دور الأسرة في إحياء عاشوراء
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
عَنِ الرَّيَّانِ بْنِ شَبِيبٍ، عَنِ الإمام الرِّضَا (عليه السَّلام) أَنَّهُ قَالَ لَهُ: «يَابْنَ شَبِيبٍ، إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَكُونَ مَعَنَا فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجِنَانِ، فَاحْزَنْ لِحُزْنِنَا، وَافْرَحْ لِفَرَحِنَا، وَعَلَيْكَ بِوَلَايَتِنَا، فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَحَبَّ حَجَراً لَحَشَرَهُ اللَّهُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[1].
أيّها الأحبّة،
تتجدّد ذكرى عاشوراء في كلّ عام، وهي تحمل في مفاصلها ومواقفها أنبلَ معاني التفاني والإيثار والتضحية في سبيل الله، حتّى صار الإمام الحسين (عليه السلام) وأهلُ بيته وأصحابُه مدرسةً في كلّ هذه المفاهيم التي لا يستغني عنها المجتمع الإنسانيّ في طريق تكامله وعزّته وكرامته.
لم تكن واقعةُ الطفّ وأحداثُها مجرّد واقعة عسكريّة، تقاتلَ فيها طرفان، وقُتِل فيها من قُتِل وجُرِح فيها من جُرِح، إنّما كانت بالفعل نموذجاً رائداً يقتدي به المؤمنون والموالون -بل الناس عامّة - على مرّ التاريخ منذ مئات السنين.
وإذا كانت عاشوراء كذلك، فهذا يعني أن يتحرّى المؤمنون كلّ ما جرى فيها، من مواقف الإمام الحسين (عليه السلام) والمبادئ الإنسانيّة والدينيّة التي رفعها وسار على أساسها في وجه الظالمين والمستبدّين، وفي طريق ذلك، يقف المؤمنون موقف المتأمّلين والمتفكّرين، بالإضافة إلى موقف الشعور بالأسى والحزن على ما حلّ بهذا الإمام العظيم وأهل بيته وأصحابه، وليس إظهارُ الأسى هذا إلّا أسلوباً من أساليب تثبيت تلك المبادئ في النفوس، ليختلطَ العقل بالعاطفة، ومنهما معاً تتشكّل الإرادة القويّة في مواجهة الظالمين والتمسّك بحبل الله ودينه، مهما عصفت العواصف واشتدّت المصاعب.
الأسرة أساس من أسس التبليغ
أعظم الله -تعالى-، من خلال كتابه الكريم وأحاديث الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، مكانةَ الأسرة، باعتبارها أساساً من أسس التربية الصالحة، ونشوء مجتمع قائم على المبادئ الإنسانيّة والإسلاميّة الرفيعة. ومن هذا المنطلق يترتّب على الوالدين وضع منهجيّة تربويّة إسلاميّة، تحاكي المبادئ الجليلة التي نستقيها من مواقف الأنبياء والأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، ومنها ذكرى عاشوراء.
فما هو المطلوب في أيام عاشوراء؟
إذا ما أراد الوالدان زرع تلك المفاهيم الجليلة من عاشوراء، فلا بدّ من التوجّه إلى وضع برنامجٍ واضحٍ يعين على ذلك، وذلك بما يتناسب مع هذه الذكرى. ومن ذلك:
1. إظهار الحزن
ولنا في أهميّة إظهار الحزن شواهد عديدة، منها ما عن الإمام الرّضا (عليه السلام): «كان أبي (صلوات الله عليه) إذا دخل شهر المحرّم لم يُرَ ضاحكا،ً وكانت كآبته تغلب عليه، حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان اليوم العاشِر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحُزنه وبكائه، ويقول: هذا اليوم الذي قُتِل فيه الحسين (عليه السلام)!»[2].
فإنّ في تصرّف الإمام (عليه السلام) إشارة إلى أنّ الحزنَ وإظهارَه ينبغي أن يترافق مع دخول أيّام محرّم الحرام، وفي ذلك درس عظيم.
فالأب والأمّ لهما دور بارز في تهيئة مظاهر الحزن داخل البيت.
2. إقامة المأتم
والذي يمكن حصوله ولو بدائرة ضيّقة، بأن يجلس أهل البيت الواحد، ليستمعوا معاً إلى مجلس عزاء حسينيّ، وبذلك يواسون رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) في شهادة حفيده سيّد الشهداء (عليه السلام).
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يعزّ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مصرعهم [أي الحسين وأهل بيته]، ولو كان [أي رسول الله] في الدنيا يومئذٍ حيّاً، لكان (صلوات الله عليه وآله) هو المُعزَّى بهم»[3].
3. تعرّف مواقف الإمام الحسين (عليه السلام)
وذلك من خلال التأمّل في مجالس سيرته، وقراءة ما يرتبط به (عليه السلام)، من كتبٍ وأبحاثٍ مختلفة، وإشراك أهل البيت الواحد في مثل هذه القراءات، بل قد تكون المباحثة في مثل ذلك في ما بينهم، من الأمور المهمّة جدّاً، والتي تنمّي الفكر العاشورائيّ بجميع أبعاده في أذهانهم.
4. التأسّي بالإمام الحسين (عليه السلام)
كان للإمام الحسين (عليه السلام) مواقف روحيّة ومعنويّة عظيمة، منها التزامه بالتوجّه إلى الله -سبحانه وتعالى-، وعدم الغفلة عن ذكره، فقد كان له (عليه السلام) برنامج روحيّ، من صلاةٍ ودعاءٍ وذكرٍ وقراءة قرآن، خاصّةً ليلة العاشر من المحرّم، حيث ورد عنه قوله للعباس (عليه السلام): «ارجع إليهم، فإنِ استطعتَ أن تؤخّرَهم إلى غدوة وتدفعَهم عند العشيّة، لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار»[4].
[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص193.
[2] المصدر نفسه، ص191.
[3] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجد، ص782.
[4] ابن جرير الطبريّ، تاريخ الطبريّ، ج4، ص316.