الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1698 17 جمادى الثانية 1447هـ - الموافق 08 كانون الأول 2025م

الزهراء (عليها السلام) ونهج الصمود

فاطمةُ الزهراءُ عابدةٌ شفيعةٌكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء الآلاف من السيّدات والفتياتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) المتلفزة والموجّهة إلى الشعب الإيرانيّإنسانٌ عرشيّ إنسانٌ كامل مراقباتخَوْفُ الأَبْرَارِمراقباتالتعبويُّ العاملُ للهِ عزَّ وجلَّمراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1698 17 جمادى الثانية 1447هـ - الموافق 08 كانون الأول 2025م

الزهراء (عليها السلام) ونهج الصمود

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله ربّ العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونشكره على آلائه ونِعَمه، ونشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) عبده ورسوله، أرسله رحمةً للعالمين، وهادياً للبشريّة أجمعين؛ صلّى الله عليه وآله، مصابيح الدجى، وسفن النجاة، وأمناء الوحي، ومنار الهدى.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيد الأمّة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك بذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين وحفيدها الإمام الخمينيّ العظيم (قُدِّس سرّه)، في العشرين من شهر جمادى الآخرة.

أيّها المؤمنون، إنّ هذه الذكرى هي ذكرى عظيمة ومباركة في تاريخ الإنسانيّة، ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ابنة رسول الله، وسيّدة نساء العالمين، التي قدّمها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) للعالم بوصفها القدوة الكاملة، والابنة العالمة المطهَّرة، وهو القائل فيها (سلام الله عليها): «إنّ فاطمة بضعة منّي، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي»[1].
هذه المناسبة ليست مجرّد تاريخ ميلاد لشخصيّة عظيمة فقط، بل هي محطّة معرفيّة، نرجع فيها إلى سيرتها العطرة، لنستلهم منها الوعي والإيمان، ونعرف من خلالها موقع الإمامة في الأمّة، ودور الجهاد والصبر والأمر بالمعروف، كما بيّنت ذلك (سلام الله عليها) في خطبتها المعروفة بالخطبة الفدكيّة.

الخطبة الفدكيّة منهج توعية
جاء في الروايات، أنّه لمّا عزم القوم على منع فاطمة (عليها السلام) أرضَ فدك بعد غصبهم الخلافة من أمير المؤمنين (عليه السلام)، قامت (عليها السلام): «لاثت خمارها[2] على رأسها، واشتملت بجلبابها[3]، وأقبلت في لُمّةٍ[4] من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها[5]، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلّى الله عليه وآله)»[6]، إلى أن انتهت إلى مسجد أبيها (صلّى الله عليه وآله)، حيث كان القوم مجتمعين، فأرادت أن تخطب فيهم، فنيطت دونها ملاءة[7]، ثمّ خطبت فيهم خطبتها الشهيرة المعروفة بالخطبة الفدكيّة.

هذه الخطبة لم تكن مجرّد احتجاجٍ على حقّ تاريخيّ إلهيّ مغصوب، بل كانت مشروع توعية كامل، تكشف فيه (عليها السلام) حقائق العقيدة، وأصول الإمامة، وحقيقة موقع أهل البيت (عليهم السلام)، وتبيّن أسباب انحراف الأمّة.

ولهذا، لا يزال العلماء يعكفون على شرح هذه الخطبة، وبيان مقاصدها، ويؤلّفون الكتب في معانيها؛ لأنّ مضامينها تتجاوز حدود الزمان والمكان، ولأنّها درس عقائديّ وسياسيّ وأخلاقيّ ومعرفيّ في آن.
وفي بيان عظمة تلك الخطبة التي لا تزال حيّة غضّة إلى يومنا هذا، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «وفي أجواء العلم، كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) عالمةً عظيمة، فتلك الخطبة الّتي ألقتها في مسجد المدينة بعد رحيل النبيّ، هي خطبة -بحسب كلام العلّامة المجلسيّ- يحتاج فطاحل الفصحاء والبلغاء والعلماء أن يجلسوا ليفسّروا معاني كلماتها وعباراتها، لقد كانت بمثل هذا العمق، وبلحاظ جماليّة الفنّ فهي مثل أجمل وأرقى كلمات نهج البلاغة»[8].

الخطبة الفدكيّة وإظهار مقام الإمامة
أيّها المؤمنون، نتوقّف عند مقطعٍ بالغ الأهمّيّة من هذه الخطبة، تقول فيه السيّدة فاطمة (عليها السلام): «فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُم... وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً للفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً لِلإسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأجْرِ، وَالأمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّة»[9].

تلخّص السيّدة الزهراء (عليها السلام) بهذا المقطع أصول انتظام المجتمع الإسلاميّ، وتحدّد قواعد القوّة والعزّة، وتعرّف المسلمين عظمة أمرَين أساسيّين، هما الإمامة والجهاد.

«وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ»
بعد أن تحدّثت الزهراء (عليها السلام) عن الحكمة الإلهيّة في العبادات الفرديّة، انتقلت إلى الجانب الاجتماعيّ التشريعيّ، لتبيّن أنّ إقامة المجتمع ووحدة الأمّة واستقامة النهج، لا يمكن أن تتحقّق إلّا بطاعة وليّ الأمر الحقّ، فقالت: «وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ».

الطاعة هنا ليست طاعة أشخاص، بل هي طاعة مقام الإمامة الذي نصَّبه الله، ونصّ عليه الرسول؛ لأنّه مقام العصمة، ومقام العلم، ومقام الولاية الإلهيّة؛ ولذلك ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «مَن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهليّة»[10]، فالملّة بلا إمام معصوم تفقد نظامها، وتدخل في الفوضى والاختلاف، وتسودها آراء متعدّدة متضاربة؛ لأنّ البشر غير المعصومين مهما امتلكوا من علم وخبرة، فسيبقَون عرضة للهوى والخطأ؛ ولذلك كان أهل البيت (عليهم السلام) هم النظام الذي يحفظ توازن الأمّة.

كما تؤكّد روايات أهل البيت (عليهم السلام) هذه الحقيقة، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «نحن الذين فرض الله طاعتنا، لا يسع الناس إلّا معرفتنا، ولا يُعذَر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمناً، ومن أنكرنا كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا، كان ضالّاً حتّى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة، فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء»[11]، وهو تصريح بيِّن بأنّ طاعتهم ليست طاعة أشخاص، بل طاعة مقامٍ إلهيٍّ فرضه الله تعالى، وجعله حاكماً على الأمّة.

«وَإمامَتَنا أماناً للفُرْقَةِ»
ثمّ تُتبع الزهراء (عليها السلام) هذه القاعدة بقاعدة أشدّ وضوحاً، فتقول: «وَإمامَتَنا أماناً للفُرْقَةِ».

لاحظوا أيها الموالون، لم تقل «إمامة المسلمين» أو «إمامة الصالحين»، بل قالت: «إمامتنا»؛ أي الإمامة الخاصّة بأهل البيت حصراً، لتؤكّد أنّ القيادة التي تحفظ الأمّة من الفرقة هي القيادة المعصومة المنصوص عليها؛ فالإمامة هنا ليست مسألة تاريخيّة، أو جدلاً سياسيّاً، بل هي قانون اجتماعيّ ثابت: متى ابتعدت الأمّة عن أهل البيت (عليهم السلام) تفرّقت، ومتى عادت إليهم توحّدت، عن رسول (صلّى الله عليه وآله): «النجوم أمانٌ لأهل السماء، وأهل بيتي أمانٌ لأهل الأرض»[12]، وهو نصّ صريح في أنّ وجود الإمام الحقّ هو الأمان الحقيقيّ للأمّة.

وهذه الحقيقة لم تكن مسألة نظريّة، بل أثبتها واقع التاريخ، فحينما ابتعدت الأمّة عن إمامتها الحقّة تشتّتت، وحملت السيوف بعضها على بعض، ودخل المسلمون في دوّامات طويلة من النزاع.

«وَالْجِهادَ عِزاً لِلإسْلامِ»
ثمّ تنتقل الزهراء (عليها السلام) إلى عامل القوّة والعزّة، فتقول: «وَالْجِهادَ عِزاً لِلإسْلامِ»
الجهاد ليس حرباً اعتباطيّة، ولا عداءً للناس، بل هو دفاع عن الدين، وحماية لوجود الأمّة، ولولا الجهاد لما بقي الإسلام، ولما بقيت كرامة المسلمين، ولأصبحت الأمّة لقمة سائغة للاعتداء والظلم، وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: «ألا أخبرك بالإسلام؛ أصله وفرعه وذروة سنامه؟» قلتُ: بلى، جُعلتُ فداك! قال: «أمّا أصله فالصلاة، وفرعه الزكاة، وذروة سنامه الجهاد»[13]؛ وهذا يدلّ بوضوح على أنّ الجهاد هو قمّة البناء الإسلاميّ، وعنوان القوّة الذي به تُصان العقيدة وتُحفظ الأمّة.

فالجهاد عزّ؛ لأنّه حماية للهويّة، وحفظ كرامة الإنسان، ولذلك قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ﴾[14].

«وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأجْرِ»
ولأنّ طاعة أهل البيت، والتمسّك بالإمامة، والسير في نهج الجهاد، كلّ ذلك يحتاج إلى صبر، تقول الزهراء (عليها السلام): «وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأجْرِ».

الصبر ليس استسلاماً، ولا ضعفاً، بل هو قدرة على الثبات، وحفظ المبادئ، والاستمرار في الطريق الصحيح، والثبات على الحقّ يحتاج إلى صبر، والصبر يضاعف الأجر، وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَن صبر واسترجع وحمد الله عند المصيبة، فقد رضي بما صنع الله، ووقع أجره على الله، ومَن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم، وأحبط الله أجره»؛ وهو بيانٌ واضحٌ في أنّ قيمة الصبر ليست في تحمّل المصيبة فحسب، بل في الرضا بحكم الله، ونيل الأجر الذي وعد به.

«وَالأمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّة»
وتختم الزهراء (عليها السلام) هذا الفصل بقولها: «وَالأمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّة».

فالمعروف لا يتحقّق بالخطاب الفرديّ فحسب، بل من خلال مسؤوليّة الأمّة تجاه نفسها؛ فكلّ مسلم مسؤول عن صلاح المجتمع بحدود علمه وقدرته، وهذه الفريضة تحفظ الأخلاق والعدل، وتمنع الانحراف الاجتماعيّ، وعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّها: «فريضةٌ عظيمةٌ، بها تُقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وتُردّ المظالم، وتعمر الأرض، ويُنتَصف من الأعداء، ويستقيم الأمر»[15]، وهذا بيان واضح في أنّ المعروف أساس استقامة المجتمع، وبه تُصان الأخلاق، وتتحقّق مصلحة العامّة.

ختاماً
أيّها المؤمنون، إنّ ولادة السيّدة الزهراء (عليها السلام) ليست مجرّد ذكرى تاريخيّة، بل هي ميلاد مدرسة متكاملة، تضع الإنسان أمام مسؤوليّته العقائديّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة، وتعيده إلى جوهر الإسلام الأصيل. لقد بيّنت لنا (عليها السلام) في هذه الخطبة ركائزَ لا غنى للأمّة عنها؛ فالإمامة أصلٌ لا تقوم الأمّة بدونه، والجهاد هو الذي يحفظ عزّة المسلمين وكرامتهم، والصبر شرط الثبات على الحقّ، أمّا الأمر بالمعروف فمسؤوليّة جماعيّة لصلاح العامّة.

وفي هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها عالمنا الإسلاميّ، حيث تتصاعد محاولات الظلم والتعدّي من أعداء الأّمة ومَن يقف معهم من المتخاذلين والمستغلّين، تصبح هذه الركائز أكثر ضرورة ووضوحاً. فالتمسّك بالإمامة والقيادة الصالحة يضمن وحدة الصفّ، ويحصّن المجتمع من الانقسامات، كما أنّ الصبر والثبات على المبادئ يحفظ كرامتنا وعزّتنا أمام الاعتداءات والضغوطات.

ولا يخفى علينا أنّ مسؤوليّة الأمر بالمعروف هي واجب جماعيّ يتطلّب يقظة الجميع وحسّاً وطنيّاً وعقائديّاً، حتّى نتمكّن من التصدّي للظلم والتعدّي بكلّ قوّة وحكمة. واليوم، حين نرى التحدّيات تتضاعف، سواءٌ أكانت على صعيد الحروب أو الاعتداء على الحقوق والوجود، فإنّ الاقتداء بالسيّدة الزهراء (عليها السلام) ومعاييرها في الثبات على الحقّ، والدفاع عن المبادئ، والصبر على الشدائد، يشكّل سبيلاً لاستعادة العزّة وحماية الأمّة.


[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص575.
[2] أي لفّته على رأسها.
[3] أي جعلته شاملاً لجسدها ومحيطاً به.
[4] أي جماعة.
[5] أي أثوابها، إذ كانت طويلة تستر قدميها.
[6] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج‏1، ص132.
[7] أي عُلّقت، والملاءة: الإزار.
[8] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص152.
[9] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، ج‏1، ص134.
[10] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج29، ص332.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص187.
[12] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص123.
[13] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص24.
[14] سورة الحجّ، الآية 40.
[15] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص56.

08-12-2025 | 11-13 د | 12 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net