محاور الخطبة
- الدعاء
- الدعاء بالمأثور
- شهر شعبان والمناجاة الشعبانيّة
- المناجاة
- عظمة المناجاة الشعبانيّة
- المعارف في المناجاة الشعبانيّة
- من مقاطع المناجاة الشعبانيّة
مطلع الخطبة
الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
"وَاسْمَعْ دُعائي إذا دَعَوْتُكَ، وَاْسمَعْ نِدائي إذا نادَيْتُكَ، وَأَقْبِلْ عَليَّ إذا ناجَيْتُكَ، فَقَدْ هَرَبْتُ إلَيْكَ، وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيكَ، مُسْتَكيناً لَكَ، مُتَضرِّعاً إِلَيْكَ، راجِياً لِما لَدَيْكَ ثَوابي، وَتَعْلَمُ ما في نَفْسي، وَتَخْبُرُ حاجَتي، وَتَعْرِفُ ضَميري، وَلا يَخْفى عَلَيْكَ أَمْرُ مُنْقَلَبي وَمَثْوايَ"[1].
الدعاء
أيّها الأحبّة،
إنّ هذه القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد، ولا يجلوها إلّا الدعاء، وذكر الله، والتوبة، والإنابة إليه -سبحانه-.
وإنّ من رحمة الله علينا، أن فتح لنا باب الإنابة إليه، والتضرّع بين يديه، فإذا كان الواحد منّا قد قصّر بحقّ الله -تعالى- أو بحقّ نفسه، فله أن يرفع يديه بالدعاء، ويناجي ربّه العزيز الجبّار، وإذا ما دعاه فإنّه السميع العليم. قال -سبحانه وتعالى- في محكم كتابه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[2].
الدعاء بالمأثور
وإنّ أفضل الدعاء ما كان مأثورًا عن أوليائه الطاهرين، الذين عرفوا الله حقّ معرفته، فكان لهم بينهم وبينه رابطة الحبيب بالمحبوب، والعاشق بمعشوقه، ففقهوا كيف السبيل إلى مناجاته ودعائه، وكيف يبنغي أن يكون العبد بين يدي ربّه، حتّى انتقوا كلمات أدعيتهم، وكأنّها بمثابة المفاتيح لخزائن استجابته ومغفرته؛ ولهذا فقد كانت أدعيتهم مليئة بالخشوع والمعرفة.
ولا بدّ من الإشارة، إلى أنّ أدعية المعصومين (عليهم السلام) من أهل بيت النبوّة، تشتمل على معارف عظيمة، لا نجد أعظم منها سوى في آيات كتاب الله العزيز، وأحاديث رسوله الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وعلى المرء أن يعمد إلى التأمّل في هذه الأدعية جيّداً، كي ينهل من معينها.
شهر شعبان والمناجاة الشعبانيّة
وها قد أشرف علينا شهر عظيم وجليل، هو عند الله من أعظم الشهور، التي أجزل فيها البركات، وأعظم فيها الأعمال وفتح فيها سبل الوصول إليه.
إنّه شهر شعبان، إنّه شهر التهيئة والاستعداد لشهر رمضان المبارك، شهر التهيئة لقلوبنا وعقولنا، كي نلج ذاك الشهر بروحيّة عالية لتلقّي اللطائف المعنويّة والفكريّة.
وكما نعلم، فإنّ لشهر شعبان أعمالاً خاصّة، وأعمالاً عامّة، يشترك في ما بينه وبين شهر رجب وشهر رمضان بالصيام، وكذلك بالدعاء، والتوجّه إلى الله، ومن أعظم ما اقترن بهذا الشهر من الأدعية والمناجاة، هو المناجاة الشعبانيّة.
وقد رواها ابن خالويه عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، والتي دأب جميع الأئمّة من ولده (عليهم السلام) بالدعاء بها ومناجاتهم بها للباري -سبحانه وتعالى- في شهر شعبان.
وقد أورد المحدّث الشيخ عبّاس القمّيّ هذه المناجاة في كتابه المشهور "مفاتيح الجنان"، وعلّق في نهايتها أنّها "جليلة القدر منسوبة إلى أئمّتنا (عليهم السلام)، مشتملة على مضامين عالية، ويحسن أن يُدعى بها عند حضور القلب متى ما كان"[3].
وأورد العلماء هذه المناجاة، باسم "الدعاء في شعبان"، أو باسم "مناجاة مولانا أمير المؤمنين"، ولم تكن معروفة باسم "المناجاة الشعبانيّة"، وممّن أطلقَ عليها هذه التسمية، هو آية الله المقدّس الشيخ ملكي تبريزيّ، صاحب كتاب "المراقبات".
المناجاة
المناجاة في اللغة: هي المسارّة والمحادثة، فإذا ناجى المرء ربّه فإنّه حادثه، وكأنّه يحدّثه بشيء يريد به أن يكون سرًّا بينه وبينه، وهو نوع من الاختلاء بالله –تعالى-، كمن يصلّي صلاة الليل، فإنّ من عظمتها أنّ الإنسان فيها يكون بخلوة بينه وبين الله -سبحانه تعالى-.
عظمة المناجاة الشعبانيّة
ماذا تعني "ناجيته"؟ هل المقصود أنّ الله -تعالى- يناجي الإنسان؟ وما هي هذه المناجاة؟ ما الذي أراده الإمام (عليه السلام) من ذلك؟
يقول الإمام الخمينيّ (ده): "إنّي لم أرَ مثل هذه التعابير في أدعية أخرى غير هذا الدعاء. لقد كان الأئمّة جميعاً يقرؤون هذه المناجاة، وهذا دليل على عظمتها. جميع الأئمّة كانوا يقرؤون هذه المناجاة، فماذا يعني ذلك؟ ما هذه المسائل التي كانت بينهم وبين الله -تبارك وتعالى-؟"[4].
المعارف في المناجاة الشعبانيّة
يقول الإمام الخامنئيّ (حفظه الله): "إنّ المناجاة الشعبانيّة هي من أرقى المناجاة، وأسمى المعارف الإلهيّة، ومن أعظم الأمور التي يستطيع -مَن كان مِن أهلها- الاستفادة منها، وحسب إدراكه"[5].
والسؤال هنا: بماذا تميّزت المناجاة الشعبانيّة من الناحية المعرفيّة، كي يذكرها العلماء على هذا النحو من التعظيم؟
أليست الأدعية المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام) كلّها، تحمل في طيّاتها معارف عظيمة؟
الجواب عن ذلك في الحقيقة، يتبيّن من خلال ما تضمّنته هذه المناجاة من مقاطع، تأخذ الإنسان في مناجاته لله -تعالى- إلى جميع مفاصل علاقة العبد بربّه، من اعتراف بالربوبيّة والعبوديّة والحاجة والفقر إليه، إلى تعظيم شأن الله، ومدى صغر الإنسان بين يديه، ومع ذلك كلّه، فإنّ الله -تعالى- الذي وُصف بصفات العظمة والكبرياء كلّها، فإنّه لا يقطع سبل عباده عنه في اللجوء إليه، مهما عظمت ذنوبهم وكثرت معاصيهم.
ومن هنا، وإن كنّا لا نستطيع الإحاطة بكلّ ما تضمّنته هذه المناجاة الجليلة، إلّا أنّ علماءنا قد بذلوا جهداً عظيماً في تفسير مقاطعها، ولبيان شيءٍ من ذلك، نُورد بعضاً من تلك المقاطع على الشكل الآتي:
من معارف المناجاة
"اِلـهي، هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ إِلَيْكَ".
ما معنى الانقطاع؟
يُقال في اللغة: فلان انقطع إلى فلان؛ أي استغنى به عن غيره في أخذ ما يحتاج أو يريد. إنّ الإنسان في علاقته مع ربّه إذا وصل لهذه الدرجة، بحيث لا يرى مؤثّراً في الوجود غير الله -تعالى-؛ فإنّه لا يحتاج إلى الآخرين، فالكلّ مفتقر إلى رحمته -تعالى-! إلّا أنّ الانقطاع له درجات، فقد ينقطع الإنسان إلى الله -عزّ وجلّ- في ساعات الإقبال في جوف الليل، أو في أثناء سفرة لحجّ أو عمرة؛ فهذا ليس هو الانقطاع الكامل. إنّ الانقطاع الكامل هو أن ينقطع الإنسان عن كلّ فرد في الوجود: في كلّ زمان، وفي كلّ مكان، وفي كلّ حال.
"وَأَنِرْ أَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها إِلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ أَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ".
ما هي حجب النور؟
النور يضيءُ الطريق، فكيفَ تحول إلى حجاب؟ علينا أن نعلم أنّه في بعض الأوقات، يكون الحجاب الذي يحول بيننا وبين مصدر النور، هذا الحجاب بنفسه نور أيضاً، والعلمُ هو الحجاب الأكبر! فالعلمُ نور، ولكنّه بالنسبة للبعض يتحوّل إلى حجاب. مثلاً: إن كان هناك مؤمن في خلوة مع ربّ العالمين، يستمتعُ بمناجاةٍ قلبيّة، هذا المؤمن إن فتحَ كتاباً علميّاً، وإن كان دينيّاً؛ فإنّه يخرجُ من جوّه؛ وعندئذ يتحوّل هذا الكتاب بالنسبة لهُ إلى حجاب، فهو كانَ في حديث مع ربّ العالمين، وهذا الكتاب قطع أنسه! فإذاً، إنّ الإنسان يصل في الحركة التكامليّة إلى درجة يجتاز الظلمات، فيصل إلى مرحلة النور، وقبل ذلك كلّه نور العلم.
"فَتَصِلَ إِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ أَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ".
ما هو معدن العظمة؟
هل يُريدُ الإمام -عليه السلام- ما ذكرهُ في وصف المتّقين: "صَحِبُوا الدّنيا بِأَبْدانٍ، أَرْوَاحُهَا مُعَلّقَة بِالمَحَلِ الأَعْلى"[6]؟! إنّ هذه النفس إذا اندكّت في عالم العرش؛ فقد حقّقت معنى الفناء، لا الفناء بمعنى وحدة الوجود، وإنّما أن لا يرى الإنسان لنفسه خصوصيّة في قبال ذلك الوجود الذي غمر نوره كلّ شيء.
والحمد لله ربّ العالمين
[1] المناجاة الشعبانيّة.
[2] سورة غافر، الآية60.
[3] مفاتيح الجنان، الشيخ عبّاس القمّيّ، ص266.
[4] صحيفة الإمام، ج 17 ، 372.
[5] من خطاب له في 25 شعبان، عام 1422ه.
[6] نهج البلاغة، ج4، ص38.