الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1323 - 24 محرم 1440 هـ - الموافق 04 تشرين الأول 2018م
الدعاء عند الإمام السجاد (عليه السلام)

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّ اللهم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
بدايةً، إلى مولانا صاحب العصر والزمان (عج)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، ولا سيّما الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات العزاء بذكرى شهادة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام)، والذي مضى شهيداً بسمّ دُسّ إليه بأمرٍ من الوليد بن عبد الملك بن مروان، في الخامس والعشرين من شهر محرّم الحرام، سنة 94 أو 95 للهجرة.

الظروف السياسيّة في زمن الإمام
بدأ الإمام زين العابدين (عليه السلام)، بعد شهادة والده الإمام الحسين (عليه السلام)، مرحلةً جديدة في خدمة الإسلام والدعوة إليه، حيث إنّ الظروف السياسيّة في زمانه كانت محكومة بالإرهاب والقتل والكبت، وكان عبد الملك بن مروان حامل لواء الظلم والتعسّف والاضطهاد، وخلفه ولاة قساة غلاظ، كالحجّاج وخالد القسريّ وبشير بن مروان، يتوّجهم طاغية جبّار مستهتر لا يتردّد في أن يمسك القرآن الكريم ويمزّقه، ويخاطبه مهدِّداً :
تهدِّدني بجبـَّارٍ عنيـد***وها أنا ذاك جبَّار عنيدُ
إذا لاقيت ربَّك يوم حشرٍ***فقلْ ياربِّ مزّقني الوليدُ


كما إنّ الإمام السجّاد (عليه السلام) عاصر سنوات من الاضطرابات والفوضى والصراع على السلطة بين الأمويّين والزبيريّين، وما رافقها من ثوارت وقتل وقتال ودمويّة...

هذا، مضافاً إلى حالة التراجع في مودّة أهل البيت (عليه السلام) ومحبّتهم، وهو القائل بعد شهادة الإمام الحسين (عليه السلام): "ما بمكّة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا!"...

الطريق الملائم لخدمة الدين
هنا، كان لا بدّ من تحديد المسؤوليّة تجاه الدين والدعوة إليه، وكان لا بدّ من اختيار الطريق المناسب لذلك، الطريق الذي يتلاءم مع حيثيّات عصره والظروف المحيطة به آنذاك.

وهنا طريقان أو خياران:
الأوّل: أن ينخرط الإمام (عليه السلام) في تلك الصراعات والاضطرابات الحاصلة، وبالتالي يضيع بين أولئك اللاهثين وراء السلطة والمتنافسين على الجاه والمال.
والثاني: الابتعاد عن هذا الصراع والصخب الدمويّ، والانشغال بإعداد النخبة الصالحة، وتطهير القلوب التي ملأها الصدأ، وإعادة توطيد العلاقة وربط الناس بتلك الصفوة التي قضت في كربلاء من آل محمّد (ص).

وممّا لا شكّ فيه أنّ الإمام (عليه السلام) قد وقع خياره على الطريق الثاني، وبدأ العمل على إعداد النواة الصالحة وتجهيزها وتأهيلها لتحمل رسالة المصطفى (ص) من جديد، في ظلّ تلك الأجواء السياسيّة الظالمة والعاتية؛ فاتّخذ من الدعاء والبكاء والعبادة والابتهال وسيلة لخدمة الدين المحمّديّ ومقاومة الظالمين.

حقيقة الدعاء عند الإمام السجّاد
اعتبر البعض أنّ الإمام (عليه السلام) باعتزاله قد اعتزل الناس بهمومهم وآلامهم، وهذا في الواقع رأي سطحي غير قويم، فقد تغافل هؤلاء عن أنّ دعاءه (عليه السلام) كان رسالة مفتوحة إلى الناس كلّهم؛ فهو وإن كان في ظاهره دعاء لله، إلا أنه في واقعه كان دعوة إلى الله، بما يحمله من مضامين تربويّة وخلقيّة وعقديّة، فبدعائه كان يدعو إلى الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يبثّ روح المواعظ والإرشادات...

هذه الأدعية التي جُمع معظمها في كتاب سُمّي بـ "الصحيفة السجّاديّة"، ووُصفت بأنّها "زبور آل محمّد (ص)"، كانت محور المعارف والعقائد الإسلاميّة، والفضائل الأخلاقيّة، وفلسفة الحياة. وقد كان بعضها رسائل خفيّة إلى شيعته، يدعوهم فيها إلى مقاومة الظلم، وعدم السكوت عليه.

نعم، إنّ الإمام السجّاد (عليه السلام)، بهذه الأدعية، أعاد ربط النفس الإنسانيّة بحبل السماء الذي قطعته السياسة الأمويّة، أعاد موازنة العقل مع القلب، والفكر مع الروح... واجهت موجات الرخاء والهبوط التي تعرّض لها المجتمع الإسلاميّ في بدايات الحكم الأمويّ.

وبكلمة موجزة: لقد صنعت أدعية الإمام زين العابدين (عليه السلام) فضاءً روحيّاً عظيماً في المجتمع الإسلاميّ، استطاع من خلاله تثبيت الإنسان المسلم وتحصينه في مواجهة مغريات الدنيا الفانية.

الدعاء غذاءٌ يوميّ
لقد جعل الإمام السجّاد (عليه السلام) من الدعاء غذاءً يوميّا، ومعيناً لا ينضب في كافّة الأوقات ومختلف الأمكنة وتنوّع الحالات؛ للصباح دعاء وللمساء دعاء، في المرض دعاء وفي العافية دعاء، عند الشدّة دعاء وفي الرخاء دعاء، عند المهمّات والظلامات، عند ذكر الموت، عند سماع صوت الرعد والرهبة، في استقبال شهر رمضان وفي وداعه، أدعيةٌ لأيّام الأسبوع، ودعاء في يوم عرفة، عند ختم القرآن، حال السفر... في كلّ موقف وموطن، ومع كلِّ نبضة قلب ورمشة جفن، كان الدعاء حاضراً، لا ينقطع ولا ينفد، لا يكلّ ولا يملّ، وكيف يكون ذلك؟! وهو القائل (إذا استقال من ذنوبه أو تضرَّع في طلب العفو عن عيوبه): "يَا إلهِي، لَوْ بَكَيْتُ إلَيْكَ حَتَّى تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْنَيَّ، وَانْتَحَبْتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتِي، وَقُمْتُ لَكَ حَتَّى تَتَنَشَّرَ قَدَمَايَ، وَرَكَعْتُ لَكَ حَتَّى يَنْخَلِعَ صُلْبِي، وَسَجَدْتُ لَكَ حَتَّى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَايَ، وَأكَلْتُ تُرَابَ الأرْضِ طُولَ عُمْرِي، وَشَرِبْتُ مَاءَ الرَّمَادِ آخِرَ دَهْرِي، وَذَكَرْتُكَ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ حَتَّى يَكِلَّ لِسَانِي، ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفِي إلَى آفَاقِ السَّمَاءِ اسْتِحْيَاءً مِنْكَ، مَا اسْتَوْجَبْتُ بِذَلِكَ مَحْوَ سَيِّئَة وَاحِـدَة مِنْ سَيِّئـاتِي...".

بعضٌ من مضامين الدعاء عند الإمام السجّاد (عليه السلام)
وإليكم -إخوتي وأخواتي- بعضاً من المضامين التي تناولها الإمام السجّاد (عليه السلام) في أدعيته، والتي تمثّلت في العقائد والأخلاق والعبادة، هذه المضامين التي كان لها دورٌ فعَّالٌ في إحياء المجتمع الإسلاميّ، بل شكّلت ركائز هذا المجتمع وأسسه.

أوّلاً: المضامين العقائديّة
بذاك الأسلوب الساحر، واللسان العذب، أعاد الإمام السجّاد (عليه السلام) رسم العلاقة بين الخالق والمخلوق، فجسّد بكلمات لها وقعها في النفوس فضل الله على مخلوقاته، وبيّن النِعم العظيمة والفيض الواسع، وكيف أنّ الله أبدع ونظّم هذا الكون في حركاته وسكناته، فكان من دعائه (عليه السلام) في الصباح والمساء: "الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بِقُوَّتِهِ، وَمَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِهِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً، وَأَمَداً مَمْدُوداً، يُولِجُ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ، وَيُولِجُ صَاحِبَهُ فِيهِ بِتَقْدِير مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِيمَا يَغْـذُوهُمْ بِـهِ وَيُنْشئُهُمْ عَلَيْـهِ، فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيْـلَ لِيَسْكُنُوا فِيْهِ مِنْ حَرَكَاتِ التَّعَبِ، وَنَهَضَاتِ النَّصَبِ، وَجَعَلَهُ لِبَاساً لِيَلْبَسُوا مِنْ رَاحَتِهِ وَمَنَامِهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ جَمَاماً وَقُوَّةً، وَلِيَنَالُوا بِهِ لَذَّةً وَشَهْوَةً. وَخَلَقَ لَهُمُ النَّهارَ مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فِيهِ مِنْ فَضْلِهِ، وَلِيَتَسَبَّبُوا إلَى رِزْقِهِ، وَيَسْرَحُوا فِي أَرْضِهِ، طَلَباً لِمَا فِيـهِ نَيْلُ الْعَاجِلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَدَرَكُ الاجِلِ فِيْ أُخْراهُمْ...".

ثمّ يبيّن في مواضع أخرى من أدعيته كيف أنّ الباري لا يُحدّ بمكان أو زمان، ولا تدرك كنهه الأذهان، ويعجز عن وصفه اللسان: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الْأَوَّلِ بِلَا أَوَّلٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَ الْآخِرِ بِلَا آخِرٍ يَكُونُ بَعْدَهُ الَّذِي قَصُرَتْ عَنْ رُؤْيَتِهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، وَعَجَزَتْ عَنْ نَعْتِهِ أَوْهَامُ الْوَاصِفِين...".

"لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي مَكان، وَلا غايَةٌ فِي زَمان. لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزُولُ وَلَنْ يَزَالَ كَذلِكَ أَبَدَاً، هُوَ الإِلهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، الدَّآئِمُ الْقادِرُ الْحَكِيمُ...".

وفي قالبٍ خاصّ، وببيان هادئ سلس، بعد أن تجرّأ أعداء الإسلام على المساس بأساس العقيدة الإسلاميّة، وهو التوحيد الإلهيّ، وذلك بإدخال شبهة التجسيم والتشبيه في أذهان العامّة، لإبعادهم عن الحقّ، وجرّهم إلى صنميّة الجاهليّة، يقول (عليه السلام) مواجهاً هذا الفكر الانحرافيّ: "إِلَهِي، بَدَتْ قُدْرَتُكَ وَلَمْ تَبْدُ هَيْئَةٌ فَجَهَلُوكَ، وَقَدَّرُوكَ بِالتَّقْدِيرِ عَلَى غَيْرِ مَا بِهِ أَنْتَ شَبَّهُوكَ، وَأَنَا بَرِيءٌ -يَا إِلَهِي- مِنَ اَلَّذِينَ بِالتَّشْبِيهِ طَلَبُوكَ، لَيْسَ كَمِثْلِكَ شَيْءٌ. إِلَهِي، وَلَمْ يُدْرِكُوكَ وَظَاهِرُ مَا بِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ دَلِيلُهُمُ عَلَيْكَ لَوْ عَرَفُوكَ، وَفِي خَلْقِكَ -يَا إِلَهِي- مَنْدُوحَةٌ أَنْ يُنَاوِلُوكَ، بَلْ سَوَّوْكَ بِخَلْقِكَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَعْرِفُوكَ، وَاِتَّخَذُوا بَعْضَ آيَاتِكَ رَبّاً فَبِذَلِكَ وَصَفُوكَ، فَتَعَالَيْتَ -يَا إِلَهِي- عَمَّا بِهِ اَلْمُشَبِّهُونَ نَعَتُوكَ".

وفي الرواية أنّ هذا الدعاء كان بعد أن سمع قوماً يشبّهون الله -تعالى- بخلقه، ففزِع لذلك وارتاع له ونهض حتى أتى قبرَ رسول الله (ص)، فوقف عنده ورفع صوته بهذه المناجاة.

ثانياً: المضامين الأخلاقيّة
وللسلوك والخُلق نصيب عظيم في أدعية الإمام السجّاد (عليه السلام)، فقد سعى إلى تجسيد الشخصيّة الإسلاميّة المثاليّة مبيّناً الخلق الإسلاميّ الرفيع.

أراد الإمام (عليه السلام) أن يرتقي بالنفس الإنسانيّة في مسلكها وخلقها، فجاء بمضامين راقية، تشحذ النفس للترفّع عن كلّ دنيء ووضيع، وتربطها بأخلاق السماء...

يقول (عليه السلام): "... وَلا تَبْتَلِيَنِّي بِالْكِبْرِ، وَعَبِّدْنِي لَكَ وَلاَ تُفْسِدْ عِبَادَتِي بِالْعُجْبِ، وَأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدَيَّ الْخَيْرَ، وَلا تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ، وَهَبْ لِي مَعَالِيَ الأَخْلاَقِ، وَاعْصِمْنِي مِنَ الْفَخْرِ. اللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَلا تَـرْفَعْنِي فِيْ النَّاسِ دَرَجَـةً إلاّ حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِرَاً إلاّ أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا...".

في هذا المقطع يشير الإمام (عليه السلام) إلى أهمّ صفات الصالحين، وأهمّ طرق التعامل مع النفس، من خلال مراقبتها وكبح جماحها عن الخروج إلى دائرة الطغيان والتعالي والتفاخر على خلق الله -تعالى-.

ففي هذه الفقرة من الدعاء يعلّمنا الإمام زين العابدين (عليه السلام) أن نطلب من الله أن يوجد فينا حالة من الشعور بضعف وضِعة النفس مع كلّ درجة من الرفعة يرفعنا بها بين الناس.

وفي تعبيره: "وَأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدَيَّ الْخَيْرَ، وَلا تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ"، تربية على التعاضد والتكاتف، والسعي في قضاء حوائج الناس، وهو من أعظم ما يُتقرَّب به إلى الله -تعالى-.

وحسبنا في المضامين الأخلاقيّة الراقية دعاء "مكارم الأخلاق" -والمقاطع المذكورة آنفاً هي من هذا الدعاء-، فهو من أهمّ الأدعية التي تحتوي على مضامين أخلاقيّة عالية، ومعارف سلوكيّة وتربويّة وعرفانيّة؛ ولذا قام بعض العلماء بشرحه وتفسيره، حيث إنّه يشكّل منظومة خلقيّة تربويّة رفيعة المستوى.

الهدف الأساس
وهنا نختم بتبيان الأهداف الأساسيّة التي كان ينشدها الإمام زين العابدين (عليه السلام) من خلال هذا المنهج في خدمة الإسلام والناس، والتي نذكر منها:

1- ملء الفراغ الروحيّ في ظلّ الإحباط الذي كان يعيشه المجتمع إثر السياسة الدمويّة التي أثارها الحكم الأمويّ، وحثّ الناس على اللجوء إلى الله والاستعانة به، وترسيخ العلاقة معه.
قال الْأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ أَطُوفُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ لَيْلَةً، فَإِذَا شَابٌّ ظَرِيفُ الشَّمَائِلِ، وَعَلَيْهِ ذُؤَابَتَانِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَهُوَ يَقُولُ: "نَامَتِ الْعُيُونُ، وَغَارَتِ النُّجُومُ، وَأَنْتَ الْمَلِكُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، غَلَّقَتِ الْمُلُوكُ أَبْوَابَهَا، وَأَقَامَتْ عَلَيْهَا حُرَّاسَهَا، وَ بَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلسَّائِلِينَ، جِئْتُكَ لِتَنْظُرَ إِلَيَّ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ".

ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
يَا مَنْ يُجِيبُ دُعَاءَ الْمُضْطَرِّ فِي الظُّلَمِ *** يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلْوَى مَعَ السَّقَمِ‏
قَدْ نَامَ وَفْدُكَ حَوْلَ الْبَيْتِ قَاطِبَةً *** وَأَنْتَ وَحْدَكَ يَا قَيُّومُ لَمْ تَنَمِ
أَدْعُوكَ رَبِّ دُعَاءً قَدْ أَمَرْتَ بِهِ *** فَارْحَمْ بُكَائِي بِحَقِّ الْبَيْتِ وَالْحَرَمِ‏
إِنْ كَانَ عَفْوُكَ لَا يَرْجُوهُ ذُو سَرَفٍ *** فَمَنْ يَجُودُ عَلَى الْعَاصِينَ بِالنِّعَمِ‏

قَالَ: فَاقْتَفَيْتُهُ، فَإِذَا هُوَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ ( عليه السَّلام ).

2- تذكير الناس بالله -تعالى-، وبيان أنّ السعادة تكون من خلال العلاقات الصادقة والصفاء الروحيّ، وذلك في ظلّ تلك أجواء الضغائن والأحقاد التي أثارها الحكم الأمويّ؛ فالسعادة لا ترتبط بالمادّيات فقط، بل تكون في العلاقات وروابط الوئام والمودّة بين الناس؛ لذا تراه في دعائه (عليه السلام) يقول: "واجْعَلْنِي -اللَّهُمَّ- أَجْزِي بِالإحْسَانِ مُسِيْئَهُمْ، وَأُعْرِضُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ ظَالِمِهِمْ، وَأَسْتَعْمِلْ حُسْنَ الظّنِّ فِي كَافَّتِهِمْ، وَأَتَوَلَّى بِالْبِرِّ عَامَّتَهُمْ، وَأَغُضُّ بَصَرِي عَنْهُمْ عِفَّةً، وَألِينُ جَانِبِيْ لَهُمْ تَوَاضُعاً،وَأَرِقُّ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ مِنْهُمْ رَحْمَةً، وَأسِرُّ لَهُمْ بِالْغَيْبِ مَوَدَّةً، وَأُحِبُّ بَقَاءَ النِّعْمَةِ عِنْدَهُمْ نُصْحاً...".

3- بيان أنّ تشكيل النخبة المغيّرة والصفوة الفاعلة لا يكون فقط من خلال الحكم والسياسة، خصوصاً في ظلّ انعدام أو غياب القاعدة الشعبيّة التي يُعتمد عليها في عمليّة التغيير والدعوة إلى الله -تعالى-.

4- فضح تكالب الحكّام على الدنيا وملذّاتها، وبيان أنّ السعادة والكرامة لا يكونان من خلال الجاه والسلطة دائماً، بل إنّ الترفّع عن حطام الدنيا أعظم وأرقى عند الله، وفي ذلك سعادة الدارين معاً.

كان لا بدّ للإمام في ظلّ انتشار ظواهر التحللّ والميوعة والفساد، أن يبحث عن علاج ناجع في مواجهة تيار الانحلال هذا، وتعليم الناس أنّ الدنيا ليست كلّ شيء، وإنّما وراءها يوم آخر غيّبته السياسة، وأنّ ذلك اليوم هو خير وأبقى، وقد رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) يصف عبادة أبيه (عليه السلام):"لم يذكر أبي نعمة لله إلاّ سجد، ولا قرأ آية فيها سجدة إلاّ سجد، ولا دفع الله عنه سوء إلاّ سجد، ولا فرغ من صلاة إلاّ سجد، ولا وُفّق لإصلاح بين اثنين إلاّ سجد".

وفي الختام نقول: إنّ الإمام السجّاد (عليه السلام) استطاع أن يوجّه صفعة قويّة للمنهج الأمويّ وأهدافه في القضاء على العترة؛ وذلك من خلال نجاحه العظيم في إعادة صنع النواة الصالحة المحبّة والموالية لأهل البيت (عليه السلام)، والتي ظهرت آثارها في عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام)؛ فكان البكاء والدعاء في عمل الإمام السجّاد خير طريق وخيار في إعادة تربية الأمّة وحفظها من الضياع والشتات.

فسلام عليك –سيّدي- يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيّاً.

والحمد لله ربِّ العالمين.

03-10-2018 | 15-09 د | 1873 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net