محاور الموضوع الرئيسيّة:
- عقيدة المسلمين في الإمام المهدي
-روايات الإمام العسكري عليه السلام في التمهيد للحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف
- دلالات تتويج الإمام المهدي
الهدف:
التعرف على الخطوات التي بذلها الإمام العسكري في التمهيد والتعرّف على الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
تصدير الموضوع:
الإمام الباقر عليه السلام قال: "والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم عليه السلام إلا وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة لله على عباده"1
مدخل:
لقد تواترت الأخبار والروايات الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام التي تبشِّر بالمهدي، وبظهوره في آخر الزمان لينشر العدل، وينصر المستضعفين في العالم، ويعتقد المسلمون بأن قضية الإمام المهدي ضرورة من ضروريات الإسلام على مستوى كون إمامته امتداداً لنبوّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيادة البشرية، وعالمية دولته، وكونه الإمام المفروض الطاعة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن علياً إمام أمتي من بعدي، ومن وُلده القائم المنتظر الذي إذا ظهر يملأ الأرض عدلاً وقسطاً"2، وقد اتفقت كلمة الأديان السماوية لجميع الأمم والمذاهب على مجيء مصلحٍ سماوي إلهي ملكوتي، لإصلاح ما فسد من العالم وإزاحة ما ساد من الظلم والفساد، ولنشر العدل والمحبة والسلام.
خطوات الإمام العسكري في التمهيد للحجة
كثّف الإمام الحسن العسكري عليه السلام جهوده لفترة الانتقال من عصر الحضور إلى عصر الغيبة; لخطورة المرحلة من شتى النواحي، ولقصر الفترة الزمنية التي يعيشها الإمام عليه السلام وهو يرى سرعة التقلّبات السياسية على مستوى الحكّام والخلفاء، كما يرى سوء تعاملهم جميعاً مع أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم من جهة، ورصدهم للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وكل تحركاته من جهة أخرى، وسعيهم للبحث عن المهدي الموعود والمنتظر الذي بشّر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه القائم بالقسط والعدل، ويمكن إيجاز ما قام به الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بعدة أمور
الأول: كتمان أمر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف عن عيون أعدائه
لقد حرص الإمام العسكري عليه السلام على كتمان أمر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف عن عيون أعدائه، ولهذا فقد خفي أمر الحمل في بداية الأمر حتى على المقربين من الإمام، فإنّ عمّة الإمام عليه السلام لم تتعرّف على حمل أم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فضلاً عن غيرها، واقتضت الحكمة أن تكون الولادة في ظروف سرّية جداً وبعد منتصف الليل، وعند طلوع الفجر، ولهذا لم يطلع على ولادته إلاّ الخواص من شيعته.
الثاني: إلقاء الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف الخواص: لم يترك الإمام العسكري أمر خليفته الموعود مستوراً بالكامل عن الشيعة والموالين، بل حرص على إتمام الحجّة في هذه الظروف الاستثنائية على شيعته، وقام لهذه الغاية بعدة خطوات أهمها:
الخطوة الأولى: التبشير بولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
لقد جاءت النصوص المبشّرة بولادة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف عن أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام تالية لنصوص الإمام الهادي عليه السلام التي ركّزت على أنه حفيد الهادي عليه السلام وأنّه ابن الحسن العسكري عليه السلام وانّ الناس سوف لا يرون شخصه ولا يحلّ لهم ذكره باسمه، وأنه الذي يقول الناس عنه أنه لم يولد بعد، وأنّه الذي يغيب عنهم ويرفع من بين أظهرهم وأنه الذي ستختلف شيعته إلى أن يقوم، وعلى الشيعة أن تلتفّ حول العلماء الذين ينوبون عنه وينتظرون قيامه ودولته ويتمسّكون بأهل البيت عليهم السلام ويظهرون لهم الولاء بالدعاء والزيارة وانه الذي سيكون إماماً وهو ابن خمس سنين.
- فروى الصدوق عن الكليني أن جارية أبي محمد عليه السلام لمّا حملت قال لها: ستحملين ذكراً واسمه محمّد وهو القائم من بعدي3.
ـ وروى في إثبات الهداة عن الفضل بن شاذان أن محمد بن عبد الجبار سأل الإمام الحسن عن الإمام والحجة من بعده فأجابه: "إنّ الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيّه، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه. فسأله ممّن هو؟ فقال: من ابنة ابن قيصر ملك الروم، إلاّ أنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثم يظهر4.
ـ وروى الطوسي أن جماعة من شيعة الإمام الحسن العسكري وفدوا عليه بسرّ من رأى فعرّفهم على وكيله وثقته عثمان بن سعيد العمري ثم قال لهم: واشهدوا عليّ أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي وانّ ابنه محمّداً وكيل ابني مهديّكم5
الخطوة الثانية: الإشهاد على الولادة
لقد قام الإمام الحسن عليه السلام بالإشهاد على الولادة فضلاً عن إخباره وإقراره بولادته وذلك إتماماً للحجّة بالرغم من حراجة الظروف وضرورة الكتمان التام عن أعين الجواسيس الذين كانوا يرصدون دار الإمام وجواريه قبل الولادة وبعدها.
إن السيدة العلوية الطاهرة حكيمة بنت الإمام الجواد وأخت الإمام الهادي وعمّة الإمام الحسن العسكري عليه السلام قد تولت أمر نرجس أم الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حين الولادة
وصرّحت بمشاهدة الإمام المهدي بعد مولده، وصرّح الإمام العسكري عليه السلام بأن حكيمة قد غسّلته وساعدتها بعض النسوة مثل جارية أبي علي الخيزراني التي أهداها إلى الإمام العسكري عليه السلام ومارية ونسيم خادمة الإمام العسكري6
الخطوة الثالثة: الإخبار بولادة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
وتمثّلت هذه الخطوة بإخبار الإمام عليه السلام شيعته بأنّ المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف قد وُلد، وحاول نشر هذا الخبر بين شيعته بكلّ تحفّظ.
وورد ثمانية عشر حديثاً يتضمّن كلّ منها سعي الإمام عليه السلام لنشر خبر الولادة بين شيعته وأوليائه... فمنها ما رواه أحمد بن إسحاق بن سعيد الأشعري، قال: دخلت على أبي محمِّد الحسن بن عليّ عليه السلام، وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: "يا احمد بن إسحاق إنَّ اللـه تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة اللـه على خلقه، به يرفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض"، فقلت له: يابن رسول اللـه! فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض مسرعاً فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنَّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال: "يا أحمد لولا كرامتك على اللـه عزّ وجلّ وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا إنِّه سمّي باسم رسول اللـه وكنيته الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً: يا أحمد مثله في هذه الأمة مثل الخضر، ومثل ذي القرنين، واللـه ليغيبنّ غيبةً لا ينجو من الهلكة فيها إلاّ من ثبّته اللـه على القول بإمامته، ورفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه".
وعن أحمد بن إسحاق بن سعيد أنه قال: سمعت أبا محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام يقول: "الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى أراني الخلف من بعدي، أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خَلقاً وخُلقاً، يحفظه الله تبارك وتعالى في غيبته ثم يُظهره الله فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظُلماً"7
وعن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال: لمّا ولد الخلف الصالح عجل الله تعالى فرجه الشريف ورد عن مولانا أبي محمد الحسن بن علي إلى جديّ أحمد بن إسحاق كتاب فإذا فيه مكتوب بخط يده عليه السلام الذي كانت ترد به التوقيعات عليه وفيه: "ولد لنا مولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً فإنا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والوليّ لولايته..."8
الخطوة الرابعة: إكثار العقائق عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
أمر الإمام عليه السلام بعض وكلائه بأن يعقّوا عن ولده المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ويطعموا شيعته، والعقيقة نوع من الإخبار الضمني بولادته عجل الله تعالى فرجه الشريف بل جاء التصريح في بعضها بالولادة حيث كتب لبعضهم ما نصّه: "عقّ هذين الكبشين عن مولاك وكل هنّأك الله وأطعم إخوانك..."9
وتفيد الروايات: أنّه أكثر من العقائق عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، حتّى ورد: أنه عُقّ عنه ثلاثمائة عقيقة، والملفت للنظر أنّ الإمام أرسل إلى عدّد من الأماكن المختلفة طالباً منهم العق عن مولوده، فكتب إلى خواصّه في قم أن يعقّوا، وأن يقولوا للناس أن هذه العقيقة بمناسبة ولادة المولود الجديد للإمام العسكري عليه السلام وأنّه محمد، وهكذا مثلاً كتب إلى خواصه في بغداد وفي سامراء...,10
الخطوة الخامسة: ربط الناس بالوكلاء وإعلان أمر خلافة الحجة
بدأ عليه السلام بالتخطيط للارتباط بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بواسطة وكلاء الإمام العسكري عليه السلام الذين أصبحوا فيما بعد وكلاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بنفس الأسلوب الذي كان معلوماً لدى الشيعة حيث كانوا قد اعتادوا عليه في حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
وحرص الإمام عليه السلام عليه: هو أنّه كان يحضر مجاميع من خواصّه وشيعته وكان يعرفهم على ولده الإمام المهدي سلام الله عليه، وهذا ظاهر من جملة روايات: مثلاً في إكمال الدين للشيخ الصدوق أعلى الله مقامه عن أبي غانم الخادم: أنّ العسكري عليه السلام أخرج ولده محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في الثالث من مولده وعرضه على أصحابه قائلاً: "هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض ظلماً وجوراً خرج فيملأها قسطاً وعدلاً"11
1- الكافي، الكليني ج1 ص179
2- معجم أحاديث الامام المهدي، الشيخ علي الكوراني،ج1، ص265
3- كمال الدين: 2/408
4- إثبات الهداة: 3/569
5- غيبة الطوسي: 215.
6- كمال الدين: 2/430 و 431.
7-(كمال الدين: 2/418 .
8- كمال الدين: 2/433.
9- إثبات الوصية: 221.
10- راجع: الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من المهد إلى اللحد.
11- كمال الدين 431ح81