محاور الموضوع الرئيسة:
- بيان معنى العصبية وحقيقتها.
- آثارها في الدنيا والآخرة.
- كيف نعالج أنفسنا من داء التعصب.
تصدير الموضوع:
عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "من كان في قلبه حبة خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية"1 .
لقد كانت العصبية من أهم الأمراض التي جاء الإسلام لمعالجتها حيث كانت داءً مستشرياً يفتك بمجتمع الجزيرة العربية ومن أهم المكونات النفسية ذات الآثار الاجتماعية وبرز ذلك جلياً في كتاب الله تعالى إضافة إلى ما أثر عن أهل بيت العصمة لتبدو العصبية داءً يقتل الأمة كما يقتل الفرد ومن النصوص بخصوص العصبية نلمح ما يلي:
1 ـ الانتماء القبلي والعشائري معيار تقييمي زائف
فأهل العصبيات من طبيعتهم أنهم تميل عواطفهم وآراؤهم بحسب الانتماء العشائري والقبلي وينسحب ذلك على عالم الأعمال بل قد يكون هذا الأمر مستفحلاً لدرجة أن يروا مقامات الآخرة ودرجات القرب من الله تابعة للإنتماء العرقي أو القبلي أو العشائري. فجاء المولى ليصحح المعيار بلسان القرآن الكريم: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
2 ـ الروح العشائرية تلغي الإيمان
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه".
فمن يخلع ربق الإيمان من عنقه كأنه خرج من حظيرة الدين والتدين وبالتالي فقد أصبح في مكان ومقام مواجه للرسول صلى الله عليه واله وسلم ولفئة المؤمنين، ومن الطبيعي، أن يطرد من الانتساب إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم القائل: "ليس منا من دعا إلى عصبية".
هذا في الدنيا وصورته في الآخرة صورة من لم يستفد من بركة وجود النبي الأعظم وبركة دين الله فكأنه ما سمع ولا علم بوجود نبي كمحمد صلى الله عليه واله وسلم وإلى هذا الإشارة في الحديث المأثور عنه صلى الله عليه واله وسلم:"من كان في قلبه حبة من خردلٍ من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية".
فمقامه ومكانه مع أبي جهل وأمثال أبي جهل.
3 ـ الدعوة إلى العصبية تصادم الدعوة إلى الإسلام
في الحديث السابق لفتة أخرى غير مسألة نفي الإنتماء إلى الرسول صلى الله عليه واله وسلم وجماعته أي الأمة الإسلامية لأن الإسلام جاء بحرمة العصبية بل حرمة الدعوة إلى العصبيات وايقاظ هذه المشاعر فنفي الإنتماء سببه أن من يدعو إلى عصبية هو في الواقع يواجه ويصادم ويحارب الإسلام. لأن الدعوة إلى العصبية تؤدي إلى تفتيت الأمة شعوباً وقبائل وعشائر وأعراقاً ولأن العصبية إنما تتغذى وتنمو على العداء لما يقابلها من قبائل وشعوب وأعراق والذي يشدها هذه العداوات فإن الدعوة إلى العصبية ستكون في باطنها دعوة إلى تمزق الأمة وضعفها وذهاب هيبتها وعزها من خلال ذهاب وحدتها وتنازع أبناءها وقد أخبرنا تعالى عن ذلك بقوله: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُم﴾.
كيف نعالج العصبية
لمعالجة أنفسنا من هذا الداء علينا تذكر ما سبق من آفات العصبية إضافة إلى أمور منها:
1 ـ فهم الإنتماء على حقيقته أنه تنوع الهدف منه إلهياً اغناء التجربة الإنسانية وتطورها معرفياً وعملياً وقد لخص ذلك تعالى بقوله (لتعارفوا).
2 ـ فهم موقف الإسلام حقيقة من العصبيات
فليس كل شعور من ودٍّ ومحبة الإنسان لقومه عصبية ممقوتة بل هو مطلوب أحياناً إنما المرفوض منه هو الإنسياق خلف هذا الشعور وتعطيل العقل والدين والشرع.يروى أن الإمام علي بن الحسين عليه السلام سئل عن العصبية التي يؤثم عليها صاحبها فقال عليه السلام: "العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم".
3 - تجاوز العصبية باعتماد المعايير الشرعية
لا شك أن كل أمر يعرض للإنسان في حياته الشخصية أو الاجتماعية أو السياسية ذات الأبعاد العامة والتي يكون الإنسان بالضرورة مطلوباً منه أخذ الموقف عليه في عملية تقييم الخيارات أن يتحلى بجملة أمور:
أ- التروي في أخذ المواقف سلباً أو إيجاباً واعطاء الوقت لنفسه ليتأمل ويتدبر عواقب ما يأخذه من مواقف ولا يصغي لداعي التعصب.
ب - البحث عن الحجة الشرعية لأخذ الموقف أو الإنحياز إلى جهة ما فلا يعذر الإنسان إن لم يأخذ بالعلم ولينساق وراء الأهواء والظنون }وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً{ .
فلا بد من الإنحياز الى جهة الحق واختيار أهل الكفاءة والأهم إطاعة ولي الأمر وتقديم أمره على الأهواء والآراء حتى لو كانت وجيهة لأنه الأدرى في تشخيص المواقف التفصيلية بناءً على انه الأدرى في تحديد الأولويات.
خلاصة:
فليس المحرم من الشعور بالإنتماء ومحبة من ننتمي إليهم نفس محبتنا لهم وحبنا للخير لهم وتفضيلهم بصِلاتنا وصدقاتنا ومعونتنا لهم في وجوه الخير العام.
لكن المحرم هو أن نرى عيوبهم وزلاتهم حسنات وكرامات وتوفيقات.
بمعنى أن نعمى عن رؤية الحق والأمر باتباع الحق فلا نسعى لاصلاح ما فسد من أمور عوائلنا وعشائرنا...
والأدهى أن تتحكم هذه الصفة باختياراتنا عندما يطلب منا الاختيار فلا نجعل المعيار هو الدين والتدين والكفاءة بل الصلة والقرابة.
وذلك حتى لا يكون المصير ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "من تعصب عصبه الله عزَّ وجلَّ بعصابة من نار".
1- الكافي، ج2.