الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1665 23 شوال 1446 هـ - الموافق 22 نيسان 2025م

هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ

فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع كبار مسؤولي السلطات الثلاث في البلادالبصيرة تحتاج إلى عزم وإرادةمراقباتمُؤَاخَاةُ اَلْأَتْقِيَاءِمراقباتأَبْشِرُوا عِبَادَ اَللَّهِمراقباتيومُ جبهةِ الحقِّ
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1665 23 شوال 1446 هـ - الموافق 22 نيسان 2025م

هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الذي هدانا بولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وأرشدنا إلى طريقهم القويم، فجعلهم سُفن النجاة، ومصابيح الظلمات، ومعادن الحِلم، ومواضع الرسالة. نحمده تعالى على ما أولانا من النعم، ونستعينه على ما امتحننا به من الطاعة والعبادة، ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه صلاةً دائمةً ما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات العزاء بذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)، في الخامس والعشرين من شهر شوّال، سنة 148 للهجرة.

كما نرفع أسمى آيات التبريك بذكرى ولادة السيّدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، في الأوّل من شهر ذي القعدة، سنة 173هـ.

أيّها الأحبّة،
إنّ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لم تكن يوماً مشروعاً فكريّاً منفصلاً عن الحياة، بل كانت -ولا تزال- منهجاً عمليّاً يُراد له أن يُترجم في السلوك، وأن يظهر في العلاقات والمعاملات، وأن يكون لسان حال كلّ من ينتمي إليهم صدقاً. ومن هنا جاءت وصاياهم زاخرة بالقيم، مشبعة بالروح الإيمانيّة، دقيقة في رسم ملامح الإنسان الرساليّ.

ومن أَنصع هذه الوصايا، ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في رسالته الخالدة إلى زيد الشحّام، حيث لخّص فيها صفات الشيعيّ الحقيقيّ، وحدّد مسؤوليّاته في مجتمعه، وأظهر كيف يكون المرء زينةً لأهل البيت (عليهم السلام)، لا شيناً عليهم.

عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنّه أوصى صاحبه زيد الشحّام، فقال: «اقْرَأْ عَلَى مَنْ تَرَى أَنَّه يُطِيعُنِي مِنْهُمْ ويَأْخُذُ بِقَوْلِيَ السَّلَامَ، وأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ، والْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ، والِاجْتِهَادِ لِلَّه، وصِدْقِ الْحَدِيثِ، وأَدَاءِ الأَمَانَةِ، وطُولِ السُّجُودِ، وحُسْنِ الْجِوَارِ، فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله)»[1].

تُجسّد هذه الوصيّة ميثاقاً أخلاقيّاً وسلوكيّاً لأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)؛ إذ تؤكّد أنّ الولاء الحقيقيّ للإمام لا يُقاس بكثرة الادّعاء، بل بما يترجمه الإنسان في سلوكه من طاعة وامتثال لنهجهم المبارك.

أيّها الأحبّة،
يبدأ الإمام الصادق (عليه السلام) وصيّته بالسلام والتحيّة على مَن يطيعه من الناس، فيقول: «اقْرَأْ عَلَى مَنْ تَرَى أَنَّه يُطِيعُنِي مِنْهُمْ ويَأْخُذُ بِقَوْلِيَ السَّلَامَ»؛ أي إنّ الإمام (عليه السلام) يربط التحيّة والدعاء بالسلام بمَن يُظهِر الطاعة لنهجه وتعاليمه، ممّا يدلّ على أنّ الولاء القلبيّ لا يكفي، بل لا بدّ من الطاعة العمليّة، يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾[2].

لقد شدّد الإمام (عليه السلام) على أساسيّات الدين العمليّ، فبدأ بعد السلام بالوصيّة بتقوى الله والورع في الدين: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ، والْوَرَعِ فِي دِينِكُمْ، والِاجْتِهَادِ لِلَّه»؛ والتقوى هي الخوف من الله تعالى، والعمل بما أمر به، وترك ما نهى عنه؛ أي إنّها الالتزام الداخليّ بالشريعة الإسلاميّة، والنابع عن قناعة تامّة تدفع بصاحبها إلى العمل والطاعة، ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾[3]. والورع درجة أعلى من التقوى؛ إذ إنّه يعني الامتناع حتّى عن الشبهات والمكروهات، خشية الوقوع في الحرام، أو خشية التلطّخ بما لا يليق بمقام المؤمن الصادق. ومضافاً إلى ذلك، ينبغي على المؤمن أن يبذل الجهد في الطاعة لله، بعيداً عن الرياء وطاعة الهوى، يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[4].

أيّها الإخوة المؤمنون،
إنّ من أهمّ ما أكّدته هذه الوصيّة المباركة هو: «صدق الحديث وأداء الأمانة». فالصدق والأمانة ليسا مجرّد صفات أخلاقيّة، بل هما معيار الانتماء الحقيقيّ لأهل البيت (عليهم السلام)، وقد قال الله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾[5]، وقال أيضاً: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾[6].

وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «لَا تَغْتَرُّوا بِصَلَاتِهِمْ ولَا بِصِيَامِهِمْ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا لَهِجَ بِالصَّلَاةِ والصَّوْمِ حَتَّى لَوْ تَرَكَه اسْتَوْحَشَ، ولَكِنِ اخْتَبِرُوهُمْ عِنْدَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وأَدَاءِ الأَمَانَةِ»[7].

ثمّ يضيف الإمام (عليه السلام) في وصيّته: «أَدُّوا الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلَيْهَا بَرّاً أَوْ فَاجِراً؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه (صلّى الله عليه وآله) كَانَ يَأْمُرُ بِأَدَاءِ الْخَيْطِ والْمِخْيَطِ».

فالأمانة عند أهل البيت تشمل الجميع، حتّى غير المؤمن، فالإمام لا يرضى بأن يُنسب إلى شيعته خيانة، ولو كانت يسيرة.

ويقول الإمام (عليه السلام): «فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ، إِذَا وَرِعَ فِي دِينِه، وصَدَقَ الْحَدِيثَ، وأَدَّى الأَمَانَةَ، وحَسُنَ خُلُقُه مَعَ النَّاسِ، قِيلَ: هَذَا جَعْفَرِيٌّ، فَيَسُرُّنِي ذَلِكَ، ويَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْه السُّرُورُ، وقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَر،ٍ وإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيَّ بَلَاؤُه وعَارُه، وقِيلَ: هَذَا أَدَبُ جَعْفَرٍ».

أيّها المؤمنون،
لقد أراد الإمام من هذه الوصيّة أن نكون قدوة في المجتمع، زينةً لا شيناً، أسوةً لا عبئاً، فقال: «فَوَاللَّه، لَحَدَّثَنِي أَبِي (عليه السلام)، أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَيَكُونُ زَيْنَهَا، آدَاهُمْ لِلأَمَانَةِ، وأَقْضَاهُمْ لِلْحُقُوقِ، وأَصْدَقَهُمْ لِلْحَدِيثِ، إِلَيْه وَصَايَاهُمْ ووَدَائِعُهُمْ، تُسْأَلُ الْعَشِيرَةُ عَنْه، فَتَقُولُ: مَنْ مِثْلُ فُلَانٍ؟! إِنَّه لآَدَانَا لِلأَمَانَةِ، وأَصْدَقُنَا لِلْحَدِيثِ».

كما أوصى الإمام بطول السجود، فقال: «وطُولِ السُّجُود»، وهو علامة على الخشوع والتذلّل لله، وقد قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[8]، وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أطيلوا السجود، فما من عمل أشدّ على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً؛ لأنّه أُمِر بالسجود فعصى»[9].

وأوصى الإمام بحسن الجوار، فقال: «وحُسْنِ الْجِوَارِ، فَبِهَذَا جَاءَ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله)»، وهو خُلق نبويّ، قال تعالى: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾[10]، وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «من آذى جاره حرّم الله عليه ريح الجنّة، ومأواه جهنّم وبئس المصير، ومن ضيّع حقّ جاره فليس منّا، وما زال جبرئيل يوصيني بالجار، حتّى ظننت أنّه سيورّثه»[11].

كما يدعونا الإمام الصادق (عليه السلام) إلى الاندماج الاجتماعيّ الإيجابيّ، فيقول: «صِلُوا عَشَائِرَكُمْ، واشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ، وعُودُوا مَرْضَاهُمْ، وأَدُّوا حُقُوقَهُمْ»، فلا ينبغي للشيعيّ أن ينعزل عن مجتمعه، بل أن يكون جزءاً منه، فاعلاً فيه، مُصلِحاً له، داعياً إلى الدين والإيمان بحسن خلقه وسلوكه، قال تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾[12].

أيّها الإخوة،
إنّ هذه الوصيّة الجعفريّة تضع بين أيدينا ميثاقاً أخلاقيّاً وسلوكيّاً، تدعونا إلى مراجعة أنفسنا، ومحاسبة سلوكنا، فهي مرآة صادقة نُبصر فيها موقعنا الحقيقيّ من أهل البيت (عليهم السلام). فهنيئاً لمن سعى ليكون اسمه مدعاة فخر لأئمّته (عليهم السلام)، لا موضع خزي وعار، وهنيئاً لمن عاش جعفريّاً بحقّ، لا بالادّعاء، بل بالفعل والسلوك والعمل.

اللهمّ اجعلنا من المتّقين، الصادقين، المؤدّين للأمانة، وامنحنا شرف الاقتداء بسيّدنا الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، واجعلنا زيناً لهم، لا شيناً عليهم، إنّك سميع مجيب.


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص636.
[2] سورة الأنعام، الآية 54.
[3] سورة الحجرات، الآية 13.
[4] سورة العنكبوت، الآية 69.
[5] سورة التوبة، الآية 119.
[6] سورة النساء، الآية 58.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص104.
[8] سورة المؤمنون، الآيتان 1 - 2.
[9] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج2، ص340.
[10] سورة النساء، الآية 36.
[11] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص514.
[12] سورة المُمتحَنة، الآية 8.

22-04-2025 | 23-40 د | 119 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net