الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
جاء في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلمٍ كربة، فرّج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة»[1].
إنّ للإنسان كرامةً عند الله تعالى، لم ينلها غيرُه من الخلق، إذ خصّه بنعمٍ ومقدّرات عظيمة، يصعب إحصاؤها ومعرفتها، كي يستعين بها في مسيرة حياته، ويتقوّى على طاعته، ويؤسّس لمجتمع متراصّ، يعيش أفراده الأمنَ والأمان والطمأنينة.
وقد حثّ الإسلام على بناء العلاقات الإنسانيّة على أسس الخير والصلاح؛ لما في تلك العلاقات من تأثيرٍ متبادل بين الأطراف، وخصوصاً الأخوّة في الله تعالى التي تترك بصماتها في حياة الإنسان، بعيداً عن حدود الاتّصال بالنسب فقط، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ربَّ أخٍ لم تلده أمُّك»[2]، والذي يلفت الانتباه الموقع المتقدّم الذي حظيت به الأخوّة في أحاديث النبيّ وآله (صلّى الله عليه وآله) بعد القرآن الكريم، فقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «ما استفاد امرؤ مسلم فائدةً بعد فائدة الإسلام، مثل أخٍ يستفيده في الله عزّ وجلّ»[3].
من هنا، وعملاً على توطيد الروابط الاجتماعيّة، وصولاً إلى تماسك المجتمع ليكون جسداً واحداً، أوجب الإسلام حقوقاً للمسلمين على بعضهم، ينبغي العناية بها والعمل عليها ليسود الوئام والتآخي والتعافي، فيكون أحدُنا لأخيه كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»[4].
عظمة حقّ المسلم
إنّ للأخ في الإسلام حقوقاً عظيمة، بما له من مكانة وحرمة، إذ إنّه يجسّد القوّة والسند والناصر والمعين؛ لذا ينبغي لنا تعرّفها واحترامها والعمل على مراعاتها وأدائها.
عن مُعلّى بن خنيس: قلتُ للإمام الصادق (عليه السلام): ما حقّ المسلم على المسلم؟ قال له: «سبع حقوق واجبات، ما منهنّ حقّ إلّا وهو عليه واجب، إن ضيّع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه من نصيب»، قلتُ له: جُعلتُ فداك! وما هي؟ قال: «يا مُعلّى، إنّي عليك شفيق، أخاف أن تُضيَّع ولا تحفظ، وتعلم ولا تعمل»، قال: قلتُ له: لا قوّة إلّا بالله، قال: «أيسر حقّ منها أن تُحبَّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك».
والحقوق السبعة التي أوضحها الإمام (عليه السلام)، هي:
1. أن تُحبّ له ما تحبّ لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك.
2. أن تجتنب سخطه، وتتّبع مرضاته، وتطيع أمره.
3. أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.
4. أن تكون عينه ودليله ومرآته.
5. أن لا تشبع ويجوع، ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى.
6. أن يكون لك خادمٌ، وليس لأخيك خادم، فواجب أن تبعث خادمك، فيغسل ثيابه ويصنع طعامه ويمهّد فراشه.
7. أن تبرّ قسمه، وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت أن له حاجة، تبادره إلى قضائها، ولا تلجئه أن يَسْأَلَكَهَا، ولكن تبادره مبادرة.
ثمّ ختم (عليه السلام) كلامه بقوله: «فإذا فعلت ذلك، وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولايتك»[5].
من حقوق المسلم على أخيه
من هنا، يظهر لنا مدى عظمة حقّ المسلم على أخيه، فالإسلام ليس منهج اعتقاد وإيمان في القلب فحسب، بل هو منهج حياة إنسانيّة اجتماعيّة واقعيّة، ينعكس في السلوك والممارسة العمليّة في جميع جوانب الحياة ومتطلّباتها، وذلك وفقاً لمبدأ التراحم والتكافل والإحسان والإيثار، وهذا ما يُلزِم الفرد بواجبات تجاه الآخرين كأفراد، وتجاه المجتمع ككيان يحتضن الجميع، وقد ذكر الروايات العديد من الحقوق والواجبات، نذكر منها أبرزها وأهمّها:
1. صون دمه وماله وعرضه
ورد في خطبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في منى، في حجّة الوداع: «يا أيّها الناس، أيّ يوم هذا؟»، قالوا: يوم حرام، ثمّ قال: «يا أيّها الناس، فأيّ شهر هذا؟»، قالوا: شهر حرام، قال: «أيّها الناس، أيّ بلد هذا؟»، قالوا: بلد حرام، قال: «فإنّ الله عزّ وجلّ حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقَونه»[6].
2. ستر عيوبه
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم؛ فإنّه من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع اللهُ عورتَه، ومن تتبّع اللهُ تعالى عورتَه يفضحه، ولو في جوف بيته»[7].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر، أن يواخي الرجلُ الرجلَ على الدين، فيحصي عليه زلّاته، ليعيّره بها يوماً ما»[8].
3. النصيحة له
عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة، سلبه اللهُ لبَّه»[9].
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللَّه عَلَى عِبَادِه، النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ، والتَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ»[10].
4. نصرته في مواطن الظلم
تكون النصرة بتقديم العون للمسلم متى احتاج إليه، ودفع الظلم عنه إن كان مظلوماً، وردعه عن الظلم إن كان ظالماً تحقيقاً لقول الرسول (صلّى الله عليه وآله): «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إن كان مظلوماً، أرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: «تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإنّ ذلك نصره»[11].
5. إدخال السرور عليه
عن أبان بن تغلب: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن حقّ المؤمن على المؤمن، فقال: «حقّ المؤمن على المؤمن أعظم من ذلك... إنّ المؤمن إذا خرج من قبره، خرج معه مِثال من قبره، يقول له: أبشِر بالكرامة من الله والسرور، فيقول له: بشّرك الله بخير، قال: ثمّ يمضي معه يبشّره بمثل ما قال، وإذا مرّ بِهَول، قال: ليس هذا لك، وإذا مرّ بخير، قال: هذا لك، فلا يزال معه يُؤْمِنُه ممّا يخاف، ويبشّره بما يحبّ، حتّى يقف معه بين يدي الله عزّ وجلّ، فإذا أمر به إلى الجنّة، قال له المِثال: أبشر! فإنّ الله عزّ وجلّ قد أمر بك إلى الجنّة، قال: فيقول: مَن أنت -رحمك الله- تبشّرني من حين خرجت من قبري، وآنستني في طريقي، وخبّرتني عن ربّي؟ قال: فيقول: أنا السرور الذي كنت تدخله على إخوانك في الدنيا، خُلِقْتُ منه لأبشّرك وأونس وحشتك»[12].
6. السعي في قضاء حاجته
عن صفوان الجمّال، قال: كنت جالساً مع أبي عبد الله (عليه السلام)، إذ دخل عليه رجل من أهل مكّة، يُقال له: ميمون، فشكا إليه تعذّر الْكِرَاءِ عليه[13]، فقال لي: «قم، فأعِن أخاك»، فقمتُ معه، فيسّر الله كِراه، فرجعتُ إلى مجلسي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «ما صنعتَ في حاجة أخيك؟»، فقلت: قضاها الله، بأبي أنت وأمّي، فقال: «أمَا إنّك أن تعينَ أخاك المسلم أحبّ إليّ من طواف أسبوع بالبيت مبتدئاً»[14].
تحرير الجرود وانتصار المقاومة على الإرهابيّين
وفي مثل هذا اليوم، في السادس والعشرين من شهر آب عام 2017م، كان الانتصار على الإرهابيّين ودحرهم من جرودنا، ودفع البلاء والأذى عن المواطنين، وأيّ سرورٍ أو قضاء حاجة أو نُصرةٍ أعظم من حماية الناس من ذُلِّ التعدّي والقتل، وتوفير الأمن والأمان والطمأنينة لهم في ديارهم بين أهلهم وأرحامهم؟!
إنّ أعظم ما يمكن أن يبذله الإنسان تجاه أخيه، أن يقدّم روحه ودمه في سبيل حمايته والذود عنه، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فوق كلّ ذي برٍّ برّ، حتّى يُقتَل الرجل في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله، فليس فوقه برّ»[15].
[1] ابن أبي جمهور الإحسائيّ، عوالي اللئالي، ج1، ص128.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص267.
[3] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص47.
[4] الشهيد الثاني، منية المريد، ص190.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص169.
[6] الشيخ الصدوق، الخصال، ص487.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص354.
[8] المصدر نفسه، ج2، ص355.
[9] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص104.
[10] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص334، الخطبة 216.
[11] البخاريّ، صحيح البخاريّ، ج8، ص59.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص191.
[13] الكِراء مصدر كاريته، والمراد بتعذّر الكراء، إمّا تعذّر الدابة التي يكتريها، أو تعذر من يُكترى دوابّه بناءً على كونه مكارياً، أو عدم تيسير أجرة المكارى له.
[14] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص198.
[15] المصدر نفسه، ج2، ص348.