محاور الخطبة
- ارتباط غاية الإنسان بالعمل
- اتّباع رضوان الله
- في فضل اتّباع رضوان الله
- موجبات الرضا الإلهيّ
مطلع الخطبة
الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
قال الله -تعالى- في محكم كتابه: ﴿أَفَمَن أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَان خَيْرٌ أَم مَّن أسَّس بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّم وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[1].
ارتباط غاية الإنسان بالعمل
يقول -تعالى-: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾[2].
إنّ غايةَ الإنسان هي التي تحدّد مسارَ حياته في الدّنيا، فيبني على أساسها كلّ تحرّك يقوم به، وكلّ فعل يقوم به، بل لها دخالة واضحة في نمط تفكيره.
وكلّما كانت الغايةُ عظيمةً كلّما كانت الهمّةُ للوصول إليها أعظم، فكيف إذا كانت هذه الغايةُ هي رضا الله -سبحانه- ولقاءه؟! فحينها لا ريب في أنّ مسيرة الإنسان ستكون دقيقةً للغاية، لا عشوائيّةَ فيها ولا تفلّت، ولا حرّيّة مطلقة له دون قيد أو شرط، بل إنّها مبنيّةٌ وفق نظام وأحكام شُرّعت جميعاً لتصوّب سلوك الإنسان على جاّدة الحقّ والصراط المستقيم، والتي لنا اختصارها بكلمتين، بأنّها مبنيّة على ما يحبّه الله ويرضاه.
اتّباع رضوان الله
إنّ رضا الله لهو المطلبُ والغايةُ لكلّ إنسان استنارَ قلبُه بهدى ربّه -سبحانه-، ما يجعله يتحرّى عن كلّ ما يرضيه ويبتعد عن كلّ ما يُسخطه، انسجاماً مع قوله -عزّ وجلّ-: ﴿فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾[3].
ولكن لماذا رضا الله؟
إنّ ابتغاء مرضاة الله في حياة الإنسان بجميع مفاصلها ومواقفها، إنّما يرجع إلى ذاك الإيمان العميق والمتجذِّر في نفس هذا الإنسان المؤمن بالله، والذي يحتّم عليه عدم فصل حياته عنه -سبحانه-، وهو القائل -سبحانه-: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾[4].
والقائل -سبحانه- عند وصفه حال الصابرين عند البلاء، وهم يقولون: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾[5].
فهو الخالق العظيم والمقتدر، الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، هو الإله الذي لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماوات، قبلة قلوب العارفين، ومنتهى سؤل السائلين، وصاحب صفات الجمال والجلال، الذي إليه يلجأ المفتقرون في السرّاء والضرّاء والشدّة والرّخاء... إنّ ذلك كلّه يدفع الإنسان إلى أن لا يطلب سوى مرضاته -سبحانه-، دون غيره.
فضل اتّباع رضوان الله -تعالى-
أيّها الأحبّة،
قد ذُكرت في كتاب الله آياتٌ عديدةٌ توضّح لنا فضل اتّباع رضوان الله -سبحانه-، منها:
قوله -عزّ وجلّ-: ﴿أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَن بَاء بِسَخْطٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾[6].
وقوله -سبحانه-: ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾[7].
موجبات الرضا الإلهيّ
أيّها الأحبّة،
إنّ المؤمنَ بالله -سبحانه-، يعمد ويجهد في سبيل معرفة طرق الوصول إلى الغاية الأسمى لديه، ألا وهي رضاه -عزّ وجلّ-، ولا يقتصر ذلك على المعرفة النظريّة، بل لا بدّ أن يترجم ذلك بأفعاله وأعماله.
وممّا يوجب رضوان الله أمورٌ عدّة، نذكر منها:
1. الإيمان
قال الله -سبحانه- في محكم كتابه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[8].
2. تقوى الله وطاعته
قال -سبحانه-: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾[9].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "وأوصاكم بالتقوى، وجعلها منتهى رضاه وحاجته من خلقه"[10].
وعنه (عليه السلام): "هيهات، لا يخدع الله عن جنّته، ولا تنال مرضاته إلّا بطاعته"[11].
3. الجهاد بالأموال والأنفس
قال -سبحانه-: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾[12].
4. الصدق
قال -عزّ وجلّ-: ﴿هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[13].
5. سخط النفس
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَن أسخطَ بدنه أرضى ربّه، ومَن لم يسخطْ بدنه عصى ربّه"[14].
وقال لقمان (عليه السلام) لابنه: "يا بُنيَّ، مَن يُرِد رضوان الله يُسخِط نفسَه، ومَن لا يُسخِط نفسَه لا يُرضي ربَّه"[15].
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ سخط النّفس ليس هدفاً بذاته، إنّما هو وسيلة لجعل هذه النّفس في حالة من اليقظة الدائمة؛ لئلّا تقع في مغبّة الأهواء والشهوات، التي ترديها بالمعاصي والذنوب والانحراف عن طريق الحقّ والصواب.
بل قد يلزم على الإنسان أن يبتعد عن بعض المباحات بهدف تقويض جماحها وعدم استرسالها في طلب ما تشتهيه، تحرّزاً من الوقوع في الشهوات.
ولذلك، جاء في أدعية الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)، ما يدفعنا دوماً لسخط النّفس الأمّارة بالسّوء، كما في دعاء الإمام عليّ زين العابدين (عليه السلام):"الهي، إليك أشكو نفساً بالسوء أمّارة، وإلى الخطيئة مبادرة، وبمعاصيك مولَعة، ولسخطك متعرّضة، تسلك بي مسالك المهالك، وتجعلني عندك أهون هالك، كثيرة العلل، طويلة الأمل، إنْ مسَّها الشرّ تجزع، وإنْ مسّها الخير تمنع، ميّالة إلى اللعب واللهو، مملوءة بالغفلة والسهو، تسرع بي إلى الحوبة، وتسوّفني بالتوبة"[16].
6. حُسن العشرة
ومن موجبات رضا الله -سبحانه وتعالى- أن يجهد الإنسان في أن تكون علاقته بعباد الله علاقة قائمةً على التواضع، وكذلك في الاستغفار بين يدي الله، وكثرة الصدقة، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): "ثلاثٌ يبلغن بالعبد رضوانَ الله: كثرة الاستغفار، وخفض الجانب - أي التواضع، ومجانبة الترفّع والتفاخر والتعالي على عباد الله-، وكثرة الصدقة"[17].
وإنّ رضا الله -عزّ وجلّ- لا يُؤتى بالقيام ببعض الأعمال، إنّما حياة المرء بأجمعها وبتفاصيلها كافّةً تكون لله -تعالى-، كما في قوله -عزّ وجلّ-: ﴿قُلْ إِنّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[18].
7. التوسعة على العيال
عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): "إنّ أرضاكم عند الله، أسبغُكُم على عياله"[19].
والإسباغ هو أن يُجزِلَ المرء في العطاء على أهله وأطفاله؛ لما في ذلك من آثارٍ تربويّةٍ واجتماعيّةٍ عظيمة، تصبُّ في مصلحة بناء الأسرة بشكلٍ سليمٍ وصحيّ.
والحمد لله ربّ العالمين
[1] سورة التوبة، الآية 109.
[2] سورة البقرة، الآية 207.
[3] سورة آل عمران، الآية 174.
[4] سورة هود، الآية 123.
[5] سورة البقرة، الآية 156.
[6] سورة آل عمران، الآية 162.
[7] سورة آل عمران، الآية 174
[8] سورة التوبة، الآية 72.
[9] سورة آل عمران، الآية 15.
[10] الرضي، نهج البلاغة، ص 226.
[11] المصدر نفسه، ص 187.
[12] سورة التوبة، الآيتان 20-21.
[13] سورة المائدة، الآية 119.
[14] الشيخ الصدوق، الخصال، ص 14.
[15] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج13، ص 432.
[16] الصحيفة السجّاديّة، ص 403.
[17] النمازي الشاهرودي، الشيخ علي، مستدرك سفينة البحار، ج4، ص146.
[18] سورة الأنعام، الآية 162.
[19] الشيخ الكليني، الكافي، ج4، ص11.