الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقبات

العدد 1651 13 رجب 1446 هـ - الموافق 14 كانون الثاني 2025م

لا تمحو ذكرنا

﴿لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمعٍ من أهالي مدينة قمّ، بمناسبة ذكرى «19 دي» في حسينيّة الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه) مقتطفٌ من كلام الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في مجلس العزاء لذكرى استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام) التسليمُ بابُ قضاءِ الحوائجِمراقبات

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1651 13 رجب 1446 هـ - الموافق 14 كانون الثاني 2025م

لا تمحو ذكرنا

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على خير خلقه محمّد، وآله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيدنا الأسمى سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات العزاء بذكرى وفاة السيّدة زينب (عليها السلام)، في الخامس عشر من شهر رجب، عام 62 للهجرة.

عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) لعمّته زينب (عليها السلام): «... وأنتِ -بحمدِ اللهِ- عالمةٌ غيرُ معلَّمة، فهِمةٌ غيرُ مفهَّمة، إنّ البكاءَ والحنينَ لا يردّانِ مَنْ قدْ أبادَهُ الدهرُ!»[1].

إنّ حقائق الناس ومعادنهم، إنّما تتجلّى وتظهر في أوقات المحن والأزمات، وتحت ضغط المعاناة والمكابدة للمشاقّ ومواجهة الصعوبات.

ولَئن كانت الأزمات، بما تأتي به من شدّة وعنف أحياناً، تتسبّب بالكثير من المعاناة النفسيّة والضغوط المعنويّة، مضافاً إلى الجسديّة والمادّيّة، فإنّها تشبه القِدر الذي تغلي فيه العواطف والمشاعر، وتنصهر بناره النفوس في كافّة أبعادها وما تحمل من مبادئ وقِيم، على وقع ما تثيره من توتّرات وتهديدات وأخطار، تؤدّي إلى اختلاط الأمور وتداخلها، وتشوّش الرؤى، وتزلزل النفوس، ممّا قد ينعكس تذبذباً في المواقف وتراجعاً عن المبادئ.

وقد أشار الله تعالى في كتابه الكريم إلى نوع خاصّ من الناس، هم المجاهدون الصابرون الصامدون الثابتون المضحّون، إذ يقول تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[2]؛ فالتنويه الإلهيّ في هذه الآية السابقة يشير إلى أنّ هؤلاء الصادقين من صفاتهم الثبات وعدم التبديل؛ لا في القناعات، ولا في المعتقدات، ولا في الآراء، ولا في الرؤى، ولا في المواقف.

فالأزمات والمحن هي المحكّ الذي يُحكُّ به الناس لتظهر حقائقهم ومعادنهم، وبه يُعلَم الجوهر من الحجر، وخصوصاً في تحمّل المسؤوليّة والثبات تحت صرير أنياب النكبات والمآسي، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الناس معادن، كمعادن الذهب والفضّة»[3].

وإنّ من أهمّ النماذج التي تُذكر في هذا المجال، وينبغي أن يُدرس ويُعلَّم للأجيال، هو السيّدة زينب (عليها السلام).

السيّدة زينب (عليها السلام) في مواجهة الأخطار
لا شكّ في أنّ السيّدة زينب (عليها السلام) قد تحمّلت في نهضة أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته مسؤوليّات جسام، وأُوكلت إليها مهام عدّة، قبل المسير إلى كربلاء، وفي كربلاء، وبعد الواقعة الأليمة؛ وذلك من موقع المعاضدة لإمام زمانها. ولكن، إنّ أهمّ ما واجهته السيّدة زينب (عليها السلام) من أخطار أمران:

الأوّل يتعلّق بالإسلام الذي جاء به رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد عبّر الإمام الحسين (عليه السلام) عن هذا الخطر، وذلك عندما طلب منه مروان بن الحكم البيعة ليزيد قائلاً: إنّي آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين، فإنّه خير لك في دينك ودنياك، فاسترجع الإمام (عليه السلام)، وردّ عليه قائلاً: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام، إذ قد بُلِيت الأمّة براعٍ مثل يزيد»[4].

والثاني هو تعرّض بيت النبوّة لتهديد كبير، يتمثّل في مسارَين: الأوّل العمل على طمس نور الإمامة وإغلاقه كبابِ هداية؛ أي ضرب الإمامة فكراً وعقيدة. والثاني العمل على اجتثاث هذا النور بشكل كامل؛ بمعنى الإجهاز على السلالة بالقتل.

إنّ هذين الأمرَين كانا الخطرَين الأساسيَّين في ما واجهته السيّدة زينب (عليها السلام)؛ هذا فضلاً عن الأخطار الأخرى التي تأتَّت عن حوادث الطفّ، ممّا يتعلّق بالنساء والأيتام ومعاناة السبي وشماتة الشامتين وسياط الجلّادين وغير ذلك من الأذى والاضطهاد.

زينب (عليها السلام) في المواجهة
لقد أعلن الإمام الحسين (عليه السلام) لبني هاشم عن نتيجة قيامه ونهوضه في مواجهة الطاغية، فقال في رسالة موجّهةٍ إليهم: «أمّا بعد، فإنّه مَن لحق بي استشهد، ومَن تخلّف عنّي لم يبلغ الفتح، والسلام»[5]، فالنتيجة هي شهادة مَن التحق به في نهضته المباركة، ولكن ثمّة نتيجة أخرى لمَن تخلّف عن الالتحاق بالركب الحسينيّ، ألا وهي عدم بلوغ ما يتمنّاه من فتوح الدنيا والتمتّع بها.

إلّا أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أشار إلى أنّ تحقّق أهداف الثورة والقيام والنهوض له ثمنان، أو بعبارة أخرى له تدبيران إلهيّان، عبّر عنهما بقوله عندما سُئل عن خروجه عاجلاً، فقال: «أتاني رسول الله (صلّى الله عليه وآله)... فقال: يا حسين، اخرج، فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً»، ولمّا سُئل عن حمل النساء معه، قال (عليه السلام): «إنّ الله قد شاء الله أن يراهنّ سبايا»[6].

فالركن الأوّل لتحقيق الأهداف ومواجهة الأخطار هو جهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وصحبه واستشهادهم يوم العاشر من المحرّم، والركن الثاني من التدبير الإلهيّ لتُؤتي النهضة أكلها، وتُنتج ثمرها، هي تحمّل زينب (عليها السلام) والنساء والأطفال السبي ومواجهة الظالمين.

فقائد المواجهة العسكريّة في ساحات كربلاء هو الإمام الحسين (عليه السلام)، وقائد المواجهة الجهاديّة في قصور الظالمين ومسار السبي هي زينب (عليها السلام)؛ وبنجاحها في هذه القيادة يكتمل النجاح للثورة الحسينيّة.

علم وشجاعة وبيان
وإنّ المنصب القياديَّ الذي تبوّأته السيّدة زينب (عليها السلام) في المسيرة الحسينيّة، اقتضى أن تحمل صفاتٍ تؤهّلها للنجاح فيها، إذ لا يستطيع أن يتحمّلها إلّا من كان معصوماً أو قريباً من ذلك، وهذا ما أشار إليه الإمام زين العابدين (عليه السلام) بقوله لها: «وأنتِ -بحمدِ اللهِ- عالمةٌ غيرُ معلَّمة، فهِمةٌ غيرُ مفهَّمة».

وكذلك الشجاعة التي ورثتها من أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام)، والبيان الذي لا يقلّ عن بيان أبيها سيّد البلغاء، ولذا قال فيها حذلم بن ستير (بشير) عندما سمعها: ولم أرَ -والله- خفرة قطّ أنطق منها، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأصوات. ثمّ وصف أثر كلامها فيهم، فقال: فرأيت الناس حيارى، قد ردّوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخاً قد بكى حتّى اخضلّت لحيته، وهو يقول:
كهولُهُم خيرُ الكهولِ ونسلُهُم *** إذا عُدَّ نسلٌ لا يخيبُ ولا يَخزى[7]

هذا مضافاً إلى التربية الخاصّة التي حظيت بها من أبيها وأمّها، وكذلك الظروف والمحن التي كابدتها قبل عاشوراء بما أهّلها لتحمّل ما حملته في ذلك الظرف.

نتيجة التصدّي والمواجهة
ثمّ إنّ السيّدة زينب (عليها السلام) أعلنت نتيجة المواجهة وبيّنتها، وذلك عندما قالت ليزيد (لعنه الله): «كِد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا»؛ فالبيت الهاشميّ ونبوّته والإمامة باقية، والإسلام المرموز إليه بالوحي باقٍ، وأمّا الباغي فله عكس ما أمّل: «ولا ترحض عنك عارها»[8].

عندما يكون الدافعُ إسلاميّاً
نعم، لقد تحمّلت زينب (عليها السلام) المسؤوليّة ونجحت، فكانت عند حسن ظنّ ربّها عندما قبلت أن تعاني في طريق الحقّ وفي سبيل الله، قابلة وراضية بالمشيئة الإلهيّة.

بل أكثر من ذلك، لقد عبّرت (عليها السلام) عن ذلك بقولها: «ما رأيت إلّا جميلاً»؛ وما ذلك إلّا لأنّ كلّ ما حصل كان في سبيل الله تعالى، وسعياً في مرضاته.

ونحن في مواجهتنا للاستكبار العالميّ، إنّما ندافع عن هذا الدين المحمّديّ الأصيل، ندافع عن الإسلام والمسلمين، والشهادة في سبيل ذلك تكون جميلةً، وتكون فوزاً عظيماً.

يقول الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه): «إنّ شبابَنا يسارعون الى الجبهة والشهادة بكلّ اندفاعٍ واشتياق، ويرَون الشهادة فوزاً عظيماً. هذا الفوز العظيم لا ينشأ من القتل، إنّ خصومَنا يُقتَلون أيضاً، بل ينشأ من أنّ الدافعَ إسلاميٌّ وربّانيّ. عندما يصبح الدافعُ هو الإسلام يشعر الإنسان باللذّة لا الحسرة»[9].

لقد ظهرت في محنتنا هذه، وفي هذه الحرب مع العدوّ الإسرائيليّ، المعادن الأصيلة للمجاهدين المقاومين الذين استبسلوا في الدفاع والمواجهة وصدّ العدوان، ومنع العدوّ من تحقيق أهدافه، برغم الضربات القاسية وغير المسبوقة التي تعرّضنا لها، ولو تعرّض لها آخرون لسُحِقوا. وهذا إنّما يدلّ على عمق إيمانهم وعقيدتهم الراسخة والثابتة والتي لا تتبدّل ولا تهتزّ، كما يدلّ على الشجاعة والصلابة وقوّة البأس، وهذا ممّا تعلّموه من مدرسة كربلاء الحسين وزينب (عليهما السلام)، وتربَّوا عليه تحت منبر سيّد شهداء الأمّة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه) ومَن معه من العلماء والقادة، وممّن سبقهم، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدّلوا تبديلاً.


[1] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج2، ص31.
[2] سورة الأحزاب، الآية 23.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص177.
[4] ابن أعثم الكوفيّ، الفتوح، ج5، ص17.
[5] الطبريّ، دلائل الإمامة، ص188.
[6] ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص40.
[7] الشيخ المفيد، الأمالي، ص323.
[8] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج45، ص135.
[9] صحيفة الإمام (قُدِّس سرّه)، ج‏20، ص171.

15-01-2025 | 15-46 د | 88 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net