الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
ها قد أشرف شهر رمضان المبارك على الانتهاء، وقد أودع فينا الكثير من العبر والدروس والإرشادات، التي نسأل الله -تعالى- أن يوفّقنا لاتّباعها والسير على خطاها، في قابل أيّامنا.
وقد أرشدنا أهل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وعليهم أجمعين) بأن نودّع شهر رمضان، وكأنّ ضيفًا عزيزًا حلّ بنا ويريد أن يرتحل. وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على المكانة الرفيعة التي يحتلّها شهر رمضان في قلوب الوالهين، حيث يقضون فيه أيّامه ولياليه بطاعة الله، وكثرة ذكره، واستغفاره، والتزوّد بمحامد الأخلاق ومحاسن الآداب.
فنرى الإمام الصادق (عليه السلام) يودّع شهر رمضان بشوق، داعيًا: «اللّـهُمَّ وأَسْأَلُكَ، برَحْمَتِكَ وَطَولِكَ وَعَفْوِكَ وَنَعْمائِكَ وَجَلالِكَ وَقَديمِ إحْسانِكَ وَاِمْتِنانِكَ، أنْ لا تَجْعَلَهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّا لِشَهْرِ رَمَضانَ، حَتّى تُبَلِّغَناهُ مِنْ قابِلٍ عَلى أحْسَنِ حال، وَتُعَرِّفَني هِلالَهُ مَعَ النّاظِرينَ إِلَيْه، وَالْمُعْتَرِفينَ لَه، في أعْفى عافِيَتِكَ، وَأنْعَمِ نِعْمَتِكَ، وَأوْسَعِ رَحْمَتِكَ، وَأجْزَلِ قِسَمِكَ»[1].
العيد
أيّها الأحبّة،
إنّ للعيد آدابًا ينبغي للمؤمن أن يتنبّه إليها، ذلك أنّ العيد بمثابة فرصة، يستطيع المرء من خلالها أن يعود إلى الله -تعالى-، في أن يستذكر أفعاله وأعماله؛ فإن كان مقصّرًا في ما مضى من أيّام شهر رمضان، فيستغفر الله، ويعاهده مجدّدًا أن يجهد في إصلاح نفسه.
ولذلك، نجد في العيد وليلته آدابًا ومستحبّات عديدة، منها:
1. إحياء ليلة الفطر بالعبادة
عن النبيّ الأكرم (صلى اللَّه عليه وآله): «مَنْ أَحْيَا لَيْلَةَ العِيدِ، لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ القُلُوبُ»[2].
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَزَّ- وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله) فِي لَيْلَةِ الْفِطْرِ؛ فَإِنَّهُ لَيْلَةٌ يُوَفَّى فِيهَا الْأَجِيرُ أَجْرَهُ»[3].
2. الاحتفال بعيد الفطر
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه خطب يوم الفطر قائلًا: «إنَّ يومَكم هذا، يومٌ يُثابُ فيه المحسِنون، ويخسرُ فيه المسيئون، وهو أشبهُ يومٍ بيومِ قيامتِكم. فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلّاكم، خروجَكم من الأجداث إلى ربّكم؛ واذكروا بوقوفكم في مصلّاكم، وقوفَكم بين يدَي ربِّكم؛ واذكروا برجوعكم إلى منازلكم، مصيرَكم في الجنّة أو النار. واعلموا، عباد اللَّه، أنّ أدنى ما للصائمين والصائمات، أن يناديهم ملكٌ في آخر يوم من شهر رمضان: أبشِروا عباد اللَّه، فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون»[4].
3. التكبير عند الخروج إلى الصلاة
وكان النبيّ (صلى اللَّه عليه وآله) يخرج يوم الفطر والأضحى، رافعًا صوته بالتكبير.
صلاة العيد في ظلّ الحجر المنزليّ
كما أنّه يصحّ ويُستَحَبّ إقامة صلاة العيد جماعة، كذلك يصحّ ويُستحبّ إقامتُها فرادى، فيستطيع المكلّف، في ظلّ الحجر المنزليّ بسبب الوباء المنتشر في العالم وإقفال المساجد، أن يقيم صلاة العيد فرادى، وأن يعمل بمستحبّات يوم العيد، من تكبير وتهليل.
يوم القدس
ولا ننسى، ولن ننسى أنّ هذا اليوم -أي آخر جمعة من شهر رمضان- أنّه اليوم الذي أعلنه الإمام الخمينيّ (قُدّس سرّه) يومًا للقدس، ورفع مظلوميّتها عاليًا في جميع أنحاء العالم.
وممّا قاله (قُدّس سرّه) في هذا الشأن:
«إنّ يوم القدس يوم عالميّ، وليس يومًا يخصّ القدس فقط، بل هو يومُ مواجهة المستضعفين للمستكبرين»[5].
«يجب على المسلمين إحياء يوم القدس، الذي هو مجاور لليلة القدر، وجعله أساسًا ومبدأً ليقظتهم وانتباههم»[6].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص 166.
[2] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص76.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 94، ص24.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص 181.
[5] من كلمة له بتاريخ: ١٦/٧/١٩٧٩م.
[6] من كلمة له بتاريخ: ٣١/٧/١٩٨١م.