محاور الخطبة
- عظمة شهر رجب
- شهر الاستغفار
- شهر الدعاء
- عظمة الصوم في شهر رجب
- ثواب الطاعة والعبادة فيه
مطلع الخطبة
قال الله -تعالى- في محكم كتابه، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}[1].
أيّها الأحبّة،
إنّنا في هذه الأيّام نستقبل أشهرًا ثلاثةً هي عند الله أفضل الشهور وأعظمها حيث تتجلّى فيها رحمته -سبحانه- على عباده بأبهى صورها، فأكثر فيها من عطاياه، وأجزل فيها من ثوابه وكرمه، وأعدّ للمطيعين له فيها، ما يطمع به كلّ مؤمن في نيل رضوانه ومغفرته والقرب منه -سبحانه وتعالى-.
إنّها أشهر النور، رجب وشعبان وشهر رمضان، وقد سُمّيت بذلك لأنّ فيها أوقاتاً لا ينبغي للمرء أن يضيّعها، أوقاتاً تنير درب وصوله إلى خالقه -عزّ وجلّ-.
عظمة شهر رجب
هو أحد أشهر النور الثلاثة (رجب، شعبان ورمضان)، الذي عظّمه الله -تعالى- وكرّمه.
وقد وُصف بالأصبّ؛ لأنّ الرحمة تُصبّ فيه صبّاً.
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا أقبل هذا الشهر المبارك، جمع المسلمين حوله وقام فيهم خطيباً: "أيّها المسلمون، قد أظلّكم شهر عظيم مبارك، وهو شهر الأصبّ، يصبّ فيه الرحمة على من عَبَدَه، إلّا عبداً مشركاً أو مظهر بدعة في الإسلام"[2].
وكان يقول فيه أيضًا (صلّى الله عليه وآله وسلّم): "ألا إنّ رجب شهر الله الأصمّ، وهو شهر عظيم، وإنّما سُمّي الأصمّ؛ لأنّه لا يقارنه شهر من الشهور حرمةً وفضلاً عند الله -تبارك وتعالى-، وكان أهلُ الجاهليّة يعظّمونه في جاهليّتها، فلمّا جاء الإسلام لم يَزدَد إلّا تعظيماً وفضلاً"[3].
ذلك أنّه موسمٌ للدعاء والاستغفار والتوبة.
إنّه شهر الرسالة، حيث بُعث فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالإسلام في السابع والعشرين منه.
وإنّه الشهر الذي وُلد فيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، حيث ولد في الثالث عشر منه.
وفيه أيضاً وُلد الإمامان الباقر والهادي (عليهما السلام)، وغيرها من المناسبات الجليلة؛ ولذلك كانت عظمته مقرونةً بعظمة هذه المناسبات الجليلة التي حدثت فيه. ويكفيه حرمةً وعظمةً وفضلاً ما ورد فيه من تأكيد على استحباب الدعاء، وفضل الاستغفار، والتوبة، والرحمة الإلهيّة المهداة إلى البشريّة خلال لياليه وأيّامه، والتي ينبغي استثمارها بالطاعة والعبادة لله -تعالى-.
شهر الاستغفار
إنّه شهر الاستغفار، والاستغفار هو طلب المغفرة من ربّ العزّة والجلالة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:" قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): " استكثروا في رجب من قول: أستغفر الله، وسلوا الله الإقالة والتوبة فيما مضى، والعصمة فيما بقي من آجالكم، وسُمّيَ شهر رجب شهر الله الأصبّ؛ لأنّ الرحمة على أمّتي تُصبّ صبّاً فيه"[4].
وورد في سيرة الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه كان يسجد في شهر رجب، وكان يُسمع، وهو في سجوده يردّد قول: "عظم الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك"[5].
شهر الدعاء
أيّها الأحبّة، إنّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، ولا يُجلى صدأها هذا إلّا بالتوجّه إلى الله، والتضرّع إليه بالدعاء، حتّى يغفر ذنوبنا وخطايانا؛ ولذلك قد فتح الله باب الدعاء، كي يبقى الإنسان على رجاء منه -عزّ وجلّ-، ولكنّه قد أعظم أوقاتاً محدّدة تكون فيها الاستجابة أسرع، كي يحشد الإنسان توجّهه إليه، ويتّخذ تلك الأوقات محطّةً لعروج نفسه نحوه، ومن تلك الأوقات، شهر رجب.
فعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: "إنّ الله -تعالى- نصَبَ في السماء السابعة مَلكاً يُقال له: الداعي، فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كلّ ليلةٍ منه إلى الصباح: طوبى للذاكرين، طوبى للطائعين، ويقول الله -تعالى-: أنا جليس من جالسني، ومطيع مَن أطاعني، وغافر مَن استغفرني، الشهر شهري والعبد عبدي، والرحمة رحمتي؛ فمَن دعاني في هذا الشهر أجبته، ومَن سألني أعطيته، ومَن استهداني هديته، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي، فمن اعتصم به وصل إليّ"[6].
وممّا ورد في المأثور من الدعاء في هذا الشهر:
الأوّل: أن يدعو في كلّ يوم من أيّامه ما كان يدعو به الإمام زين العابدين (عليه السلام): "يا مَنْ يَمْلِكُ حَوائِجَ السَّائِلِينَ، وَيَعْلَمُ ضَمِيرَ الصَّامِتِينَ، لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْكَ سَمْعٌ حاضِرٌ وَجَوابٌ عَتِيدٌ، اللّهُمَّ وَمَواعِيدُكَ الصَّادِقَة،ُ وَأَيادِيكَ الفاضِلَةُ، وَرَحْمَتُكَ الواسِعَةُ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَقْضِيَ حَوائِجِي لِلْدُنْيا وَالآخرةِ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ"[7].
الثاني: وهو ما كان يدعو به الإمام الصادق (عليه السلام) في كلّ يوم من أيّام رجب أيضاً: "خابَ الوافِدُونَ عَلى غَيْرِكَ، وَخَسِرَ المُتَعَرِّضُونَ إِلاّ لَكَ، وَضاعَ المُلِمُّونَ إِلاّ بِكَ، وَأَجْدَبَ المُنْتَجِعُونَ إِلاّ مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ، بابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاِغِبينَ، وَخَيْرُكَ مَبْذُولٌ لِلطَّالِبِينَ، وَفَضْلُكَ مُباحٌ لِلْسَّائِلِينَ، وَنَيْلُكَ مُتاحٌ لِلامِلِينَ، وَرِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصاكَ، وَحِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ ناواكَ، عادَتُكَ الاِحْسانُ إِلى المُسِيئِينَ، وَسَبِيلُكَ الإِبْقاءُ عَلى المُعْتَدِينَ. اللّهُمَّ فَاهْدِنِي هُدى المُهْتَدِينَ، وَارْزُقْنِي اجْتِهادَ المُجْتَهِدِينَ، وَلا تَجْعَلْنِي مِنَ الغافِلِينَ المُبْعَدِينَ، وَاغْفِرْ لِي يَوْمَ الدِّينِ"[8].
عظمة الصوم في شهر رجب
وورد أنّ الصوم في هذا الشهر له ثواب جزيل، وأنّ له فضلاً عظيماً، كما ورد عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: "ألا إنّ رجب شهر الله الأصمّ وهو شهر عظيم، وإنّما سُمّيَ الأصمّ، لأنّه لا يقاربه شهر من الشهور حرمةً وفضلاً عند الله... ألا مَن صام من رجب يوماً إيماناً واحتساباً، استوجب رضوان الله الأكبر، وأطفأ صومه في ذلك اليوم غضب الله، وأغلق عنه باباً من أبواب النار، ولو أُعطي ملئ الأرض ذهباً ما كان بأفضل من صومه"[9].
وسوف نزيدكم في فضل الصوم في هذا الشهر، ما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "ألا إنّ رجب شهر الله الأصمّ، وهو شهرٌ عظيمٌ، وإنّما سُميّ الأصمّ؛ لأنّه لا يقارنه شهرٌ من الشهور حرمةً وفضلاً عند الله -تبارك وتعالى-، وكان أهل الجاهليّة يعظّمونه في جاهليتها، فلمّا جاء الإسلام لم يزدد إلّا تعظيماً وفضلاً. ألا إنّ رجب وشعبان شهراي ، وشهر رمضان شهر أمّتي، ألا فمن صام من رجب يوماً إيماناً واحتسابا؛ استوجب رضوان الله الأكبر، وأطفأ صومه في ذلك اليوم غضب الله، وأغلق عنه باباً من أبواب النار، ولو أُعطي مثل الأرض ذهباً ما كان بأفضل من صومه".
وقد عدّ في حديثه فضل صوم أيام كثيرة من هذا الشهر، حتّى قيل له: "يا نبيّ الله، فمن عجز عن صيام رجب لضعفٍ أو لعلّةٍ كانت به، أو امرأة غير طاهر، يصنع ماذا لينال ما وصفته؟ قال (ص): يتصدّق كلّ يومٍ برغيفٍ على المساكين، والذي نفسي بيده، إنّه إذا تصدّق بهذه الصدقة كلّ يومٍ نال ما وصفت وأكثر، إنّه لو اجتمع جميع الخلائق كلّهم من أهل السماوات والأرض على أن يقدّروا قدر ثوابه، ما بلغوا عُشر ما يصيب في الجنان من الفضائل والدرجات."
قيل: "يا رسول الله، فمن لم يقدر على هذه الصدقة، يصنع ماذا لينال ما وصفت؟" قال (ص): "يسبّح الله -عزّ وجلّ- كلّ يومٍ من رجب إلى تمام ثلاثين يوماً بهذا التسبيح مئة مرّة: سبحان الإله الجليل، سبحان من لا ينبغي التسبيح إلّا له، سبحان الأعزّ الأكرمّ، سبحان من لبس العزّ، وهو له أهلٌ"[10].
ثواب الطاعة والعبادة فيه
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّ الله -تعالى- نَصَبَ في السماء السابعة ملكاً يُقال له: (الداعي)، فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كلّ ليلةٍ منه إلى الصباح: طوبى للذاكرين، طوبى للطائعين، يقول الله –تعالى-: أنا جليس من جالسني، ومطيع من أطاعني، وغافر من استغفرني، الشهر شهري، والعبد عبدي، والرحمة رحمتي، فمن دعاني في هذا الشهر أجبته، ومن سألني أعطيته، ومن استهداني هديته، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي فمن اعتصم به وصل إليّ"[11].
أيّها الأحبّة،
من الرحمة الإلهيّة، إنّه -سبحانه وتعالى-، يفتح لعباده أبواب اللجوء إليه، إنّه يعطيهم الفرصة كي يعودوا إلى طريق الحقّ، ويصوّبوا مسيرتهم إذا ما أصابتها شائبة الانحراف عن جادة الصواب، بالتوجّه إليه، وطلب العفو منه عمّا مضى من تقصير.
والحمد لله ربّ العالمين
[1] سورة التوبة، الآية 36.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج94، ص47.
[3] الشيخ الصدوق، الآمالي، ص627
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج94، ص 39.
[5] المصدر نفسه، ج48، ص 102.
[6] المصدر نفسه، ج95، ص 377.
[7] الشيخ عبّاس القميّ، مفاتيح الجنان، ص229.
[8] المصدر نفسه، ص229.
[9] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص627.
[10] المصدر نفسه، ص632.
[11] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج 3، ص 174.