الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتالصبر ببركة معارف أهل البيت (عليهم السلام)رسالة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) إلى المؤتمر الوطنيّ الحادي والثلاثين للصلاةخيرُ الدنيا والآخرةِ

العدد 1649 29 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 31 كانون الأول 2024 م

المؤمنُ أصلبُ من الجبل

العدد 1648 22 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 24 كانون الأول 2024 م

اغتنموا أيّام الله

بابُ المعروفِكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من النساء من أرجاء البلادكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع مدّاحي أهل البيت (عليهم السلام) وشعرائهم، في ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزّهراء (سلام الله عليها)الصبر في العمل
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1649 29 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 31 كانون الأول 2024 م

المؤمنُ أصلبُ من الجبل

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيدنا الأسمى سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك بحلول شهر رجب الأصبّ، وبذكرى ولادة الإمامَين الباقر والهادي (عليهما السلام) في الأوّل والثاني منه، كما نرفع أسمى آيات العزاء بذكرى شهادة الإمام الهادي (عليه السلام) في الثالث من هذا الشهر الشريف، وذكرى استشهاد الحاجّ قاسم سليماني (رضوان الله عليه).
 
جاء في الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) يصف المؤمن، فيقول: «المؤمن أصلب من الجبل؛ الجبل يُستقَلُّ منه، والمؤمن لا يُستقَلُّ من دينه شيء»[1].

الاختبار سنّة إلهيّة
إنّ الاختبار والامتحان سنّة إلهيّة جارية على الناس في حياتهم الدنيويّة، وهي حقيقة أشار إليها القرآن في مواضع عديدة من آياته الكريمة، قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾[2]، و«الفتنة» في الأصل هي وضع الذهب في النار لمعرفة مقدار خلوصه، والكشف عن درجة جودته وأصالته، وقيل: وضعه في النار لتطهيره من الشوائب، ثمّ أُطلق هذا التعبير على كلّ امتحان ظاهريّ ومعنويّ.

سبب الاختبار
وإنّ أوّل ما يتبادر إلى الذهن في هذا المجال هو السبب في وقوع الاختبار من قبل الله تعالى؛ إذ إنّنا نقوم كبشرٍ باختبار الآخرين لنعلم ما نجهله عنهم، فهل يحتاج الله سبحانه إلى مثل هذا الاختبار لعباده، وهو العالم بالخفايا والأسرار وما تُكنّه الصدور؟!
ممّا لا شكّ فيه أنّ مفهوم الاختبار الإلهيّ يختلف عن الاختبار البشريّ، فاختباراتنا تستهدف رفع الإبهام والجهل، وتحصيل العلم والمعرفة؛ أمّا الاختبار الإلهيّ فهدفه تربية الإنسان، وإيصاله إلى الكمال، بإخراج الدفائن المكنونة فيه، من أجل تفجير طاقاته، وتطوير قابليّاته، ونقلها من القوّة إلى الفعل.

وهو يشبه عمل زارعٍ خبير، ينثر البذور الصالحة في الأرض الصالحة، كي تستفيد هذه البذور من مواهب الطبيعة، وتبدأ بالنموّ، ثمّ تصارع هذه البذرة الصعاب تدريجيّاً، وتقاوم الحوادث المختلفة، من رياح عاتية وبرد قارس وحرّ شديد، لتخرج بعد ذلك نبتةً مزهرةً أو شجرةً مثمرة.

ويقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان سبب الاختبارات الإلهيّة: «ولَكِنَّ اللَّه يَخْتَبِرُ عِبَادَه بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، ويَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ، ويَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِه إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ»[3].

عموم الاختبار
ونظام الحياة في الكون نظام تكامل وتربية، والموجودات الحيّة فيه تطوي مسيرة تكاملها. من هنا، فإنّ كلّ البشر، حتّى الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، مشمولون بقانون الاختبار الإلهيّ كي تنجلي قدراتهم.

الامتحانات تشمل الجميع، وإن تفاوتت واختلف شدّتها، وبالتالي تختلف نتائجها أيضاً، يقول سبحانه: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾[4].

والقرآن الكريم يعرض بعضاً من نماذج اختبارات الأنبياء (عليهم السلام)، إذ يقول: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾[5]، ويقول في موضع آخر بشأن اختبار النبيّ سليمان (عليه السلام): ﴿فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾[6].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ، وَإِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ؛ لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ»[7].

طرق الاختبار
إنّ اختبار الله تعالى للناس متنوّع ومتعدّد، ولا يقتصر على الجانب السلبيّ، بل ثمّة امتحان للناس في الجوانب الإيجابيّة، يقول تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾[8].

يُروى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مرض، فعاده قوم، فقالوا له: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فقال: أصبحت بِشَرّ، فقالوا له: سبحان الله، هذا كلام مثلك؟! فقال: «يقول الله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾؛ فالخير الصحّة والغنى، والشرّ المرض والفقر، ابتلاءً واختباراً»[9].

وعنه (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ﴾[10]: «ومَعْنَى ذَلِكَ أَنَّه يَخْتَبِرُهُمْ بِالأَمْوَالِ والأَوْلَادِ؛ لِيَتَبَيَّنَ السَّاخِطَ لِرِزْقِه والرَّاضِيَ بِقِسْمِه»[11].

إذاً، فالامتحانات الإلهيّة تأتي بصور مختلفة، وأشكال متنوّعة؛ فالجماعة الذين يعيشون في محيط ملوَّث بالمفاسد، والوساوس تحيط بهم من كلّ جانب، فإنّ امتحانهم الكبير هو في أن لا يتأثّروا بذلك، وأن يحفظوا أصالتهم ونقاءهم.

والجماعة الذين يعيشون تحت ضغط الحرمان والفقر، ويرَون أنّ ثمن تخلّصهم من ذلك هو فقدانهم للإيمان والتقوى والكرامة والحرّيّة والشرف، فهنا يكمن امتحانهم.

والجماعة الذين يعيشون حالات الحرب والخوف والقتل والجراحات والدمار، فإنّ امتحانهم في صبرهم وصمودهم أمام الأهوال، وثباتهم على الحقّ كالجبال الراسية، بل أشدّ رسوخاً.

وجماعة آخرون على عكس أُولئك، غرقى في اللذائذ والنعم، والإمكانات المادّيّة متوفّرة لديهم من كلّ جانب، ترى هل يؤدّون في مثل هذه الظروف الشكر على النعم، وينفقون ممّا أفاض الله عليهم، أم يغرقون في اللذائذ والغفلة وحبّ الذات والأنانية؟
وعلى حدّ تعبير أمير المؤمنين (عليه السلام): «والَّذِي بَعَثَه بِالْحَقِّ، لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، ولَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، ولَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ، وأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ»[12].

من عوامل التزلزل
وإنّ من العوامل الأساس لتزلزل المرء في الاختبارات الإلهيّة، والتي تسبّب ضعف القلب، حبّ الدنيا ونسيان الآخرة، ولطالما حذر الإسلام من هذا الداء، قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾[13]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «حبّ الدنيا رأس الفتن ورأس المحن»[14]، وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): ««حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة»[15].

من عوامل الثبات
وإنّ من عومل الثبات والصمود والنجاح في الاختبارات الإلهيّة أمور، منها:

1. العلم والمعرفة واليقين
على الإنسان المؤمن أن لا يكتفي بما عليه من الإيمان والمعرفة واليقين، بل عليه أن يزيد من معرفته، فيزداد تفقّهاً في الدين، لكي يسير على بصيرة من أمره ولا تمرّ عليه الشبهات، ولا يسقط في الامتحان.

سُئل الإمام الرضا (عليه السلام) عن قول الله لإبراهيم (عليه السلام): ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾[16]، أكان في قلبه شكّ؟ قال (عليه السلام): «لا، كان على يقين، ولكنّه أراد من الله الزيادة في يقينه»[17].

2. إخلاص النيّة
وهذا في غاية الأهمّيّة، ولا بدّ من توفّره لكي تكون العاقبة خيراً، فإنّ من يفقد سلامة القلب وصلاح النيّة وخلوصها لخالقه عزّ وجلّ، يبقى الخطر محدقاً به.

3. التأسّي
بالأنبياء (عليهم السلام) وبرسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وأولياء الله، وما تحمَّلوه وصبروا عليه من بلاءات الدنيا، فبذلك تهون علينا البلاءات والتحدّيات، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرً﴾[18].

4. المراقبة الدائمة
إنّ الثبات عند الترغيب أو الترهيب يحتاج منّا إلى المراقبة الدائمة لنفوسنا وأعمالنا، فلنراقب قلوبنا وسلوكنا ودرجة ورعنا عن محارم الله، ولنُشعِر أنفسنا دائماً بهذا الخطر، فلنكن مؤمنين حقّاً؛ لأنّ «المؤمن أصلب من الجبل؛ الجبل يُستقَلُّ منه، والمؤمن لا يُستقَلُّ من دينه شيء»، هكذا أوصانا إسلامنا، وهكذا أوصانا الإمام الباقر (عليه السلام).


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص241.
[2] سورة العنكبوت، الآيتان 2 - 3.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص294، الخطبة 192.
[4] سورة العنكبوت، الآية 2.
 [5]سورة البقرة، الآية 124.
[6] سورة النمل، الآية 40.
[7] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص199، الخطبة 143.
[8] سورة الأنبياء، الآية 35.
[9] قطب الدين الراونديّ، الدعوات، ص168.
[10]سورة الأنفال، الآية 28.
[11] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص484، الحكمة 93.
[12] المصدر نفسه، ص57، الخطبة 16.
[13] ( آل عمران: 185 )
[14] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص231.
[15] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص131.
[16] سورة الأنعام، الآية 75.
[17] البرقيّ، المحاسن، ج1، ص247.
[18] سورة الأحزاب، الآية 21.

31-12-2024 | 21-16 د | 155 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net