عوامل انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران في نظر الإمام الخمينيّ
محاور الخطبة
- مفهوم النصر
- النصر من عند الله
- عوامل انتصار الثورة من خلال كلمات الإمام (قُدِّس سرّه)
مطلع الخطبة
الصلاة والسلام على سيّدنا محمّدٍ وآله الطاهرين.
قال الله -تعالى- في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا
اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[1].
أيّها الأحبّة،
إنّ مفهوم النصر مفهومٌ واسعٌ، فإنّه يشمل ما يواجهه الإنسان في هذه
الحياة الدنيا، سواءٌ أكان على صعيده الشخصيّ، أم على صعيد القضايا التي يحملها
ويؤمن بها.
فإذا تغلّب على شهواته، فإنّ هذا يُعتَبر نصرًا.
وإذا تغلّب على الصعاب التي تواجهه في الحياة، يُعَدّ ذلك نصرًا.
وإذا تغلّب على عدوّه بالسلاح، يُعتَبر نصرًا.
وإذا تغلّب عليه بالثقافة، يُعتَبر نصرًا.
وبهذا، فإنّ النصر بمثابة النجاح في التخلّص من كلّ ما يقف بوجه حركة الإنسان في
هذه الحياة الدنيا، نحو التقدّم والارتقاء على المستويات جميعها، المادّيّة
والمعنويّة. وبمفهومه الأوسع، نجد أن تثبيت المبادئ التي يؤمن بها في ظلّ التحدّيات
الكبرى التي تواجهه، فإنّ هذا أيضًا يُعتَبر من النصر.
النصر من عند الله
وقد ذكر الله -تعالى- في محكم كتابه الكريم، آياتٍ عديدةً تشير لنا وتؤكّد أنّ
النصر مرتبطٌ بأمر الله -سبحانه وتعالى-، حيث قال: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا
بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[2].
وقال -عزّ وجلّ-: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ
يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}[3].
وقال أيضًا -سبحانه وتعالى-: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ}[4].
الثورة الإسلاميّة في إيران
إنّنا في أيّام انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، ثورة المستضعفين
التي قادها الإمام الخمينيّ الراحل (قُدِّس سرّه)، والذي استطاع، بعوامل متعدّدةٍ،
أن يُسقِط النظام الشاهنشاهيّ المتغطرس، العميل لأمريكا والصهاينة، ليثبّت قواعد
النظام الإسلاميّ في إيران، في ظلّ ظروفٍ سياسيّةٍ معقّدةٍ للغاية.
وقد كان لثورته المباركة ميّزاتٌ عديدةٌ، استطاع من خلالها أن يؤلّب الناس والقواعد
الشعبيّة، لدحر ذاك النظام وإسقاطه. منها ميّزاتٌ تتعلّق بشخصه هو (قُدِّس سرّه)،
حيث اتّصف بالعلم والأخلاق والبصيرة وقوّة الشخصيّة المؤثّرة في الجماهير، وبميّزاتٍ
اتّصف بها الثوّار وحركتهم.
عوامل انتصار الثورة من خلال كلمات الإمام (قُدِّس سرّه)
وإذا ما أردنا بيان العوامل الأساسيّة التي ساهمت في انتصار الثورة
الإسلاميّة في إيران، فخيرُ ما نذكره هو ما أشار إليه الإمام الخمينيّ نفسه في بعض
خطاباته، ويمكن لنا عنونتها بالعناوين الآتية:
أوّلًا: الثورة إلهيّةٌ
كان الإمام الراحل يعتبر الثورةَ ثورةً إلهيّةً، وأنّها كانت بيد الله،
قال (قُدِّس سرّه): "هذه يد الله، وما من قوّةٍ تستطيع تحقيق ذلك في غضون سنةٍ
واحدةٍ وبضعة أشهرٍ؛ لأنّ العمل قبلها كان تدريجيًّا، ولم يظهر للخارج. وهذا
التحوّل والتغيير حصل في بلدنا ولدى شعبنا خلال سنةٍ وبضعة شهورٍ، حيث غيّر فيها ما
كان سائدًا طوال مئات السنين، بل على مدى ألفين وخمسمئة عامٍ.
ومثلُ هذا، لا يمكن أن تُحقّقه أيدي زيد أو عمرو، لا يمكن القول أبدًا: إنّ علماء
الدين هم الذين حقّقوا هذا الإنجاز ولا الكسبة، بل هي يد الله، حيث تفجّرت هذه
النهضة من أعماق الشعب بأمر الله -تعالى-، وهذا هو مكمن الأمل المشرق؛ لأنّه أمرٌ
إلهيٌّ مفعمٌ بالأمل"[5].
ثانيًا: الصحوة الشعبيّة
كان (قُدِّس سرّه) مؤمنًا بالشعب، مؤمنًا بقدراته وتاُثيره، ولطالما
عبّر عن ذلك في خطاباته، حتّى لا يكاد خطابٌ منها، إلّا ويمجّد فيه الحركة الشعبيّة،
ومنها ما قاله: "نحن نستند إلى الشعب وقدرة الشعب. إذا نهض شعبٌ وتحرّك، فليس
بإمكان أيّة قدرةٍ أن تحرفه عن طريقه، ولا تستطيع أيّة قدرةٍ أن تسيطر عليه. يمكن
أن تتدخّل القوى الكبرى في بلدٍ ما وتمارس الدمار والقمع، ولكن لا تستطيع أن تُنسي
الشعب مطالبَه. فقد وصل شعبُنا إلى هذه المرحلة، فنهض أبناء الشعب جميعًا ضدّ جور
النظام. لا تستطيع القوى الكبرى أن تُوقِف هذه النهضة. ثمّ إنّ الشعب الإيرانيّ
يُطالب بما تريده الشعوب كلّها في العالَم؛ أي الحرّيّة والاستقلال. نرجو أن ينتصر
شعبُنا -بإرادته العالية ونهضته الشاملة- على هذه القوى جميعها"[6].
ثالثًا: الاتّكال على المستضعَفين
كان (قُدِّس سرّه) يرى أنّ قوام هذه الثورة هو فئة الكادحين، الذين
انتفضوا على الظلم، مُعتمِدين في ذلك على إيمانهم الحقيقيّ بأنّ الله -تعالى- لا
يرضى بالظلم والاستكبار، ولا يرضى بالخنوع والذلّ، قال (قُدِّس سرّه): "إنّني
أتصوّر بأنّ أغلب الثوريّين الحقيقيّين، أعني القوّة الحقيقيّة والناشطة لهذه
الثورة، تتشكّل من الكادحين. إنّ الذين قدّموا الشهداء، وساهموا، من خلال قوّة
الإيمان الحقيقيّ والاعتقاد الراسخ، بانتصار الثورة، لم يكونوا مطلقًا من الأعيان
أو المرفّهين، وإنّما من طبقة الحُفاة"[7].
رابعًا: وحدة الكلمة
اعتبر الإمام (قُدِّس سرّه) أنّ وحدة كلمة الشعب الإيرانيّ في ظلّ قيام
الثورة، ساهم مساهمةً عظمى في النصر، وهذا مبنيٌّ على التوجيه الإسلاميّ الذي يدعو
إلى الوحدة وعدم التفرّق؛ لِما في ذلك من أثرٍ على تقوية شوكة المسلمين بوجه أعداء
الإسلام، قال -تعالى-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}[8].
وفي ذلك يقول (قُدِّس سرّه): "علينا أن نتقدّم بالشكر لفئات الشعب، التي ساهمت في
تحقيق هذا النصر قاطبةً، عبر وحدة الكلمة. وحدة الكلمة هي التي جمعت المسلمين
والأقلّيّات الدينيّة مع المسلمين؛ وحدة الكلمة بين الجامعة والمدارس الدينيّة،
الوحدة بين علماء الدين والسياسيّين. علينا أن نفهم هذا السرّ، أن نفهم بأنّ وحدة
الكلمة هي سرّ النصر، وأن لا نُفرّط بسرّ النصر هذا، وأن لا ندَعَ الشياطين ينفذون
-لا سمح الله- إلى صفوفنا، ويفرّقونها"[9].
وقد كانت فئات الشعب جميعها متّحدةً في مواجهتها للشاه ونظامه، يقول في ذلك: "نجاحنا
وتغلّبنا على القوى العظمى في العالَم، وإسقاط القدرة الشيطانيّة -قدرة أسرة
البهلويّ- يكمن في توحّد هذه الفئات ووحدة كلمتها. ولو كان مقرّرًا لعلماء الدين
وحدهم أن يتقدّموا لمواجهة أولئك، لكانوا قمعوهم، ولو أراد الكُتّاب التصدّي لهم
بمفردهم، لقضوا عليهم، ولَما تمكّن الجامعيّون من تحقيق ذلك لو أنّهم تحرّكوا
منفردين، ولَما تحقّق شيءٌ لو أنّ التجّار أرادوا القيام بذلك وحدهم، وهكذا
بالنسبة للمزارعين. فإنّ ما تمكّنّا من تحقيقه، وسنحقّقه إن شاء الله، كلّه، إنّما
كان وليد هذا التعاضد بين مختلف فئات الشعب، وعلينا أن نحافظ على هذه الوحدة"[10].
خامسًا: التوجّه الروحيّ
ولطالما اعتبر الإمام (قُدِّس سرّه) أنّ أساس التغيير وتحقيق النصر هو
التوجّه الروحيّ، الذي تمتّع به أبناء الثورة، من دعاءٍ وتضرّعٍ وتوكّلٍ وتسليمٍ
وصبرٍ، فذلك كلّه يُعتَبر موادّ أساسيّة لتحقيق النصر لأيّ مجتمعٍ يبتغي الوقوف
بوجه الظالمين.
يقول (قُدِّس سرّه): "إنّ هذا التحوّل الروحيّ يبعث على الدهشة! إنّ هذا التغيير
الروحيّ هو الذي أدّى إلى تحقيق النصر لشعبنا؛ فتضرّعوا بالدعاء لله أن يمنَّ بهذا
التغيير على الشعوب الإسلاميّة والمستضعفة كافّةً. أدعو الله -تبارك وتعالى- أن يمنّ
علينا بالتغيير. فهذا التحوّل الروحيّ، وهذه الثورة الإسلاميّة، هديّةٌ أرسلها الله
-تبارك وتعالى- من العالَم العلويّ لشعبنا، وينبغي لنا أن نشكر الله -تبارك وتعالى-،
وإن كنّا لا نتمكّن من إيفائه حقّ شكره"[11].
سادسًا: الشهادة في سبيل الله
إنّ للشهادة في سبيل الله أثرًا قد لا يراه إلّا أصحاب البصيرة، الذين يقرؤونها
قراءةً شموليّةً غير جزئيّةٍ، بل إنّ الإمام (قُدِّس سرّه) كان يراها سرًّا من
الأسرار التي لا يمكن اختزالها بكلمةٍ من هنا أو هناك، وكان يوصي -دومًا- بالنظر
إلى الشهادة بهذه النظرة العميقة غير السطحيّة: "إخوتي، أعزّائي، لا تُضيعوا هذا
السرّ من أيديكم؛ سرّ التوجّه إلى الله، سرّ التوجّه إلى الإسلام. إنّ الشهادة
للمسلم وللمؤمن سعادةٌ، وشبابُنا كانوا يرَون الشهادة سعادةً، وهنا يكمن سرّ
الانتصار"[12].
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
[1] سورة محمّد، الآية 7.
[2] سورة آل عمران، الآية 126.
[3] سورة آل عمران، الآية 160.
[4] سورة آل عمران، الآية 13.
[5] صحيفة الإمام، ج4، ص 169.
[6] صحيفة الإمام، ج5، ص 213.
[7] صحيفة الإمام، ج6، ص 236.
[8] سورة آل عمران، الآية 103.
[9] صحيفة الإمام، ج6، ص 17.
[10] صحيفة الإمام، ج6، ص 15.
[11] صحيفة الإمام، ج6، ص 186.
[12] صحيفة الإمام، ج7، ص 105.