محاور الموضوع الرئيسة
-تفسير قوله تعالى: وَالْعَصْرِ
-قوله تعالى: إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
-تفسير قوله تعالى: إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا....
الهدف: التعرّف على أهم المفاهيم في سورة العصر.
تصدير الموضوع: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾.
تلخِّص سورة العصر جميع المعارف القرآنية وتجمع شتات مقاصد القرآن في أوجز بيان 1، ولها فضل عظيم "ومن قرأها ختم الله له بالصبر وكان مع أصحاب الحق يوم القيامة".ونقل عن الشافعي أنه قال:"لو لم ينزل من القرآن سوى هذه السورة لكفت"2 .
1-تفسير قوله تعالى
وَالْعَصْر:أقسم سبحانه وتعالى بالدهر لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار، والقسم من الموارد التي تكرَّرت في القرآن الكريم في مواضع يبرز فيها جوانب الأهمية، وتهدف للتأكيد على موضوع القسم وإبراز أهميته، والمراد بالعصر على الأشهر عصر النبي صلّى الله عليه وآله وهو عصر طلوع شمس الإسلام على المجتمع البشري، وظهور الحق على الباطل 3، وذكر الشهيد مطهري رضوان الله عليه أن الأنسب في المقام هو أن القسم بالزمان وتاريخ البشرية لأن القَسَم في القرآن يتناسب مع الموضوع الذي أقسم الله من أجله، فإذا أراد القرآن أن يتبيّن أهمية ذلك العصر أقسم به، والمعلوم أن عصر النبي صلّى الله عليه وآله هو عصر طلوع الإسلام4 .
2-قوله تعالى:إنّ الإنسانَ لفي خُسر
أ -جنس الإنسان:إن المقصود بالإنسان هنا هو جنسه، بمعنى أن الخسران الوارد في هذه الآية شامل لجميع أفراد البشر، ولعموم الإنسان المكلف، فالألف واللام في لفظ "الإنسان"للجنس الذي يفيد الاستغراق في كل أفراد الإنسان، والإتيان بحرف للتأكيد على الكون في الخسران والاستغراق فيه.
ب-خسارة الإنسان:ذكر القرآن الكريم موضوع خسارة الإنسان للنفس أو المال أو الأهل أو الدنيا والآخرة في سبعين مورد5 ، وهذا ما يبرز أهمية هذا المفهوم وضرورة تحديد مراد الله تعالى من خسارة الإنسان الذي يعتبر من أكرم المخلوقات وأفضلها عند الله تعالى.
ج-فما هو الخسران الطارئ على الإنسان الذي تؤكِّد عليه الآية الكريمة؟
الخسر والخسران والخسارة يعني نقصان رأس المال، لا النقصان فيما زاد أو فضل عنه من الأرباح ونحوها، وينسب ذلك إلى الإنسان فيقال: خسر زيد، وإلى الفعل فيقال: خسرت تجارته 6.
د-فماذا يخسر الإنسان؟
يخسر الإنسان رأسماله الحقيقي، وأغلى ما يملك في هذا الوجود وهو عمره، فالعمر في حالة نقصان وتسرّب دائمين، ويتناقص يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة ولحظة بعد لحظة، ينقل أحد العلماء في تفسير هذه الآية عن أحد الصالحين أنه تعلم معنى هذه الآية من بائع ثلج، يعرض بضاعته تحت الشمس وكان يصيح ويقول: ارحموا من يذوب رأس ماله 7.فالمعلوم كما في الروايات أن كل نفس من أنفاس الإنسان يقرّبه خطوة نحو الموت، يقول الإمام علي عليه السلام:" نفسُ المرء خطاه إلى أجله "8.
هـ-الدنيا دار ربح وخسارة: لقد وهب الله تعالى الإنسان رأسمال عظيم وهو العمر لينجز فيه في الدنيا الذي يعبّر عنها بأنها سوق تجارة، يقول الإمام علي الهادي عليه السلام:"الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون "9.ولكن كيف ينفق الإنسان رأس ماله هذا!!
- فهناك من ينفق رأس ماله مقابل الحصول على مال، أو شهرة أو رئاسة...
- وهناك من ينفقه في سبيل أهوائه وملذاته..
- ويوجد من ينفق كل وجوده وحياته ويهبهما لله تعالى وفي سبيله.
و-من هم الخاسرون؟
-خسران الأنفس:قال الله تعالى:﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ﴾10.
-الخسران وعدم الإيمان:قال الله تعالى:﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُون﴾َ11 .
- خسران الدنيا والآخرة:قال الله تعالى:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِين﴾ُ12 .
-الأخسرون:قال الله تعالى:﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ 13.
3- تفسير قوله تعالى
﴿إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر﴾ِ.
وضع القرآن الكريم منهجاً للنجاة من ذلك الخسران يتكون من أربعة أصول، تحول دون هذا الخسران الكبير وتبدّله إلى منفعة كبيرة، وربح عظيم، وهي:
1-الإيمان:قوله تعالى:﴿إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.
2-العمل الصالح:قوله تعالى:﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَات﴾ِ.
3-التواصي بالحق:قوله تعالى:﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾.
4-التواصي بالصبر:قوله تعالى:﴿وَتَوَاصَوْا بالصبر﴾.
أ-المؤمن:فالإنسان المؤمن لا تقع عليه الخسارة لأنه راجع وذاهب إلى حيث يُحب وهو الله تعالى، قال تعالى:﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ14 . ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾َ15 .
ب-الإيمان والعمل الصالح رفيقان لا يفترقان:عندما نتأمل في آيات القرآن نلاحظ تلازماً واضحاً للعمل الصالح مع الإيمان، وما ذلك إلا للدلالة على أن الإيمان يلازمه الالتزام العملي التام بأحكام الشريعة، ولا إيمان بدون عمل، أو أن الإيمان في القلب...
قال الله تعالى:...﴿ إِلاَ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ16... . إِلاَ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾.17.. .
فالقاعدة المستفادة من هذه الآيات وغيرها هي: عدم وجود إيمان بلا عمل والعمل يجب أن يكون صالحاً، منسجماً مع الشريعة المقدّسة، فكل عمل من شأنه أن يهدي الناس أو يرفع من مستواهم العلمي أو العملي أو الثقافي أو... هو عمل صالح، وبالتالي فالعمل الصالح هو الجانب العملي للإيمان الإيمان عمل كله.
ج-التواصي بالحق والصبر:تواصوا بالحق والصبر:أي الوصية المتقابلة فيوصي كل مؤمن المؤمن الآخر، فالايصاء فعل مزدوج والإيصاء هنا إشارة إلى وظيفتنا تجاه الآخرين من أبناء المجتمع الحدث، فتوصي الآخر وتقبل وصيته لك.
الصبر:إذ بعد الإيمان قد يبرز عوائق وموانع وصعوبات ويتعرّض المؤمن للأذى، فلا بد له من الصبر ليقوى على الاستمرار خاصة وأن البقاء على الإيمان للعمل أصعب من العمل نفسه.
1-السيد الطباطبائي/ تفسير الميزان/ ج3، ص409.
2-محمد جواد مغنية، التفسير المبين، 821.
3-السيد الطباطبائي، المصدر السابق.
4-الشهيد مطهري، تفسير قصار السور.
5-راجع سورة البقرة الآيات: 27، 64، 121- وآل عمران: 85، 149- والنساء: 119- والمائدة: 5، 21، 30، 53- والأنعام: 12، 20، 31، 140-والأعراف:9، 23، 53.
6-الراغب الأصفهاني، شرح مفردات القرآن.
7-تفسير الفخر الرازي، ج32.
8-نهج البلاغة، الكلمات القصار، 47.
9-تحف العقول، ص361، كلمات الإمام علي الهادي.
10-الأعراف: 9.
11-الأنعام: 12.
12-الحج: 11.
13-الكهف: 103- 104.
14-العنكبوت: 57.
15-البقرة: 28.
16-مريم: 60.
17-الفرقان: 70.