الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1683 03 ربيع الأول 1447هـ - الموافق 27 آب 2025م

التمهيد لصاحب الزمان

الأخوّةِ الإيمانيّةِينبغي مواصلة الجهادمراقباترَحْمَةً لِلْعَالَمِينَالوعي والعقلانيّة وتكاتف الجهودمراقباتمراقباتالحذر من سياسة العدوّ الإعلاميّةحُبُّ الحُسَينِ (عليه السلام) وحُبُّ زِيارَتِهِ
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1683 03 ربيع الأول 1447هـ - الموافق 27 آب 2025م

التمهيد لصاحب الزمان

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

التمهيد لصاحب الزمان

الحمد لله الذي لا تخلو أرضه من حجّة، ولا يترك عباده سدىً، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، مصابيح الدجى وسفن النجاة.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيدنا الأسمى والأقدس سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، نرفع أسمى آيات العزاء، بذكرى شهادة الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام).

جاء عن إمامنا العسكريّ (عليه السلام) أنّه قال مشيراً إلى ولده الإمام المهديّ (عليه السلام): «هذا إمامُكم مِن بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه، ولا تتفرَّقوا من بعدي، فتهلَكوا في أديانِكم»[1].

نقف اليوم عند شخصيّة عظيمة من أهل بيت النبوّة، عند الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)، الذي عاش في زمنٍ بالغ القسوة تحت هيمنة العبّاسيّين، الذين لم يتركوا وسيلة لإضعافه أو عزل تأثيره عن الناس، فقد ضيّقوا عليه بشتّى أشكال التضييق، وحاولوا أن يطفئوا نور رسالته، وأن يمنعوه من أداء واجبه الإلهيّ. ومع ذلك، لم ينكفئ، بل تحرّك بحكمةٍ إلهيّة، مدركاً مسؤوليّاته الكبرى، ليؤدّي دوره العظيم في التمهيد لولده الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه)، والحفاظ على وحدة الأمّة واستقامة الدين.

وفي هذا السياق يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «الإمام العسكريّ (عليه السلام)، الذي اعترف الموالي والشيعيّ والمخالف وغير المؤمن، اعترفوا جميعاً، وشهِدوا بفضله وعلمه وتقواه وطهارته وعصمته، وشجاعته مقابل الأعداء، وبصبره واستقامته في الشدائد. هذا الإنسان العظيم بشخصيّته الفذّة، عندما استُشهِد لم يكن قد تجاوز الثامنة والعشرين سنة من العمر»[2].

الإمام المعصوم ودوره
قد يتوهّم بعض الناس أنّ دور الإمام محصورٌ في العبادة والوعظ، بعيداً عن السياسة والقيادة. لكنّ الحقيقة أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا قادة حياة، يوجِّهون المجتمع في أبعاده كلّها، ويقفون في مواجهة الانحراف والظلم. والإمام العسكريّ (عليه السلام) كان خير شاهد على ذلك؛ إذ لم يتوقّف عن بناء القاعدة المؤمنة وتحصينها برغم الحصار الشديد.

زمنُ العبّاسيّين… والتقيّة والتمهيد
كانت الدولة العبّاسيّة قد بلغت مرحلةَ التهاوي والفساد، ومع ذلك لم يتوقّف طغاتها عن ملاحقة الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام) والتضييق عليه. فقد أُجبر على العيش تحت رقابةٍ صارمةٍ في مدينة سامرّاء، وكان يعتمد التقيّة سلاحاً يحفظ به شيعته، ويصون به مشروعه الرساليّ.

ومن الشواهد على ذلك ما رواه داوود بن الأسود، قال: دعاني سيّدي أبو محمّد، فرفع إليّ خشبة كأنّها رجل باب مدوّرة طويلة ملء الكفّ، فقال: صِر بهذه الخشبة إلى العمريّ (أحد وكلائه المقرّبين)، فمضيت، فلمّا صرت في بعض الطرق عرض لي سقّاء معه بغل، فزاحمني البغل على الطريق. فناداني السقّاء: ضحِّ عن الطريق (أي وسّع الطريق)، فرفعتُ الخشبة التي كانت معي، فضربتُ بها البغل، فانشقّت (الخشبة)، فنظرتُ إلى كسرها فإذا فيها كتب، فبادرتُ سريعاً فرددتُ الخشبة إلى كمّي، فجعل السقّاء ينادي ويشتمني، ويشتم صاحبي [...]»[3].

بهذه الإجراءات الدقيقة كان الإمام (عليه السلام) يُدير شؤون الدعوة ويحفظ أتباعه، مبيّناً أنّ العمل للإسلام لا يعني المواجهة الظاهرة دائماً، بل قد يقتضي الحكمة والكتمان، حتّى يحفظ الله به الجماعة المؤمنة من الأخطار المحدقة.

التمهيد للإمام المهديّ (عج)
لم تقتصر هذه التوجيهات على حماية الدعوة وحفظ الشريعة، بل كانت أيضاً تمهيداً لإعداد القلوب والأذهان لاستقبال الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه)، فالالتزام بالحكمة والتقيّة والوفاء للوليّ الصالح يُعدّ ركيزة أساسيّة لاستمرار المشروع الرساليّ، وضمان ثبات المؤمنين في زمن الغيبة.

لقد كان الشيعة معتادين على الارتباط المباشر بالإمام، وكان من الصعب عليهم أن يتقبّلوا فكرة الغيبة؛ فجاء الإمام العسكريّ (عليه السلام) ليهيِّئهم لهذه المرحلة، ناصّاً بوضوح لخواصّ شيعته على إمامة ولده، فعن أحمد بن إسحاق بن سعيد الأشعريّ، قال: دخلتُ على أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام)، وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: «يا أحمد بن إسحاق، إنَّ الله تبارك وتعالى لم يُخلِ الأرض منذ خلق آدم، ولا يُخليها إلى أن تقوم الساعة، من حجّة الله على خلقه، به يرفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزِل الغيث، وبه يُخرِج بركات الأرض».

فقلت له: يابن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟
فنهض مسرعاً، فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين، فقال: «يا أحمد، لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنِّه سُمّي باسم رسول الله وكنيته، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئت جوراً وظلماً. يا أحمد، مثله في هذه الأمّة مثل الخضر، ومثل ذي القرنين، والله ليغيبنّ غيبةً لا ينجو من الهلكة فيها إلّا مَن ثبّته الله على القول بإمامته، ووفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه»[4].

المرجعيّة في زمن الغيبة
ولأنّ الغيبة ستطول، كان لا بدّ من بوصلةٍ تهدي المؤمنين وتحفظهم من التشتّت والضياع، فجاء توجيه الإمام العسكريّ (عليه السلام) واضحاً وصريحاً حين قال: «مَن كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه»[5].

هذا النصّ لم يكن حكماً عابراً، بل هو دستور حياةٍ للأمّة في عصر الغيبة؛ فالمرجع الحقيقيّ ليس من جمع العلوم فحسب، بل من جمع إلى العلم ورعاً وصيانة، وزهداً واستقامة، ليكون قدوةً للناس في قوله وفعله، وحارساً للدين في زمن الفتن والانحرافات.

بهذا التوجيه حفظ الإمام (عليه السلام) وحدة شيعته من التشتّت بعد غيبته، وأرشدهم إلى صمّام الأمان الذي يحمي عقيدتهم، ويصون شريعتهم، ويقودهم إلى برّ النجاة، حتّى يأذن الله بالفرج. فالمرجعيّة ليست بديلاً عن الإمام (عجّل الله تعالى فرجه)، بل هي الامتداد الطبيعيّ لخطّه، والجسر الذي يربط بين زمن الغيبة الكبرى ويوم الظهور الموعود.

الالتزام بالقيادة الصالحة
يقول الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه): «لولا وجود العلماء لانمحى الإسلام، فأولئك هم خبراء الإسلام، ولقد صانوا الإسلام حتّى الآن، ويجب أن يبقَوا ليبقى الإسلام مصوناً»[6].

إنّ الارتباط بالمرجعيّة الصالحة هو في حقيقته ارتباطٌ بالإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه)، وهو إعلان ولاء عمليّ لنهج أهل البيت (عليهم السلام). ومن أطاع المرجعيّة في أوامرها ونواهيها، كان مطيعاً للإمام، ومن خالفها أو تهاون بها، عرّض نفسه للتيه والخذلان.

وفي هذا السياق يشدّد شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، على أهمّيّة الالتزام بالقيادة الصالحة، مؤكّداً دور الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، فيقول: «نحن نحتاج إلى معرفة سماحة الإمام الخامنئيّ أكثر، وإلى التعريف به أكثر؛ من أجلنا وليس من أجله. أيّها الإخوة والأخوات، كما يحتاج الناس في هذا الزمن وفي كلّ زمن إلى مرجع للتقليد لمعرفة الحلال والحرام، ومعرفة صلاتهم وصومهم وعبادتهم وزواجهم وطلاقهم وإرثهم وبيعهم وشرائهم، كما تحتاج الأمّة إلى قائد يقودها في مواجهة كلّ هذه المحاور الدوليّة وكلّ هذه التهديدات والمؤامرات، كذلك الناس والأمّة يحتاجون إلى مفكّرين إسلاميّين كبار يواكبون العصر»[7].

وهكذا يظهر أنّ طاعة المرجعيّة، والالتزام بالقيادة الصالحة، ليس مجرّد أمر تكليفيّ، بل هو ضمان لحماية الأمّة وهدايتها على نهج أهل البيت (عليهم السلام) في مواجهة تحدّيات العصر.

الشهادة
لقد عاش الإمام العسكريّ (عليه السلام) في ظلّ الحكّام العباسيّين، من المتوكّل إلى المستعين، ومن المعتزّ إلى المهتدي، أيّاماً ملبّدة بالتضييق والابتلاء، إذ لم يتركوا وسيلة من وسائل القمع إلّا ومارسوها عليه وعلى شيعته. ومن الشواهد الأليمة على ذلك ما رواه عليّ بن جعفر الحلبيّ، إذ قال: اجتمعنا بالعسكر، وترصّدنا لأبي محمّد (عليه السلام) يوم ركوبه، فخرج توقيعه: «ألا لا يسلِّمَنّ عليّ أحد، ولا يشير إليّ بيده، ولا يومئ أحدكم، فإنّكم لا تأمنون على أنفسكم»[8].

وقد بلغت محاولاتهم الظالمة حدّ التآمر على حياته، فحاول بعض هؤلاء الحكّام اغتياله، لكنّ المشيئة الإلهيّة كانت تقيه شرّهم وتمنعهم من تحقيق غايتهم، إلى أن كان الشقاء من نصيب المعتمد العبّاسيّ، الذي أوعز إلى أزلامه ليدسّوا السمّ للإمام، فاستشهد مسموماً (عليه السلام)، لتكتمل بذلك سلسلة العطاء والصبر التي ميّزت حياته المباركة.


[1] الشيخ الطوسيّ، الغيبة، ص357.
[2] من كلامٍ له (دام ظلُّه)، بتاريخ 29/2/2012م.
[3]  ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص528.
[4]  الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص384.
[5]  الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج2، ص 263.
[6] الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه)، صحيفة الإمام، ج15، ص150.
[7] من كلامٍ له (رضوان الله عليه)، بتاريخ 10/06/2015م.
[8] الراونديّ، الخرائج والجرائح، ج1، ص439.

27-08-2025 | 14-19 د | 22 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net