الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1371 - 05 محرم 1441هـ - الموافق 05 أيلول 2019م
اجتناب النزعة الدّنيويّة، درس من دروس عاشوراء

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق


محاور الخطب
- الدّنيا في القرآن والسنّة
- الدّنيا وعاشوراء
- الإمام يعلن هدف ثورته المباركة
- الإمام يحدّد ضابطة اللحاق به
- مشكلة الخواصّ وموقفهم في عاشوراء

مطلع الخطبة
عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "أيّها النّاس، إنّ الدّنيا دارُ ممرّ والآخرة دارُ مستقرّ، فخذوا من ممرّكم لمستقرّكم، وأخرجوا من الدّنيا قلوبَكم، قبل أن تخرج منها أبدانُكم، فللآخرة خُلقتم وفي الدّنيا حُبستم، وإنّ المرءَ إذا مات؛ قالت الملائكة: ما قدّم؟ وقالت الناس: ما خلّف؟ فللّه إيابُكم، قدّموا؛ كيلا يكون لكم، ولا تقدّموا؛ كيلا يكون عليكم، فإنّما مثل الدّنيا مثل السمّ، يأكله من لا يعرفه"[1].

الدّنيا في القرآن والسنّة
أيّها الأحبّة،
إنّ في كتاب الله وأحاديث النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار، الكثير من التحذيرات من مغبّة الوقوع في حبّ الدّنيا والتعلّق بها. ذلك أنّه من أبرز موجبات السقوط والوقوع في الانحرافات على شتّى أشكالها وأنواعها.

إنّ الدّنيا في نظر الإسلام ليست إلّا مرحلةً يعيش فيها الإنسان حياةً مؤقّتةً يملؤها اللهو والمتاع والتفاخر، ثمّ ينتقل منها إلى حياة أخرى وعالم آخر، قال -سبحانه وتعالى-: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدّنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدّنيا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}[2].

وعن الإمام موسى بن جعفر الكاظم  (عليه السلام): "أهينوا الدّنيا؛ فإنّه أهنى ما يكون عليكم، فإنّه ما أهان قوم الدّنيا؛ إلّا هنّأهم الله العيش، وما أعزّها قوم؛ إلّا ذلّوا وتعبوا وكانت عاقبتهم الندامة"[3].
 
الدّنيا وعاشوراء
أيّها الأحبّة،
إنّ ما جرى في عاشوراء الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) لخير دليل على أنّ لحبّ الدّنيا أثراً بالغاً في نفوس المتعلّقين بها، حتّى تأخذهم إلى حيث ما لا ينبغي، فقد وقع الكثيرون في فخّ الدّنيا ذات الملمس الحسن والناعم، فتركوا ابنَ بنتِ نبيّهم وسبطه وسيّد شباب أهل الجنّة؛ إمّا طمعاً فيها، وإمّا خوفاً من خسارة ما بين أيديهم منها.

وكان الإمام (عليه السلام) في مسيره إلى كربلاء قد وصف حال النّاس مع الدّين والدّنيا، قائلاً:
"إِنَّ هَذِهِ الدّنيا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنَكَّرَتْ وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصَابَّةِ الْإِنَاءِ، وَخَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَى الْوَبِيلِ، أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَأَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُنْتَهَى‏ عَنْهُ، لِيَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللَّهِ مُحِقّاً، فَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا الْحَيَاةَ، وَلَا الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَماً، إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدّنيا وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ؛ قَلَّ الدَّيَّانُون‏"[4].

الإمام يعلن هدف ثورته المباركة
إذا قرأنا بشيء من التأمّل بعض ما ذُكر عن لسان الإمام الحسين (عليه السلام) منذ انطلاقته من مدينة جدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله)؛ نجد أنّ حركته بُنيت على أنّها للإصلاح، وهو القائل (عليه السلام): "وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي (صلّى الله عليه وآله)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"[5].

فقد نفى عن تحرّكه الصبغةَ الدّنيويّة، التي لطالما تكون الدافع الأساس للكثير من الثائرين وأصحاب التغيير.

أعلن قائلاً: بأنّه لم يخرج أشراً ولا بطراً، وأنّ ما قام به إنّما هو بعيدٌ عن الأهداف الدّنيويّة المحدودة، بل هدفه أعظم من ذلك بكثير، إنّه للإصلاح في أمّة جدّه (صلّى الله عليه وآله).

وإنّ في إعلانه هذا (عليه الصلاة والسلام) إيقاظًا لأولئك الذين يتمسّكون بالدّنيا وحطامِها، بأنّ الإمام الحجّة ابنَ بنتِ نبيّهم، ها هو يترك ما في الدّنيا في سبيل هدفٍ أسمى، ألا وهو إحياء دين جدّه والحفاظ عليه.

وممّا قاله (عليه السلام) وهو في طريقه إلى الكوفة، مؤكّداً صبغة تحرّكه المبارك: "اللهمّ، إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام"[6].

الإمام (عليه السلام) يحدّد ضابطة الّلحاق به
حدّد الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ضابطةً رئيسةً لكلّ من يريد اللحاقَ به في مواجهة المستبدّين الظلمة، وأبرز ضابطة وجّهها للنّاس في ذلك، هو أن يكون المرءُ قد وطّن نفسَه على لقاء الله، وهذا يعني أن لا تكون الدّنيا قد أخذت منه لبّه وقلبه، حيث قال (عليه السلام): "من كان باذلاً فينا مهجته، وموطّناً على لقاء الله نفسَه؛ فليرحل معنا"[7].

إذاً، من كان موطّناً نفسه فليرحل مع الإمام، ذلك أنّ الرحيل معه كان يقتضي التضحية والإيثار، التضحية بالدّنيا في سبيل نيل لقاء الله، أو على الأقلّ، في سبيل المشقّة والجهاد في سبيل الله، ومن لم يكن كذلك فهو غير مؤهّل ليكون في صفوف من يقف بجانبه ويثبت معه في أحلك الظروف والمواقف.

وإنّ هذا بنفسه درس من دروس عاشوراء، وهو بأن لا تكون الدّنيا أكبر همّ الإنسان، وأنّ عليه أن ينظر إلى ما هو أعظم منها وأجلّ، ألا وهو لقاء الله -تعالى- ورضاه، فأين ما كان رضاه؛ فيكون الوصول إليه أسمى الوصول، حتّى لو بُذلت في طريقه المهج والأرواح، وهذا ما جسّده أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث تركوا ما بين أيديهم من أموال وجاه وأولاد وزوجات، ولم يكن نصب أعينهم إلّا رضاه -سبحانه وتعالى-.

والسؤال هنا: هل يستطيع من تملّك حبّ الدّنيا في قلبه أن يتخلّى عنها، وأن يلتحق بركب المجاهدين في سبيل الله؟
إنّ الواقع أثبت لنا، أنّ ذلك أمر مستصعب، ولهذا، لا بدّ على المرء دوماً أن يتنبّه من خطورة تعلّقه بالدّنيا وشهواتها، وأن يكون على حذر من ذلك دوماً.

مشكلة الخواصّ وموقفهم في عاشوراء
ماذا كانت مشكلة مَن كانوا يُعرفون بالوجاهة بين أقوامهم مع الإمام الحسين (عليه السلام)؟
ماذا كانت مشكلة كبار القوم ممّن أعلنوا ولاءَهم في بادئ الأمر للإمام، وأرسلوا له رسائلَهم وكتبَهم ليلتحق بهم ويتسلّم زمام الأمور والحكم في الكوفة؟

تساؤلات عديدة لنا أن نطرحها على مجريات ما حدث في الكوفة، وما تعقّبها من أحداث في يوم عاشوراء، إلّا أنّه يمكن الإجابة عن ذلك وبشكل مقتضب:
إنّ المشكلة الأساسيّة التي وقع بها أولئك، هي في نظرتهم إلى حطام هذه الدّنيا، فقد وقع الكثيرون منهم في فخّها، حتّى استسلموا للمغريات الدّنيويّة الزائلة، وأخفقوا في الوقوف بجانب إمامهم الإمام الحسين (عليه السلام).

وإنّ هاهنا مسألة لا بدّ من التنبيه لها، وهي أنّ البصيرة التي دفعت بعض الأشخاص ليقف مع الإمام (عليه السلام) لا تختصّ بالمتعلّمين أو أصحاب الشأن الاجتماعيّ، بل قد يكون المرء غير متعلّم، أو أنّه لا شأن له في حركة المجتمع لضعف يده، إلّا أنّه يمتلك من البصيرة والزهد في هذه الدّنيا ما يستطيع من خلاله أن يقف المواقف الجليلة والعظيمة، كأولئك الذين استشهدوا بين يدي الإمام أبي عبد الله (عليه السلام).

وفي الجهة المقابلة قد يكون المرء صاحب شأن وجاه وعلم وتاريخ في الجهاد، لكنّه لا يملك تلك البصيرة، بل ربّما يملكها لكنّ حبّ الدّنيا قد أعمى بصيرتَه.

وهذا في الواقع ما جرى مع العديد من أهل الكوفة وغيرهم. 

أيّها الأحبّة،
إنّ دروس عاشوراء عديدة وجليلة، دروس في التضحية والوفاء والشجاعة والتوكّل والثقة بالله.

وكذلك تعطينا درساً في التخلّي عن التعلّق بالدنيا، والذي يقف حائلاً دون الوقوف بجانب الحقّ وملازمته، طمعاً وشغفاً بشهواتها.
 
[1] الديلميّ، إرشاد القلوب، ج1، ص 19.
[2] سورة الحديد، الآية 20.
[3] الديلميّ، إرشاد القلوب، ج1، ص18.
[4] ابن شعبة الحرانيّ، تحف العقول، ص 246.
[5] المجلسيّ، بحار الأنوار، ج44، ص 329.
[6]  تحف العقول، ص 239.
[7] ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص 38.

05-09-2019 | 11-05 د | 1584 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net