بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
الإمام السجّاد (عليه السلام) في سطور
هو الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) رابع أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، جدّه أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، وجدّته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، بنت رسول الله وبضعته، وأبوه الإمام الحسين (عليه السلام)، أحد سيِّدَيْ شباب أهل الجنّة. وُلِد سنة ثمانٍ وثلاثين للهجرة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين، وعاش سبعاً وخمسين سنة تقريباً، قضى ما يقارب سنتين أو أربعاً منها في كنف جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام).
مكانة الإمام السجّاد (عليه السلام) العلميّة
كان (عليه السلام) يشجّع كلّ من يأتي إليه طالباً لعلوم آل محمّد، وكان إذا جاءه طالب علم، قال: «مرحباً بوصيّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)»، ثمّ يقول: «إنّ طالب العلم إذا خرج من منزله، لم يضع رجليه على رطبٍ ولا يابس من الأرض إلّا سبّحت له إلى الأرضين السابعة»[1].
وينقل الذهبيّ في سير أعلام النبلاء أنّه «كان له جلالة عجيبة، وحقٌّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى، لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله»[2].
ويتّفق المؤرّخون على أنّه (عليه السلام) «انكبَّ على الشؤون الدينيّة، ورواية الحديث، والتعليم، وأنّ مهمّته كانت الانصراف إلى بثّ العلوم، وتعليم الناس، وتربية المخلصين، وتخريج العلماء والفقهاء، والإشراف على بناء الكتلة الشيعيّة»[3]، ولكنّه لم يكن بعيداً عن العمل السياسيّ وإدارة شؤون المجتمع وفق ما تسمح به الظروف المحيطة آنذاك.
منهج الإمام السجّاد (عليه السلام) في المواجهة
تمثّل منهج مواجهة الإمام السجاد (عليه السلام) للانحراف الدينيّ الذي مُنيت به الأمّة بالعناصر الآتية:
1. تصحيح منهج فهم الدين
فكان (عليه السلام) شديد النكير على تلك البوادر المضلِّلة، فحارب (عليه السلام) العمل بالقياس، يقول (عليه السلام): «إنّ دين الله عزّ وجلّ لا يُصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقاييس الفاسدة، ولا يصاب إلّا بالتسليم؛ فمن سلّم لنا سَلِم، ومن اقتدى بنا هُدي، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هَلَك، ومن وَجَدَ في نفسه ممّا نقوله أو نقضي به حرجاً كَفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم، وهو لا يعلم»[4].
2. نشر معالم فقه أهل البيت (عليهم السلام)
تمكّن الإمام زين العابدين من توضيح معالم فقه أهل البيت (عليه السلام) وإغناء معارفه، حتّى أقرَّ كبار العلماء بأنّه الأفقه، فقد رُوي عن أبي حازم وسفيان بن عيينة والزهريّ، قال كلّ واحد منهم: «ما رأيت هاشميّاً أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه»[5]، وذكر الشافعيّ أنّه أفقه أهل المدينة[6].
3. مرجعيّة القرآن والسنّة
أبدى الإمام حرصه الشديد على تعظيم القرآن وتخليده في النفوس، فقال (عليه السلام): «آيات القرآن خزائن العلم، فكلّما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر ما فيها»[7]. وكان يندِّد بمن يستهزئ بحديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ويقول (عليه السلام): «ما ندري، كيف نصنع بالناس! إن حدّثناهم بما سمعنا من رسول الله ضحكوا، وإن سكتنا لم يَسَعْنا»[8].
4. بيان الجانب الحقوقيّ لتنظيم الحياة الاجتماعيّة وفق المعايير الصحيحة
إذ تضمّنت رسالة الحقوق للإمام (عليه السلام) بياناً لأصول الحقوق والواجبات التي قنّنها الإسلام، وتهدف إلى إيجاد التوازن التربويّ والاجتماعيّ والسياسيّ في المجتمع، وتقنين العلاقات التي تحفظ حقوق الناس وتنظّم شؤونهم، بعيداً عن الاجتهادات التي لا تستند الى منهجٍ سليم.
الجهاد وأسلوب المواجهة
استطاع الإمام زين العابدين (عليه السلام) أن يجمع بين الشؤون الروحيّة والمنطلقات السياسيّة، فهو العابد المتهجّد الزاهد، وهو المربّي المقاوم للظلم، والسند القويّ للمستضعفين، فلا فصل بين العبادة والسياسة في الإسلام، بل هما وحدة متكاملة. وهذا ما برز في العديد من أدعيته التي تبلور الدعوة الى الجهاد، يقول (عليه السلام): «إنّي أسألك يا سيّدي أن تصلّي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعلني ممّن تنتصر به لدينك، وتقاتل به عدوَّك، في الصفّ الذي ذكرتَ في كتابك، فقلت: ﴿كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾، مع أحبّ خلقك إليك في أحبّ المواطن لديك»[9].
ولقد كثرت القيادات التابعة للسلطة الحاكمة في عصره، وتنوّعت ميولها تبعاً للساسة والخلفاء، واستطاعت بفضل السلطة والمال والقمع والظلم فرض هيمنتها على الأمّة. أمام هذا الواقع، وفي خضمّ هذه الأجواء السياسيّة والعسكريّة المتناقضة، كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يبصّر بالحقيقة ويهدي سواء السبيل، فحرص على توجيه الأمّة نحو قيادتها الإلهيّة المتمثّلة بالنبيّ وأهل بيته (عليهم السلام)، وقد برز ذلك في أدعيته (عليه السلام)، ومنها: «رَبِّ صَلِّ عَلَى أَطَايِبِ أَهْلِ بَيْتِه الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لأَمْرِكَ، وجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وحَفَظَةَ دِينِكَ، وخُلَفَاءَكَ فِي أَرْضِكَ، وحُجَجَكَ عَلَى عِبَادِكَ، وطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ والدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإِرَادَتِكَ، وجَعَلْتَهُمُ الْوَسِيلَةَ إِلَيْكَ، والْمَسْلَكَ إِلَى جَنَّتِكَ»[10].
وللإمام (عليه السلام) أدعية أخرى كثيرة، تكشف عن الجهاز القياديّ الذي ينبغي أن يكون على رأس الأمّة الإسلاميّة.
المواجهة في الشام وفضح يزيد
منذ الأيّام الأولى التي تلت كربلاء، عمِل الإمام السجاد والحوراء زينب (عليهما السلام) على هدم جدار الصمت والخوف في الكوفة وفي الشام، ومن أشهر خطب الإمام السجّاد (عليه السلام) تلك الخطبة التي أوردها في مجلس الطاغية يزيد، والتي تحوي منهجاً كاملاً في مواجهة الحكّام الظالمين، وفضح مؤامراتهم، وبيان منزلة أهل البيت وأحقيّتهم بالخلافة وقيادة الأمّة، ومن جملة ما ركّز عليه:
1. الخطّ السياسيّ الذي ينتهي إلى سيّد المرسلين وأهل بيته (عليهم السلام)، وقد أسهب في بيان صفاتهم التي هي المثل الأعلى في اليقين والاستقامة والجهاد: «أيّها الناس، أُعطينا ستّاً وفُضِّلنا بسبع: أُعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفُضِّلنا بأن منَّا النبيَّ المختار محمّداً، ومنّا الصدّيق، ومنّا الطيّار، ومنّا أسد اللـه وأسد رسوله، ومنّا سبطا هذه الأمّة... أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيّين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين... أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء...
2. أشهر الإمام (عليه السلام) ظُلامة السبط الشهيد، وحملها راية حمراء تدعو الضمائر الحرّة إلى الجهاد من أجل اللـه وفي سبيل نصرة المظلومين، إثارةً للعواطف وتهييجاً لكوامن الحزن والأسى.
3. حين أمر يزيد بأن يقطع المؤذِّن عليه كلامه، لم يترك الإمام (عليه السلام) المنبر، بل استوقفه عند الشهادة الثانية، وحمّل يزيد مسؤوليّة قتل والده، فقال (عليه السلام) لمّا قال المؤذِّن: أشهد أنّ محمّداً رسولُ اللـه: «محمّد هذا جدِّي أم جدُّك يا يزيد؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنّه جدّي فَلِمَ قتلتَ عِترَته؟!»[11].
هكذا استطاع الإمام السجّاد (عليه السلام) أن يزلزل عرش يزيد حتّى تنصَّل من جريمته النكراء، وتوجّه إلى الجماهير الغاضبة التي كادت تبتلعه قائلاً: يا قوم، أتظنّون أنّي قتلت الحسين، فوالله ما قتله إلّا عاملي ابن زياد.
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج46، ص62.
[2] الذهبيّ، سير أعلام النبلاء، ج4، ص398.
[3] محمّد رضا الجلالي، جهاد الإمام السجّاد (عليه السلام)، ص79.
[4] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص324.
[5] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص297.
[6] ابن أبي الحديد المعتزليّ، شرح نهج البلاغة، ج15، ص274.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص609.
[8] المصدر نفسه، ج3، ص234.
[9] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص354.
[10] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص216، الدعاء 47.
[11] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص137.