الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتمعاني الصبروَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

العدد 1643 16 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 19 تشرين الثاني 2024 م

التعبويُّ لا يُهزَم

كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادةالصبر ونجاح المسيرة فضل الدعاء وآدابه

العدد 1642 09 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2024 م

جهاد المرأة ودورها في الأحداث والوقائع

مراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1512 17 شوال 1443 هـ - الموافق 19 أيار 2022م

التواصل مع الآخر

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

قال تعالى كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[1].

أيّها الأحبّة،
إنّ لتبليغ الرسالة الإسلاميّة والدعوة إلى دين الحقّ مكانةً عظمى وفضلاً كبيراً عند الله سبحانه، وإنّ هذا الأمر موكول إلى كلّ امرئ، كلٌّ على قدر استطاعته، ولا ينحصر ذلك بطرح المفاهيم بالأطر العلميّة والفكريّة، ولا يقف عند إيضاح الأحكام الشرعيّة فحسب، فهذا وإن كان أساس التبليغ، إلا أنّه ليس السبيل الوحيد في جذب الآخرين إلى هذا الدين وتعريفهم إيّاه.

فمضافاً إلى ضرورة امتلاك المعرفة، ثمّة وسائل يمكن التعبير عنها بالوسائل الصامتة، إذ لا تحتاج إلى بيانٍ باللسان، ألا وهي أفعال الإنسان وصفاته الذاتيّة،  التي تكون في أغلب الأحيان أشدّ تأثيراً من الكلام، وقد ورد ما يؤكّد هذا المفهوم في أحاديث المعصومين (عليه السلام)، كما عن الإمام عليّ (عليه السلام): «مَنْ نَصَبَ نَفْسَه لِلنَّاسِ إِمَاماً، فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِه قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِه، ولْيَكُنْ تَأْدِيبُه بِسِيرَتِه قَبْلَ تَأْدِيبِه بِلِسَانِه، ومُعَلِّمُ نَفْسِه ومُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلَالِ، مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ ومُؤَدِّبِهِمْ»[2].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «عليك بتقوى الله والورعِ والاجتهادِ وصدقِ الحديثِ وأداءِ الأمانةِ وحسنِ الخلقِ وحسنِ الجوارِ، وكونوا دعاةً إلى أنفسكِم بغير ألسنتكم، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً»[3].

طبقاً لهذين الحديثين وغيرهما، فإنّ ثمّة العديد من المظاهر التي يكون لها وقع وتأثير كبيرين في الآخرين، تشكّل بمجملها الهيئة التي ينبغي للمؤمن أن يكون عليها في علاقته مع الناس، سواء أكانوا من المؤمنين بهذا الدين القويم أم من غير المؤمنين.

إنّ من المشكلات الكبرى التي يقع بها الكثيرون، انزواءهم وانغلاقهم على أنفسهم، فلا يفتحون طرق التواصل مع الآخرين من غير المتديّنين أو غير المسلمين، حتّى يؤثّر ذلك في حركتهم على أرض الواقع، ويفتح هوّة كبيرة بينهم وبين أولئك؛ ولذلك آثار سلبيّة كبيرة على المدى البعيد، إذ يجعل المسلم في حالة جهالة من الآخر، مع أنّ الله تعالى دعا الناس جميعاً لأن يتعارفوا، ولم يُقيّد بدينٍ أو عرقٍ أو نسب... قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[4].

مظاهر جاذبة
إنّ بعض الصفات والأفعال، هي بذاتها جاذبة للآخرين، ولا يمكن نفي تأثيرها في واقع الحياة البشريّة، فالناس عادة ما يتأثّرون بالمظاهر وبما يجذب مشاعرهم ويستميل أذواقهم؛ لذا دعا الإسلام إلى بعض الأمور وحثّ عليها، في الوقت الذي يراها بعض الناس أموراً ثانويّة، لا تؤخذ على محمل الجدّ!

من أمثلة ذلك:
- ما يرتبط بالمظهر الخارجيّ.
- ما يرتبط بالنظام.
- ما يرتبط بالعشرة من رفقٍ ولين...
- ما يرتبط بتفهّم الآخر وقبوله.

إنّ هذه العوامل هي مدعاة لجذب الآخرين وفتح سبل الوصال بهم، ما يُسهم في التقرّب إليهم وتعريفهم الدين القويم، حتّى لا يبقى غريباً والمتديّنون غرباء؛ وذلك مشروط بتقديم النموذج الأمثل الذي يريده الإسلام، فإذا ما كان المرء حريصاً فعلاً على إعطاء الصورة الجميلة عن الإسلام من خلاله هو، فلا بدّ من أن يتحلّى بهذه الصفات.

مظهر المؤمن
إنّ للمظهر تأثيراً كبيراً في التواصل مع الآخر، وهذا ممّا لا شكّ فيه، فينبغي على المؤمن أن يجهد في هذا الأمر، ويتّخذه أمراً أساسيّاً في حياته اليوميّة، وألّا يستهين به البتّة.

والمظهر يشمل الترتيب والنظافة الشخصيّة والجماعيّة، وقد أولى أهل بيت العصمة اهتماماً كبيراً بهذا الأمر، كما عن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «إنّ الله طيّب يحبّ الطيّب، نظيف يحبّ النظافة»[5].

وعنه (صلّى الله عليه وآله): «تنظّفوا بكلّ ما استطعتم؛ فإنّ الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنّة إلّا كلّ نظيف»[6].

وعنه (صلّى الله عليه وآله) عن رجلٍ لم يسرّح شعره: «أَمَا كان يجد ما يسكّن به شَعْرَهُ؟!»[7]، وكان (صلّى الله عليه وآله)، كلّما أراد الخروج إلى المسجد، أو لزيارة بعض أصحابه، ينظر في المرآة، أو في صفحة من الماء الصافي، فيمشّط شعره، ويرتّب ثيابه، ويتعطّر، ثمّ يقول: «إنّ الله يحبُّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل»[8].

نلاحظ أنّ علّة الاهتمام بالمظهر والنظافة والتجمّل ليست مرتبطة بالشخص ذاته، بل أيضاً مرتبطة بنظر الآخرين إليه، وهذا يؤكّد دور ذلك في جذب الآخرين، أو نفورهم الذي قد يتأتّى من خلال الإهمال.

الرفق واللين
إنّ من أبرز الصفات التي تُسهم في جذب الآخر، وفتح طرق الوصال معه، أن يكون المؤمن رفيقاً ليّناً، لا فظّاً ولا غليظاً، وبذلك تحلّى الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، إذ استطاع بحلمه ورفقه ولين كلامه أن يستميل قلوباً كانت من أشدّ المعاندين له، قال سبحانه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾[9].

وقد اتّخذت الدعوة إلى الرفق واللين في التعامل مع الآخرين حيّزاً كبيراً في أحاديث الأطهار (عليهم السلام)، فعن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): «الرِّفْقُ يُمْنٌ، وَالْخُرْقُ شُؤْمٌ»[10].

إنّ الرفق بما يحمله من مفردات، في القول والفعل، بأن يكون المرء لطيفاً في كلامه، مدارياً، متغافلاً عن صغائر الأمور، إنّ ذلك كلّه يجذب الآخر ويستميل قلبه، وقد كان الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) على ذلك، حتّى وصفه الباري سبحانه قائلاً: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[11].

بشاشة الوجه
من المظاهر الجاذبة أيضاً بشاشة الوجه، وأن لا يكون المرء عبوساً مقطّب الجبين، وقد ورد أنّ بِشر الوجه من صفات المؤمن، كما عن الإمام عليّ (عليه السلام): «الْمُؤْمِنُ بِشْرُه فِي وَجْهِه، وحُزْنُه فِي قَلْبِه»[12].

النظام
النظام في مظاهر الحياة كلّها، وقد أوصى به أميرُ المؤمنين (عليه السلام) ولديه الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام): «أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم»[13].

ويأتي تحت النظام، ما يرتبط بالعقود والمعاملات واتّباع القوانين والأنظمة التي تضعها الدول، وفي مناحي الحياة الاجتماعيّة كلّها، الفرديّة منها والجماعيّة.

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْل﴾[14]، وقال: ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِن الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُول﴾[15].

وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليفِ إذا وعد»[16].

وغير ذلك ممّا أرشدنا إليه الإسلام، إذ إنّ النظام من مصادر الدعوة والتبليغ لمن امتثله ولازمه في حياته، في مقابل من يخون العهد والوعد ويخالف القوانين والأنظمة، فإنّه لا محالة يعطي صبغة سيّئة للآخرين.

الانفتاح على الآخر
إنّ ما تقدّم ينبغي أن يقترن مع ثقافة الانفتاح على الآخر، لا ثقافة الإلغاء والعصبيّة العمياء.

إنّ الأديان الموجودة في هذه الدنيا قد مرّ عليها زمن غابر، وبعضها موجود منذ آلالف السنين؛ وهذا يعني أنّها أمر واقع، ولا بدّ من التعامل معه على هذا الأساس، وإذا ما قرأنا هذا الأمر من الناحية الإسلاميّة، فلا نجد في التراث الإسلاميّ ما يدعو إلى القضاء على الأديان الأخرى ومعتنقيها، كما يصوّرها التكفيريّون الذين يحملون فكراً باطلاً باسم الإسلام، ويقدّمونه على أنّه الإسلام، وهو منهم براء، بل أقصى ما دعا إليه هذا الدين هو دعوة الآخرين بالكلمة والموعظة الحسنة إلى اتّباع دين الحقّ، فإن اتّبعوا فبها ونعمت، وإلّا فإنّه لا بدّ من التواصل مع جميع الناس، إلّا من كان منهم مفسداً أو يشكّل خطراً على الفرد أو الجماعة، فإنّ لذلك شأناً وحديثاً آخر.

وبالتالي، فإنّ الانفتاح على الآخر في المبدأ أمر مطلوب، وهو يساعد المسلمين على إيصال فكرهم وثقافتهم للآخرين، وهذا إن تحقّق فهو عمل جبّار، قد يكون طريقاً لهداية الكثيرين.

قد يقول قائل: وهل ينبغي رفض الأديان الأخرى أم الاعتراف بها؟

يقال عند ذلك، إنّ الله تعالى قد بيّن بشكل واضح أنّ الدين الذي يرضاه هو الإسلام دون غيره، إذ قال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾[17].

إلّا أنّه اعترف بوجود الأديان الأخرى، إذ قال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾[18].

بمعنى آخر، إنّ الإسلام لا يقول للمسلم قاطع غير المسلمين وضيّق عليهم، الغِ وجودهم وحاربهم وواجههم، بل إنّه دعا إلى معاملتهم بالحسنى وبالعدل والقسط، كما في قوله تعالى بحقّ النصارى (المسيحيّين): ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[19].


[1] سورة الحجرات، الآية 13.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص480، الحكمة 73.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص77.
[4] سورة الحجرات، الآية 13.
[5] الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2032.
[6] المصدر نفسه، ج3، ص2303.
[7] المصدر نفسه، ج3، ص2302.
[8] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص35.
[9] سورة آل عمران، الآية 159.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص119.
[11] سورة القلم، الآية 4.
[12] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص533، الحكمة 333.
[13] المصدر نفسه، ص421.
[14]  سورة البقرة، الآية 282.
[15] سورة الإسراء، الآية 34.
[16] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص364.
[17] سورة آل عمران، الآية 85.
[18] سورة الحجّ، الآية 17.
[19] سورة الممتحنة، الآية 8.

19-05-2022 | 11-06 د | 1029 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net