الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك بعيد الله الأكبر، عيد الغدير.
عن الإمام الصادق (عليه السلام)، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي، وهو اليوم الذي أمرني الله -تعالى ذكره- فيه بنصب أخي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عَلَماً لأمّتي، يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل اللهُ فيه الدين، وأتمّ على أمّتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلامَ ديناً»[1].
فضل يوم الغدير
إنّ ليوم الغدير فضلاً عظيماً، يتجلّى في كونه يوماً لإكمال دين الله وإتمام نعمته على عباده؛ ولهذا يترتّب على المؤمن الموالي، إذا ما أراد النيل من فيضه سبحانه في هذا اليوم أكثر فأكثر، أن يقوم ببعض الأعمال الطيّبة، وقد ورد في ذلك حديث أبي نصر البزنطيّ، عن الإمام الرضا (عليه السلام)، أنّه قال له: «يابن أبي نصر، أينما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ فإنّ الله يغفر لكلّ مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة، ذنوبَ ستّين سنة، ويعتق من النار ضعفَ ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين، وأفضِل على إخوانك في هذا اليوم، وسُرَّ فيه كلّ مؤمن ومؤمنة»[2].
وعن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: قلتُ: جُعلتُ فداك! للمسلمين عيد غير العيدين؟ قال: «نعم يا حسن، أعظمهما وأشرفهما». قلتُ: وأيّ يوم هو؟ قال: «يومٌ نُصِب أميرُ المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) فيه عَلَماً للناس»، قلت: جُعلتُ فداك! وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال: «تصوم يا حسن، وتُكثِر الصلاة على محمّد وآله، وتَبْرَأ إلى الله ممّن ظلمهم؛ فإنّ الأنبياءَ (صلوات الله عليهم) كانت تأمر الأوصياءَ باليوم الذي كان يُقام فيه الوصيُّ، أن يُتَّخذ عيداً». قال: قلتُ: فما لمن صامه؟ قال: «صيام ستّين شهراً»[3].
ورُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: «أتعرفون يوماً شيّد اللهُ به الإسلامَ، وأظهر به منارَ الدين، وجعله عيداً لنا ولموالينا وشيعتنا؟»، فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟ قال: «لا»، قالوا: أفيوم الأضحى هو؟ قال: «لا، وهذان يومان جليلان شريفان، ويوم منار الدين أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة»[4].
الولاية تعني الطاعة
إنّ ولايةَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، فريضـةٌ ثابتةٌ من الله تعالى على عباده؛ بمعنى متابعتهم والائتمام بهم، وإنّها شرط في صحّة الأعمال وقبولها، فلا يصحّ عمل أحدٍ من المكلّفين، ولا يقبله الله إلّا بها، وتصرّح النصوص بأنّ ولاية أهل البيت (عليهم السلام) لا تتحقّق إلّا بطاعة الله، ولا تُنال إلّا بالورع عن محارم الله، وإنّ المطيعَ لله هو الوليّ لهم، والعاصيَ لله ليس لهم بوليّ.
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «لا تذهبْ بكم المذاهب، فوالله ما شيعتنا إلّا من أطاع اللهَ عزّ وجلّ»[5].
وعنه (عليه السلام) في حديثٍ طويل، قال فيه: «يا جابر، والله ما نتقرّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحدٍ من حجّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ، وما تُنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع»[6].
ويؤيّد معنى ما تقدّم قوله تعالى: ﴿قُلْ إن كُنتُم تُحِبُّونَ اللهَ فاتّبِعوني يُحبِبْـكُـمُ اللهُ ويَغْفِرْ لَكُـمْ﴾[7]، وغيرها مـن الآيات، ويرشد ذلك إلى معنى الولايـة؛ لأنّها بمعنى المتابعة في الأقوال والأفعال، والعاصي لله ليس بتابعٍ أهلَ البيت (عليهم السلام)، بل هو مخالف لهم؛ لأنّهم لا يعصون الله تعالى.
العبادات المستحبّة في ليلة الغدير ويومه
ثمّة عدد من المستحبّات والآداب، من الجدير بالمؤمنين القيام بها في ليلة الغدير ويومه، ومن ذلك ما أورده الشيخ القمّيّ (رحمه الله) في كتابه «مفاتيح الجنان»، قال: ليلة عيد الغدير، هي ليلة شريفة، روى السيّد في «الإقبال» لهذه الليلة صلاة ذات صفة خاصّة ودعاء، وهي اثنتا عشرة ركعة بسلامٍ واحد.
أمّا يوم العيد فأعماله عديدة، نذكر منها:
الأوّل: الصوم، وهو كفّارة ذنوب ستّين سنة، وقد رُوي أنّ صيامه يعدل صيام الدهر، ويعدل مئة حجّة وعمرة. ومِن خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في يَوم الغَدير «... ومن فطّر مؤمناً في ليلته، فكأنّما فطّر فئاماً وفئاماً (يعدّها بيده عشراً)»، فنهض ناهِض، فقال: يا أمير المؤمنين، وما الفئام؟ قال: «مئة ألف نبيّ وصدّيق وشهيد، فكيف بمن تكفّل عدداً من المؤمنين والمؤمنات، فأنا ضمينه على الله تعالى الأمان من الكفر والفقر...»[8].
الثاني: الغُسل.
الثالث: زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وينبغي أن يجتهد المرء أينما كان، فيحضر عند قبره (عليه السلام). وقد حكيت له (عليه السلام) زيارات ثلاث في هذا اليوم، أوّلها زيارة أمين الله المعروفة، ويُزار بها في القرب والبُعد، وهي من الزيارات الجامعة المطلقة أيضاً.
الرابع: أن يدعو بدعاء الندبة.
الخامس: أن يهنّىء من لاقاهُ من إخوانه المؤمنين بقوله: اَلْحَمْدُ للهِ الّذي جَعَلَنا مِنَ الْمُتَمَسِّكينَ بِوِلايَةِ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَالأئِمَّةِ (علَيْهِمُ السَّلامُ).
السادس: أن يقول مئة مرّة: اَلْحَمْدُ للهِ الّذى جَعَلَ كَمالَ دينِهِ وَتَمامَ نِعْمَتِهِ بِوِلايَةِ أميرِ الْمُؤمِنينَ عَليّ بْنِ أبي طالِب (علَيْهِ السَّلامُ).
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج94، ص110.
[2] المصدر نفسه، ج94، ص119.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص148.
[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج95، ص300.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص73.
[6] المصدر نفسه، ج2، ص75.
[7] سورة آل عمران، الآية 31.
[8] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ص758.