الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1694 21 جمادى الأولى 1447هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2025م

أوّل ما يُسأل عنه العبد

بِقَلْبٍ سَلِيمٍكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء تلامذة المدارس وطلّاب الجامعاتدور البصيرة في المواجهة مع العدوّ

العدد 1693 14 جمادى الأولى 1447هـ - الموافق 05 تشرين الثاني 2025م

الزهراء (عليها السلام) في مرآة الآيات والروايات

فاطمةُ (عليها السلام) نورُ العبادةحفظ دماء الشهداء مراقبات

العدد 1692 07 جمادى الأولى 1447هـ - الموافق 29 تشرين الأول 2025م

علاج القلق ذكر الله

السيّدةُ زينبُ (عليها السلام) عظمةٌ في الصبرِ وريادةٌ في النصرِ
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1694 21 جمادى الأولى 1447هـ - الموافق 12 تشرين الثاني 2025م

أوّل ما يُسأل عنه العبد

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله ربّ العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكّل عليه، ونشهد أن لا إله إلّا هو، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

جاء في الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): «ألا فحاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا؛ فإنّ أمكنة القيامة خمسون موقفاً، كلّ موقف مقام ألف سنة»[1]، ثمّ تلا هذه الآية: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾[2].
بهذه الكلمات الشريفة، يضعنا الإمام الباقر (عليه السلام) أمام حقيقة كبرى ينتظرها كلّ إنسان، هي يوم القيامة. هو يومٌ طويلٌ تتعدّد مواقفه، وتتنوّع أسئلته، ويُعرَض فيه العبد على ربّه ليُسأل عن عمله، عن حقّ الله، وعن حقّ أوليائه، وعن حقّ الناس.

ولذلك، كانت وصيّة الإمام (عليه السلام) لنا: «ألا فحاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا»؛ أي تفقّدوا قلوبكم وأعمالكم وأنتم في دار الاختبار قبل أن تُعرَضوا على الله في دار الجزاء، فالمحاسبة اليوم أهون من الحساب غداً، والاعتراف بالذنب في الدنيا أهون من حمله في يومٍ مقداره ألف سنةٍ ممّا نعدّ.

وقد ورد في روايات متعدّدة تعابير مختلفة في بيان أوّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، فقد رُوي أنّه يُسأل أوّلاً عن الدماء، وفي رواياتٍ أخرى أنّه يُسأل عن الصلاة، وفي غيرها أنّ حبّ أهل البيت (عليهم السلام) هو أوّل ما يُسأل عنه... وليس هذا التعدّد في عنوان «أوّل ما يُسأل عنه العبد» من باب الاختلاف والتعارض، بل لعلّه من باب تعدّد المواقف وتنوّع ساحات السؤال يوم القيامة، وأنّ لكلّ موقفٍ سؤاله، ولكلّ مقام ميزانه، كما ورد عن الإمام (عليه السلام): «خمسون موقفاً، كلّ موقفٍ مقام ألف سنة».

وإنّ أبرز ما يتجلّى في الروايات تحت هذا العنوان، هو هذه العناوين الثلاثة الكبرى، التي تُلخِّص علاقة الإنسان بربّه، وبنبيّه وأوليائه، وبالناس من حوله، فهناك الصلاة التي تمثّل حقّ الله وعمود الدين، وحبّ أهل البيت (عليهم السلام) الذي هو معيار الإيمان وميزان الولاء، والدماء التي هي عنوان العدالة الإلهيّة وحقوق الناس.

أوّلاً: الصلاة حقّ الله تعالى
إنّ الصلاة ليست مجرّد حركاتٍ وألفاظ تُؤدّى، بل هي الوجه الأتمّ لعبوديّة الإنسان وخضوعه لربّه، وهي الصلة الدائمة بين الأرض والسماء، وقد ورد الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ أوّل ما يُحاسَب به العبد الصلاة، فإن قُبلت قُبل ما سواها. إنّ الصلاة إذا ارتفعت في أوّل وقتها، رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة، تقول: حفظتني حفظك الله، وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها، رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة، تقول: ضيّعتني ضيّعك الله»[3].

فهي معيار القَبول والردّ، وبها تُوزَن سائر الأعمال؛ لأنّها ترجمة الإيمان، ودليل التوجّه إلى الله تعالى. فمَن أقامها بحقّها، وأدّاها في وقتها، وخشع فيها قلبه، كان لله قريباً، وكانت له نوراً ونجاةً يوم القيامة.
إنّ المحافظة على الصلاة ليست شكلاً تعبّديّاً فحسب، بل موقف من الحياة، فهي التي تُذكّرنا بأنّنا عبيد لله، لا نركع إلّا له، ولا نطلب العون إلّا منه، ولا نُسلّم إلّا لأمره. وفي زمن الفتنة والاختبار، تبقى الصلاة قلعةً يتحصّن بها الإيمان، ومَن ضيّعها تهاوى إيمانه وتهدّم ركن دينه.

ثانياً: حبّ أهل البيت (عليهم السلام) ميزان الإيمان والولاء
وأيضاً ممّا ورد في أوّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، حبّ أهل بيت النبوّة (عليهم السلام)، فقد رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: «قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله): أوّل ما يُسأل عنه العبد حبّنا أهلَ البيت»[4].

إنّ هذا الحبّ ليس مجرّد عاطفة وجدانيّة فحسب، بل هو المعيار الذي يُكشَف به صدق الإيمان، وعنوان الولاء لله ورسوله وأوليائه، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أبشِر يا عليّ! فإنّ الله عزّ وجلّ قد عهد إليّ أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن، ولا يبغضك إلّا منافق»[5]، وعنه (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «لا يؤمن عبدٌ حتّى أكون أحبَّ إليه من نفسه، وأهلي أحبَّ إليه من أهله، وعترتي أحبَّ إليه من عترته، وذاتي أحبَّ إليه من ذاته»[6].

وقد بيّن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أثر هذا الحبّ في العمل والنجاة، فعن الإمام الحسن بن عليّ (عليهما السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الزموا مودّتنا أهل البيت؛ فإنّه مَن لقى الله وهو يودّنا أهل البيت، دخل الجنّة بشفاعتنا. والذي نفس محمّد بيده، لا ينتفع عبدٌ بعمله إلّا بمعرفة حقّنا»[7].

إنّ حبّهم ومودّتهم ولاءٌ وطاعة، واتّباعٌ للطريق، وجوازٌ على الصراط، فمَن لم يحمل هذا الحبّ في قلبه، ولم يظهره في سلوكه، ولم يترجمه في طاعته، فهو محرومٌ من شفاعة النبيّ وآله يوم القيامة.

وفي زمننا هذا، حيث تتكاثر الفتن ويكثر المدَّعون، يبقى حبّ أهل البيت (عليهم السلام) البوصلة التي تحفظ إيماننا، والميزان الذي يفرّق بين طريق الحقّ وطريق الباطل، ومَن تمسّك به ثبت على دين الله ولم يضلَّ عنه، يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّي تركت فيكم أمرين، لن تضلّوا بعدي ما إن تمسّكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنّ اللطيف الخبير قد عهد إليَّ أنّهما لن يتفرقا حتّى يردا عليَّ الحوض»[8].

ثالثاً: الدماء حقّ الناس والعدل الإلهيّ
وأمّا دماء الناس وحقوقهم، فهي من أخطر مواقف القيامة، فقد رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أوّل ما يَحكُم الله فيه يوم القيامة الدماء»[9].

ويؤكّد الله تعالى في كتابه العزيز حرمة هذه الدماء، فيقول عزّ وجلّ: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾[10]، وعنه (صلّى الله عليه وآله): «لزوال الدنيا جميعاً أهون على الله من دم يُسفَك بغير حقّ»[11].

إنّ الدماء عنوان الظلم الأكبر، وسلب الحياة التي حرّم الله إلّا بالحقّ، ومَن تهاون فيها فقد تجرّأ على حدود الله، وارتكب معصية عظيمة تستحقّ عقاباً شديداً.

الشهداء في سبيل الله
ومن هنا، جاء تكريم الشهداء في سبيل الله، فهم أعظم شهودٍ على طهارة الدم في طاعة الله وسبيله، بينما يكون القاتل بغير حقّ أشدَّ الناس عذاباً يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ﴾[12]، وعنه (صلّى الله عليه وآله): «لو أنّ أهل السماوات السبع وأهل الأرضين السبع اشتركوا في دم مؤمن، لأكبّهم الله عزّ وجلّ جميعاً في النار»[13].

أيّها المؤمنون، نحن اليوم في مرحلةٍ عصيبة، حيث تختلط المواقف وتُزهق الأرواح ظلماً، ويُحاصر المؤمنون في دينهم وأمنهم ومعاشهم. وهنا يجب أن نتذكّر أنّ كلّ قطرة دمٍ تُسفَك بغير حقّ ستُسأَل عنها الأيدي والألسن والمواقف، كما يجب أن نعلم أنّ من قدّم دمه في سبيل الله، دفاعاً عن الحقّ والمستضعفين، فإنّما دخل أعظم تجارةٍ مع الله، تجارةٍ لا تبور، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾[14]، ويقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، معلّقاً على هذه الآية الكريمة: «إنّها صفقة مع الله... كلاهما -كلٌّ من القضاء على العدوّ وكذلك القتل في هذا الطريق- قَيِّم. هذه صفقة مع الله المتعالي. لقد قدّم الشهيد حياته وكسب الرضا الإلهيّ الذي يُعَدّ أعلى قيمة في عالم الوجود»[15].

ختاماً
أيّها المؤمنون، إنّ هذه الميادين الثلاثة: الصلاة، والولاء لأهل البيت، وصيانة الدماء، تختصر جوهر الدين، وتبيّن لنا طريق النجاة. فإذا أراد أحدنا أن يعرف موقعه عند الله، فلينظر إلى صلاته، وإلى ولائه، وإلى موقفه من دماء الناس وحقوقهم.

فلنحاسِب أنفسنا قبل أن نقف في تلك المواقف الخمسين، ولنجعل كلَّ يومٍ من أيّامنا موقفاً صادقاً بيننا وبين الله، فمَن تاب اليوم نجا غداً.

نسأل الله أن يجعلنا من المحافظين على الصلاة، الموالين لأوليائه، المنزَّهين عن ظلم عباده، وأن يختم لنا بخير، وأن يجعل دماء الشهداء مشاعل نورٍ وهداية في طريق لقائه تعالى، ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.


[1] الشيخ المفيد، الأمالي، ص329.
[2] سورة السجدة، الآية 5.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص268.
[4] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج2، ص67.
[5] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص197.
[6] المصدر نفسه، ص414.
[7] البرقيّ، المحاسن، ج1، ص62.
[8] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص415.
[9] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص461.
[10] سورة المائدة، الآية 32.
[11] البيهقيّ، شعب الإيمان، ج4، ص345.
[12] سورة النساء، الآية 93.
[13] الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص461.
[14] سورة التوبة، الآية 187.
[15] من كلامٍ للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، بتاريخ 13/08/2023م.

12-11-2025 | 14-32 د | 22 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net