الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1699 24 جمادى الثانية 1447هـ - الموافق 15 كانون الأول 2025م

رجب الأصبّ... شهر تهيئة القلوب

شَهْرُ اَلاِسْتِغْفَارِكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمعٍ من مدّاحي أهل البيت (عليهم السلام)الوصيّة بمراعاة التقوىمراقبات

العدد 1698 17 جمادى الثانية 1447هـ - الموافق 08 كانون الأول 2025م

الزهراء (عليها السلام) ونهج الصمود

فاطمةُ الزهراءُ عابدةٌ شفيعةٌكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء الآلاف من السيّدات والفتياتكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) المتلفزة والموجّهة إلى الشعب الإيرانيّإنسانٌ عرشيّ إنسانٌ كامل
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1699 24 جمادى الثانية 1447هـ - الموافق 15 كانون الأول 2025م

رجب الأصبّ... شهر تهيئة القلوب

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الذي فتح لعباده أبواب رحمته، وجعل في أيّام السنة محطّات يرقّ فيها القلب، ويصفو فيها الفكر، وتتهذّب فيها النفس. نحمده سبحانه على نعمة الهداية، ونشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى نائبه وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى شهيدنا الأسمى السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، وإلى مراجعنا وقادتنا العظام، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك بقدوم شهر رجب الأصبّ، وبذكرى ولادة الإمام الباقر (عليه السلام) في اليوم الأوّل منه سنة 57هـ، والإمام الهادي (عليه السلام) في اليوم الثاني سنة 212هـ، وكذلك أسمى آيات العزاء بذكرى شهادة الإمام الهادي (عليه السلام) أيضاً في اليوم الثالث من شهر رجب سنة 254هـ.

أيّها المؤمنون، نستقبل اليوم واحداً من أعظم شهور السنة، شهراً هو أحد مفاتيح القرب إلى الله تعالى، يغمر الله فيه عباده بالرحمة، وقد سُمّي رجب الأصبّ؛ أي الشهر الذي تُصبّ فيه الرحمة على العباد صبّاً. وإنّ الوقوف عند هذا الشهر ليس وقوف تعريفٍ بمناسبة، بل وقوف تأمّلٍ وبصيرة، نقرأ فيه معاني الرحمة، ونستحضر أهمّيّته في المسار الإيمانيّ، ونسأل أنفسنا كيف نُحسن اغتنام أيّامه، وكيف نتهيّأ بما يُعرِّض القلوب لنفحات الله فيه.

معنى «رجب الأصبّ» وسبب تسميته
لقد ورد في الروايات أنّ هذا الشهر سُمّي «الأصبّ»؛ لأنّ الرحمة تُصبّ فيه صبّاً على عباد الله، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): وسُمّي رجب شهر الله الأصبّ؛ لأنّ الرحمة على أمّتي تُصبّ صبّاً فيه»[1].

وفي هذه التسمية رسالة عميقة؛ فالصبّ يدلّ على السخاء والغزارة وعدم الانقطاع؛ وكأنّ الله تعالى يريد أن يعرّفنا بأنّ باباً واسعاً قد فُتح لنا في هذه الأيّام، وأنّ علينا أن نتهيّأ لتلقّي هذا الفيض الإلهيّ بالإنابة والطاعة والتوجّه إليه تعالى.

إنّه شهر يبدأ به المؤمن مساره الروحيّ، فيضع فيه الأساس، ويهيّئ القلب، لتتواصل هذه المسيرة في شهر شعبان، وتبلغ ذروتها في شهر رمضان؛ ولذلك كانت أيّامه الأولى فرصةً حقيقيّة لفتح صفحة جديدة مع النفس.

مكانة رجب في الروايات وكتاب الله
إنّ مكانة هذا الشهر العظيم تظهر لنا من خلال النصوص الكثيرة التي وردت في فضله، ومن أهمّها ما جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «ألا وإنّ رجب شهر الله، وشعبان شهري، وشهر رمضان شهر أمّتي»[2].

ووصف الشهر بأنّه «شهر الله» يحمل دلالة عظيمة؛ إذ إنّ إضافة الشهر إلى الله تعالى إنّما هي إضافة تشريف وتعظيم، تنبّهنا إلى خصوصيّة في الزمان، وإلى عنايةٍ إلهيّة مضاعفة فيه؛ ومعنى ذلك أنّ الله تعالى يفتح في هذا الشهر أبواب القرب على نحوٍ أوسع، ويجعل العمل الصالح فيه أشدّ تأثيراً في تزكية النفس، وأنّ لحظاته هي ميدان عنايةٍ ورحمةٍ وفرصةٍ لمن أراد التقرّب إلى الله تبارك وتعالى.

وفي هذا السياق، تأتي رواية الإمام الكاظم (عليه السلام): «رجب نهر في الجنّة أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، مَن صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر»[3]، لتُعبِّر بوضوح عن عظيم الجزاء الذي أعدّه الله تعالى لمن يعظّم هذا الشهر بالطاعة؛ فالرواية تتحدّث بوعد صريح، مؤكّدةً أنّ العمل في رجب ليس عملاً عاديّاً، وأنّ الصيام فيه يقترن بكرامةٍ خاصّةٍ في الآخرة، تُظهِر مقدار العناية الإلهيّة بهذا الزمان، وسعة الفضل المترتّب على اغتنامه.

إنّ هذه النصوص وأمثالها تستنهض العزائم، وتفتح أمام الإنسان باب الرجاء، فالسير إلى الله يقوم على ثبات النيّة واستقامة التوجّه، وإنّ شهر رجب واحد من أوسع المواسم التي جعلها الله تعالى ميداناً للعودة، وفرصة حقيقيّة لمن أراد الوصول إليه تعالى.

أمّا في القرآن الكريم، فإنّ الله تعالى يعرّفنا خصوصيّة الأشهر الحرم، ومنها شهر رجب، في قوله جلّ وعلا: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾[4]، وهذه الآية تُبيّن حرمةً خاصّة لهذه الأشهر، وأنّ مقتضى هذه الحرمة ليس مجرّد الامتناع عن الظلم الظاهر، بل الحذر من كلّ تقصيرٍ في الطاعة، وكلّ ما يُبعد الإنسان عن الله؛ لأنّ انتهاك الحرمة في الأزمنة المشرّفة أعظم أثراً وأشدّ تبعة.

شهر التهيئة لشهرَي شعبان ورمضان
إنّ للموسم الروحيّ في الإسلام مساراً متدرّجاً تصاعديّاً، يبدأ بشهر رجب، ويمتدّ في شهر شعبان، ليبلغ ذروته في شهر رمضان المبارك، وهذا الترتيب ليس عارضاً ولا اعتباطيّاً، بل يكشف عن منهجٍ تربويٍّ عميق في تهيئة الإنسان روحيّاً؛ ففي رجب تُفتح أمام المؤمن فرصة التخلّي عمّا أثقل قلبه من ذنوب وغفلة، ليبدأ مسار التنقية والمراجعة، ثمّ يأتي شعبان ليُعمِّق هذا المسار، فتقوى فيه الصلة بالله، ويزداد الذكر، وتشتدّ رابطة القلب بالنبيّ وآله، فتصفو النيّات وتتهيّأ الأرواح. أمّا شهر رمضان، فهو موسم التجلّي والكمال، حيث يبلغ المؤمن أفق القرب بالصيام والقيام وتلاوة القرآن. وقد عبّر الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرُّه) عن عظمة هذا المسار بقوله: «لقد حظي الإنسان في هذه الأشهر الثلاثة -رجب وشعبان وشهر رمضان المبارك- ببركات كثيرة، وبوسع الناس الاستفادة من هذه البركات... إنّ كرامة هذه الأشهر الثلاثة تعجز الألسن والعقول والأفكار عن استيعابها»[5].

ومن هنا كان من أهمّ روايات هذا الباب قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ لربّكم في أيّام دهركم نفحات، ألا فتعرّضوا لها»[6].

شهر التوبة ومجاهدة النفس
إنّ من أعظم مقاصد شهر رجب التوبة الواعية الصادقة، التوبة التي تعني الرجوع الحقيقيّ عن الذنب، وإعادة توجيه السلوك، وتصحيح المسار، يقول تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[7]، فالتوبة في هذا الشهر سلوكٌ عمليٌّ يعيشه الإنسان مع نفسه، فيجاهد هواه، ويكسر عادات السوء، ويستعيد التوازن في علاقته بربّه وبالناس من حوله، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «صلاح النفس مخالفة الهوى»[8]، و«بالمجاهدة صلاح النفس»[9]، ورجب هو الميدان الأوسع لهذه المجاهدة الهادفة. ومن هنا، جاء الحثّ على الاستغفار في هذا الشهر، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): رجب شهر الاستغفار لأمّتي، أكثروا فيه الاستغفار، فإنّه غفور رحيم»[10]. ويقترن الاستغفار في رجب بالعمل الصالح، من صدقة خالصة، ولو قليلة، كما ورد عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): «مَن تصدّق بصدقة في رجب ابتغاء وجه الله، أكرمه الله يوم القيامة في الجنّة من الثواب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»[11]، وكذلك بالسعي في الإصلاح بين الناس، وهو من أعظم القربات، وقد قال تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾[12].

إنّها فرصة حقيقيّة في هذا الشهر الكريم؛ أن نراجع مظالمنا، نخفّف حدّة غضبنا، نلطّف كلماتنا، نرمّم ما تصدّع من علاقاتنا، فإنّ رجب الأصبّ هو نداء من الله لنطهِّر نفوسنا، ونتهيّأ لشهرَي شعبان ورمضان.

نسأل الله تعالى أن يكتبنا في هذا الشهر من التائبين المقبولين، وأن يغمرنا برحمته الواسعة، وأن يثبّت أقدامنا على صراط الحقّ، والحمد لله ربّ العالمين.


[1] الأشعريّ القمّيّ، النوادر، ص18.
[2] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص24.
[3] المصدر نفسه، ص24.
[4] سورة التوبة، الآية 36.
[5] صحيفة الإمام، ج‏17، ص370.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج68، ص221.
[7] سورة النور، الآية 31.
[8] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص303.
[9] المصدر نفسه، ص189.
[10] الأشعريّ القمّيّ، النوادر، ص17.
[11] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص38.
[12] سورة النساء، الآية 114.

15-12-2025 | 11-34 د | 9 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net