علي (عليه السلام)، فقال: الحمد لله الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين... إلى أن قال: فإن النكاح مما أمر الله تعالى به، وأذن فيه، ومجلسنا هذا مما قضاه ورضيه، وهذا محمد بن عبد الله رسول الله، زوّجني ابنته فاطمة، على صداق أربعمائة درهم ودينار، وقد رضيت بذلك، فاسألوه واشهدوا؛ فقال المسلمون: زوجته يا رسول الله ؟ قال: نعم؛ قال المسلمون: بارك الله لهما وعليهما، وجمع شملهما”[25].
 
الجهاز وأثاث البيت
إنّ جهاز الزهراء عليها السلام وأثاث بيتها يعكس مظاهر الزهد والتواضع وسموّ المبادىء وعظَمة القِيَم الإسلامية العُليا على مظاهر البذخ والترف الزائلة، وقد روى الشيخ الطوسي مسنداً عن الإمام الصادق عليه السلام قال:”إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قبض من ثمن الدرع قبضةً ودعا بلالاً فأعطاه، وقال: ابتع لفاطمة طيباً، ثم قبض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من الدراهم بكِلتا يدَيه فأعطاه أبا بكر، وقال: ابتَع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت، وأردفه بعمّار بن ياسر وبعدّة من أصحابه وحضروا السوق...، فكان ممّا اشتروه: قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، قطيفة سوداء خيبرية، وسرير مزمّل بشريط، وفراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جزّ الغنم، وأربع مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر، وستر من صوف، وحصير هجري، ورحى لليد، ومخضب من نحاس، وسقاء من أدم، وقعب للبن، وشنّ للماء، ومطهرة مزفّتة، وجرّة خضراء، وكيزان خزف. فلمّا عرض المتاع على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جعل يقلّبه بيده ويقول: “بارك الله لأهل البيت”[26]، واقتصرت كثير من الروايات على بعض ما جاء في هذه الرواية من الجهاز.
 
بيت الزهراء عليها السلام
روي عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت: لما أهديت فاطمة (ع) إلى علي بن أبي طالب (ع) لم نجد في بيته إلاّ رملاً مبسوطاً، ووسادة (حشوها ليف)، وجرّة، وكوز”[27].

وروي عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال:”اللهم بارك لقوم جلُّ آنيتهم الخزف”[28].
رفرف السعدُ فوق كوخٍ صغيرٍ... لم يُدنّس بقسوة الأغنياء
إن تـكـن قســمـةُ الغنيّ مـتـاعـاً...... فالإله الرحمن للاَتقياء


هذا هو ما ورد في وصف بيت الزهراء عليها السلام بأثاثه البسيط وجهازه المتواضع، فلتتعلّم منه الأمّة درس التضحية والإيثار ومظاهر العزّ والعظمة، ففي هذا البيت كان يجلس فخر الكائنات محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم مع عائلته؛ عليّ عليه السلام عن يمينه، وفاطمة عليها السلام عن يساره، والحسن والحسين عليهما السلام في حجره، يقبّل هذا مرّة وذاك أخرى، يباركهم ويدعو لهم، ويسأل الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهّرهم تطهيراً..،  ومن هذا البيت المتواضع شعّ نور الهداية والإسلام على الناس مدى الأجيال، وفي هذا البيت سبّحت الزهراء وبعلها وبنوها عليهم السلام بالغدوّ والآصال.
 
وليمة الزفاف
روي عن عبد الله بن عباس في زواج أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: دعا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلالاً، فقال: ”يا بلال، إني زوجت ابنتي ابنَ عمّي، وأنا أحبّ أن يكون من سنّة أمّتي إطعام الطعام عند النكاح، فأتِ الغنم، فخُذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة، فاجعل لي قصعة لعلي أجمع عليها المهاجرين والأنصار، فإذا فرغت منها فآذني بها”، فانطلق ففعل ما أمره، ثم أتاه بقصعة، فوضعها بين يديه، فطعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في رأسها، ثم قال: (أدخل على الناس زقة زقة، ولا تغادرن زقة إلى غيرها) ـ يعني إذا فرغت زقة لم تعد ثانية؛ فجعل الناس يردون كلّما فرغت زقة وردت أخر، حتى فرغ الناس، ثم عمَد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى ما فضُل منها فتفل فيه، وبارك، وقال: ”يا بلال، احملها إلى أمهاتك، وقل لهن: كلن، وأطعمن مَن غَشيكن؛ “[29]، ثم إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام حتى دخل على النساء، فقال: ”إني قد زوّجت ابنتي ابن عمي، وقد علمتنّ منزلتها منّي، وإنّي دافعها إليه الآن إن شاء الله، فدونَكُنّ ابنتكن”، فقام النساء فغلّفنها من طيبهن، وحليهن، ثم إنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دخل، فلما رآه النساء ذهبن”[30].
 
زفاف فاطمة عليها السلام
روي عن الإمام موسى بن جعفر عن أبيه عن جده عليه السلام عن جابر بن عبد الله، قال: لما كانت ليلة زفاف فاطمة عليها السلام أتى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ببغلته الشهباء، وثنى عليها قطيفة، وقال لفاطمة: ” اركبي”، وأمر سلمان أن يقودها، والنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يسوقها، فبينا هو في بعض الطريق إذ سمع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وجبةً، فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألفاً، وميكائيل في سبعين ألفاً؛ فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: ” ما أهبطكم إلى الأرض؟” قالوا: جئنا نزفُّ فاطمة إلى علي بن أبي طالب فكبّر جبرائيل، وكبّر ميكائيل، وكبّرت الملائكة، وكبّر محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة”[31].

وأمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) “بنات عبد المطلب، ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة (عليه السلام)، وأن يفرَحْن ويرجزن، ويكبّرن ويحمُدن، ولا يقولن ما لا يرضي الله”[32].

قال عبد الله بن عباس: ”لما زفت فاطمة إلى علي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدامها؛ جبريل عن يمينها، وميكائيل عن يسارها، وسبعون ألف ملك خلفها يسبحون الله، ويقدسونه حتى طلع الفجر”[33].
 
ليلة العرس المبارك
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: ”لما كانت ليلة البناء قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ”لا تحدث شيئاً حتى تلقاني”؛ فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بماء فتوضّأ منه، ثم أفرغه علي فقال: ”اللهم بارك فيهما، وبارك لهما في بنائهما”[34]، وروي عنه عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين زوّجه فاطمة عليها السلام عوّذه بقُل هو الله أحد، والمعوذتين ثم دعا فاطمة، فقامت تمشي على استحياء، فقال: ”لم آل أن أزوجك خير أهلي”[35].

وفي رواية أسماء بنت عميس قالت: جاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: “أثم أخي؟”. فقالت أم أيمن - وهي أم أسامة بن زيد وكانت حبشية وكانت امرأة صالحة - : يا رسول الله هذا أخوك، وزوجته ابنتك؟ وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أصحابه، وآخى بين علي ونفسه، قال:”إن ذلك يكون يا أم أيمن”.

قالت أسماء: فدعا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بإناء فيه ماء، ثم قال ما شاء الله أن يقول، ثم مسح صدر علي ووجهه، ثم دعا فاطمة، فقامت إليه تعثر في مرطها من الحياء، فنضح عليها من ذلك، وقال لها ما شاء الله أن يقول، ثم قال لها: “أما إني لم آلك أن أنكحتك أحبّ أهلي إليّ”. ثم رأى سواداً من وراء الستر - أو من وراء الباب - فقال: “من هذا؟”. قالت: أسماء، قال: “أسماء بنت عميس؟”. قالت: نعم يا رسول الله، قال: “جئت كرامة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟”. قالت: نعم، إن الفتاة ليلة يبنى بها لا بدّ لها من امرأة تكون قريباً منها، إن عرضت لها حاجة أفضت ذلك إليها. قالت: فدعا لي بدعاء إنه لأوثق عملي عندي. ثم قال لعلي: “دونك أهلك”. ثم خرج فولى، فما زال يدعو لهما حتى توارى في حجره”[36].

وحدث الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقال: زوّجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل علينا صلى الله عليه وآله وسلم، وعليَّ كساء أو قطيفة فتحششتها، فقال: مكانكما؛ قلت: يا رسول الله أنا أحب إليك أم هي؟ قَالَ: ”هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْهَا”[37].

هذا؛ وصلّى الله على خير خلقه نبيّنا المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين.

[1] سورة النساء، الآية 1.
[2] سورة البقرة، الآية 187.
[3] سورة الروم، الآية 21.
[4] سورة النساء، الآية 3.
[5] سورة النور، الآية 32.
[6] عبد الرزاق بن همام الصنعاني، مصنف عبد الرزاق، ج6، ص169، حديث 10380، طبعة:2، المكتب الإسلامي، بيروت، وشمس الدين محمد بن محمد بن حيدر الشعيري، جامع الأخبار، ص101-102، الفصل الثامن والخمسون، طبعة:1، المطبعة الحيدريّة، النجف.
[7] محمد بن زين الدين بن أبي جمهور، عوالي اللئالي، ج2، ص261، طبعة:1، دار سيّد الشهداء للنشر، قم.
[8] ثقة الإسلام الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج5، ص339-343، طبعة:4، دار الكتب الإسلامية، طهران.
[9] جاء ذلك ضمن حادثة عظيمة روى تفاصيلها إمام المسلمين أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام، وساقها الشيخ الكُليني بطولها في الكافي، ج5، ص344، بسنده إلى الإمام الباقر عليه السلام.
[10] الشيخ الكُليني، الكافي، ج5، ص345.
[11] سورة الرعد، الآيتان 23-24.
[12] سورة الحجرات، الآية 13.
[13] سورة النساء، الآية 1.
[14] رسالة بولس إلى أهل كورنثوس، العهد الجديد، الإصحاح السابع، الآية 1 .
[15] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص306.
[16] أحمد بن الحسين بن علي الخرساني البيهقي، شعب الإيمان، ج5، ص122، حديث 3175، طبعة:1، مكتبة الرشد.
[17] الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، الخصال، ج1، ص323، طبعة:1، جماعة المدرسين، قم.
[18] أحمد بن شعيب النسائي، السنن الكبرى، ج6، ص62، حديث 3221، طبعة: مكتب المطبوعات بحلب.
[19] محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص245، والأربلي، كشف الغمة، ج1، ص368، والعلامة المجلسي، بحار الانوار، ج43، ص108، و140.
[20] عمر بن أحمد بن عثمان بن أيوب بن شاهين، فضائل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ج1، ص47، حديث 37، طبعة:1، دار ابن الأثير، الكويت.
[21] الحافظ أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص209، حديث 15214، طبعة: مكتبة القدسي، القاهرة، وقال: رواه الطبراني والبزار، ورجالهما رجال الصحيح غير عبد الكريم بن سليط، ووثقه ابن حبان.
[22] الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، الأمالي، ص39-40، المجلس الثاني، طبعة:1، دار الثقافة، قم.
[23] ابن شاهين، فضائل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ج1، ص48، حديث 38.
[24] نور الدين الهيثمي، مجمّع الزوائد، ج9، ص204، حديث 15208، وقال: رواه الطّبراني، ورجاله ثُقات.
[25] العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج100، ص269، طبعة:2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، نقلاً عن مسند فاطمة عليها السلام، وقد روي بالسند المتصل إلى الإمام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه.
[26] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص41، المجلس الثاني.
[27]نور الدين الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص209، حديث 15216، وقال: رواه كلّه الطبراني، ورجال الرواية رجال الصحيح.
[28] علي بن عيسى الإربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمّة، ج1، ص359-360، طبعة:1، بني هاشمي، تبريز.
[29] أبو القاسم الطبراني، المعجم الكبير، ج22، ص410، حديث 1022، طبعة:2، مكتبة العلوم والحكم، الموصل، والإربلي، كشف الغمة ، ج1، ص350-351.
[30] الطبراني، المعجم الكبير، ج22، ص410، حديث 1022، والإربلي، كشف الغمة، ج1، ص350-351.
[31] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص258، المجلس العاشر.
[32] محمد بن علي بن شهرآشوب المازندراني، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص354، طبعة:1، علامة، قم.
[33] أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج6، ص136، طبعة:1، دار الغرب الإسلامي، بيروت، وقد طعن جماعة بسند هذا الحديث، فردّ عليهم الخطيب البغدادي بقوله: والأمر عندنا بخلاف قول أبي زرعة، وأبي نعيم فإن بن رميح كان ثقة ثبتاً لم يختلف شيوخنا الذين لقوه في ذلك.
[34] نور الدين الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص209، حديث 15214، وقال: رواه الطبراني والبزّار، ورجالهما رجال الصحيح غير عبد الكريم بن سليط، ووثّقه ابن حبّان.
[35] ابن شاهين، فضائل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ج1، ص41، حديث: 27.
[36] نور الدين الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص209، حديث 15216، وقال: رواه كلّه الطبراني، ورجال الرواية رجال الصحيح.
[37] ابن شاهين، فضائل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ج1، ص43-44، حديث 30.

08-08-2018 | 11-17 د | 3811 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net