محاور الموضوع الرئيسيّة:
- السماء تأمر بزواجهما
- مهر فاطمة وجهازها وبيتها
- الحياة الزوجية تعاون وإيثار
- تضحيات فاطمة أمام أسرتها
الهدف:
التعرّف الى الحياة الزوجية الناجحة لأمير المؤمنين عليه السلام والسيدة الزهراءعليها السلام، والاقتداء بهما.
تصدير الموضوع:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أبشرك يا عليّ فإنّ الله عز وجل قد زوّجكها في السماء من قبل أن أزوّجكها في الأرض، ولقد هبط عليَّ في موضعي من قبل أن تأتيني ملك من السماء فقال: يا محمّد! إنّ الله عز وجل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارك من خلقه فبعثك برسالته، ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخاً ووزيراً وصاحباً وختناً فزوّجه ابنتك فاطمةعليها السلام، وقد احتفلت بذلك ملائكة السماء، يا محمّد! إن الله عز وجل أمرني أن آمرك أن تزوّج عليّاً في الأرض فاطمة، وتبشّرهما بغلامين زكيين نجيبين طاهرين خيّرين فاضلين في الدنيا والآخرة " 1.
زوّج النور من النور
خطب أكابر قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام والشرف والمال فاطمة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يردّهم ردّاً جميلاً ويقول لكلّ من جاءه: "إنّي أنتظر فيها أمر الله" وكان صلى الله عليه وآله وسلم يعرض عنهم بوجهه الكريم حتى كان الرجل يظنّ في نفسه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساخط عليه 2. وكان رسول الله قد حبسها على عليّ، ويرغب أن يخطبها منه 3.
وذات يوم وما إن أكمل الإمام عليه السلام عمله حتى توجّه نحو منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان في بيت السيدة أم سلمة، وبينما كان الإمام في الطريق هبط ملك من السماء بأمر إلهي هو أن يزوِّجَ النور من النور، أي فاطمة من عليّ 4.
فدقّ عليّ عليه السلام الباب، فقالت أُمّ سلمة: من بالباب ؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قومي يا أم سلمة فافتحي له الباب ومريه بالدخول، فهذا رجل يحبّه الله ورسوله ويُحبّهما" فقالت أم سلمة: فداك أبي وأمي، من هذا الذي تذكر فيه هذا وأنت لم تره ؟ فقال: "مه يا أم سلمة، فهذا رجل ليس بالخرق ولا بالنزق، هذا أخي وابن عمّي وأحبّ الخلق إليّ" قالت أم سلمة: فقمت مبادرةً أكاد أعثر بمرطي، ففتحت الباب فإذا أنا بعليّ بن أبي طالب عليه السلام فدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته" فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "وعليك السلام يا أبا الحسن، اجلس" فجلس علىّ عليه السلام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: "يا أبا الحسن، إنّي أرى أنّك أتيت لحاجة، فقل حاجتك وابدِ ما في نفسك، فكلّ حاجة لك عندي مقضية".
قال عليّ عليه السلام: "فداك أبي وأمي إنّك أخذتني من عمّك أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبي، فغذّيتني بغذائك، وأدّبتني بأدبك، فكنتَ إليّ أفضل من أبي طالب ومن فاطمة بنت أسد في البرّ والشفقة، وإنّ الله تعالى هداني بك وعلى يديك، وإنّك والله ذخري وذخيرتي في الدنيا والآخرة يا رسول الله فقد أحببت مع ما شدّ الله من عضدي بك أن يكون لي بيت وأن تكون لي زوجة أسكن إليها، وقد أتيتك خاطباً راغباً، أخطب إليك إبنتك فاطمة، فهل أنت مزوّجي يا رسول الله ؟" فتهلّل وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرحاً وسروراً، وأتى فاطمة فقال: "إنّ عليّاً قد ذكركِ وهو من قد عرفتِ" فسكتت عليها السلام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "الله أكبر، سكوتها رضاها" فخرج فزوّجها"5.
أمر زواجهما من السماء
قال ابن أبي الحديد: وإنّ إنكاحه عليّاً إيّاها ما كان إلاّ بعد أن أنكحه الله تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة6.
وعن جابر بن عبدالله قال: لمّا زوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة من عليّ عليه السلام كان الله مزوّجه من فوق عرشه7.
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّما أنا بشر مثلكم، أتزّوج فيكم وأزوّجكم إلاّ فاطمة، فإنّ تزويجها نزل من السماء" 8.
مهرها وجهازها
وجاء عليّ بالمهر بعد أن باع درعه لعثمان، وكان اربعمائة درهم سود هَجَرية، فقبض الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الدراهم وأعطاها لبعض أصحابهِ ونسائهِ ليشتروا متاعاً للبيت الجديد، فكان الجهاز:
"1 - قميصاً بسبعه دراهم. 2 - خماراً بأربعة دراهم. 3 - قطيفة سوداء خيبرية. 4 - سريراً مزمَّلاً بشريط. 5 - فراشين من خيش مصر حشو أحدهما ليف، وحشو الآخر من جزّ الغنم (صوف). 6 - أربعة مرافق من أدم الطائف حشوها إذخر. 7 - ستراً من صوف. 8 - حصيراً هجري. 9 - رحاءَ اليد. 10 - سقاءً من أدم. 11 - مخضباً من نحاس. 12 - قعباً للَّبَن. 13 - شنّاً للماء. 14 - مطهرةً مزفَّتة. 15 - جرَّةً خضراء. 16 - كيزان خزف. 17 - نطعاً من أدم. 18 - عباءً قطراني. 19 - قربةَ ماء".
قالوا: وحملناه جميعاً حتى وضعناه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلمّا نظر إليه بكى وجرت دموعه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: "اللهمّ بارك لقوم جلّ آنيتهم الخزف"9.
بيتهما
جهّز علي عليه السلام داره، وفرش عليه السلام بيته بالرمل الليّن ونصب خشبة من حائط إلى حائط لتعليق الثياب عليها وبسط على الأرض إهاب كبش ومخدَّة ليف.
وعن أبي يزيد المديني قال: لمّا اُهديت فاطمة إلى عليّ عليه السلام لم تجد عنده إلاّ رملاً مبسوطاً ووسادة وجرّة وكوزاً 10.
الحياة الزوجية تعاون وإيثار
علي وفاطمة يتقاسمان أعمال المنزل: وفي ذات يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عليّ عليه السلام فوجده هو وفاطمةعليها السلام يطحنان في الجاروش، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّكما أعيى ؟" فقال عليّ عليه السلام: "فاطمة يا رسول الله" فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "قومي يا بنية"، فقامت وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم موضعها مع علي عليه السلام فواساه في طحن الحبّ 11. وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: "كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمةعليها السلامتطحن وتعجن وتخبز 12.
وجاء في تفسير العياشي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن فاطمة ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت وضمن لها عليٌ ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام فقال لها يوماً: يا فاطمة هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظم حقك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به قال: أفلا أخبرتني؟ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاني أن أسألك شيئاً فقال: لا تسألي ابن عمك شيئاً أن جاءك بشيء (عفو) وإلا فلا تسأليه.
تضحيات فاطمة أمام أسرتها
لقد كانت بنت النبيّ الأكرم تبذل قصارى جهدها لإسعاد أسرتها، ولم تستثقل أداء مهام البيت رغم كلّ الصعوبات والمشاق، حتى أنّ عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام رقّ لحالها وامتدح صنعها، وقال لرجل من بني سعد: "ألا أحدثك عنّي وعن فاطمة؟ إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله صلى الله عليه وآله وسلم إليه، وإنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد فقلت لها: لو أتيت أباكِ فسألتيه خادماً يكفيكِ ضرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل، فأتت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده حدّاثاً فاستحت فانصرفت.قال علي عليه السلام: "فَعلم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّها جاءت لحاجة، قال عليه السلام: فغدا علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبّرا أربعاً وثلاثين 13.
هكذا تكون الزوجة
لقد كانت الزهراء عليها السلام تشجّع زوجها، وتمتدح شجاعته وتضحيته، وتشدّ على يده للمعارك المقبلة، وتسكّن جراحه وتمتص آلامه، وتسرّي عنه أتعابه، حتى قال الإمام عليّ عليه السلام: "ولقد كنت أنظر اليها فتنجلي عنّي الغموم والأحزان بنظرتي اليها" 14. ولقد كانت حريصة كلّ الحرص على القيام بمهام الزوجية، وما خرجت فاطمة عليها السلام، وما أسخطته يوماً وما عصت له أمراً، وقابلها الإمام عليّ عليه السلام بنفس الاحترام والودّ وهو يعلم مقامها ومنزلتها الرفيعة، حتى قال: "فوالله ما أغضبتها ولا أكربتها من بعد ذلك حتى قبضها الله إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً 15.
وعن أبي سعيد الخدري قال: أصبح عليّ بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ساغباً فقال: "يا فاطمة هل عندك شيء تغذينيه ؟" قالت: "لا، والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصيّة ما أصبح الغداة عندي شيء وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلاّ شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابنيّ هذين (الحسن والحسين) فقال عليّ عليه السلام: "يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً ؟" فقالت: "يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه"16.
1-بحار الأنوار: 43 - 127.
2-كشف الغمة: 1 - 353.
3-كشف الغمة: 1 - 354.
4-راجع معاني الأخبار: 103، والخصال: 640، وأمالي الصدوق: 474، وبحار الأنوار:43 - 111.
5-راجع بحار الأنوار: 43 - 93، وذخائر العقبى: 39.
6-شرح نهج البلاغة: 9 - 193، وبنص آخر في ذخائر العقبى: 40 - 41.
7-بحار الأنوار: 43 - 142.
8-بحار الأنوار: 43 - 145.
9-المناقب ابن شهرآشوب: 3 - 353، وكشف الغمة: 1 - 359.
10-فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى: 477 نقلاً عن المناقب لأحمد بن حنبل.
11-المصدر السابق: 43 - 50.
12-المصدر السابق: 151.
13-بحار الأنوار: 43 - 85.
14-المناقب للخوارزمي: 353.
15- المصدر السابق.
16-بحار الأنوار: 43 - 59.