الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
مراقباتالمسؤولون هم المطالَبون بالزهد أوّلاًكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع القائمين على مؤتمر تكريم شهداء محافظة ألبرزثلاثٌ لِرضوانِ الله ِعزَّ وجلَّ

العدد 1700 01 رجب 1447هـ - الموافق 22 كانون الأول 2025م

انتهِزوا فُرصَ الخير

العدد 1699 24 جمادى الثانية 1447هـ - الموافق 15 كانون الأول 2025م

رجب الأصبّ... شهر تهيئة القلوب

شَهْرُ اَلاِسْتِغْفَارِكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمعٍ من مدّاحي أهل البيت (عليهم السلام)الوصيّة بمراعاة التقوىمراقبات
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1700 01 رجب 1447هـ - الموافق 22 كانون الأول 2025م

انتهِزوا فُرصَ الخير

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الحمد لله الذي خلق الزمان، وجعل بعضه أفضل من بعض، وفضّل أيّاماً على أيّام، وساعاتٍ على ساعات، ليبلوَنا أيّنا أحسن عملاً، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، جعل العمر رأس مال الإنسان، والوقت وعاء التكليف، والخسارة الحقيقيّة في ضياع ما لا يُعوَّض.

وأشهد أنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) عبده ورسوله، ما ترك خيراً إلّا أرشدنا إليه، ولا شرّاً إلّا حذّرنا منه، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

أيّها المؤمنون،
نحن في شهر رجب الأصبّ، شهر الرحمة المصبوبة، شهر بداية المسار الروحيّ، شهرٌ لا يُقاس بعدد أيّامه، بل بما يُنجَز فيه من يقظة القلب، وتصحيح المسار، واستعادة العلاقة مع الله. ومن أخطر ما قد يواجه الإنسان في هذا الشهر المبارك، أن يمرّ عليه كما تمرّ سائر الأيّام، من دون أن يشعر بأنّه أمام فرصة لا تتكرّر، ونفحة قد لا تعود، وزمنٍ له وزنٌ خاصّ في ميزان الله.

قيمة الأيّام المباركة
إنّ من نِعَم الله تعالى أنّه لم يجعل الزمن كلّه على وتيرة واحدة، ولم يجعل الأيّام متشابهة في الأثر والقيمة، بل رتّب الأزمنة ترتيباً تربويّاً، ليُعلّم الإنسان كيف يغتنم، وكيف يتهيّأ، وكيف ينتقل من حالٍ إلى حال. فكما أنّ في الأمكنة بقاعاً مباركة، في الأزمنة أيّاماً مباركة، لها خصوصيّة في القبول، وسرعة في التأثير، وعمق في التغيير. ثمّ جاءت الروايات لتحثّ الإنسان على اغتنام هذه الأيّام والأوقات وعدم تضييعها، بل على اغتنام العمر كلّه؛ إذ يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ أوقاتك أجزاء عمرك، فلا تُنفِد لك وقتاً في غير ما يُنجيك»[1].

إنّ قيمة الأيّام المباركة لا تكمن في اسمها، بل في وظيفتها، وشهر رجب ليس شهراً عابراً في هذا التقويم الإلهيّ، بل هو شهر تأسيس وإعداد، شهر إيقاظ وتنبيه من الغفلة. هو الباب الذي يُطرَق قبل الدخول إلى شعبان وشهر رمضان، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «لا يمكن تجاوز هذه المناسبات وهذه الخصوصيّات المرتبطة بالأيّام والشهور بسهولة. يعتبر العلماء وأهل المعنى وأهل السلوك أنّ شهر رجب هو مقدّمة لشهر رمضان؛ فشهرا رجب وشعبان، هما محطّة من أجل أن يتمكّن الإنسان من الدخول مستعدّاً إلى شهر رمضان الذي هو شهر ضيافة الله»[2].

خسارة الفرص الروحيّة أخطر من خسارة الدنيا
أيّها المؤمنون،

نحن نعيش في عالمٍ يُضخِّم الخسائر المادّيّة، ويُهوّن من الخسائر الروحيّة. يبكي الإنسان على مالٍ ضاع، أو منصبٍ فات، أو فرصة دنيويّة لم تتحقّق، لكنّه قلّما يبكي على يومٍ مضى بلا ذكر، أو شهرٍ مرّ بلا توبة، أو موسمٍ إلهيّ خرج منه كما دخل. فالحقيقة هي أنّ خسارة الفرص الروحيّة أخطر من خسارة الدنيا كلّها؛ لأنّ الفرص الدنيويّة يمكن تعويضها، ويمكن أن يُستدرَك ما فُقِد منها؛ أمّا العمر، فإذا مضى لا يعود، والفرصة إذا انقضت لا تُستعاد بعينها.

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أيّها الناس، الآن الآن من قبل الندم، ومن قبل ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[3]»[4].

وشهر رجب فرصة لإصلاح ما أفسدته شهور الغفلة، وجسر عبورٍ إلى حالة روحيّة أرقى؛ فمَن أضاع رجب، دخل شعبان مُثقلاً، ووصل إلى شهر رمضان مُتعباً، وربّما خرج من شهر رمضان كما دخل، بلا أثرٍ حقيقيّ في السلوك ولا في القلب.

إنّ الخطر الفعليّ أن تتحوّل المواسم الإلهيّة إلى عادات زمنيّة، لا إلى محطّات تغيير، أن تمرّ علينا الأيّام المباركة ونحن نعدّها عدّاً، من دون أن نخرج منها بتحوّلٍ حقيقيّ. وإنّ أخطر أنواع الخسارة، أن يمرّ الإنسان بالقرب من الرحمة ولا ينالها، وأن يقف على باب الله ولا يطرقه بصدق، وأن تُفتح له نافذة فيُغلِقها بيد الغفلة والتسويف، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «انتهزوا فرص الخير، فإنّها تمرّ مرّ السحاب»[5].

رجب بوّابة الصبر والثبات
أيّها الإخوة والأخوات،

إنّ من سنن الله الثابتة في عباده أنّه لا يمنحهم الإيمان مجرّداً عن الامتحان، ولا يهبهم الثبات بلا ابتلاء، بل يجعل مواسم الشدّة والمحن ميداناً لتمييز الصادق من المدّعي، والثابت من المتردّد. وقد جُبِلت الحياة على الاختبار، لكنّ المؤمن يختلف عن غيره في طريقة التعاطي مع الشدائد؛ فهو لا ينهار عند الصدمة، ولا يتيه عند الضغط، بل يتّخذ من الصبر ميزاناً، ومن الوعي سلاحاً، ومن الوقت فرصةً لإعادة التموضع على خطّ الحقّ.

وقد عبّر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن هذه الحقيقة ببيانٍ جامع، حين قال: «عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كلّه له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلّا المؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له»[6]. فهنا تتجلّى الرؤية الإيمانيّة للشدائد والمحن، في كونها امتحاناً وفرصةً للثبات والارتقاء.

وإذا نظرنا إلى واقعنا اليوم، فإنّ مجتمعنا يقف في قلب هذه المعادلة؛ أزمات داخليّة خانقة، ضغوط اقتصاديّة قاسية، وتهديدات وعدوان دائم من عدوّنا، في محاولة لكسر الإرادة، وبثّ اليأس، واستنزاف الصبر. وهنا تحديداً تتجلّى الحاجة إلى وعيٍ إيمانيّ يربط بين العبادة والموقف، وبين الصبر والمواجهة، وبين اغتنام المواسم الروحيّة والثبات في ساحات الابتلاء.

وشهر رجب، بما يحمله من نفحات ورحمة، هو شهر إعداد داخليّ لمواجهة الخارج، شهر شحذ الإرادة، وربط القلوب بالله في زمنٍ تكثر فيه أسباب القلق والانكسار. ومَن لم يُحصّن نفسه في مواسم القرب، تزعزعت قدمه في مواسم الضغط، ومَن لا يراجع نفسه في زمن السعة، يعجز عن الثبات في زمن الشدّة، ومَن لم يُحسِن إدارة وقته ووعيه، صار فريسة سهلة لليأس والارتباك عند الامتحان. ومن هنا، يضعنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمام معيارٍ واضح في قراءة الزمن والتعامل مع المنعطفات الكبرى، فيقول: «إنّ الكيِّس مَن دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنّى على الله عزّ وجلّ الأماني»[7]، فالكَياسة وعيٌ ومسؤوليّة، ومحاسبة للنفس قبل أن تُحاسَب، واستعدادٌ للشدائد؛ أمّا العجز الحقيقيّ فهو في إضاعة الوقت، وترك النفس بلا محاسبة، ثمّ انتظار النجاة بالأماني.

ومن هنا -أيّها الإخوة والأخوات- تتلاقى هذه المعاني مع نهاية عامٍ وبداية عام جديد؛ فهي ليست مجرّد انتقالٍ رقميّ في التقويم، بل محطّة محاسبة ومراجعة. عامٌ مضى بما فيه من صبر أو تقصير، من وعي أو غفلة، وعامٌ يُقبل، لا نعلم ما يخفيه من امتحانات أو فرص. وهنا يفرض الإيمان علينا هذه الأسئلة: ماذا تغيّر فينا؟ ماذا ثبّتنا من قِيَم؟ وماذا ينبغي أن نصلح قبل فوات الأوان؟

وقد نبّهنا النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) إلى خطورة التفريط بالزمن، حين قال: «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»[8]، وهذه الوصيّة تبلغ ذروتها في مواسم الانتقال، كنهاية عام وبداية آخر، وفي مواسم الفضل كشهر رجب.

إنّ اغتنام رجب في هذا السياق، يعني أن نجعله شهر إعادة تموضع أمام الله وأمام التحدّيات؛ أن نربّي أنفسنا على الصبر الواعي لا الصبر السلبيّ، وعلى الثبات الهادف لا الجمود، وعلى مواجهة العدوان بروحٍ مؤمنة لا مهزومة، وبقلبٍ موصول بالله تعالى ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[9].

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لاستثمار أعمارنا في ما يرضيه، وأن لا يجعلنا من الذين تمرّ عليهم الأيّام المباركة وهم عنها غافلون، وأن يكتب لنا في هذا الشهر بداية صدق، وثبات أثر، وحسن عاقبة، إنّه سميع مجيب، والحمد لله ربّ العالمين.


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص159.
[2] من كلامٍ له (دام ظلّه)، بتاريخ 15/05/2013م.
[3] سورة الزمر، الآيات 56 - 58.
[4] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص685.
[5] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص89.
[6] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج79، ص139.
[7] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص530.
[8] المصدر نفسه، ص526.
[9] سورة الرعد، الآية 28.

21-12-2025 | 21-07 د | 16 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net