الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1682 26 صفر 1447هـ - الموافق 20 آب 2025م

على منهج النبوّة

رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَالوعي والعقلانيّة وتكاتف الجهودمراقباتمراقباتالحذر من سياسة العدوّ الإعلاميّةحُبُّ الحُسَينِ (عليه السلام) وحُبُّ زِيارَتِهِ

العدد 1681 19 صفر 1447هـ - الموافق 13 آب 2025م

«الأربعين» عهدٌ ووحدةٌ وصمود

العدد 1679 05 صفر 1447هـ - الموافق 30 تموز 2025م

الإمام الكاظم (عليه السلام) - مدرسة الصبر في زمن الشدائد

أربعةُ الشرِّ
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1682 26 صفر 1447هـ - الموافق 20 آب 2025م

على منهج النبوّة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله. الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ، ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون. وأشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله، صلاةً دائمةً تامّةً باقية.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، نرفع أسمى آيات العزاء، بذكرى رحيل خير خلق الله الرسول الأعظم محمّد (صلّى الله عليه وآله)، وشهادة حفيدَيه الإمامين المجتبى والرضا (عليهما السلام).

إنّ أعظم قدوةٍ للإنسان، وأكمل أسوةٍ للمؤمن، سيّدنا ومولانا رسول الله محمّد (صلّى الله عليه وآله)، الذي جمع الله له مكارم الأخلاق، وجعله رحمةً للعالمين، فكان في حياته ومماته مدرسةً للأمّة، ودليلاً للسالكين إلى الله تعالى. لقد أعدّه الله تعالى لرسالةٍ كبرى، وجعله المصطفى لحركةٍ تغييريّةٍ شاملة، فزوّده بعناصر القوّة والثبات لمواجهة العقبات، وخصّه بصفات القيادة الحقّة التي يحتاجها كلّ مصلح، ليكون النموذج الأكمل للبشريّة جمعاء، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾[1].

المسؤوليّة العظمى
لقد وعى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مسؤوليّته منذ اللحظة الأولى، فأحاط برسالته من جميع جوانبها، وأدرك ثقل الأمانة التي حملها، وهو الذي خاطبه الوحي بقوله تعالى: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا  ثَقِيلًا﴾[2]. لم يتعامل مع الدين كمهنةٍ أو وسيلةٍ لمكسب دنيويّ، بل كان عقيدةً راسخة وغايةً عليا يعيش من أجلها ويفنى فيها. وحين ضاق عليه قومه وحاصره المشركون، كان يقول لعمّه أبي طالب: «يا عمّاه، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتّى يظهره الله أو أهلك فيه»[3]، فكان وعيه للمسؤوليّة وقوّة يقينه سبيله لمواجهة كلّ التحدّيات.

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «إنّ العملَ المهمَّ لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو الدعوة إلى الحقّ والحقيقة، والجهاد في سبيل هذه الدعوة... وفي مواجهة زعماء العرب المتكبّرين من صناديد قُريش وطواغيتهم، بجلافتهم وبكلّ اقتدارهم أمام عامّة الناس الذين يغطّون في سُبات الجهل والجاهليّة، لم يستوحش، بل قال كلمةَ الحقّ وأعادها وبيّنها وأوضحها وتحمّل الإهانات، واشترى تلك الصعاب والآلام كلّها بالنفس، حتّى تمكّن من أسلمة عددٍ كبير منهم»[4].

أخلاقه الرساليّة
ولقد اقترن وعيه للمسؤوليّة بخلق رفيع، وحلم واسع، وصبر عظيم، فانجذبت القلوب إليه، ووجدت في رسالته الأمن والسكينة. لقد كانت أخلاقه الرساليّة السند الحقيقيّ لعمله، والقاعدة التي نهضت عليها دعوته، وقد تجلّت في أبهى صورها، فكان كما وصفه القرآن الكريم: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾[5]. لم يتحدّث الوحي عن لونه أو طوله أو مظهره، بل عن سموّ روحه وصفاء سريرته، فقال: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾[6]، وقال: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[7]. لقد كان ليّن الجانب، قريباً من الناس، يواسي ضعيفهم، ويكرم فقيرهم، ويعلّمهم أنّ القيادة الحقّة لا تقوم على التسلّط، بل على الرحمة والرأفة.

وفي أخلاقه الرساليّة وصفات كماله (صلّى الله عليه وآله)، يقول شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه): «يُوصَف هذا النبيُّ العظيم من الله سبحانه وتعالى بأنَّه ﴿لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، ويتحدَّث عن رحمته، عن لينه، وعن كمالاته كلِّها -هذا الأمر يعترف به الجميع- الصدق، أداء الأمانة، الوفاء بالعهود والمواثيق والمعاهدات؛ ولذلك نجد أنَّ أخصامه وأعداءه لم يجدوا منقصة واحدة في شخصيَّته، ولا ثغرة واحدة، ولا عيباً واحداً، ليتسلَّلوا من خلاله»[8].

لقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «الإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ، وإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ، وعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ»[9]، وقد جسّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذا الإيمان قولاً وعملاً، فلم يأمر بشيء إلّا كان أوّل الممتثلين له، ولم ينهَ عن معصية إلّا كان أبعد الناس عنها، وإذا وعظ الناس بدأ بنفسه قبل غيره.

يقول الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه): «إنَّ يدَ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) لم تنتهِك -طوال عمره الشريف- ما أمره الله تعالى؛ لذا فهي يد الله، والبيعة له بيعة لله، فما قام به كان تجسيداً للإرادة الإلهيَّة، وعمله تابعٌ للأفعال الإلهيَّة... كان الرسول الأكرم (ص) قرآناً مجسَّداً»[10].

وكانت علاقته بأصحابه امتداداً لهذه الروح العظيمة، فقد روى الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه (صلّى الله عليه وآله) كان «يقسّم لحظاته بين أصحابه، فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسويّة»، قال: «ولم يبسط رسول الله ( صلّى الله عليه وآله) رجليه بين أصحابه قطّ، وإن كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يده من يده حتّى يكون هو التارك»[11]. هذه السيرة تعكس تواضع النبيّ وإنسانيّته، فلم يجعل من موقعه مقاماً للتكبّر أو الاستعلاء، بل عاش مع أصحابه أخاً وناصحاً ورفيقاً.

صبره على الأذى
ولأنّ طريق الرسالة محفوف بالمكاره، فقد واجه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الأذى بالصبر والرحمة. رُمي بالحجارة، وشُتم، وأُوذي في نفسه وأهله، لكنّه كان يقابل الإساءة بالدعاء قائلاً: «اللهمّ اغفر لقومي، فإنّهم لا يعلمون»[12]. كان يرى في جهلهم عذراً يستدعي الرحمة، لا مبرّراً للانتقام. وهكذا علّم البشريّة أنّ الرسالة لا تُبنى بالحقد والغلظة، وإنّما تصاغ بالحلم والصبر وسعة الصدر. وعن النبيّ عيسى (عليه السلام): «كن كالشمس، تطلع على البرّ والفاجر»[13]، وقد جسّد رسول الله هذه القاعدة واقعاً عمليّاً، حين عمّت رحمته البرّ والفاجر، والمحسن والمسيء.

شهادة الإمامَين المجتبى والرضا (عليهما السلام)
إنّ هذه السيرة النبويّة العطرة لا نقف عندها استذكاراً عاطفيّاً فحسب، بل نستلهم منها الدروس والعِبر لمواجهة واقعنا، ونعرف من خلالها كيف نكون أوفياء لرسول الله حقّاً. لقد واجه أعداء الرسالة بثباتٍ وصبر، وعلّمنا أنّ الحقّ يحتاج إلى تضحيات جسام. ومن هنا نفهم امتداد خطّ التضحية والجهاد في حياة أهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، الذين ساروا على نهجه، وحفظوا رسالته بدمائهم وأرواحهم.

وممّا يبعث على الأسى في هذه الأيّام الأليمة أيضاً، تزامن ذكرى رحيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مع شهادة سبطَيه العظيمين، الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) والإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، اللذين مضيا على خطّ جدّهم (صلّى الله عليه وآله)؛ فقد واجه الإمام الحسن دسائس بني أميّة وغدرهم، حتّى سقوه السمّ غيلةً، ففاضت روحه الطاهرة مظلوماً صابراً محتسباً. وكذلك حفيده الإمام الرضا (عليه السلام)، الذي حمل أعباء الإمامة في زمن المأمون العباسيّ، فثبت على الحقّ حتّى دسّ له السمّ، وقضى شهيداً غريباً بعيداً عن أهله ودياره. إنّهما امتداد تلك المدرسة المحمديّة التي لم تنكسر أمام طغيان، ولم تساوم على الحقّ مهما اشتدّت الظروف.

أيّها الإخوة المؤمنون، إنّ سيرة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وما تلاها من شهادات أوصيائه وأسباطه، تضع أمامنا مسؤوليّة كبرى: أن نحيا على نهجهم، ونجعل من أخلاقهم سلوكاً، ومن صبرهم زاداً، ومن وفائهم قدوة، وأن نتمسّك بالحقّ مهما كثرت التحدّيات. فطريق الله لا يُقطع إلّا بالتوكّل عليه، والاقتداء برسوله وأهل بيته، والصدق في القول والعمل، قال تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[14].


[1] سورة الأحزاب، الآية 21.
[2] سورة المزمّل، الآية 5.
[3] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج2، ص64.
[4] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص29.
[5] سورة القلم، الآية 4.
[6] سورة التوبة، الآية 128.
[7] سورة آل عمران، الآية 159.
[8] من كلامٍ له (رضوان الله عليه)، بتاريخ 25/01/2013م.
[9] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص508، الحكمة 227.
[10] صحيفة الإمام (قُدِّس سرّه)، ج‏4، ص332.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص671.
[12] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج1، ص385.
[13] المصدر نفسه.
[14] سورة محمّد، الآية 7.

20-08-2025 | 11-31 د | 31 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net