أهداف الورشة
1- الإطلاع على مكون أساس من مكونات قيم المجتمع.
2- التمييز بين القيم السائدة في مجتمعاتنا.
3- إدراك أهمية كل عنصر من حولنا ودوره في تنشئة الفرد.
4- تعزيز مستوى القيم الإيجابية ونفي السلبية.
5- المباشرة مع المحيط من حولنا في التوجيه نحو القيم المطلوبة.
تمهيد
يتجه تفكير الإنسان في الحديث عن الثقافة غالباً إلى المستويات الإبداعية في الفكر الإنساني، سواء على مستوى العلوم الطبيعية أو الإنسانية أو حتى المجالات الفنية. غير أن لعلم الاجتماع رؤية أشمل وأوسع في تحديد وفهم الثقافة، تنطلق بالأساس من أصل تشكُّل المجتمعات وتنوعها واختلاف القيم فيها، انطلاقاً من تنوع واختلاف أساليب التنشئة الاجتماعية وآليات الضبط المعتمدة لديها، وإن كانت تؤدي أدواراً متشابهة فيما بينها.
مفهوم الثقافة
يعتبر مفهوم الثقافة من أهم الأفكار والموضوعات التي يتناولها علم الاجتماع، كونه يرتبط بعموم حياة الإنسان ويعكس مظهراً هاماً في حياته. والثقافة تعني أسلوب ونمط الحياة التي يعيشها كل فرد في المجتمع، وهي ترتكز على
1- عملية التنشئة الاجتماعية.
2- آليات الضبط الاجتماعي.
لتكرس من خلالهما منظومة من القيم في سلوك الإنسان.
عملية التنشئة الاجتماعية
هي عملية تعلم لمجموعة من القواعد والسلوك والمعايير الاجتماعية من الوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد ويتفاعل معه (أهل، مدرسة، سكن، عمل ... ) حتى تصبح هذه القواعد والسلوك والمعايير قيماً أساسية في شخصيته.
وتبرز أهمية عملية التنشئة الإجتماعية من خلال التالي
1- الاستمرارية: إذ يتعلم الإنسان من خلال عملية التنشئة الاجتماعية قواعداً ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمجتمع وثقافته، وتبدأ معه منذ الولادة وتستمر معه طيلة فترة حياته.
2- التكيُّف مع المحيط: إذ تُكسب عملية التنشئة الاجتماعية الفرد أنماط الثقافة السائدة في محيطه لتصبح مع الوقت جزءً من شخصيته، فيعيش حال من الانسجام الاجتماعي معه.
3- التفعيل للدور الاجتماعي: إذ تساهم عملية التنشئة الاجتماعية في تمتع الإنسان بمزايا محيطه الذي يعيش فيه يصبح أكثر فعالية في أداء دوره، وينشأ لديه مفهوم "النحن"
آليات الضبط الاجتماعي
هي أشكال من الرقابة التي تفرضها عموم الأنظمة والقوانين المعتمدة، حرصاً على تكريس مجموعة من النماذج الثقافية المنضبطة وفق أصول ومبادئ أساسية يمكنها أن تعكس واقع القيم السائدة داخل أي مجتمع من المجتمعات.
ويبرز في هذا الجانب بعدين أساسيين تتجلى فيهما أساليب الضبط الاجتماعي، وهما: الرقابة الاجتماعية عبر الثواب أوالعقاب وحدود التواصل والمشاركة عبر الانفتاح أو الانغلاق.
الثواب والعقاب: حيث تُفرض أشكال عدة من الثواب والعقاب لتوفير الحافز في قبول الفرد لسلوك معين أو الرادع لرفض سلوك آخر. وتبرز مصاديقه في الأشكال التالية:
1- الثواب والعقاب الجسديين: نتيجة لسلوك الفرد المحمود، يتم التعبير عن السرور والإعجاب وذلك من خلال: التقبيل، العناق، ... إلخ؛ في المقابل قد يؤدي الجرم الذي يرتكبه الفرد إلى العقاب الجسدي بدءاً من الضرب إلى حد الإعدام، مروراً بأشكال مختلفة منها: الحبس، التعذيب، ... وهي تختلف بحسب شرائع وقوانين كل مجتمع.
2- الثواب والعقاب الاقتصاديين: أبرز أنواع الثواب الاقتصادي هي المكافآت المالية والجوائز تبعاً لمستوى التقدير، بالإضافة إلى المنح والتخفيضات المالية وما شابه؛ أما العقاب فيتفاوت ما بين الغرامة المالية لمخالفة ما، إلى المقاطعة الاقتصادية من أجل الضغط باتجاه غايات محددة، مروراً بأشكال أخرى مختلفة: حسم على الراتب، حرمان من مصروف، ...
3- الثواب والعقاب الاجتماعيين: يظهر الثواب هنا من خلال السمعة الحسنة التي يحظى بها الفرد والمقبولة في المحيط الاجتماعي فيصبح موضعاً للاحترام والتقدير؛ أما العقاب فيتأرجح وفقاً للنمط الثقافي الذي يحكم عادات وتقاليد المجتمع، ويأتي على شكل نبذ لفرد أو السخرية منه أو قطع العلاقة معه وتهميشه.
4- الثواب والعقاب الغيبيين: بحسب المعتقدات الدينية هناك جزاء للأعمال تبعاً لســلوك الفرد، إذ قد تكــون الجنة والنعيم الدائـــم- وهي نفسها على مراتب ودرجات مختلفة بحسب أعمال البشر- ، أو التقمص في حياة هانئة وسعيدة؛ أما العقاب فبحسب المعتقدات الدينية أيضاً، هناك عقاب على سوء أعمال البشر، فقد يكون النار- وهي نفسها أيضاً على مراتب ودرجات مختلفة بحسب أعمال البشر- ، أو التقمص في حياة معذبة وشقية.
حدود التواصل والمشاركة: في الظل التطور والنمو المستمرين للمجتمعات، ومع وجود كم هائل من القيم والمبادئ التي تحكمها، يُلاحظ وجود نمطين أساسيين من المجتمعات من حيث حدود التواصل والمشاركة والتي تدفع باتجاه الضبط الاجتماعي وتبدل الثقافة السائدة. هذان النمطان من المجتمعات هم:
1- المجتمعات المتعددة المنفتحة: حيث قلة القيود على مستوى الضبط الاجتماعي فتعيش في ظل تنوع للقيم والمبادئ والمعتقدات ويسودها الانفتاح والتواصل مع الغير، وهذا النمط من المجتمعات تظهر لديه السهولة في التجدد والمشاركة في تقبل الأفكار واكتساب أنماطاً متجددة من الحياة والثقافات البديلة.
2- المجتمعات السلطوية المغلقة: وهي التي تفرض حظراً داخلياً وخارجياً على أكثر من صعيد، حيث لا حرية في التعبير ولا مشاركة في صنع القرار، وحيث فرض حظر على العلاقات مع الخارج أو تشريعها على نطاق ضيق. وهذا النمط من المجتمعات تبرز لديه الصعوبة في التجدد وعدم المشاركة في تقبل الأفكار، فلا تنشأ لديه أنماطاً متجددة من الحياة لا ثقافات بديلة.
الثقافة واكتساب القيم
إن غاية ما يمكن أن يتحقق عبر آليات التنشئة الاجتماعية أو آليات الضبط الاجتماعي هي اكتساب الفرد لمجموعة من القيم التي تحكم نمط عيشه وتُترجم عبر مجموعة من المعايير فتشكل قواعد السلوك، ومنها تتلخص عموم ثقافة الفرد في المجتمع.
والقيم جمع قيمة، وهي فكرة أو إحساس أو شعور يدفع الفرد أو الجماعة لتمييز الأمور وتقييمها واختيار السلوك الأمثل- بنظرهم – وجعل هذا السلوك نموذجاً يقتدى به. ن القيم الشائعة على سبيل المثال: الصدق، العيش المشترك، الحرية، العدالة، المساعدة، التواصل، التعاون، النجاح، التهذيب، ...
وتتميز القيم الاجتماعية بالتالي:
1- التجسد في الواقع: فهي ليست خيالية بل يعايشها الإنسان في سلوكه العملي فتعطي للسلوك معنى.
2- قابلية التحديد والاستخراج: إذ يمكن استخراجها من النصوص أو الخطابات أو استطلاعات الرأي والتعرف عليها.
3- قابلية التصنيف: إذ يوجد قيم أساسية يتمسك بها مختلف أفراد المجتمع (العدالة، الصدق، ... ) وأخرى فرعية تختص بجماعات دون أخرى (التفوق، مجاراة الموضة، ... ). كما وتصنف ضمن ما هو مقبول وما هو غير مقبول.
4- المدخلية في فهم المجتمع: إذ أن معرفة القيم يعطي انطباعاً عن طبيعة المجتمع ونمط السلوك السائد فيه.
5- السبيل لتآلف أكبر قدر ممكن من الأفراد والجماعات: إذ يلتقي كل من يشترك في القيم مع بعضهم البعض في المواقف والتوجهات والآراء.
6- قابلية الإنتاج من فئة دون أخرى: هناك قيم خاصة يتم إنتاجها من قبل جماعات محددة لتنسجم مع توجهاتها وقناعاتها (على السبيل المثال: الشباب، الأطباء، العسكريون، ... ).
7- احتمال السلبية: هناك قيم يتمسك بها البعض قد تكون محل إدانة من المجتمع نفسه (رفض المنافسة)، أو من المجتمعات الأخرى (اليهود شعب الله المختار).
8- عدم الثبات: يتبين مع مرور الوقت أن بعض المجتمعات قد تبنت قيماً اضطرت إلى إعادة النظر فيها وتبديلها نتيجة متغيرات طارئة أثرت سلباً عن المناخ الاجتماعي العام (قيم المرأة والزواج في بعض المجتمعات الغربية).
وسائط اكتساب القيم وبناء الثقافة
لا شك بأن تنشئة الفرد على مجموعة من القيم تتحكم بها مجموعة من الوسائط تشكل بمجملها السبل لتكوين ثقافته ونمط عيشه وفق ما يكون قد اكتسبه. وتتعدد الوسائط في هذا الصدد ولكن يبقى الأبرز منها ما هو على صلة مباشرة بالفرد، لذا بالإمكان رصد الوسائط التالية:
أولاً: الأسرة
تعتبر الأسرة أولى المجتمعات وإن كانت صغيرة المتميزة بعلاقات اجتماعية وقواعد ثابتة، يتعرف عليها الفرد وتنعكس في سلوك شخصيته وينطلق من خلالها إلى الواقع من حوله. لذا تأتي الأسرة في صدارة الوسائط المؤثرة في إكساب الفرد للقيم الاجتماعية، فتارة تكون التنشئة موجهة بشكل مباشر من قبل الأهل، وتارة بشكل غير مباشر نتيجة تأثر الأهل بالسلوك السائد في المحيط وانعكاس ذلك على شخصية الفرد فيها.
التنشئة انطلاقاً من العلاقة المباشرة مع الأسرة
تشكل العلاقة المباشرة القائمة بين الأهل والأبناء سبيلاً لإكساب الفرد جملة من القيم المساعدة على بناء شخصية هؤلاء الأبناء، وتتحكم بهذه العلاقة مجموعة اعتبارات تتلخص في التالي:
1- في الأشهر والسنوات الأولى تتحكم وسائل تخاطب خاصة في العلاقة بين الأهل وأبنائهم (مثال: ابتسامة، عبوس، إشارة، كلمات خاصة، ...) وتكون هادفة باتجاه كسب هؤلاء الأبناء قيماً معينة.
2- مع تقدم الأبناء في العمر، يعي الأبناء الأدوار المنوطة بالأفراد من حولهم، ويبدأ الأهل بتوسيع أطر العلاقة فيما بين أبنائهم وبين المحيط الذي يعيشون فيه، فيألف الأبناء أفراداً ويرفضوا آخرين، وتنشأ لديهم قيم الود والتضامن والتوافق، مقابل قيم العدوان والرفض والنبذ.
3- تتحكم معايير اختلاف العمر والجنس في أسلوب التنشئة الموجه من قبل الأهل، فالسنوات الأولى تتطلب معاملة خاصة تختلف عن السنوات المتقدمة، وكذا معاملة الذكور تختلف عن تلك للإناث، وكل نمط من هذه الأنماط تحمل في طياتها قيماً معينة.
لا بد من الإشارة إلى أن الأنماط السائدة في التعاطي بين الأهل وأبنائهم تتفاوت بين أهل وآخرين وبيئة وأخرى ومحيط اجتماعي وآخر.
التنشئة انطلاقاً من العلاقة غير المباشرة مع الأهل (هيمنة الوسط الاجتماعي)
تتحكم بكل وسط اجتماعي مجموعة من قواعد المسموح والممنوع، يتأثر بها الأهل فتنتقل بشكل غير مباشر إلى الأبناء لتتحول إلى قيم في سلوكياتهم عبر تنشئة غير مباشرة. أما منشأ هذه القواعد فيعود إلى:
1- القيم الاجتماعية السائدة: حيث تفرض نمطاً من السلوك يتبناه الأهل- ولو كان خلاف قناعاتهم- لينعكس على الأبناء (هذا ما ذهب إليه عالم الاجتماع الفرنسي دوركهايم).
2- الحياة الاقتصادية: حيث تفرض مستوى من قواعد السلوك تتماشى مع الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها العائلة (هذا ما ذهب إليه عالم الاجتماع الألماني كارل ماركس).
3- النمط الثقافي والحضاري السائد: حيث ينعكس نمط التفكير على مجمل العائلات وأفرادها، ويبرز هذا النمط واضحاً لدى العائلات الامتدادية (القبائل والعشائر) حيث قيم الثأر والقوة وإثبات الذات وغريزة البقاء وما شابه.
4- الوسط الديني: حيث يفرض ضوابطاً وتشريعات عدة تطال سلوك الإنسان فيتأثر بها الأهل وتنعكس على الأبناء.
ثانياً: المدرسة
لحظ علماء الاجتماع والتربية أن عمر الطفل عند دخوله إلى المدرسة قد تراجع من عمر 7 سنوات في أربعينيات القرن الماضي إلى عمر 3 سنوات حالياً، مما استدعى اهتماماً بالغاً بالمدرسة كونها الشريك الأول في تنشئة الفرد على مجموعة من القيم فتترجم سلوكاً واقعياً في حياته وتعكس ثقافة خاصة على هذا الصعيد.
مميزات الوسيط- المدرسة
من الممكن رصد عدد من المميزات التي تنفرد بها المدرسة دون غيرها من وسائط بناء الثقافة، أبرزها:
1- المشاركة المبكرة مع الأهل في عملية التربية.
2- احتضان الفرد والتأثير على سلوكه بنسبة أكبر من الوسائط الأخرى.
3- توسيع دائرة العلاقة لدى الطفل (يتعرف على الطلاب والأساتذة والعاملون و...).
4- إدخال الطفل عالم التماثل، فيجد أفراداً مشابهين في العمر والرغبات والحاجات.
5- تفعيل مبدأي الثواب والعقاب نظراً لمحكومية نظام المدارس لآليات ضبط محددة.
6- مواكبة النمو الذهني والعقلي لدى الطفل، فتتطور لديه المهارات والقدرات الذاتية في المجالات المعرفية والمجالات العملية.
القيم المكتسبة للطفل من المدرسة
نتيجة المناخ الذي يسود في معظم المدارس، تبرز مجموعة من القيم الأولية التي يكتسبها الطفل، وتتعزز في شخصيته وتعكس نمطاً معيناً من أنماط الثقافة، منها:
1- الاستقلالية: حيث ينخفض مستوى الاتكالية لدى الطفل وتزداد الثقة بالنفس.
2- روح المبادرة: إذ يقدم على أفعال ترتبط بتقديم صورة حسنة عنه.
3- الإخلاص والخدمة: حيث يعيش حياة مشتركة فيها قدر من التعاون والمشاركة، فيبادر للعمل دون مقابل.
4- المنافسة: حيث يسعى لاحتلال المراتب المتقدمة.
نموذج يكشف عن تأثير المدرسة على سلوكيات الطفل (اللعب)
في المنـــــزل: الطفل هو سيد اللعبة، يخترع القوانين وينفذها ويحدد العواقب التي يريد، دون أن يتدخل معه أحد أو يفرض عليه طريقة خاصة من اللعب.
في المدرسة: يتعلم الطفل ما يلي
1- المشاركة مع الآخرين في اللعب.
2- الالتزام بقواعد اللعبة.
3- القبول بوجود حكم لتطبيق القوانين ومعاقبة المخالفين.
4- المنافسة واحتمال نتيجتي الربح والخسارة.
ثالثاً: مكان السكن
يشكل المحيط الذي يعيش فيه الفرد وسيطاً جديداً في عملية التنشئة الاجتماعية لما يختزنه من قيم تتمايز بين محيط وآخر فتؤثر في شخصية الفرد، وأبرز ما يمكن تمييزه في هذا الصدد هو التمايز بين المدينة والقرية.
في المدينة
يجد الفرد فيها امتداداً لجو منزله الذي يعتبر جزءاً من المحيط المؤلف من الأبنية والطرقات والساحات، إذ تطبع سماتها على حياة الفرد؛ ولمعرفة ذلك لا بد من تحديد الخصائص وما يمكن أن تعكسه من قيم في السلوك لتكون ثقافة خاصة على هذا الصعيد.
أ- مميزات المدينة: ما يميز المدينة هو التصنيف القائم على الجمع ما بين أكثر من صعيد ووفق مقاييس عدة، منها:
5- المقياس الاقتصادي الطبقي: فهناك أحياء غنية وأخرى متوسطة الحال وثالثة فقيرة، ولكل نوع منها نمط حياة في العيش تختلف عن الأخرى.
6- المقياس الثقـــافي العرقـــــي: إذ تتعدد الأنماط الثقافية والعرقية وتختلف بين حي وآخر، ومنها من يشكل أطر خاصة بالعيش به، فيمارس ثقافته كما يراها.
7- المقياس الديـــنـي المذهـبــي: حيث تتنوع المدينة بأتباع الديانات والطوائف والمذاهب، وينتشرون ضمن جماعات، منها من يختلط مع الآخر ومنها من يعيش ضمن نطاقات خاصة به.
إضافة إلى هذه المقاييس، تتميز المدن بالاهتمام بالجوانب العلمية والاقتصادية نظراً لضغط الحياة وحاجتها إليها.
ب- القيم المكتسبة من المدينة
1- العيش المشترك: إذ لا يعيش الفرد مع نمط واحد فقط، بل تنشأ لديه علاقة مع المختلف سواء في الدين أو الثقافة أو الطبقة.
2- احترام خصوصيات الآخر: انطلاقاً من الرغبة في احترم الخصوصية الشخصية.
3- احترام القانون المطبق: نظراً لتوافر آليات الضبط.
4- تقدير التطور العلمي والثقافي: حيث الحرص على مواكبة تطور الحياة.
5- حسن التدبير في الجانب الاقتصادي: إذ يسعى الفرد أن يُحقيق حد أدنى من التماشي مع الظروف الاقتصادية.
في القرية
تختلف طبيعة الحياة في القرية عن تلك التي في المدينة، وهي بدورها تطبع سماتها على حياة الفرد وسلوكه؛ فمن خلال الخصائص التي تتمتع بها، تتحدد القيم التي يمكن أن تُكتسب لتشكل ثقافة الفرد فيها.
أ- مميزات القرية
1- الارتباط بالطبيعة حيث الأرض والانتاج الزراعي.
2- وجود علاقات وروابط حميمة مبنية على القرابة والمعرفة الشخصية.
3- سعة فضاء القرية مع غياب الكثافة السكانية والعمرانية.
4- الاكتفاء الاقتصادي الذاتي الذي يعيشه الناس فيها.
5- تأثير الدين وعلمائه والمتعلمين وكبار السن في ثقافة مجتمع القرية.
6- حضور الطقوس والتراث في طبيعة الحياة اليومية.
ب- القيم المكتسبة من القرية
1- تقدير الطبيعة ومحكومية الإنسان لها سواء على مستوى الأرض أو المناخ أو العمران ... .
2- التسليم للسلوكيات الاعتيادية البطيئة نظراً لمحدودية العلاقات وقلة الكثافة السكانية، مما يفرض نمطاً من الروتين .
3- الولاء للانتماء العائلي المؤثر على قرار الفرد.
4- احترام الدين والعلم والموروثات السابقة حيث الفطرة السليمة والصافية.
رابعاً: مؤسسات العمل
يعتبر المركز الاجتماعي الإطار الذي ينبثق عنه الدور، فتتحدد الحقوق والامتيازات والواجبات والمهام المكلف بها الفرد ، لتؤثر بشكل مباشر على سلوكه وقيمه التي يؤمن بها، فمع الوقت نجد أن الطبيب يمتلك صفات غير تلك التي يمتلكها التاجر أو العسكري أو صاحب الحرفة ...
أنماط مؤسسات العمل
على صعيد توزع أنماط المؤسسات، يبرز بشكل أساسي نمطان ولكل منهما ميزته الخاصة عن الآخر
1- المؤسسات الكبيرة: حيث المواقع بارزة والأدوار واضحة والمهام مشخّصة لكل عامل (مدير، أمين سر، محاسب، ... ).
2- المؤسسـات الصغيرة: حيث المواقع متداخلة والأدوار ملتبسة والمهام غير مشخّصة بدقة (صاحب المتجر هو نفسه العامل وهو نفسه المحاسب وعامل التنظيفات و ... ).
أنماط السلوك المتولدة من اختلاف أنماط المؤسسات
نظراً لوجود نمطين بارزين من المؤسسات، من الممكن ملاحظة أيضاً نمطين من السلوك يمكن أن يتولدا، ويختزن كل منهما مجموعة من القيم، وهم
1- التماهي: حيث يعيش العامل حالة من الانسجام ويشعر بأنه جزء من العمل الذي يمارسه، فتنشأ لديه قيم العطاء والتفاني والإخلاص والخدمة.
2- اللاتماهي: حيث يعيش العامل حالة من عدم الانسجام مع محيط عمله وهنا قد يتولد لديه أحد الخيارين:
- العزلة والتهميش.
- السعي لبناء شبكة علاقات اجتماعية لإيجاد التغيير والتحسين ومعالجة الثغرات. فيشعر بضرورة التزام هذا العمل كقضية يجب الدفاع عنها، ويؤمن بـ أهمية التواصل مع كل مشترك معه في القضية وكل معني بالمسألة، فتتولد قيم الشعور التضامني الذي يدفع باتجاه تشكيل النقابات والاتحادات للمطالبة بالحقوق.
خامساً: الوسائل الإعلامية
يحتل الإقبال الكبير لمختلف الشرائح الاجتماعية على الوسائل الإعلامية موقعاً متقدماً في ميدان الدراسات الاجتماعية، لما لذلك من تأثير على سلوك الأفراد واكتسابهم لقيم عدة وبناء أنماط محددة من الثقافة.
مميزات الوسائل الإعلامية
تتميز الوسائل الإعلامية على صعيد بناء الثقافة بما يلي
1- ضبط القيم في المجتمع، بغض النظر عما إذا كانت هذه القيم سلبية أو إيجابية.
2- تجديد وضخ أفكار يمكنها أن تتماشى مع التطورات والمتغيرات اليومية.
3- إيجاد التمايز بين المجتمعات انطلاقاً من ملاحظة قيم كل مجتمع عبر وسائله الإعلامية.
أنواع القيم التي تقدمها الوسائل الإعلامية
يمكن تصنيف هذه القيم ضمن ثلاث مجموعات رئيسية:
9- القيم المدنية: وهي القيم المرتبطة بالولاء الوطني أو السياسي وبالتاريخ والتراث وبمجمل الشأن العام (حب الوطن، الولاء، التضحية، الكرامة، الدفاع عن المقدسات، ... ).
10- القيم الاجتماعية: وهي القيم المرتبطة بعموم العلاقات الاجتماعية العامة بين مختلف الجماعات (التضامن الاجتماعي، التكافل، المحبة، الخدمة، الأخوة، الصداقة، ... ).
11- القيم الفردية: وهي القيم المرتبطة بقواعد السلوك الشخصي للفرد فتظهر ســلوكياته من خلالها (الكـــرم، الضيافة، الاحترام، الالتزام، التواضع، المســـؤولية، ... ).
حدود تأثير الوسائل الإعلامية
يخضع تأثير وسائل الإعلام على الأفراد لثلاثة عوامل أساسية:
1- المرسل: أي الوسيلة الإعلامية المقدِمة للمادة الإعلامية بما تحوي من ثقافة تسعى للترويج لها.
2- المتلقي: أي الفرد المستقبِل للمادة الإعلامية بما يحوي من قابليات التكيف مع المادة الإعلامية.
3- الأسلوب: أي الطريقة التي يتم تقديم المادة الإعلامية من خلالها بما تتضمنه من عناصر قوة لجذب المتلقي.
سادساً: الأحزاب
تؤدي الأحزاب دوراً بارزاً في بناء أفكار وقناعات لدى فئات اجتماعية عدة، وتسهم في ضخ مجموعة من القيم عبر أنشطتها وبرامجها، لتُصنَّف ضمن الوسائط المؤثرة في عملية بناء الثقافة.
مميزات العمل الحزبي
يتميز العمل الحزبي على مستوى بناء الثقافة وتشكيل القيم بعدد من المميزات، أبرزها
1- نقل الأفكار والمعتقدات والقيم ضمن أطر منظمة (لقــاءات، دروس، وســائل إعلامية، ... ).
2- إخراج الفرد من الأطر العشائرية الضيقة إلى الأطر الحزبية الواسعة.
3- تشكيل أطر للروابط والعلاقات بين مختلف الفئات والتوجهات.
4- تشكيل أطر تثقيفية على المستويين الداخلي والخارجي للحزب.
البرامج المعتمدة للتنشئة من قبل الأحزاب
حتى تحقق الأحزاب أهدافها من عملية بناء الثقافة وتشكيل القيم تعتمد مجموعة من البرامج والخطوات على هذا الصعيد، منها:
1- إنشاء المدارس الحزبية لإعداد العناصر والكوادر الحزبية.
2- إيجاد أطر تثقيفية على المستويين العقيدي والسياسي.
3- العمل السياسي عبر اللقاءات والتظاهرات التحركات وما شابه.
4- تسخير العلوم والوسائل التقنية الحديثة لبث الرسالة المطلوبة (انترنت، فضائيات، تجهيزات حديثة، ... ).
5- اعتماد رسوم وأشكال ذات دلالة رمزية (شعار، تصميم خاص بمناسبة).
القيم المكتسبة من العمل الحزبي
تبرز قيم عدة على مستوى التوجيه الحزبي، وترتبط غالبيتها بما يمكن أن يعمل الحزب على تقديمه إلى جمهوره، ومن القيم التي يمكن ملاحظتها:
1- الولاء السياسي: حيث يتعزز لدى الفرد ولاءه السياسي تجاه حزبه أو تجاه القضايا التي يؤمن بها.
2- المشاركة: حيث يأخذ الفرد دوره في إبداء الرأي والانتخاب ضمن الأطر المعتمدة.
3- المنافسة: فيبدو من خلال العمل الحزبي السعي لتقديم الصورة الأكثر مقبولية لدى الجمهور.
4- احترام الآخر: فالعمل السياسي ليس ساحة خاصة بحزب بل تتشارك فيها مختلف الأحزاب وهنا تظهر ضرورة الاحترام بين مختلف الحزبيين وقبول بعضهم البعض.
5- تقدير العمل المنظم وحسن تدبيره: كون العمل الحزبي مبني على جملة من البرامج والآليات المنظمة والهادفة والمدروسة.
مجمل هذه الوسائط تسهم في بناء ثقافة خاصة لدى مختلف الأفراد في مختلف المجتمعات لينسجم كل منهم مع ما هو مقدم له، فيمكن إيجاد التمايز بين ثقافة الأفراد في أي مجتمع انطلاقاً من نمط الثقافة الموجهة.
الخصائص العامة للثقافة
بعد التعرض لعدد من الوسائط الأساسية التي تسهم في اكتساب الفرد لجملة من القيم، بالإمكان الخروج بعدد من الخصائص العامة والهامة التي تنفرد بها الثقافة، ومنها:
1- الإنسانية: فالثقافة تظهر عبر السلوك الإنساني المباشر دون سواه.
2- الاكتساب: فالثقافة ليست موروثة بل يكتسبها الفرد عبر وسائط عدة.
3- الانتقالية والاستمرارية: فالثقافة لديها قابلية الانتقال من مجتمع إلى آخر ومن جيل إلى آخر مما يحفظ لها استمراريتها.
4- التراكمية: مع مرور الزمن وانتقال الثقافة، تتراكم أنساق وأفعال وأنماط ثقافية تعكس صورة المجتمع التي تمثله.
5- السبيل للتكيف: فعندما يمتلك الفرد ثقافة مجتمع ما تساعده على التكيف فيه.
6- التكامل: فالثقافة مكونة من أفعال وأنماط عدة تتكامل فيما بينها لتعكس صورة متكاملة في الخارج.
7- الواقعية: عندما يؤمن مجتمع بثقافة ما فإنها تظهر في الواقع عبر أنماط السلوك.
8- التنوع والتمايز: مع تعدد الوسائط وتنوع شرائح المجتمع تبرز أشكال عدة ومتنوعة من الثقافات مما يخلق تمايزاً بين ثقافات عدة (للرجال، للنساء، للجامعيين، ... ).
9- التغيير: نتيجة انفتاح العالم وسهولة التواصل فيما بين مختلف أقطاره، بالإمكان دائماً التعرف على ثقافات جديدة والتغيير لما كان قائماً في السابق.
10- الانتقائية: عندما يتم تناقل الثقافة ينتقي منها الإنسان ما يناسبه منها، بحسب درجة وعيه ومعرفته بهذه الثقافة الوافدة.