محاور الخطبة
- ولادة الإمام العسكريّ (عليه السلام)
- طاعة الأئمّة (عليهم السلام)
- وصيّة الإمام العسكريّ (عليه السلام)
- الوحدة في الوقت الراهن
مطلع الخطبة
رُوي عن أحمد بن عبيد الله بن خاقان -وقد كان على الضِياع والخراج بقم- أنّه قال في مجلس جرى فيه ذكر العلويّة ومذاهبهم، وكان شديد النصب: «ما رأيتُ ولا عرفتُ بسرّ من رأى رجلاً من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا، في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم والخطر، وكذلك القوّاد والوزراء وعامّة الناس»[1].
ولادة الإمام العسكريّ (عليه السلام)
وُلد الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ (عليه السلام) في الثامن من شهر ربيع الثاني سنة 232هـ، ولُقِّب بالعسكريّ نسبةً إلى محلّة كانت تسمّى عسكر في مدينة سامرّاء، التي كان يسكنها هو وأبوه الإمام عليّ الهادي (عليه السلام)، يقول الشيخ الصدوق (قدّس سرّه): «سمعت من مشايخنا -رضي الله عنهم- أنّ المحلّة التي كان يسكنها الإمامان عليّ بن محمّد والحسن بن عليّ (عليهما السلام) بسرّ من رأى كانت تُسمّى عسكر؛ فلذلك قيل لكلّ واحد منهما العسكريّ»[2].
نشأ الإمام العسكريّ (عليه السلام) وتربّى في ظلّ أبيه الإمام عليّ الهادي (عليه السلام)، الذي عُرف بغزارة علمه وزهده وجهاده، وقد عاش معه ثلاثاً وعشرين سنةً وأشهراً، فكان كآبائه في العلم والعمل والجهاد والدعوة إلى الإصلاح في أمّة جدّه محمّد (صلّى الله عليه وآله) يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويربّي أصحابه على مكارم الأخلاق، وقِيم الإسلام.
أيّها الأحبّة،
إنّ لنا في المناسبات المتعلّقة بالأئمّة الأطهار (عليهم السلام) فرصاً ثمينةً لتناول شيء ممّا وصل إلينا من تراثهم العظيم، من علم وأدب وأخلاق وسيرة حسنة، وكم نحن بحاجة للالتماس من معين إرشاداتهم وهديهم، من خلال أفعالهم وأقوالهم، التي ما تزحزحت عن الخطّ المستقيم والنهج الإلهيّ القويم، ولم تكن إلّا في الله ولله -سبحانه-.
وممّا ينبغي الوقوف عنده، هو ما تركه لنا هؤلاء الأئمّة من وصايا، والتي من خلالها يمكن أن نستنهض قلوبنا بعد غفلتها، وعقولنا بعد رقدتها.
طاعة الأئمّة (عليهم السلام)
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّنا مأمورون بطاعة الأئمّة، واتّباع ما كانوا عليه من سلوك، سواء أكان فيما بينهم وبين الله، أم بينهم وبين الناس، وقد قال الله -تعالى- في محكم كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ﴾[3].
وصيّة الإمام العسكريّ (عليه السلام)
ولنأخذ وصيّةً من وصايا الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) مثلاً في مناسبة ولادته الميمونة، فقد ورد عنه عدد من الوصايا الجليلة والعظيمة، التي تختزن الكثير من الإرشادات والمواعظ، ومن تلك الوصايا التي اشتهرت عنه (عليها السلام):
«أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر، وطول السجود، وحُسن الجوار، فبهذا جاء محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، صَلّوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحسَّن خُلقه مع الناس، قيل: هذا شيعيّ، فيسرّني ذلك. اتّقوا الله، وكونوا زيناً، ولا تكونوا شيناً. جُرّوا إلينا كلّ مودّة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح؛ فإنّه ما قيل فينا من حُسْن، فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء، فما نحن كذلك. لنا حقٌّ في كتاب الله، وقرابةٌ من رسول الله، وتطهيرٌ من الله لا يدّعيه أحد غيرنا إلّا كذّاب. أكثروا ذكر الله وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ فإنّ الصلاة على رسول الله عشر حسنات، احفظوا ما وصّيتكم به، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام»[4].
أيّها الأحبّة،
إنّ في وصيّة الإمام (عليه السلام)، العديد من المفردات التي أوصى بها أتباعه من الموالين، بأن يلتزموا بها وينقادوا إليها، وهي تندرج ضمن ثلاثة عناوين رئيسيّة:
العنوان الأوّل: الالتزام بالقِيم
وهي أنّ التشيّع ليس مجرّد انتماء عاطفيّ انفعاليّ، إنّما هو في حقيقته التزام بتقوى الله، وبالقيم والمبادئ الإنسانيّة الرفيعة التي تحفظ العلاقات الاجتماعيّة الدائرة بين الناس، بغية ضمان السعادة والأمن والسلام فيما بينهم، ومن هنا نجد الإمام (عليه السلام) يوصينا قائلاً:
«أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى مَنِ ائتمنكم».
العنوان الثاني: التعايش بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم
وهو بأن يسلك الموالي للأئمّة الأطهار (عليهم السلام) طريق التواصل والاندماج مع المسلمين جميعهم على اختلاف مذاهبهم، وأن لا يعيش حالةً من الانطواء والعزلة عمّن اختلف معه في المذهب، وهذا يدلّنا على أنّهم (عليهم السلام) كانوا شديدي الحرص على الوحدة بين المسلمين، وأن لا تقتصر الوحدة على الكلام والشعارات، بل أن تتجسّد في حياتهم اليوميّة وعلاقاتهم المتبادلة، فيقول (عليه السلام):
«صلُّوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم».
الوحدة في الوقت الراهن
إنّنا في هذا الوقت الراهن بأمسّ الحاجة إلى التمسّك بمفهوم الوحدة الإسلاميّة، فإنّ الحرب على الأمّة لا تقتصر على اعتداء هنا أو هناك من أراضٍ وبقاعٍ مقدّسة، إنّما أيضاً تستهدف وحدة المسلمين وتكاتفهم، فيعمد عالم الاستكبار إلى اختلاق الفتن المذهبيّة بهدف تفريق الأمّة وتشتّتها، ما يجعلها ضعيفةً وواهنةً، وهذا ما يتيح لهم التحكّم بخيرات هذه الأمّة.
ولهذا نجد الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) يجسّد دعوات المعصومين في الوحدة بين المسلمين، فنراه يبذل جهداً لا نظير له في التوفيق بين المذاهب الإسلاميّة، من خلال محاضراته وخطبه ودعمه للمؤتمرات، وكلّ ما يسهم في رصّ صفوف المسلمين على اختلاف مذاهبهم وعرقيّاتهم وأجناسهم.
وممّا يقوله في ذلك:
«على المسلمين أن يضعوا شعار الوحدة والتضامن بينهم على رأس مهامهم؛ إذ إنّه يمثّل اليوم أنجع شعار بالنسبة إليهم»[5].
ويقول في كلام آخر:
«معنى أن تتّحد الشعوب المسلمة هو أن تتّخذ موقفاً موحّداً فيما يخصّ مجريات العالم الإسلاميّ ومسائله، وأن تتعاون فيما بينها»[6].
العنوان الثالث: مسؤوليّة الموالي تجاه أهل البيت (عليهم السلام)
أيّها الأحبّة،
بذل المعاندون للأئمّة (عليهم السلام) قصارى جهدهم على مدى التاريخ الإسلاميّ، في تشويه صورة هؤلاء الأطهار وسمعتهم، وقد اختلقوا الأكاذيب وأدرجوها في كتب السيَر والتاريخ المأجورة، وقاموا بالاستهزاء والتوهين بأشكال متعدّدة ومختلفة، وذلك كلّه بغية انتقاص مكانتهم في نفوس الناس، وحرف الناس عن اتّباعهم؛ ذلك أنّ اتّباعهم يعني قضّ عروشهم وسلطانهم.
ولهذا، فقد حرص الأئمّة في توصياتهم بأن يجسّد الموالون لهم الصورة الحقيقيّة التي كانوا عليها (عليهم السلام)، من خلال علاقتهم بالله وعلاقتهم بالناس، في مظهرهم ومنطقهم وسلوكهم، ذلك أنّهم يدلّون بتصرّفاتهم على من يتّبعون.
فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «رحم الله عبداً حبّبنا إلى الناس ولم يبغّضنا إليهم، أما والله، لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعزّ»[7] (أي لاعتزّوا بكلماتهم).
وعنه أيضاً (عليه السلام): «رحم الله عبداً استجرّ مودّة الناس إلى نفسه وإلينا، بأن يُظهر لهم ما يعرفون، ويكفّ عنهم ما ينكرون»[8].
وعنه (عليه السلام): «معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حسناً، احفظوا ألسنتكم، وكفّوها عن الفضول وقبيح القول»[9].
وفي الوقت عينه، فإنّ ارتكاب الموالي للقبيح يكون أشدّ قبحاً من غيره، وهذا يعني أنّ المسؤوليّة التي تُلقى على من يتّبع الأئمّة الأطهار تكون أشدّ ثقلاً من غيرهم؛ لأنّهم يمثّلون خطّاً ومنهجاً إلهيّاً.
عن الإمام الصادق (عليه السلام) لأحد أصحابه: «الحسن من كلّ أحدٍ حسن، وإنّه منك أحسن؛ لمكانك منّا، وإنّ القبيح من كلّ أحد قبيح، وإنّه منك أقبح؛ لمكانك منا»[10].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص503.
[2] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص 241.
[3] سورة النساء، الآية 59.
[4] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، ص487.
[5] الكلمات القصار، ص298.
[6] المصدر نفسه، ص300.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص 229.
[8] الشيخ النوريّ، مستدرك الوسائل، ج12، ص 275.
[9] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص484.
[10] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص 362.