محاور الخطبة
- أسبوع الصدقة
- فضل الصدقة
- آثار الصدقة
- صدقة السرّ
- لا تمنّوا على من تصدّقتم عليه
مطلع الخطبة
قال الله –تعالى- في كتابه العزيز: (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ)[1].
وقال –عزّ وجلّ-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ)[2].
أسبوع الصدقة
أيّها الأحبّة،
بمناسبة أسبوع الصدقة، يجدر بنا أن نذكّر أنفسنا بأهمّيّة الصدقة وفضلها عند الله -سبحانه-؛ فقد يصيبنا التقاعسُ والتهاون في مثل هذه العبادة العظيمة الّتي أجزل الله فاعلَها ثواباً عظيماً وأجراً كبيراً.
وإنّ لنا في أسبوع الصدقة قصّة، تُرجعنا إلى مورد نزول الآية المباركة التي قال فيها الله –سبحانه-: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون)[3].
فقد نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، بعد أن تصدّق على سائلٍ وهو في صلاته، وقد ذكر الحادثة أبو ذرّ -رضوان الله عليه- قائلاً: أما إنّي صلّيت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) صلاة الظهر يوماً من الأيام، فسأل سائل في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلم يعطِهِ أحد، فرفع السائل يدَه إلى السماء وقال: الّلهمّ اشهد إنّي سألتُ في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فلم يُعطِني أحدٌ شيئاً، وكان عليّ راكعاً، فأومأ إليه بخنصره اليُمنى، وكان يتختّم فيه، فأقبل السائل، فأخذ الخاتم من يده بعين رسول الله، فلمّا فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء، وقال: الّلهم إنّ أخي موسى سألك، فقال: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)[4] فأَنْزلْتَ: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا). الّلهمّ، وأنا محمّد نبيّك وصفيّك، الّلهمّ فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً، اشدد به أزري، قال أبو ذرّ: فما استتمّ رسول الله كلامه، حتّى نزل جَبرائيل يقول له: اقرأ: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)"[5].
فقد كان الأمير (عليه السلام) في عبادة، ومع ذلك لم يتوانَ عن التصدّق على فقير مدّ يدَه سائلاً، وإن دلّ هذا على شيء، إنّما يدلّ على عظمة هذه العبادة التي لا تتعارض البتّة مع إقامة الصلاة، وكأنّ الإمام (عليه السلام) يعلّمنا في فعله هذا درساً: أن انظروا إلى الفقراء والمحتاجين، ولا تردّوهم خائبين، وأن لا تمنعوهم ممّا رزقكم الله من نعمه عليكم.
أيّها الأحبّة،
إنّ للصدقة في ثقافتنا الإسلاميّة مكانةً رفيعةً، حيث ورد فيها العديد من الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة عن النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار(عليهم السلام)، وهي تؤكّد لنا عظمة الصدقة وفضلها، وآثارها في الدّنيا والآخرة، وكذلك على آدابها وشروطها.
أمّا في فضل الصدقة
فقد قال الله –تعالى- في كتابه الكريم: (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[6].
وقال: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ)[7].
وإنّ لها فضلاً بنظر خاتم النبيّين (صلّى الله عليه وآله)، حيث قال: "خُلَّتان لا أحبّ أن يشاركني فيهما أحد: وضوئي، فإنّه من صلاتي، وصدقتي، فإنّها من يدي إلى يد السائل؛ فإنّها تقع في يد الرحمن"[8].
بل إنّها مصدر خير كما في قوله –تعالى-: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ)[9].
آثار الصدقة
أيّها الأحبّة،
إنّ لكلّ عمل نقوم به في هذه الحياة الدّنيا أثراً، سواء أكان هذا الأثر على مستوى الحياة الدّنيا أم حياة الآخرة؛ ولهذا فإنّ على المرءِ دوماً أن ينظر إلى ما يفعل بعين التنبّه إلى مآله وعواقبه.
ومن هذا المبدأ، نجد كيف أنّ الله -سبحانه وتعالى-، قد نبّه إلى آثار الأفعال التي يقوم بها الإنسان، فإذا ما كانت أفعالاً حسنة، فسوف تكون عواقبها جميلة وطيّبة، وأمّا إذا كانت سيّئة فإنّ عواقبها ستكون وخيمة.
ولننظر إلى العواقب الحسنة التي تتبعُ الصدقة، لنرى حينها كم هو فضل هذه العبادة:
1- إنّها مصدر قبول الأعمال، كما عن الإمام الصّادق (عليه السلام): "إنّ الله -تبارك وتعالى- يقول: ما من شيء إلّا وقد وكّلت من يقبضه غيري، إلّا الصدقة، فإنّي أتلقّفها بيدي تلقّفاً"[10].
2- إنّها أمانٌ في القبر ويومِ القيامة، فعن رسول الله (صلّى الله علية واله) أنّه قال: "إنّ الصدقة لتطفئ عن أهلها حرّ القبور، وإنّما يستظلّ المؤمن يوم القيامة في ظلّ صدقته"[11].
3- إنّها مفتاح الرزق، فعن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: "استنزلوا الرّزق بالصدقة"[12].
4- إنّها تضاعِف جزاءَها، كما في قوله –تعالى-: (يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)[13]. وعن الإمام الصّادق (عليه السلام) أنّه قال: "قال الله -تعالى-: إنّ من عبادي من يتصدّق بشقّ تمرة، فأربيها له كما يربي أحدكم فلوَه[14]، حتّى أجعلها له مثلَ جبل أحد"[15].
5- إنّها تدفع البلاء، فعن رسول الله (صلّى الله عليه واله) أنّه قال: "الصدقة تدفع البلاء المبرم؛ فداووا مرضاكم بالصدقة "[16].
6- تدفع ميتة السّوء، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "البرّ والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان سبعين ميتة سوء"[17].
7- تجلب الرّزق، كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "إذا أملقتم، فتاجروا الله بالصدقة"[18]. وغيرها من الآثار الطيّبة التي يرجع النفعُ فيها إلى المتصدّق نفسه، وإنّ هذا من كرم الله وجوده -سبحانه-.
صدقة السرّ
وإنّ هاهنا مسألة مهمّة تتعلّق بالصدقة، وهي بأن تكون الصدقة بإخلاص لله -عزّ وجلّ-، وبأن لا يشوبها الرّياء وحبّ السمعة والشهرة؛ فإنّ ذلك كلّه ينفي قيمة الصدقة ويمحو أثرها وأجرَها، وإنْ كانت بمبالغ طائلة جدّاً.
وربّما لكي لا يقع الإنسان في مغبّة الرياء، ورد ما يدلّ على أفضليّة صدقة السرّ، كما في قوله -تعالى-: ﴿إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِىَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتؤْتُوهَا الفُقَرَاءِ فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ)[19].
فإنّ الله -سبحانه وتعالى- لم ينفِ -طبقاً لهذه الآية المباركة- فضلَ الصدقة المُعلَنة، ولكنّه أشار في الوقت عينه إلى خيريّة صدقة السرّ.
وقد ورد في الأحاديث الشريفة ما يدلّ على صدقة السرّ، كما عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "سبعة في ظلِّ عرش الله -عزّ وجلّ- يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه... رجل تصدّق بيمينه، فأخفاها عن شماله"[20].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "وصدقة الليل تطفئ غضب الرب"[21].
وقد عُرِف عن أئمّتنا الأطهار (عليهم السلام) أنّهم كانوا حريصين على صدقة السرّ؛ لذلك نقرأ في كتب السيرة والتاريخ أنّ الإمام عليّاً زين العابدين (عليه السلام) كيف كان يخرج تحت جنح الظلام حاملاً الجراب والصُرر على ظهره، حتّى يأتيَ أبوابَ الفقراء فيقرعَها، ثمّ يناول ما يودّ إيصالَه إليهم وهو مغطّى الوجه لئلّا يُعرف.
لا تمنّوا على من تصدّقتم عليه
إنّ بعض النّاس، قد يكون دفعهم للصدقة عن نيّة خالصة، ولكنّهم -لسببٍ وآخر- قد يمنّون على من تصدّقوا عليه، وإنّ هذا من موجبات بطلان الصدقة عند الله -سبحانه-، وهو القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)[22].
[1] سورة إبراهيم، الآية 31.
[2] سورة البقرة، الآية 254.
[3] سورة المائدة، الآية 55.
[4] سورة طه، الآيات 25-32.
[5] الإربلّي، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، ج1، ص 318.
[6] سورة التوبة، الآية 104.
[7] سورة التوبة، الآية 111.
[8] الشيخ الصدوق، الخصال، ص33.
[9] سورة النساء، الآية 114.
[10] الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص 47.
[11] الهندي، كنز العمال، ج6، ص 348.
[12] الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص 10.
[13] سورة البقرة، الآية 276.
[14] الفلو: الصغير من الخيل حين يفصل عن أمّه.
[15] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 9، ص 381.
[16] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 59، ص 246.
[17] الشيخ الصدوق، الخصال، ص 48.
[18] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج9، ص 372.
[19] سورة البقرة، الآية 271.
[20] الشيخ الصدوق، الخصال، ص 343.
[21] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 157.
[22] سورة البقرة، الآية 264.