محاور الخطبة
1- الإرشادات الاحترازيّة من الوقوع في الطلاق.
2- بعض التوصيات للعشرة الحسنة.
3- أكثر أسباب الطلاق.
مطلع الخطبة
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
"ما زال جبرئيلُ يوصيني بالمرأةِ حتّى ظننتُ أنّهُ لا ينبغي طلاقُها إلّا مِنْ
فاحشةٍ مبيّنةٍ"[1].
أيّها الأحبّة،
تكثر، في هذه الأيام، حالاتُ الطلاق في مجتمعاتنا بشكلٍ ملفتٍ، وهي في تزايدٍ
مستمرٍّ، وكأنّ الطلاق، في نظر بعض الأشخاص، أمرًا سائغًا وسهلًا لغاية، مع الغفلة
عن آثاره السلبيّة، على الفرد خاصّةً، والمجتمع عامّةً.
وإنّنا، إذا أردنا أنْ نُقارب المسألة هذه من الناحية الإسلاميّة، وكيف ينظر إليها
الدّين والشرع، فإنّنا نجد، وبشكلٍ واضحٍ لا غبار فيه، أنّ الطلاق في الأصل أمرٌ
مذمومٌ عند الله -تعالى-، وقد شرّع في أحكامه ما يؤدّي إلى حفظ العلقة الزوجيّة
وصونها من التفكّك والانهيار.
ومن تلك الأمور التي أرشدَنا إليها -سبحانه- من خلال آيات القرآن الكريم أو
أحاديث المعصومين (ع):
1- الاختيار الصحيح للطرف الآخر. وقد ذُكِرَت في ذلك شروطٌ عدّةٌ، من تقوىً وأخلاقٍ
وحُسنِ تربيةٍ وما شاكل.
2- الالتزام بالواجبات الزوجيّة، من قِبَلِ الطرفين. وقد وَضع لذلك أحكامًا متعدّدةً،
تحدّد واجبات الزوجين تجاه بعضهما.
3- بيان الحقوق لكلٍّ من الطرفين؛ كي لا يبتغي أحدهما ما لا يحقّ له.
4- أن يكون اختيار الزوج والزوجة على أساس الدين والأخلاق، لا على أساس المال
والمصالح الشخصيّة والدنيويّة البحتة، "عليكُمْ بِذَاتِ الدينِ"[2] و"إذا جاءكم مَنْ
ترضَوْنَ دينَه وخلقَه، فزوّجوه"[3].
5- أن تكون العلاقةُ الزوجيّةُ مبنيّةً على أساس المودّة والرحمة في تفاصيلها كلّها،
بين الزوجين؛ لضمان استمرارها على ما يُرضي الله -تعالى-.
بعض التوصيات للعشرة الحسنة
ورغم هذه الاحتياطات الاحترازيّة كلّها، إلّا أنّه ليس هناك ما يردع
الخلافات والنزاعات الزوجيّة بين الطرفين. ومن هنا، جاءت الدعوة إلى الصبر ووضع
الخطط المناسبة للحلّ، في حال وقوع النزاع، منها:
1- على الزوج الصبر على الزوجة ومعاشرتها بالمعروف، قال -تعالى-: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاءَ كَرْهًا
وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن
يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن
كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ
خَيْرًا كَثِيرً﴾[4].
2- تشريع خطواتٍ لحلّ النزاع القائم بين الزوجين، كما في قوله -تعالى-:
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى
بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ
حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ
فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرً﴾[5].
3- وإن سُدّت منافذ الصلح في إطاره الضيّق بين الزوجين، يُلْجَأ حينها
إلى الحلّ الخارجيّ، وهو بعث الحَكَمَين، في قوله -تعالى-: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ
بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن
يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا
خَبِيرً﴾[6].
4- ولم يقف الأمر في توسيع دائرة الصلح وإبعاد شبح الطلاق والتضييق من دائرته عند
هذا الحدّ، بل أعطى الشارع الحكيم فرصةً أخرى للإصلاح، حتّى بعد وقوع
الطلاق، حيث جعل الطلاق على مرَّاتٍ في قوله -تعالى-: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ...﴾[7].
5- كما يمكن الرجوع إلى الحياة الزوجيّة، وإصلاحُ ما وقع بين الزوجين،
ما دامت المرأة في عدّتها؛ لقوله -تعالى-: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن
يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾[8].
أكثر أسباب الطلاق
إذا ما أردنا قراءة حالات الطلاق، في مجتمعنا، ونسبتها المتزايدة، نجد
أنّ أسبابَها متعدّدةٌ وكثيرةٌ، منها: سوء العشرة؛ بأنْ يعاملَ أحدُ الزوجين الآخر
معاملةً مسيئةً، سواءٌ أكانت إساءةً لفظيّةً أو فعليّةً، أو بإهمالٍ وعدمِ مراعاة
الآخر.
ومنها: الفتور العاطفيّ، وفقدان المشاعر بين الزوجين، وعدم العمل على تلافي هذه
الثغرة الهامّة بينهما؛ ممّا يؤدّي، في نهاية المطاف، إلى الانفصال في كثيرٍ من
الأحيان. وقد ورد عددٌ من الأحاديث التي تحثّ على إبقاء جذوة العاطفة بين الزوجين،
منها ما ورد عن رسول الله (ص): "قولُ الرجلِ للمرأةِ أحبُّكِ، لا يذهبُ مِنْ قلبِها
أبدًا"[9]!
ومنها: الأنانيّة، وهي بمعنى تغليب أحد الزوجين مصلحته الفرديّة على مصلحة الطرف
الآخر. وهذا بدوره يؤدّي إلى التنافر والنزاع بعد حينٍ.
وغيرها من الأسباب المباشرة وغير المباشرة. ولكن، ينبغي أن نسلّط الضوء على أسبابٍ
ثلاثةٍ لنا أن نعتبرها أساس المشاكل الزوجيّة في مجتمعنا في هذه الأيام، وهي:
الأول: العجلة في الزواج
أي العجلة في التزويج، دون إعطاء الوقت الكافي للطرفين لأن يقرأا شخصيّة
بعضهما بعضًا من حيث الطباع والأخلاق والأفكار والطموحات، التي يختزنها كلٌّ منهما
ولا تظهر إلّا مع الوقت. فالإسراع في التزاوج يحرُمُ كِلا الطرفين من فهم بعضهما،
وبعد أن ينتقلوا إلى بيت الزوجيّة، تبدأ مكامن ما كان مخفيًّا بالظهور، من سوء
أخلاقٍ وطباعٍ منفّرةٍ وما شاكل ذلك، وحينها تبدأ النزاعات والخلافات تطفح على وجه
العلاقة الزوجيّة، حتى تنتهي بالطلاق والانفصال.
ولا بدّ، هنا، من بيان، أنّ العجلة مغايرةٌ عن الإبكار في الزواج؛ حيث إنّ الزواج
المبكر، ولو كان مبكرًا، إلّا أنّه بالإمكان أن يكون الطرفان على بيّنةٍ ممّا
يُقدِمان عليه، ويفهما بعضهما بعضًا بشكلٍ كاملٍ، ويمكن لهما أن يعيشا حياةً زوجيّةً
هانئةً وسعيدةً.
الثاني: عدم الصبر
يمكن لنا القول: إنّ أكثر الأسباب التي تؤدّي إلى النفور بين الطرفين،
وإلى خلق النزاعات بينهما، هو عدم الصبر، عدم الصبر على أخطاءِ أو تقصيرِ أو سوءِ
خلقِ الطرف الآخر، وقد ورد في ذلك عن رسول الله (ص) أنّه قال: "مَنْ صبرَ على سُوءِ
خُلقِ امرأتِهِ، أعطاهُ اللهُ مِنَ الأجرِ مَا أعطى أيُّوبَ (عليهِ السلامُ) على
بلائِهِ. وَمَنْ صَبَرتْ على سُوءِ خُلقِ زَوجِهَا، أعطاها اللهُ مِثْلَ ثوابِ آسية
بنتِ مزاحمٍ"[10].
بالإضافة إلى ذلك، وربّما يكون أكثر الأسباب انتشارًا، هو عدم الصبر على الحالة
التي يعيشُها الطرفان، من فقرٍ أو عوزٍ أو حاجةٍ أو مرضٍ وما شاكل ذلك.
فنجد بعضَ النساء -مثلًا- لا تحتمل ما هو عليه زوجها من ضيقٍ في العيش، حتّى يصدر
منها عدم الرضا، وتبدأ بالتضييق عليه بالمنّ والذمّ والتعيير، وشيئًا فشيئًا تتولّد
النزاعات.
فمِن المهمّ جدًّا أنْ يضع الزوجان، منذ تعارفهما، صورةً واضحةً لما ستكون عليه
حياتهما الاقتصاديّة في المستقبل، وأن لا يُخفيَ الخاطبُ حالتَه الاقتصاديّة. بل
ينبغي عليه أن يكون واضحًا؛ كي لا يصلا إلى عواقب غير متوقّعةٍ.
ومن الأسباب التي تزرع في النفس عدم الصبر، هو النظر إلى ما في أيدي الناس. وإنّها
لطامٌّة كبرى في هذه الأيام؛ حيث نجد حبّ المظاهر يشتدّ أكثر فأكثر، والغيرة، في
مثل هذه المظاهر، تنخر عقول الكثيرين ممّن لم يقرؤوا حقيقة الحياة جيّدًا، والتي هي
"لَهْوٌ وَلَعِبٌ".
الثالث: وسائل التواصل الاجتماعيّ
قد يستغرب بعض الأشخاص وضعَ وسائل التواصل الاجتماعيّ كواحدةٍ مِن أكثر
الأسباب التي تؤدّي إلى الطلاق.
نعم أيّها الإخوة، ها هي التقارير التي تدرس حالات الطلاق، تبيّن لنا أنّ نسبةً
كبيرةً منها، يعود السبب فيها إلى نتاج وسائل التواصل الاجتماعيّ، من خياناتٍ
زوجيّةٍ، ونفورٍ نفسيٍّ، ولَهوٍ عن أداء الواجب، وتفكّكٍ للعلقة العاطفيّة.
صرنا نسمع امرأةً تقول: زوجي لا يكلّمني، ما إن يأتي إلى البيت، فإنّه يقضي طوال
وقته والهاتف الخلويّ بين يديه، ينقطع عني انقطاعًا تامًّا، وكأنّي قطعةُ أثاثٍ
منزليٍّ مركونٍ في زاوية المنزل!
صرنا نسمع رجلًا يقول: وجدتُ، على هاتف زوجتي، رقمًا غريبًا، تبيّن أنّه لرجلٍ
أجنبيٍّ، تراسله ويراسلها دون علمي!
صرنا نسمع ونسمع الكثير من هذه القصص، التي تقرّح القلب والفؤاد. وهي، في جميعها،
مآلها دمار الحياة الأسريّة، بطلاقٍ وانفصالٍ.
من هنا، يتوجّب على الزوجين أن يتّخذا السبل الاحتياطيّة كلّها؛ كي لا يصلا إلى
حالة الطلاق، التي يُبغضها الله -تعالى-؛ لما لها من آثارٍ سلبيّةٍ، سواءٌ أكان
لنفس الطرفين، أو للأولاد، فيما إذا كان لهما أولاد، وغير ذلك من مساوئ.
ولا ينبغي أن يصبح الطلاق أمرًا سهلًا يستسيغه الزوجان كيفما أرادا ومتى ما أرادا.
والحمد لله ربّ العالمين.
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 100، ص253.
[2] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، ج7، ص399.
[3] الإحسائيّ، عوالي اللئالي، ج3، ص340.
[4] سورة النساء، الآية19.
[5] سورة النساء، الآية34.
[6] سورة النساء، الآية35.
[7] سورة البقرة، الآية229.
[8] سورة البقرة، الآية 228.
[9] الكلينيّ، الكافي، ج5، ص569.
[10] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص213.