الإمام العسكريّ (ع) ومواجهته للتيّارات المنحرفة
محاور الخطبة
- من هو الإمام العسكريّ (عليه السلام)؟
- مِنْ مآثر الإمام (عليه السلام)
- شهادة الإمام العسكريّ (عليه السلام)
- مواجهة الإمام العسكريّ للتيّارات المنحرفة
مطلع الخطبة
عن الإمام الحسن العسكريّ: "الفقير معنا خيرٌ من الغنيّ مع غيرنا، والقتل معنا خيرٌ من الحياة مع عدوّنا، ونحن كهفٌ لمن التجأ إلينا، ونورٌ لمن استبصر بنا، وعصمةٌ لمن اعتصم بنا، من أحبّنا كان معنا في السنام الأعلى، ومن انحرف عنّا فإلى النار"[1].
من هو الإمام العسكريّ (عليه السلام)؟
هو الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام).
وهو الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
وأمّه أمّ ولد، يُقال لها: حديث، أو سليل، وكانت من العارفات الصالحات. وقيل: إنّ اسمها سوسن.
وُلد الإمام أبو محمّد الحسن العسكريّ (عليه السلام) في المدينة المنوّرة سنة ٢٣٢هـ في شهر ربيع الآخر.
بدأت إمامته (عليه السلام) من سنة ٢٥٤هـ، وحتّى سنة استشهاده ٢٦٠هـ، وكانت هذه المدّة من إمامته حافلةً بالأحداث المهمّة، وقد عاصر فيها كُلّاً من المعتزّ ٢٥٥ هـ ، والمهتدي ٢٥٦ هـ، والمعتمد ٢٧٩هـ.
شهادة الإمام العسكريّ (عليه السلام)
استُشهد الإمام العسكريّ (صلوات الله عليه) في زمن المعتمد العبّاسيّ الذي عُرف بشدّته تجاه شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، من سجنٍ ومراقبةٍ وقمعٍ.
ولأنّ الإمام العسكريّ (عليه السلام) كان الوجه البارز للعلويّين والمستضعفين، والمحرّك الفعليّ والفكريّ للنواة الصالحة بوجه الحكم الاستبداديّ، فقد أصبح المطلوب الأوّل لدى المعتمد العبّاسيّ، وذُكر في الروايات أنّه قد سُمّ واغتيل من قبل السلطة، حيث دَسّ السمّ له المعتمد العبّاسيّ في غرّة ربيع الأوّل، فأخذ السمُّ من الإمام مأخذاً، وثقل عليه حتّى مضى شهيداً في الثامن من ربيع الأوّل (صلوات الله عليه)، ودُفن (عليه السلام) إلى جانب أبيه الإمام الهادي (عليه السلام) في سامرّاء.
مواجهة الإمام العسكريّ للتيّارات المنحرفة
وفي هذه المدّة الزمنيّة التي تُعتبر قصيرةً، استطاع الإمام العسكريّ (عليه السلام) أن يضع عدداً من الأسس المختلفة، منها ما يتعلّق بالتمهيد لغيبة الإمام اللاحق، الإمام الثاني عشر من الأئمّة الأطهار، وهي قضيّة هامّة وبارزة أُلقيت على عاتقه (عليه السلام)، ومنها ما يتعلّق ببثّ الوعي ونشر الفكر الأصيل، ومواجهة التيّارات والحركات المنحرفة، التي نشطت في تلك الآونة.
ولا بدّ هنا من بيان أنّ الأئمّة الأطهار كانوا دائماً يدعون شيعتهم إلى التبصّر والتأمّل في الأمور، وأن يكونوا على إدراك ممّا يجري حولهم، سواء أكان متعلقاً بالأمور العقائديّة والفكريّة، أم بالأمور السياسيّة؛ ولهذا نجد النواة المقرّبة منهم (عليهم السلام) كانوا على درجة عالية من الوعي، وهذا ما جعلهم أقوياء في مواقفهم، وثابتين أمام الشبهات.
ولنا من خلال مطالعة تلك الحقبة التي عاشها الإمام (عليه السلام) أن نسلّط الضوء على بعض التحرّكات العقائديّة المنحرفة عن جادّة الحقّ، والتي صوّب الإمام حربه في وجهها، حرصاً على الرسالة الإسلاميّة الأصيلة وعدم وقوع أبنائها في شباكها.
ومن تلك التيّارات:
فرقة الواقفة
وهي فرقة من المتصوّفة المبطلة، وهم الذين وقفوا على الإمام السابع موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام)، ولم يقولوا بإمامة مَنْ بعده، وزعموا أنّ الإمام الكاظم (عليه السلام) لم يمت، وأنّه حيّ، وأنّهم ينتظرون خروجه، حيث إنّه دخل في غيبة. وكان المؤسّس لهذه الفرقة هو زياد بن مروان القنديّ، وعليّ بن حمزة، وعثمان بن عيسى.
والسبب في توقّفهم هو أنّ بعض وكلاء الإمام الكاظم (عليه السلام)، وهما زياد القنديّ وعثمان بن عيسى، كان الإمام قد ترك بين أيديهما بعض المال، ولكي لا ينقلونه إلى الإمام اللاحق، وهو الإمام الرضا، فقد أنكروا إمامته وتوقّفوا على الإمام الكاظم.
فقد رُوي أنّ الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام) بعث إليهم أن احملوا ما قِبَلكم من المال، وما كان اجتمع لأبي عندكم؛ فإنّني وارثه وقائم مقامه، وقد اقتسمنا ميراثه ولا عذر لكم في حبس ما قد اجتمع لي ولوارثه قبلكم[2]، في حين أنّ عليّ بن حمزة أنكر ولم يعترف بما عنده من المال، وكذلك زياد القنديّ، وأمّا عثمان بن عيسى فإنّه كتب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) قائلاً: "إنّ أباك (صلوات الله عليه) لم يمت، وهو حيّ قائم، ومن ذكر أنّه مات فهو مبطل، واعمل على أنّه مضى كما تقول، فلم يأمرني بدفع شيء إليك..."[3].
وكان للإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) موقفاً حازماً تجاههم، إذ أكّد لأحد أصحابه ممّن وقف على موسى بن جعفر (عليهم السلام) قائلاً: أتولّاهم أم أتبرّأ منهم؟ فكتب الإمام العسكريّ (عليه السلام) : "... أنا إلى الله منهم بريء، فلا تتولّاهم، ولا تَعُدْ مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم، ولا تصلِّ على أحدٍ منهم مات أبداً، سواء من جحد إماماً من الله، أو زاد إماماً ليست إمامته من الله، أو جحد أو قال: قالت ثلاثة، إنّ جاحدَ أمر آخرنا جاحدُ أمر أوّلنا، والزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا"[4].
فرقة المفوّضة
يعود تأسيس هذه الفرقة إلى القرن الهجريّ الأوّل، فهم جماعة قالت: إنّ الله خلق محمّداً وفوّض إليه خلق الدنيا، فهو الخلّاق لما فيها، وقيل: فوّض ذلك إلى الإمام عليّ والأئمّة (عليهم السلام) من بعده[5].
وقد تصدّى الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) لفكر هؤلاء وغلوّهم، فأجاب بعض شيعته عن ذلك، وحدّد مكانة أهل البيت (عليهم السلام) في وضعها الصحيح فقال: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ*لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}[6].
وإنّ قوماً من المفوّضة قد وجّهوا كامل بن إبراهيم المدنيّ إلى الإمام أبي محمّد (عليه السلام)، قال كامل: "قلت في نفسي أسأله لا يدخل الجنّة إلّا من عرف معرفتي؟ وكنت جلست إلى باب عليه ستر مرخىً، فجاءت الريح فكشفت طرفه، فإذا أنا بفتىً كأنّه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها، فقال لي: يا كامل بن إبراهيم، فاقشعررت من ذلك وأُلهمت أن قلت: لبّيك يا سيّدي، فقال: جئت إلى وليّ الله تسأله: "لا يدخل الجنّة إلّا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟" قلت: إي والله، قال: إذاً والله، يقلّ داخلها، والله إنّه ليدخلها قوم يُقال لهم الحقيقة، قلت: ومن هم، قال: قوم من حبّهم لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، يحلفون بحقّه، وما يدرون ما حقّه وفضله.
ثمّ قال: جئت تسأل عن مقالة المفوّضة؟ كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء الله شئنا، والله يقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}[7]، فقال لي أبو محمّد (عليه السلام): ممّا جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجّة من بعدي، فقمت وخرجت ولم أعاينه بعد ذلك"[8].
مواجهة مظاهر الغلوّ
ومن المظاهر التي واجهها وتصدّى لها الإمام (عليه السلام) هو الغلوّ بأهل البيت (عليهم السلام)، حيث أرسل إلى بعض مواليه رسالةً حادّةً، قال فيها: "فقد بلغني ما أنتم عليه من اختلاف قلوبكم، وتشتيت أهوائكم، ونزغ الشيطان، حتّى أحدث لكم الفرقة والإلحاد في الدين، والسعي في هدم ما مضى عليه أوائلكم من إشادة دين الله، وإثبات حقّ أوليائه، وأمالكم إلى سبيل الضلالة، وصدّ بكم عن قصد الحقّ، فرجع أكثركم القهقرى على أعقابكم، تنكصون كأنّكم لم تقرؤوا كتاب الله -جلّ وعزّ- ولم تعوا شيئاً من أمره ونهيه..."[9].
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج50، ص299.
[2] ابن شعبة الحرّاني ، تحف العقول، ص362.
[3] الطبرسيّ، الاحتجاج، ج2، ص518.
[4] الكشّيّ، اختيار معرفة الرجال، ص467.
[5] الطبرسيّ، الغيبة، ص64-65.
[6] سورة الأنبياء، الآية 26-27.
[7] سورة التكوير، الآية 29.
[8] الطوسيّ، الغيبة، ص247.
[9] جمال الدين يوسف الشاميّ، الدرّ النظيم، ص748.