بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمّد وآله الطاهرين.
إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات العزاء بشهادةِ العبد الصالح، الأمين العامّ لحزب الله سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، ونُبارك له نيلَه أرفعَ الأوسمة الإلهيّة، وسام الإمام الحسين (عليه السلام)، محقِّقاً أغلى أمانيه، ونُعزّي ونُبارك برفاقه الذين ارتقَوا معه شهداء على طريق القدس وفلسطين، وفي سبيل الله عزّ وجلّ.
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): للجنّة باب يُقال له: باب المجاهدين، يمضون إليه، فإذا هو مفتوح، وهم متقلِّدون بسيوفهم، والجمع في الموقف، والملائكة ترحِّب بهم»[1].
الدفاع أمرٌ فطريّ
إنّ الدفاع عن النفس من الأمور الفطريّة في الطبيعة البشريّة، وقد حكم العقل بحسنه وضرورته، وأقرّه الشارع المقدّس وأمر به، ورغّب في الثواب على فعله، وتوعّد بالعقاب على تركه؛ وذلك لما له من أهمّيّة قصوى في سعادة الإنسان ونهوض الأمم واستقرار المجتمعات.
فكما أودع الله تعالى في الإنسان شهوة الغذاء لحفظ البدن، كذلك أودع فيه قوّة الغضب، لينبعث إلى الدفاع عن نفسه، وعمّا يتعلّق به من المال والعرض ونحوه. فالدفاع في نظام الطبيعة أمر طبيعيّ ضروريّ لا محالة، وكما يحتاج الفرد إلى الدفاع عن منافعه ومصالحه، فكذلك الأمّة والمجتمع.
وجوب الدفاع عن البلاد الإسلاميّة
وإنّ الدفاع عن المسلمين والبلاد الإسلاميّة يُعَدّ من ضروريّات الفقه الإسلاميّ، بل يمكن القول بأنّ الدفاع عن النفس، والمال، والعرض، والوطن، والأرض، والشرف، والأمّة، والاستقلال، والسيادة... مقولة مقدّسة، يتّفق عليها البشر كافّة، فلم يحتكر الإسلام أمر الدفاع والمقاومة ضدّ المعتدين.
ولقد عدَّ القرآن الكريم الحياة البشريّة، وديمومة العقائد الدينيّة والأماكن المقدّسة رهناً لحسّ الدفاع الفطريّ عند بني البشر، فقال الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[2].
فلقد منح الله تعالى في هذه الآية إذناً بالحرب والجهاد لأولئك الذين مورست عليهم مظاهر الظلم والجور، وتفيد الروايات بأنّ شأن نزول الآية كان إخراج المسلمين من مدينتهم (مكّة) وديارهم، ومصادرة أموالهم من جانب المشركين، ما يعني أنّ مفهوم المظلوم في الآية شامل لكلّ من يخرج من بلده، ويُعتدى على ممتلكاته. وعليه، فإنّ محاربة العدوّ الغازي والمحتلّ حقّ مشروع للمظلومين.
الدفاع عن المسلمين في كلام الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)
ولقد كرّر الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، وفي مناسبات مختلفة، ضرورة الدفاع والجهاد ضدّ أعداء الإسلام والمسلمين، ففي عام 1987م، وفي كلمةٍ بجمعٍ من أعضاء شورى حزب الله - لبنان، قال:
«لقد اجتمع الشياطين برمّتهم، يريدون وقف تنامي الإسلام، وعلينا أن نعي بأنّ من الضروري أن نبقى على استعداد تام بكلّ قوانا، وحتّى آخر شخص منّا، ونجاهد في سبيل الله. إنّ الدفاع عن أعراض المسلمين وبلادهم أمر لازم، وعلينا أن نجّهز أنفسنا للأهداف الإلهيّة والدفاع عن المسلمين، ولا سيّما في هذه الأوضاع التي هبّ فيها أبناء فلسطين الإسلاميّة ولبنان -يعني حزب الله- والبلاد المغتصبة، يقدّمون أرواحهم ودماءهم صارخين: يا لَلمسلمين! ويبدون شهامة عظيمة في وجه السفّاكين. إنّ علينا أن نُعين هؤلاء، ونبيّن للناس أمرهم»[3].
وقد بيّن في خطاب آخر عظمة المجاهدين ومكانتهم، وأنّ الدنيا برمّتها أحقر من أن تكون ثمناً لعملهم العظيم: «إنّ الدنيا بكلّ بهارجها أحقر من أن تكون ثمناً تكريماً للمجاهدين في سبيل الله، وإنّ الجوهر الجميل لعمل المجاهدين في سبيل الله، أعظم من أن يُقاس بمعيار زخارف الدنيا»[4].
فضل الجهاد وأهمّيّته
إنّ المتأمّل في تاريخ الإسلام، يرى أنّ الله شرّع للمسلمين فريضة الجهاد في وجه مَن وقفوا في وجه الدعوة؛ للدفاع عن كيانهم ووجودهم -بعد أن يَئِس منهم- عن طريق الكلمة الطيّبة والموعظة الحَسَنة، وحثّهم على الجهاد والشهادة دون ذلك، أو دون أيّة محاولةٍ مِن الأعداء للنيل مِنهم، مُشيراً إلى أنّ الخير كلّه في السيف، أو تحت ظِلال السيوف. ونبّه المسلمين إلى عدم عَدِّه كرهاً؛ قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[5].
وقد بيّنت الشريعة عظم هذا العمل عند الله ومكانته السامية، فجاء في كتابه العزيز: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾[6]، وقال أيضاً: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾[7].
أمّا الروايات فقد استفاضت في بيان الأهمّيّة والفضل والآثار لهذا العمل العظيم، نذكر منها:
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما مِن خُطوة أَحبّ إلى الله مِن خُطوتيْن: خطوة يَسدّ بها مؤمنٌ صفّاً في سبيل الله، وخطوة يخطوها مؤمنٌ إلى ذي رَحِم قاطعٍ يَصِلها»[8].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، فَتَحَه اللَّه لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِه، وهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى، ودِرْعُ اللَّه الْحَصِينَةُ، وجُنَّتُه الْوَثِيقَةُ»[9].
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «فَرَضَ اللَّه الإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ... والْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلَامِ»[10].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «أتى رجلٌ رسولَ الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: إنّي راغبٌ نشيط في الجهاد. قال: فجاهِد في سبيل الله، فإنّك إن تُقتلْ كنتَ حيّاً عند الله تُرْزق، وإن مُتّ فقد وقعَ أجْرك على الله، وإنْ رجعْتَ خرجْتَ مِن الذنوب إلى الله»[11].
كما نقرأ في متون بعض الزيارات المأثورة، إقراراً منّا بِجهاد الأئمّة (عليهم السلام): «جاهَدَ فِيكَ المُنافِقِينَ وَالكُفَّارَ»[12]، «جاهدْتَ في الله حقَّ جهاده»[13]، «جاهدْتَ عدوّك»، وفي زيارات الأصحاب: «أشهد أنّكم جاهدْتُم في سبيل الله»[14]؛ فإنّ ذلك في الواقع ليس اعترافاً بِفضلهم وحَسْب، بل إنّه حُجّةٌ بالغة مِنهم علينا بِعدم جواز ترْك هذه الفريضة التي أعزّ الله بها دينه وأولياءه.
آثار تَرْك الجهاد
مضافاً إلى ما ورد من الحثّ على امتثال هذه الفريضة العظيمة وبيان فضلها وآثارها، ذكرت الروايات الآثار التي يمكن أن تترتّب على تركها، من الذلّ والفقر والهوان والبلاء على صعيد الدنيا، والحشر مع الجائرين والظالمين على صعيد الآخرة.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فمَن ترك الجهاد، ألبسه الله ذلّاً في نفسه، وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه؛ إنّ الله تبارك وتعالى أعزّ أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها»[15].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَمَنْ تَرَكَه رَغْبَةً عَنْه، أَلْبَسَه اللَّه ثَوْبَ الذُّلِّ، وشَمِلَه الْبَلَاءُ، ودُيِّثَ بِالصَّغَارِ والْقَمَاءَةِ، وضُرِبَ عَلَى قَلْبِه بِالإِسْهَابِ، وأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْه بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ، وسِيمَ الْخَسْفَ، ومُنِعَ النَّصَفَ»[16].
وعن الإمام الحسين (عليه السلام): «أيّها الناس، إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مُستحلّاً لِحُرَم الله، ناكثاً لِعهد الله، مخالفاً لِسُنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، يَعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يُغيِّر عليه بفعلٍ ولا قول، كان حقّاً على الله أن يُدخِله مدخَله»[17].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص2.
[2] سورة الحجّ، الآيتان 39 - 40.
[3] الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، صحيفة الإمام، ج20، ص487.
[4] المصدر نفسه، ج21، ص122.
[5] سورة البقرة، الآية 216.
[6] سورة النساء، الآية 95.
[7] سورة محمّد، الآية 31.
[8] الشيخ المفيد، الأمالي، ص11.
[9] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص69، الخطبة 27.
[10] المصدر نفسه، ص512، الحكمة 252.
[11] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج97، ص14.
[12] الشيخ عبّاس القمّيّ، مفاتيح الجنان، ص617.
[13] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، ص738.
[14] الشيخ المفيد، المقنعة، ص470.
[15] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص673.
[16] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص69، الخطبة 27.
[17] الطبريّ، تاريخ الطبريّ، ج4، ص304.