الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
أعظم الله أجوركم بشهادة الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام).
أيّها الأحبّة،
كان للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وصايا عديدة، أوصى بها أصحابه وشيعته ومواليه، ولنا أن نرى تلك الوصايا بمثابة الوصايا التأديبيّة والتربويّة لكلّ من يوالي أهل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فيمتثل أوامرَهم، ويتحلّى بصفاتِهم وآدابِهم وأخلاقِهم، ليكون مطيعاً لله أوّلاً، وزيناً لهم ثانياً.
وقد أُشبِعت هذه الوصايا بالحثّ على اتّباع الأخلاق الحسنة، ومنها صدق الحديث؛ فإنّ الصدقَ من الصفات التي لا تنفكّ عن الإيمان، بل يُعدّ علامةَ الإيمان، التي عُرِف بها الأنبياء والمرسلون، ومنهم خير خلق الله الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله).
وممّا ورد في إحدى وصايا الإمام (عليه السلام)، والتي من خلالها يبيّن ما ينبغي أن يتميّز به الموالون له، قائلاً: «... فإنّ الرجلَ منكم إذا ورِع في دينه، وصَدقَ الحديث، وأدَّى الأمانة، وحَسَّنَ خُلقَه مع النّاس، قيل: هذا جعفريّ، ويسرّني ذلك، ويدخل عليّ منه السرور، وقيل: هذا أدبُ جعفر، وإِذا كان غيرَ ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعارُه، وقيل: هذا أدبُ جعفر»[1].
فصدق الحديث، كما نرى في تعبير الإمام بمثابة العلامة الفارقة لمن يتّبعه ويتولّاه (عليه السلام).
أيّها الأحبّة،
إنّ للصدق أشكالاً متعدّدة، منه الصدق في النيّة، ومنه الصدق في القول، ومنه الصدق في الفعل، وأينما حلّ الصدق حلّ الصلاح والاستقامة والأمن والأمان، سواء أكان على الصعيد الفرديّ أم الاجتماعيّ.
نعم، إنّ الأمن والأمان والثقة بين الناس، لا يكون ذلك كلّه مع الكذب الذي ينضوي تحته الكثير من المفردات السيّئة، كالغشّ والخداع والنفاق، وما شاكل ذلك.
لذلك، نجد التعاملَ مع الصادق، سواء أكان على مستوى العلاقات الاجتماعيّة أم التجاريّة أم غير ذلك، تعاملاً آمِناً، لا يشوبه الخوف وسوء الظنّ والارتياب، كما هو الحال في التعامل مع أولئك الذين يمتهنون الكذب، بغية الوصول إلى مآربَ دنيويّة زائلة.
لأجل ذلك كلّه، حَثَّ الإسلام -سواء أكان في الآيات القرآنيّة الكريمة أم أحاديث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)- على ذلك، ومنها قوله -تعالى-: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [2].
بل إنّ في بعض الأحاديث ما يشير إلى أنّ ما يميّز المؤمن عن غيره هو الصدق، مع أنّ هناك واجبات عظيمة وجليلة، كالصلاة والصيام والحجّ والجهاد وغيرها، ومع ذلك عدّ الصدق هو المائز الحقيقيّ والفعليّ؛ ذلك أنّه ربمّا تجد شخصاً ملتزماً بالصلاة وباقي الواجبات العباديّة، إلّا أنّه يسقط في امتحان اللسان، فيقع في معصية الكذب، بل قد يعتاد على ذلك مع التزامه بالصلاة... وهذا يعني أنّ على المرء دوماً أن يؤدّب نفسه ولسانه، بأن يبقى ملتزماً بالصدق.
وفي ذلك ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم؛ فإنّ الرجل ربّما لهِج بالصلاة والصوم حتّى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة»[3].
الصدق بابٌ إلى الجنّة
ورد أنّه جاء رجل إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله): فقال يا رسول الله، ما عمل أَهل الجنّة؟ قال (صلّى الله عليه وآله): «الصِّدق، إذا صدق العبد برَّ، وإذا برَّ آمن، وإذا آمن دخل الجنّة»[4].
الصدق أفضل الأخلاق
ورد أيضاً أنّه قيل لرسول الله (صلّى الله عليه وآله): أَيُّ الأخلاقِ أَفضل؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): «الجود والصدق»[5].
اكتمال الإيمان بالصدق
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أَربع من كنَّ فيه كَمُل إيمانه، وإنْ كان من قرنه إلى قدمه ذنوباً لم ينقصه ذلك. قال: وهو الصِّدق وأَداء الأمانة والحياء وحُسن الخلقِ»[6].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص636.
[2] سورة المائدة، الآية 119.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص104.
[4] الديلميّ، الحسن بن محمّد، إرشاد القلوب إلى الصواب، ج1، ص185.
[5] الميرزا النوريّ، حسين بن محمّد تقي، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، ج15، ص258.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص99 - 100.