الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
السياسة الأخلاقيّةمراقباتالحِلمُ زينةُ الأخلاقِ

العدد 1691 29 ربيع الثاني 1447هـ - الموافق 22 تشرين الأول 2025م

اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ

مراقباتحقُّ النعمةِمراقباتوَخُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّأُسوةُ العبادةِمراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1691 29 ربيع الثاني 1447هـ - الموافق 22 تشرين الأول 2025م

اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله ربّ السماوات والأرضين، وربّ الملائكة المقرّبين والأنبياء والمرسلين، الحمد لله اللطيف الخبير، نحمده حمداً يليق بعظيم شأنه، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور نفوسنا وسيّئات أعمالنا، ونعوذ بالله أن نَضِلَّ أو نُضَلَّ.

وأشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيد الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك بذكرى ولادة السيّدة زينب (عليها السلام)، في الخامس من شهر جمادى الأولى، في السنة الخامسة للهجرة.

ومع هذه الذكرى العطرة لولادة العقيلة زينب (عليها السلام)، نتوجّه إلى الله تعالى أن يطهّر قلوبنا كما طهّر قلبها، وأن يُبعِد عنّا داء التهمة وسوء الظنّ، لنكون من عباده الصالحين.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضًا﴾[1].

خطر الظنّ والتهمة في العلاقات الإنسانيّة
ترسم هذه الآية الكريمة معالم الطريق الآمن في التعامل بين الناس؛ إذ تدعونا إلى بناء العلاقات على الثقة والاحترام، لا على الريبة والاتّهام؛ فتنهانا عن التسرّع في الظنّ، وتحذّر من التجسّس على العيوب، وتنهى عن الغيبة التي تُتَاجَر فيها بسمعة المؤمنين. إنّها تحذّر من سلسلةٍ مترابطةٍ من المعاصي، أصلها سوء الظنّ، وغصنها التجسّس، وثمرتها الغيبة والعداوة، حتّى تتحوّل إلى داءٍ مستحكمٍ في النفوس يصعب اجتثاثه بعد أن يتجذّر فيها.

أيّها المؤمنون، إنّ التهمة والظنّ السيّئ نارٌ خفيّة، تُحرق القلوب قبل أن تُحرق العلاقات، وتهدم بيوتاً وأُسَراً وصِلاتٍ كانت عامرةً بالمحبّة والثقة؛ فكم من قلوبٍ انكسرت بسبب كلمةٍ طائشةٍ خرجت في لحظة غضبٍ أو شكٍّ لا دليل عليه! وكم من سمعةٍ تهدّمت بسبب افتراض السوء قبل التحقّق! وكم من جرحٍ لئيمٍ حفر عميقاً في وجدان صديقٍ أو قريبٍ أو جارٍ اتُّهِم ظلماً وتسرّعاً، فخلّف وراءه حسراتٍ وآهاتٍ، وقطع أواصر المحبّة بفأس الحقد والتهمة والريبة.

آفة التسرّع في نقل الأخبار
وهذا ما نراه اليوم واضحاً جليّاً على بعض وسائل التواصل، إذ تُطلَق التهم من دون بيّنة، وتُشاع الأخبار بلا دليلٍ ولا تحقّق، ويكثر الشتم والبغض، وتعمّ الفتنة، ويسود ظلام القلوب، يقول الله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾[2].

ينبّهنا سبحانه وتعالى في هذه الآية إلى أنّ التسرّع في نقل الكلام من دون علم هو جريمة عظيمة، وليست كلمة هيّنة تمرّ مرور السحاب، بل هي خطيئة تهدم المجتمعات، وتزرع الشقاق والنزاع، وتحرف الأمّة عن بوصلتها واهتماماتها الرئيسيّة، وتمزّق القلوب.

وصايا المعصومين في حسن الظنّ
عن الإمام الصادق (عليه السلام:( «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي كَلَامٍ لَه: ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِه، حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْه، ولَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً، وأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَيْرِ مَحْمِلاً»[3].

أيّها الإخوة، تأمّلوا في قوله (عليه السلام): «على أحسنه»، وافتحوا لمخيّلتِكم أبواب الخير، لتجدوا عشرات المحامل الحسنة لأيّ تصرّفٍ قد يُثير الريبة في النفوس.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أيضاً: «إِذَا اتَّهَمَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ، انْمَاثَ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِهِ كَمَا يَنْمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاء»[4].

إنّه تحذيرٌ شديد، فالتهمة تُذيب الإيمان كما يذوب الملح في الماء، وتمحو آثار الأعمال الصالحة التي بُنيَت سنينَ طويلة.

وجاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَنْ آذَى مؤمناً بغيرِ حقٍّ، فكأنّما هدمَ مكّةَ وبيتَ اللهِ المعمورَ عشرَ مرّاتٍ، وكأنّما قتلَ ألفَ مَلَكٍ منَ المقرّبين»[5].

أثر سوء الظنّ في النفس والمجتمع
أيّها الإخوة، إنّ المؤمن الحقيقيّ هو الذي يُحسن الظنّ بإخوانه، ويبحث عن الأعذار لهم، ولا يترك قلبه أسيراً للتهمة والريبة؛ فإنّ من يُسيء الظنّ بغير حقٍّ، إنّما يُسيء إلى نفسه أوّلاً، ويظلم أخاه ثانياً، ويهدّد المجتمعَ بالفتنة والتفرقة.

إنّ التهمة لا تُؤذي الناس فحسب، بل ترتدّ على صاحبها، فتُورثه القلق والاضطراب، وتزرع في قلبه الشكّ وسوء النيّة، حتّى يعيش في عالمٍ من الظنون والوساوس، لا يعرف فيه الطمأنينة ولا صفاء القلب.

وقد أشار الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) إلى هذه الحقيقة الأخلاقيّة العميقة ببيانٍ مؤثّرٍ، فقال: «حينما ينشأ سوء الظنّ، فإنّه سيترك أثره، سواءٌ أكانت الأسباب وجيهة أو لا، مثل الرصاصة التي تخرج من فوهة السلاح، حين تصطدم بصدر أحدهم فإنّها تقتله، سواء أكان الرامي قاصداً أم أنّ يده ضغطت خطأً على الزناد، الرصاصة لا تُميّز، ولن تقول: لأنّ الذي أطلقني لم يكن يقصد ذلك، فلن أؤذي الطرف المقابل، كلّا فالرصاصة تقتل. سوء الظنّ هذا يفعل فعله، سواءٌ أكان منشؤه صحيحاً، أو كان ناتجاً عن الوسواس، أو الأوهام الباطلة مثلاً»[6].

وهكذا يوضّح الإمام (دام ظلّه) أنّ سوء الظنّ، وإن لم يكن عن قصدٍ أو نيّة سوء، يخلّف أثراً مدمّراً في النفوس والعلاقات، كالرصاصة التي لا يمكن استرجاعها بعد خروجها. فالكلمة الجارحة أو النظرة المتّهمة أو الفكرة المريبة، حين تخرج من القلب، تجرح الآخرين وتُميت الثقة وتزرع العداوة، فيتصدّع البناء الاجتماعيّ، ويُصاب المؤمن نفسه باضطرابٍ داخليّ يُفقِدُه صفاء القلب وسكينة الإيمان.

فلنُحسن الظنّ بالناس، ولنحمل أفعالهم على الخير، ولنجعل شعارَنا قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «احمل أخاك المؤمن على سبعين محملاً من الخير»[7]؛ فإنّ سوء الظنّ والتهمة من شرور القلوب التي تُضعِف الإيمان، وتقطع أواصر الأخوّة، وتشيع في المجتمع روح الفتور والخصام؛ أمّا حسن الظنّ فهو عبادةٌ روحيّة تقرّبنا إلى الله تعالى، وتفتح لنا أبواب الرزق والمحبّة والبركة.

تزكية القلب من داء التهمة
عباد الله، إنّ الله يحبّ من عبده أن يستر ولا يفضح، وأن يُحسن الظنّ ولا يُسيء؛ فلا تبحثوا عن عيوب الناس، ولا تقتفوا عثراتهم، ولا تحكموا على سرائرهم، فالله وحده المطّلع على السرائر وما تخفي الصدور، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»[8].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «حُسْنُ الظَّنِّ رَاحَةُ الْقَلْبِ وَسَلَامَةُ الْبَدَنِ»[9]، ويقول (عليه السلام) أيضاً: «سُوءُ الظَّنِّ يُفْسِدُ الْأُمُورَ وَيَبْعَثُ عَلَى الشُّرُورِ»[10].

فلنكن رحماء في أحكامنا، متأنّينَ في ظنوننا، متأمّلينَ في كلماتنا، وليكن خُلُقُنا القرآنَ، وقدوتُنا أنبياءَ الله الكرام وأهلَ بيته (عليهم السلام).

اللهمّ طهِّر قلوبَنا من سوءِ الظنّ، وألسنتَنا من التهمة، واجعلنا من عبادك الصادقين الذين يحبّون لإخوانهم ما يحبّون لأنفسهم، واهدنا إلى سواءِ السبيل، وجنّبنا معاصيك، ووفّقنا لمراضيك، إنّك سميعٌ مجيب.


 [1] سورة الحجرات، الآية 12.
[2] سورة النور، الآية 15.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص362.
[4] المصدر نفسه، ج2، ص361.
[5] السيّد المرعشي، جامع أحاديث الشيعة، ج16، ص305.
[6] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 14/01/2012م.
[7] المحقّق البحراني، الحدائق الناضرة، ج15، ص353.
[8] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص264.
[9]الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص229.
[10]المصدر نفسه، ص283.

22-10-2025 | 10-52 د | 26 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net