البعد الاجتماعيّ في سيرة السيّدة الزهراء (عليها السلام)
محاور الخطبة
- البعد الاجتماعيّ في حياة السيّدة الزهراء (عليها السلام)
- ولادتها
- هجرتها
- زواجها
- الكفاءة في زواجها
- جهاز البيت
- دورها في خارج المنزل
مطلع الخطبة
ماذا نقول في امرأة، قال فيها خاتم النبيّين: «فاطمة بضعة منّي، مَنْ سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعزّ البريّة عليّ»[1]؟
وكان (صلّى الله عليه وآله) إذا ما أتت إليه يقف إجلالاً لها واحتراماً، ويجلسها مجلسه.
وقال فيها الإمام العسكريّ (عليه السلام): «نحن حجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة حجّة الله علينا»[2].
وقال فيها الإمام المنتظر (عليه السلام): «وفي ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لي أسوة حسنة»[3].
إنّ هذه الكلمات وغيرها الكثير ممّا صدر عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، لا تعبّر عن الجانب العاطفيّ الذي يربطهم بها فحسب، إنّما تتعدّى ذلك، لتؤكّد لنا عن جوانب جليلة وعظيمة تجلّت في شخصيتها (عليها السلام).
ومن هنا، إذا ما أردنا غور الأبعاد التي يمكن لنا استقاءها من شخصيّة السيّدة الزهراء (عليها السلام)، فيمكن لنا أن نقرأ جوانب عدّة، وفي هذه الجوانب كلّها كانت (سلام الله عليها) قدوة وأسوة لمن رام سلوك طريق الحقّ والكمال والتقرّب إلى الله -سبحانه-.
البعد الاجتماعيّ في حياة السيّدة الزهراء (عليها السلام)
مع قِصَر عمر السيّدة الزهراء (عليها السلام)، الذي ناهز الثمانية عشر عاماً، وعلى أبعد تقدير وصل إلى اثنين وعشرين عاماً، إلّا أنّها كانت مليئة بالأحداث والمواقف الجليلة، التي يمكن اتّخاذها دروساً في الحياة الاجتماعيّة والتربويّة الصالحة.
وعندما نريد الحديث عن البعد الاجتماعيّ في حياة السيّدة الزهراء، فلا محالة إلّا أن نعرج إلى بعض الأمور المتعلّقة بحياتها الشخصيّة، ومنها:
ولادتها
أمّا ولادتها، فقد اختلف المحدّثون والمؤرّخون في ذلك، والمشهور بين العلماء أنّه يوم الجمعة في العشرين من شهر جمادى الآخرة، من السنة الخامسة بعد البعثة النبويّة، وبعد الإسراء بثلاث سنين.
ورُوي أنّه حينما قربت ولادتها (عليها السلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للسيّدة خديجة: «يا خديجة، هذا جبرئيل يبشّرني أنّها ابنتي، وأنّها النسمة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله سيجعل نسلي منها»[4].
هجرتها
بعد أن اتّفقت كلمة قريش علىٰ قتل النبي (صلّى الله عليه وآله)، وتعاهدت قبائلها علىٰ ذلك، ولم يبقَ له في مكّة ناصر ولا مكان يأوي إليه، أُذِن له بالهجرة إلىٰ المدينة، وكان قبل هجرته (صلّى الله عليه وآله) أمر الإمام عليّاً (عليه السلام) أن يبيت علىٰ فراشه، وأوصاه بما أهمّه، وأن يلتحق به مع الفواطم، وهنّ: فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وفاطمة بنت أسد، وفاطمة بنت حمزة ، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطّلب، وكان عمر الزهراء (عليها السلام) عند الهجرة ثماني سنين.
زواجها
أيّها الأحبّة،
إنّ إيراد بعض الأمور الاجتماعيّة المتعلّقة بحياة السيّدة الزهراء (عليها السلام)، ليس فقط من أجل البيان التاريخيّ، بل لاستلهام بعض الدروس والعِبر، من كيفيّة عيشها، ومنها حياتها الزوجيّة، التي لا بدّ من الاعتبار منها.
خطبتها للزواج (عليها السلام)
تعرّض لخطبة الزهراء (عليها السلام) أكابر قريش، وكلّما ذكرها أحد لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) صدّ عنه، إلّا أمير المؤمنين (عليه السلام).
الكفاءة في زواجها (عليها السلام)
إنّ أبرز ما يلفت النظر في زواج الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) هو مبدأ الكفاءة في زواجها، فقد تبيّن أنّ إجابة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الزواج منها، وردّ سواه، كانا بأمر الله، وفي ذلك دليل علىٰ فضل أمير المؤمنين (عليه السلام) وكرامته ومنزلته عند الله -تعالىٰ-.
ولأنّ السيّدة الزهراء (عليها السلام) كانت سيّدة نساء العالمين، فلا بدّ من أن يكون زوجها ضمن معايير الكفاءة، أصلح الرجال وأعلاهم شأناً بعد أبيها المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، ألا وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو الذي قال فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «والذي بعثني بالحقّ، لقد زوّجتكِ سيّداً في الدنيا وسيّداً في الآخرة، فلا يحبّه إلّا مؤمن، ولا يبغضه إلّا منافق»[5].
المهر
من الأمور التي لا بدّ من الالتفات إليها في زواج السيّدة الزهراء (عليها السلام) هو المهر الذي قدّمه لها أمير المؤمنين (عليها السلام)، وقد رُوي أنّه كان خمسمئة درهم، وهو ما عُرِف في ما بعد بين المسلمين بـــِ «مهر السنّة».
وإنّ هذا المقدار يُعَدُّ مقداراً قليلاً نسبة لما كان متعارفاً بين الناس، وفيه درس تربويّ للمُقدِمين على الزواج، بأن لا يرفعوا مقدار مهور زواجهم، وقد ورد ذمٌّ في غلاء المهر، ومدحٌ في تقليله:
عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أفضلُ نساء أمتي، أقلّهن مهراً»[6].
وعنه (صلّى الله عليه وآله): «فأمّا المرأة، فشؤمها غلاءُ مهرها»[7].
وإنّ هذه الأحاديث، إنّما تشمل المهور المعجّلة والمؤجّلة، لا كما يتصوّر بعضهم بأنّ المهر المرتفع يكون مذموماً في ما لو كان معجّلاً دون المؤجّل منه.
جهاز البيت
للوهلة الأولى -وبحكم واقعنا المُعاش، وما نشاهده في بيوت أصحاب الجاه والسلطة والنفوذ- نتصوّر أن يكون جهاز ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي كانت تلهف إليه القلوب من كلّ مكان، ولا يُرَدُّ له أمر ولا طلب، أن يكون جهازها من أرفع الأثاث وأفخمه! خاصّة أنّ هذه الفتاة هي ابنته الوحيدة، وقد زوّجها لأفضل رجال الأمّة، بل الخلق، ومع ذلك فقد كان جهاز بيتها متواضعاً جدّاً.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قبض من ثمن الدرع قبضةً، ودعا بلالاً فأعطاه، وقال: ابتع لفاطمة طيباً، ثمّ قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من الدراهم بكلتا يديه، فأعطاه أبا بكر، وقال: ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت، وأردفه بعمار بن ياسر وبعدّة من أصحابه وحضروا السوق… فكان ممّا اشترَوه: قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، قطيفة سوداء خيبريّة، وسرير مزمّل بشريط، وفراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جزّ الغنم، ..، وستر من صوف، وحصير هجري، ورحىٰ لليد، ومخضب من نحاس، وسقاء من أدم، وقعب للبن، وشنّ للماء، ومطهرة مزفّتة، وجرّة خضراء، وكيزان خزف. فلما عرض المتاع علىٰ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل يقلّبه بيده ويقول: «بارك الله لأهل البيت»[8].
حياتها الأسريّة
1- حسن العشرة
لم تعصِ (عليها السلام) زوجها أمير المؤمنين أمراً، ولم تخالفه ولم تخرج من بيتها دون إذنه.
كانت تعينه علىٰ طاعة الله -تعالىٰ-، وتؤثره علىٰ نفسها، وتُدخِل عليه البهجة والسرور، حتىٰ أنّه إذا نظر إليها انكشفت عنه الهموم والأحزان.
فعنه (عليه السلام): «ولا عصت لي أمراً، ولقد كنتُ أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان»[9].
جهدها في عمل البيت
يُروى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) رقّ لحالها وامتدح صنعها، وقال لرجل من بني سعد: «ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة؟ إنّها كانت عندي، وكانت من أحبّ أهله (صلّى الله عليه وآله) إليه، وإنّها استقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتّى مجلت يداها، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلتُ لها: لو أتيتِ أباكِ، فسألتيه خادماً يكفيكِ ضرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل، فأتت النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فوجدَتْ عنده حدّاثاً، فاستحت فانصرفت... فَعلِم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّها جاءت لحاجة؛ فغدا علينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)... فقال: أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين»[10].
التعاون في أعمال البيت
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ فاطمة (عليها السلام) ضمِنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت، وضمِن لها عليّ (عليه السلام) ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام»[11].
دورها في خارج المنزل
لم تقتصر الحياة الاجتماعيّة للسيّدة الزهراء على حياتها الأسريّة الداخليّة، بل كان لها دورٌ كبيرٌ في تحريك المجتمع، وخاصّة النسويّ منه، في التعلّق بالدّين والتثقّف بمبادئه ومفاهيمه، بل تعدّى دورها لأن يكون لها الكلمة والخطاب في ما يتعلّق بمصير الأمّة بعد وفاة أبيها (صلّى الله عليه وآله).
1- تعليم نساء المدينة
كانت تعلّم النساء ما يُشكل عليهنّ من الأحكام الشرعيّة والمعارف الإلهيّة الضروريّة، وكان يقصدها نساء المدينة وجيران بيتها.
ولنا أن نقول أنّ بيتها كان مدرسة النساء الأولىٰ في الإسلام، حيث تُقبل عليها النساء طالباتٍ للعلم، عن الإمام العسكري (عليه السلام): «حضرت امرأة عند الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليكِ أسألكِ، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، فثنّت فأجابت، ثمّ ثلّثت إلىٰ أن عشّرت، فأجابت، ثمّ خجِلت من الكثرة، فقالت: لا أشقُّ عليكِ يابنة رسول الله، فقالت (عليها السلام): هاتي وسلي عمّا بدا لك… إنّي سمعت أبي يقول: إنّ علماء أُمّتنا يحشرون، فيخلع عليهم من خلع الكرامات علىٰ قدر كثرة علومهم وجِدّهم في إرشاد عباد الله، حتّىٰ يُخلَع علىٰ الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور»[12].
2- معونة الفقراء
كانت (عليها السلام) خير معين للمحتاجين والفقراء، تنفق في سبيل الله -تعالى- وتعتق الرقاب وتُعين الضعفاء، وخير مثال على ذلك، ما قوله -تعالى-: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾[13].
[1] الشيخ المفيد، الأمالي، ص260.
[2] موسوعة الإمام العسكريّ، مؤسّسة ولي العصر، ج2، ص 265.
[3] الشيخ الطوسيّ، الغيبة، ص286.
[4] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص118.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج39، ص278.
[6] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج14، ص160.
[7] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج5، ص303.
[8] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص40.
[9] العلامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 43، ص134.
[10] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج14، ص197.
[11] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج14، ص197.
[12] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج2، ص3.
[13] سورة الإنسان، الآيتان 8 و9.