الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
عيد الفطر، انتصار الروح وتجسيد القِيَم

العدد 1661 24 شهر رمضان 1446 هـ - الموافق 25 آذار 2025م

عَزَّ عَلَيْنَا فِرَاقُه

يومُ جبهةِ الحقِّنداء الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) بمناسبة بدء العام 1404 هجريّ شمسيّالأمل وقضيّة فلسطينمراقباتالوحدة تعني التأكيد على المشتركاتوَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَمراقبات

العدد 1636 28 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 02 تشرين الأول 2024 م

والْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلَامِ

من نحن

 
 

 

التصنيفات
عيد الفطر، انتصار الروح وتجسيد القِيَم
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة في هذا اليوم المبارك، عيد الفطر السعيد.


عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اللهُ صِيَامَهُ وشَكَرَ قِيَامَهُ، وكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّه فِيه فَهُوَ عِيدٌ»[1].

يستند مفهوم العيد في الروايات والأحاديث إلى معنى عميق في الفلسفة الإسلاميّة، إذ يربط بين العبادة والهدف من الحياة؛ فالعيد في هذا السياق ليس مجرّد مناسبة دوريّة أو يوم احتفال تقليديّ، بل هو كلّ لحظة يعيشها الإنسان بعيداً عن معصية الله تعالى، منتصراً على نفسه، وعلى شهواته، وعلى الشيطان الذي يريد غوايته وضلاله وحرفه عن الصراط المستقيم.

إنّ الأيّام التي يحقّق فيها الإنسان الانتصار على غرائزه وشهواته هي الأعياد الحقيقيّة؛ إذ إنّه بتقواه وابتعاده عن المعاصي، يكون قد حرّر نفسه من قيود الشيطان، وأصبح أقرب إلى الله، وأكثر تجرّداً من الكبرياء والأنانيّة. وهذا الانتصار اليوميّ ليس سهلاً؛ بل هو نضال وجهاد مستمرّ، يحتاج إلى القوّة والإرادة والعزيمة الصادقة، ومن هنا كان جهادُ النفس الجهادَ الأكبر.

ومن هذا المنطلق، يُمكن فهم العيد ليس كحدث خارجيّ فقط، بل كعمليّة داخليّة، تتحقّق في كلّ لحظة يتغلّب فيها المسلم على نفسه، ويمضي في طريق التقوى، بحيث يصبح كلُّ يوم لا يعصي فيه الإنسان ربّه، يومَ عيد.

عيد الفطر
وإنّ عيد الفطر يأتي عقيب شهر الصيام، ليكون يوم إعلان النجاح والفوز بعد الجهود التي بذلها المسلم في شهر رمضان في مجال تربية النفس وتطهيرها، والابتعاد عن الشهوات والذنوب، والتقرّب إلى الله عبر العبادة والطاعات.

في شهر رمضان يمتنع المسلم عن تناول الطعام والشراب، ويتجنّب الكثير من المعاصي والآثام، من كذب وغيبة ونميمة وغيرها... هذا الامتناع عن الملذّات والشهوات ليس فقط بهدف الصوم الجسديّ المادّيّ، بل هو وسيلة لتربية النفس وتهذيبها. وعليه، فإنّ عيد الفطر يمثّل يوم إعلان النجاح في الانتصار على الشياطين والنفس الأمّارة بالسوء، فعن الإمام الرضا (عليه السلام) في بيان علّة الأمر بالصوم: «فيستوجب الثواب، مع ما فيه من الانكسار عن الشهوات؛ وليكون ذلك واعظاً لهم في العاجل، ورائضاً لهم على أداء ما كلّفهم»[2].

في هذه المرحلة، يتمكّن المسلم من تقوية قواه الروحيّة، واكتساب القدرة على مقاومة الإغراءات والضغوطات التي قد تؤثّر عليه في حياته اليوميّة. إنّه يوم يعبّر عن تحقيق توازن بين الجسد والروح، وبين الدنيا والآخرة. وعلى هذا النحو، يصبح عيد الفطر تتويجاً لهذا النجاح في ضبط النفس.

وبعد انتهاء شهر رمضان، يصبح لدى المؤمن زاد من الروحانيّات والتقوى التي ينبغي أن تكون دافعاً له للاستمرار في العيش وفقاً لتعاليم الله؛ فعيد الفطر ليس نهاية لمسيرة الإنسان الروحيّة في شهر الله، بل هو بداية لمواصلة الجهد في تهذيب النفس والابتعاد عن المعاصي وتحقيق التقوى. وهو فرصة للتأكيد على أنّ الطريق إلى الله يتطلّب الاستمرار في العمل الصالح، وأنّ روح شهر رمضان يجب أن تستمرّ في الحياة اليوميّة للمؤمن بعد العيد، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «واعلموا عبادَ الله، أنّ أدنى ما للصائمين والصائمات، أن يناديَهم ملكٌ في آخر شهر رمضان: أبشروا عبادَ الله، فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون في ما تستأنفون»[3].

البعد الاجتماعيّ للعيد
أيّها الأحبّة، إنّ العيد ليس فرحةً فرديّةً فقط، بل هو مناسبةٌ اجتماعيّةٌ عظيمة، تجسّد معاني التراحم والتكافل بين المسلمين؛ فمن معاني دعاء العيد: «اللَّهُمَّ... أَهْلَ الجُودِ وَالجَبَرُوتِ، وَأَهْلَ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ»، أنّ الله سبحانه وتعالى يريد منّا أن نتحلّى بهذه الصفات، بالجود والكرم في عطائنا، بالرحمة والعفو في تعاملنا وعلاقاتنا.

في يوم العيد، ثمّة حثّ على صلة الأرحام، وزيارة الأقارب، ومساعدة الفقراء؛ لأنّ العيد عيد لمن مدّ جسور التواصل مع من قاطعنا، ولمن أفرح قلوب المحتاجين، وأدخل السرور إلى بيوت الفقراء، وقد ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام): «إنّما جعل يوم الفطر العيد ليكون للمسلمين مجتمعاً يجتمعون فيه، ويبرزون لله عزّ وجلّ، فيمجّدونه على ما منّ عليهم، فيكون يوم عيد، ويوم اجتماع، ويوم فطر، ويوم زكاة، ويوم رغبة، ويوم تضرّع»[4].

الصبر والصمود في مواجهة التحدّيات
أيّها الإخوة والأخوات، نعيش اليوم في ظروف صعبة، سواءٌ على الصعيد الاقتصاديّ أو على الصعيد العسكريّ والأمنيّ في ما يرتبط بالصراع مع الكيان الغاصب، وهذا يتطلّب منّا التحلّي بالوعي والبصيرة والصبر والثبات. ولكنّ الصبر لا يعني الاستسلام، بل يعني السعي والعمل برغم المصاعب والعقبات، كما كان يفعل أئمّتنا (عليهم السلام).

لنتأمّل صبر الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء مع أصحابه، وكيف واجه أعظم المحن بثبات ورباطة جأش، وكيف خاطب أصحابه عندما اشتدّ الأمر عليهم، وتغيّرت ألوانهم، وارتعدت فرائصهم، ووجبت قلوبهم، مبيّناً لهم حقيقة الموت في عقيدتنا، وأنّه لا يرعبنا ولا يخيفنا، بل إنّما هو انتقال من سجنٍ إلى قصر، قال (عليه السلام): «صبراً بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة، تعبر بكم عن البؤس والضرّاء، إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر، وما هو لأعدائكم إلّا كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب. إنّ أبي حدّثني عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم، وجسر هؤلاء إلى جحيمهم، ما كَذَبْتُ ولا كُذِّبْتُ»[5].

إنّ الصبر ليس مجرّد احتمال للألم، بل هو ثقة بوعد الله، وسعي لتغيير الواقع إلى الأفضل. والصبر لا يعني التراخي وانتظار الفرج من دون عمل، بل هو الصمود والسعي والإصلاح، كلٌّ في موقعه.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الصبر مقاومة الإنسان السالك طريق تكامله، وعدم استسلامه للعوامل المانعة من هذا السلوك»[6].

وشهر رمضان المبارك خير مدرسة لتعلّم الصبر، إذ يتحمّل المؤمن الجوع والعطش، ويمتنع عن المفطّرات، ولكنّه يدرك أنّ هذا الصبر هو طريق ارتقائه الروحيّ وباب تهذيب النفس وترويضها. وهكذا هو الصبر في الحياة أيضاً، لا بدّ من أن يكون دافعاً للجدّ والاجتهاد والصمود، لا للكسل واليأس والإحباط.

وفي عمليّة المواجهة مع الكيان الغاصب، نحن نؤمن بأنّه صراع بين الحقّ والباطل، وأنّنا من أنصار الحقّ، وأنّ الثبات على الحقّ في عمليّة المواجهة يحتاج إلى صبر، وإذا استطاع الإنسان أن يصبر ويصمد، فإنّ ذلك سيؤدّي إلى اضمحلال جبهة الباطل في النهاية.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «في مواجهة المشكلات والعقبات الطبيعيّة وكافّة الموانع التي تقف بوجه الإنسان في كلّ تحرّكاته نحو الكمال، إذا لم ينفد الصبر فسوف تنفد تلك العقبات وتتفتّت؛ هذا هو معنى الإسلام منتصر، وهذا هو معنى ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾[7]، جند الله، حزب الله، عباد الله، يقفون بارتباطهم بذلك المعين الأبديّ أمام كلّ المشكلات التي قد تقهر الإنسان. حين يكون ثمّة صمود وثبات في هذه الجهة، سيكون هنالك زوال واضمحلال في الجهة الأخرى طبعاً»[8].

نسأل الله سبحانه وتعالى في هذا اليوم المبارك أن يجعلنا من الصابرين المحتسبين، وأن يفرّج عن المكروبين، وأن يصلح أحوال المسلمين في كلّ مكان، وأن ينصرنا على عدوّنا، ويعجّل فرج وليّنا، آمين ربّ العالمين.

اللهمّ اجعل عيدنا هذا عيد رحمةٍ ومغفرة، واجعلنا من أهل العفو والصفح، ومن عبادك المتحابّين المتآخين. اللهمّ ارزقنا صبراً كصبر أنبيائك، وثباتاً كثبات أوليائك، وعزيمةً كعزيمة عبادك الصالحين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص551، الحكمة 428.
[2] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج2، ص123.
[3] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص160.
[4] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص522.
[5] الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص289.
[6] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 09/09/2008م.
[7] سورة الصافّات، الآية 173.
[8] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 09/09/2008م.

30-03-2025 | 17-06 د | 63 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net