أهداف المادة
يتوقع مع نهاية هذه الورشة أن يكون المشارك قادراً على أن:
1- يعرف الأهداف التربوية
2- يحدد أهمية الأهداف التربوية
3- يعدد أجزاء الهدف التعليمي
4- يحدد شروط صياغة الهدف التعليمي
5- يصنف الأهداف التعليمية المعرفية
6- يصنف الأهداف التعليمية المهارية أو الوجدانية
7- يصيغ الأهداف التعليمية وفقاً للمجال المعرفي
تمهيد
عرفت برامج تدريب المعلّمين العديد من التطوّرات، كان من أهمّها، اعتماد مدخل الكفايات في التدريب، حيث أصبح يشكّل هذا المدخل أبرز المستحدثات التّربوية المعاصرة والأكثر شيوعاً، خاصّة وأنّ البرامج التدريبيّة القائمة على أساس الكفايات تعتمد مجموعة من الإجراءات التي تساعد المعلّم المتدرّب على اكتساب المعلومات والمهارات والاتّجاهات التي تساعده على أداء دوره بفعاليّة وذلك وفق ما تقوم عليه المناهج التربويّة المعتمدة حديثاً. الأمر الذي زاد من أهميّة تدريب المعلّمين على هذا الأساس حتى يتسنّى لهم الالمام بهذه المستلزمات الضروريّة لمهنتهم.
مفهوم الكفايات التعليميّة
تعرّف الكفايات التعليميّة إجرائيّاً على أنها قدرات لدى المعلّم يعبّر عنها بعبارات سلوكيّة تشمل مجموعة مهام معرفيّة ومهاريّة ووجدانيّة تكوّن الأداء النهائي المتوقّع منه إنجازه بمستوى معيّن من ناحية الفاعليّة، والتي يمكن ملاحظتها وتقويمها بوسائل مختلفة 1. وتعتبر أدوار المعلّم من أهم مصادر اشتقاق هذه الكفايات. إذ توصّلت كليّة التربية في(جامعة عين شمس) إلى مجموعة من الكفايات المهنيّة للمعلّم المنطلقة من أدواره، ووزّعتها تحت ستّة مجالات، وهي
-كفايات عامّة، وتضم 9 كفايات فرعيّة.
-كفايات التخطيط، وتضم 7 كفايات فرعيّة.
-كفايات التدريس، وتضم 8 كفايات فرعيّة.
-كفايات إدارة الصف، وتضم 7 كفايات فرعيّة.
-كفايات التقويم، وتضم 7 كفايات فرعيّة.
-كفايات إقامة العلاقات مع الآخرين، وتضم 9 كفايات فرعيّة2.
كما اعتمدت كليّة التربية في جامعة كامبردج (Cambridge) بأميركا تصنيف عالم النفس التربوي الأميركي بلوم (Bloom) للكفايات التعليميّة، وصنّفتها بالتالي إلى ثلاثة أنواع هي: كفايات معرفيّة، وكفايات وجدانيّة، وكفايات أدائيّة.
تتمثّل الكفايات المعرفيّة في أنواع المعارف والمعلومات والمفاهيم التي يتزوّد المعلّم بها، سواء حول مادّته التي يدرّسها، أو البيئة التي تحيط به، أو المتعلّم الذي يتعامل معه.
في حين تتمثّل الكفايات الأدائيّة في المهارات الحركيّة التي تلزم المعلّم للمشاركة في مختلف أوجه النشاط التربوي المناسب للعمليّة التعليميّة التي ينخرط فيها، ومن ضمنها مهارات يدويّة ولفظيّة وغير لفظيّة بما فيها القراءة والكلام والمناقشات، والكتابة والرسم، واستخدام وسيلة تعليميّة، والتخطيط وإعداد الأسئلة.
بينما تتمثّل الكفايات الوجدانيّة بجملة من الاتجاهات والقيَم والمبادئ الأخلاقيّة، والمواقف الايجابيّة التي تتصل بمهام الكفاية الأدائيّة، بما فيها الالتزام والثقة بالنفس والأمانة، وتوخي الحرص والدقّة في التنفذ3.
إن المتأمّل لكفاية المعلّم في إعداد الأسئلة الصفيّة مثلاً، يستطيع بسهولة أن يطبّق هذا التصنيف على تلك الكفاية (المعرفي العملي أو الأدائي الوجداني)، فهي تتضمّن
-جملة من المعارف والمعلومات والحقائق المتّصلة بها، فضلاً عن مهارات فكريّة عديدة.
- عدداً من المهارات العمليّة الحركية.
-إقتناعاً وإيماناً بقيمة تلك الكفاية وجدواها في العمليّة التعليميّة، وحرصاً على تنفيذها وتوظيفها بكل أمانة وعدل وفاعليّة.
ولمّا كانت كفاية الأهداف التربويّة (المنبثقة من كفاية التخطيط) من أهم الكفايات المرتبطة بشكل مباشر بأداء المعلّم لمهامه اليوميّة، سنفرد هذا البحث لالقاء الضوء على أهم المفاهيم المتعلّقة بهذه الكفاية.
الأهداف التربويّة
لا بدّ أن تكون لكل منهج تعليمي فعّال أو برنامج تربوي شامل مجموعة من الأهداف التربويّة الواضحة، حتى تكون الممارسات التربويّة أو الاجراءات التنفيذيّة التربويّة لهذا البرنامج محدّدة ودقيقة وتؤدّي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأغراض المرسومة لها. وبقدر ما يكون لهذا المنهج أو لذلك البرنامج أهداف واضحة، يسهل على القائمين عمليّة التخطيط للأساليب أو الطرائق أو التقنيات التي تعمل على تحقيق تلك الأهداف
تمثّل الأهداف أهم مكوّنات المنهج التعليمي، وذلك نظراً لأن جميع العناصر المتبقيّة الأخرى تعتمد عليها: حيث يتم اختيار المحتوى من حقائق ومفاهيم وتعميمات ونظريّات، كذلك يتم انتقاء الخبرات التعليميّة من حيث مستوياتها وأنواعها وتنظيمها في ضوء أهداف المنهج نفسه. كما يعمل عنصر التقويم على التأكّد من تحقيق تلك الأهداف أو عدم تحقيقها.
تأتي عمليّة وضوح الأهداف التربويّة ودقّتها في المقام الأوّل بالنسبة للعاملين في تنفيذ المناهج وتطويرها. فهذه الأهداف الواضحة تمثّل الأساس السليم لكل نشاط تعليمي هادف، والمصدر الدقيق لتوجيه العمل التعليمي والتربوي نحو ما نسعى إلى تحقيقه من نتائج التعليم المرغوب فيه.
بناء عليه، سيتم في هذا الفصل التطرّق إلى عدّة موضوعات فرعيّة ذات علاقة بالأهداف التربويّة، تتمثّل في توضيح ماهيّة هذه الأهداف ومستوياتها، وبيان مصادر اشتقاقها، وتحديد أهميّتها وأجزائها، وكيفيّة صياغتها، وإعطاء نبذة عن أهم التصنيفات التي تعرّضت لها. وفيما يلي توضيح لكل موضوع من هذه الموضوعات الفرعيّة.
أ- تعريف الأهداف التربويّة
هناك من يعرّف الهدف التربوي بأنّه : "كل ما يمكن للمتعلم إنجازه قولاً أو عملاً بعد الانتهاء من حصّة دراسيّة، أو على المدى البعيد بعد الانتهاء من تعليمه"4. ويعرّف بلوم (Bloom) الأهداف التربويّة أنّها "الصياغة الواضحة للطرق التي يتوقّع أن تحدث تغيّراً في المتعلمين من جرّاء العمليّة التربويّة، أي الطرق التي ستؤدّي إلى التغيير في تفكيرهم ومشاعرهم وأعمالهم. وهذا التغيير يجب أن يصاغ صياغة واضحة ومحدّدة تسمّى العبارة الهدفيّة 5. حيث يؤكّد بلوم على ذلك بقوله " أن العبارة الهدفيّة محاولة من المعلّم كي يوضح لنفسه أو لغيره التغيّرات التي ينوي إحداثها لدى المتعلّم" 6.
ويتناول مايجرMager الهدف على أنّه "تعبير عن نيّة تعلن عن التغيير الذي يرغب المدرّس في إحداثه لدى المتعلم، أي تخبر بماذا سيكون المتعلم قادراً على إنجازه بعد الإنتهاء من المؤسسة التعليمية"7. كما يعرّف آخرون الأهداف التربويّة أنّها "مجموعة العبارات أو الصياغات التي توضح ما سوف يكون عليه سلوك المتعلم بعد اكتسابه للخبرة التعليميّة داخل وخارج جدران المؤسسة التعليمية"8. بناء على ما تقدّم، نستنتج أن الأهداف التربويّة هي ما تسعى المدرسة إليه لمساعدة المتعلّمين على اكتسابه من قدرات ومهارات ومواقف. وهي سلوكات قابلة لأن تكون موضع ملاحظة وقياس وتقويم.
ب- مستويات الأهداف التربويّة
استخدم المربّون عدداً من المفاهيم التربويّة التي تشير إلى الأهداف بمستوياتها المختلفة. وبالرغم من أنّه يصعب التمييز بين هذه المفاهيم أحياناً، نظراًً لاستخدامها ليدلّ كلّ واحد منها على معنى مشابه للآخر، سنحاول طرح هذه المفاهيم وفقاً لمستوياتها، بدءاً من العام وانتهاءً بالخاص. وهذه المستويات هي: الأغراض التربويّة، والغايات التربويّة، والأهداف العامّة التربويّة، والأهداف التعليميّة 9.
تمثّل الأغراض التربويّة (Educational Purposes) الأهداف الشديدة العموميّة والشموليّة، وتشير إلى تغييرات كبرى منتظرة في سلوك المتعلّمين. حيث تعتبر المحصّلة النهائيّة لعمليّة التربية والتعليم، والتي يتوقّع من النظام التربوي المتكامل أن يعمل على تحقيقها خلال مراحل التعليم المختلفة وفقاًً لأهداف المرجعية الثقافية والتربوية. وهي تعبّر عن الأهداف العليا التي تسعى المرجعية إلى تحقيقها. فهدف مثل خلق المواطن الصالح يعتبر في المستوى الأوّل العام لمستويات الأهداف التربويّة، ويمثّل في الواقع نتيجة نهائيّة مرغوب فيها، تحتاج إلى وقت طويل لتحقيقها، قد يشمل المراحل التعليمية جميعها، ممّا يجعل المسؤوليّة كبيرة على المنهج التعليمي بمجالاته المختلفة في سعيها للوصول إلى هذا الغرض التربوي الواسع 10.
أمّا الغايات التربويّة(Educational Aims) فتمثّل عبارات تصف نتاجات حياتيّة متوقّعة ومبنيّة على مخطّط قيَمي مشتق من الفلسفة التربويّة11
- إنّها من أكثر العبارات الهدفيّة عموميّة بعد الأغراض التربويّة، بحيث يتمّ الاعلان فيها للناس عن القيَم التي تؤمن بها بعض المجموعات، من أجل برنامج تربوي معيّن. ويمكن أن نستخلص من هذه الغايات التربويّّّّّة الاتجاهات والأفكار السائدة في المجتمع. ولا ترتبط الغايات التربويّة مباشرة بالنتاجات التعليمية أو النتاجات الصفيّة (Classroom Outcomes)، بسبب ما تمثّله من أهداف بعيدة المدى، لأنّها بعيدة في الغالب عن الموقف في المؤسسة أو الصفّ عند تحقيقها النهائي، مثلاً: المشاركة الفاعلة في الحياة اليوميّة. وهنا يهتم التربويّون في هذه الحالة بترجمة هذه الغاية بعيدة المدى إلى نتاجات التعليمية أو صفيّة أكثر تحديداً، حتى يتمّ تحقيقها على أرض الواقع التربوي 12.
ثم تأتي الأهداف العامّة التربويّة (Educational Goals) لتشكّل تلك العبارات الهدفيّة التي تقع بين الغايات التربويّة والأهداف التعليميّة بالنسبة إلى درجة عموميّتها13 ..وتمثّل الأهداف العامّة المصاغة بعبارات غير محدّدة، مجموعة الأهداف الواسعة المطروحة لمادّة دراسيّة أو برنامج دراسي، مثلاً: تنمية قدرة المتعلّمين على التفكير الناقد. فهدف كهذا يميل في الغالب إلى المدى البعيد في طبيعته، وإلى بعده عن النتاجات التعليمية المباشرة. وبالتالي يحتاج إلى وقت طويل لتحقيقه، قد يكون فصلاً دراسيّاً، أو سنة دراسيّة، أو مرحلة تعليميّة 14.
وتأتي الأهداف التعليميّة (Instructional Objectives) المستوى الرابع والأخير في مستويات الأهداف التربويّة. وتمثّل الأهداف قصيرة الأمد التي يحاول المعلّم والمتعلّمون تحقيقها أثناء الحصّة التعليميّة 15. وتعمل هذه الأهداف على التطبيق الفعلي للمنهج التعليمي، وترجمة الأهداف العامّة إلى أهداف أبسط يمكن تحقيقها داخل الصف. وتأتي هذه الأهداف واضحة ومحدّدة، وقابلة للقياس والملاحظة. ويعبّر عنها بجملة تبيّن السلوك أو الأداء الذي يجب على المتعلّم أن يظهره بعد مروره بالخبرة التعليميّة وتسمّى بالأهداف السلوكيّة (Behavioral Objectives) أو نتاجات التعلّم 16Learning Outcomes
تبيّن ممّا سبق، أن كلاّ من الأغراض التربويّة والغايات التربويّة والأهداف العامّة التربويّة، تمثّل في مجملها عبارات لا يمكن تحقيقها إلاّ على المدى البعيد، رغم كونها بالغة الأهميّة في تحديد مسار العمليّة التربويّة، وجعلها أكثر تنظيماً ونجاحاً. وحتى يسهل على المربّين تحقيق تلك الأهداف العامّة أو الغايات التربويّة، فقد اتفق معظمهم على أن هذا التحقيق لا يكون إلاّ عن طريق ترجمة تلك العبارات الغامضة إلى عبارات أكثر تحديداً ودقّة، تدعى بالأهداف التعليميّة أو الأهداف السلوكيّة أو نتاجات التعلّم.
ج- مصادر اشتقاق الأهداف التربويّة والتعليميّة
تتعّدى المصادر التي يمكن استنباط أو اشتقاق الأهداف التربويّة أو التعليميّة منها. ولنموذج رالف تيلر 17Ralph Tyle أهميّة خاصّة في هذا المجال، إذ حاول تقديم مقترح منسجم ومتوازن بخصوص مصادر اشتقاق هذه الأهداف، وذلك وفق ما تظهره الخطاطة الآتية:
نموذج تايلر لاشتقاق الأهداف18
اختيار أهداف التدريس
1- بغربلة الأهداف العامّة انطلاقاً من فلسفة المجتمع.
2- الاستعانة بسيكولوجيّة التعلّم في هذه الغربلة.
يبدو واضحاً من قراءتنا لهذه الخطاطة أن المقترح يُعنى بخصوصيّات البيئة الاجتماعيّة والمحيط الذي توجد فيه المؤسسة التعليمية، كما يُعنى بما تقدّمه المحتويات الدراسيّة من تنوّع، دون إهمال للفرد المتعلّم وحاجاته.
يشكّل المتعلّم من حيث نموّه وحاجاته وقدراته وتعلّمه المصدر الأوّل من مصادر اختيار الأهداف وتحديد غايات المناهج الدراسيّة. فالأهداف التربويّة والتعليميّة توضع في العادة من أجل المتعلّم، حتى يعمل على تحقيقها تحت إشراف المعلّم أو إرشاده. لذا، فإن نموّ المتعلّم بمراحله العمريّة المختلفة، وبجوانبه الجسديّة والعقليّة والعاطفيّة، ومبادئ ذلك النموّ ومتطلّباته ومشكلاته المتعدّدة، ومراعاة عمليّة التعلّم وشروطها المهمّة، وانتقال أثر التعلّم من مواقف سابقة إلى مواقف لاحقة، تعتبر من المصادر الغنيّة لاشتقاق الأهداف التربويّة والتعليميّة، التي يلجأ إليها المربّون دائماً، بغية العمل على تنمية وإشباع احتياجات المتعلّم بشكل ينسجم مع معايير السلوك الفردي والاجتماعي، وبالتالي الوصول إلى الغايات التربويّة المنشودة.
ثم تأتي بيئة المؤسسة التعليمية من حيث طبيعتها ومشكلاتها وطموحاتها لتشكّل المصدر الثاني الذي يأخذه المربّون بالحسبان في عمليّة اشتقاق الأهداف التربويّة والتعليميّة. إذ لا يمكن إغفال دور البيئة ومدى ما ستجنيه الجماعة من فوائد من النظام التعليمي. وبالتالي، فإن المحيط بما فيه من أنظمة ومؤسّسات عديدة، ومكوّنات ثقافيّة متنوّعة، وما يواجهه من مشكلات اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة متفاوتة، وما يفكّر فيه أفراده من طموحات وتطلّعات مستقبليّة، تعتبر مصادر أساسيّة لاشتقاق أهداف يحتاج إليها مخطّطو المناهج في لجانهم وأعمالهم، والمعلّمون في مؤسساتهم التعليمية، وعند تعاملهم مع متعلّميهم، أو تحضيرهم لدروسهم 19 .
أخيراً، فإن المادّة الدراسيّة من حيث مجالاتها واختيارها ومكوّناتها، تعتبر منبعاً متدفّقاً لتوليد الأهداف التربويّة والتعليميّة وتحديدها. وهنا يكون المجال واسعاً أمام المربّين باعتبار أن مجال المادّة الدراسيّة يعالج ميادين المعرفة المختلفة من جهة، وأنواعها الاجباريّة والاختياريّة من جهة ثانية. هذا بالإضافة إلى أسس الاختيار السليم للمادّة الدراسيّة ومراعاة صدقها وارتباطها الوثيق بالأهداف الموضوعة لها، ومدى ارتباطها باهتمامات المتعلّمين، ومدى فائدتها وأهميّتها في الحياة. فضلاً عن مكوّنات المادّة التي تتمثّل في الحقائق الضروريّة لدعم المفاهيم والنظريّات والتعميمات أو العمل على توضيحها من جهة، والمساعدة في تشكيل بنية الأفكار الأساسيّة للمتعلّمين من جهة ثانية 20.
كل ذلك يتيح لمخطّطي المناهج والمعلّمين الاستفادة من هذه المصادر لاشتقاق الأهداف التربويّة والتعليميّة بغية المساهمة في رسم مسار المتعلّمين وتنظيم أعمالهم ومواقفهم في الحياة.
د- أهميّة الأهداف التعليميّة
تستخدم الأهداف التعليميّة القصيرة المدى، كما ذكرنا سابقًا، في الموقف التعليمي من أجل وضع الأهداف العامّة التربويّة في عبارات واضحة وقابلة للقياس. فقد عملت الأهداف العامّة التي توصف بالعموميّة في طبيعتها، على جعل المعنين وحتى المعلّمين، غير متأكّدين من فاعليّة البرنامج التعليمي ومدى تقدّم المتعلّمين. ومن هنا، فإنّه من الصعب تقويم المتعلّمين ما لم تكن الأهداف التربويّة واضحة ومحدّدة، بحيث تبرهن على وجود ذلك التقدّم.
تتّضح أهميّة الأهداف التعليميّة من خلال تحقيقها لفوائد عديدة. فهي تعتبر دليلاً للمعلّم في عملية تخطيط الدرس، بحيث تتيح له إمكانيّة اختيار عناصر العمليّة التعليميّة من طرائق التدريس ووسائل تعليميّة وأدوات تقويم بنجاح، وتساعده على تجزئة محتوى المادّة الدراسيّة إلى أجزاء صغيرة، يمكن توضيحها وتدريسها بفاعليّة ونشاط، ووضع أسئلة أو فقرات إختباريّة مناسبة تراعي التوقّعات المطلوبة، وبطريقة سهلة وسريعة. كما أن الأهداف التعليميّة تمكّن المعلّمين من اختيار المحتويات الدراسيّة المناسبة والطرائق التعليميّة الملائمة، وتصلح كمعايير لاختيار الوسائل التعليميّة الناجعة، والنصوص والمراجع والأشرطة والأدوات والبرامج المعلوماتيّة، ومختلف وسائل التعزيز والايضاح.
على صعيد آخر، تسهّل الأهداف التعليميّة عمليّة التعلّم، بحيث تعرّف المتعلّمين في بداية هذه العمليّة على ما يتوقّع منهم القيام به بموجب هذه الأهداف. وتساعدهم في نهايتها في اكتشاف ما إذا تمّ بالفعل تحقيق هذه التوقّعات21.
كما تعتبر الأهداف المنطلقات الضروريّة في عمليّة التقويم، سواء تقويم المتعلّمين أو التقويم التعليمي برمّته. ذلك أن تقويم التعلّم يكمن بالضبط في التأكّد من مدى تحقّق الأهداف. كما تساعد لوائح الأهداف الواضحة المعلّمين وكل المهتمّين على وضع الأسئلة وصياغة بنود الاختبارات التي تقيس مدى تحصيل المتعلّم، كما تقيس بكيفيّة دقيقة مختلف التغيّرات التي حدثت في سلوكه من جرّاء ذلك التحصيل.
ومن الخدمات التي يمكن أن يقدّمها تحديد الأهداف التربويّة وصياغتها في عبارات سلوكيّة، تسهيل التواصل بين مختلف الأطراف: بين المعلّم والمتعلّمين، وبينه وبين زملائه وما إلى ذلك من علاقات. إن الأهداف هي بالضبط ما يجمع هؤلاء ويوحدّهم في عمل مشترك كونها تؤمّن لغة مشتركة في هذا المجال. هي بالتالي عبارة عن ميثاق للجماعة بأسرها.
وأخيراً، إن أهمّ ميزة للأهداف التعليميّة هي أنها تعتبر بوصلة للعمليّة التعليميّة برمّتها. فتصبح هذه الأهداف دليل المسؤولين والمعلّمين عند تخطيطهم للمناهج الدراسيّة، وعند انجازهم للدروس. لأنّها وكما رأينا، تصرّح مبدئيّاً بالنتائج المرغوب فيها، الأمر الذي يشكّل مرتكزاً أساسيّاً لحدوث الانسجام بين مكوّنات النشاط التعليمي من طرق ووسائل وتقنيّات التحضير وتمارين التعلّم وأساليب التقويم وغيرها 22.
ه- أجزاء الهدف التعليمي
يفترض ميجر (Mager) أن للهدف التعليمي أربعة مكوّنات أساسيّة يجب توافرها حتى يكون مقبولاً وصحيحاً، وهي التي أصبحت تعرف بقواعد وشروط الصياغة الاجرائيّة للأهداف. منها: تحديد السلوك النهائي المتوقّع، وتحديد المحتوى المرجعي العام، وتحديد مستوى الأداء، وتحديد شرط حدوث السلوك 23.
فيجب أوّلاً تحديد السلوك المرغوب تحقيقه من قِبل المتعلّم بعد مروره بخبرة تعليميّة. فإذا تمثّلت الرغبة في أن ينجز المتعلّم بنجاح السلوك المطلوب، ينبغي الاهتمام في تحديد هذه الخطوة بوضوح وعدم الوقوع في الخطأ في صياغة السلوك المراد تحقيقه. لذا يجب أن يعبَّر عن هذا السلوك بفعل واضح ودقيق وإجرائي، وقابل للملاحظة والقياس والتقويم. مثل: يذكر، يعدّد، يصنّف، يقارن،... وهكذا، من الضروري أن تتضمّن صياغة الهدف، كقاعدة أساسيّة، النتائج التي سيحصل عليها المتعلّم، أي الانجازات السلوكيّة، والمعارف والمهارات التي سيكتسبها، والتي ستعتبر دليلاً على حصول الهدف.
ويلي ذلك ثانياً تحديد المحتوى المرجعي العام للسلوك، حيث يصاغ الهدف التعليمي في ضوء محتوى مرجعي عام يمثّل الموضوعات أو المعلومات التي يدور حولها السلوك، أو يستعملها أو يقوم بتنفيذها. مثل: أن يذكر المتعلّم المكوّنات الأساسيّة للهدف التعليمي. فالمكوّنات الأساسيّة للهدف التعليمي هي المحتوى المرجعي العام لهذا السلوك المتوقّع أداؤه من المتعلّم.
ثمّ يأتي ثالثاً تحديد المستوى الأدنى للأداء، أو المعيار لمستوى الأداء السلوكي المقبول، حيث يمكن من خلال هذا العنصر الحكم على مدى تحقيق الهدف المطلوب. وهنا ستختلف المعايير تبعاً لاختلاف الظروف والعوامل المؤثّرة والعديدة، والتي يمكن أن يكون من بينها المعلّم، أوالمتعلّم، أوالسبب من وراء الهدف السلوكي. وهذه المعايير قد تكون نوعيّة أو كميّة أو زمنيّة، كأن نقول: بدقّة أو بدون أخطاء، أو بنسبة إتقان قدرها 80% على الأقّل، أو تهجئة 50 كلمة تهجئة صحيحة، أو إعطاء خمسة أسباب صحيحة من ستّة، أو بمدّة زمنيّة لا تزيد عن دقيقة واحدة فقط،...
ويشكّل تحديد الظروف أو الشروط التي ترافق أو يتم خلالها قيام المتعلّم بالسلوك المطلوب الجزء الرابع من أجزاء الهدف التربوي. وهنا تتضمّن الصياغة تحديد المواد أو الوسائل التي يمكن أن يُمنع استخدامها لتحقيق الهدف المطلوب، من مثل : دون الرجوع إلى أي مصدر، أو دون استخدام الآلة الحاسبة. كما يمكن أن تتضمّن الشروط، من مثل: استخدام القاموس أو الأطلس أو بالاعتماد على الصحيفة، وهكذا 24.
وليس من الضرورة أن تترتّب هذه الأجزاء ترتيباً معيّناً، إنّما من الممكن تغيير الترتيب وفقاً لطبيعة الهدف وكيفيّة صياغته.
نستنتج ممّا تقدّم أن عبارة الهدف التعليمي تكون على النحو الآتي
أن+ الفعل السلوكي+ المتعلّم + المحتوى الدراسي+ الظرف أو الشرط الذي يتم في ضوئه التعلّم + مستوى الأداء أو التحقّق المطلوب.
كأن نقول مثلاً: أن يعدّد المتعلّم مصادر اشتقاق الأهداف التربويّة والتعليميّة، بناءً على ما أوضحه المعلّم، وفي دقيقة واحدة على الأكثر.
إلاّ أن بعض التربويين اقترح اختصار العبارة السابقة، وذلك لتصنيفهم مكوّنات الهدف التعليمي الأربعة إلى نوعين: مكوّنات أساسيّة متمثّلة بتحديد السلوك النهائي والمحتوى المرجعي، ومكوّنات غير أساسيّة متمثّلة بتحديد مستوى الأداء وشرط حدوث السلوك . فتصبح العبارة الهدفيّة على النحو الآتي
أن + الفعل السلوكي + المتعلّم + المحتوى الدراسي.
و- شروط صياغة الأهداف التعليميّة
إضافة إلى المكوّنات السابقة التي يجب مراعاتها عند صياغة الأهداف التعليميّة، فإنه لا بدّ من توافر بعض الشروط التي تؤكّد على دقّة الأهداف وجودتها، والتي تتمثّل في التركيز على سلوك المتعلّم، ووصف نواتج التعلّم، وذكر فعل سلوكي واحد، والوضوح في اختيار الأفعال السلوكيّة، وقابليّة الفعل للقياس والملاحظة، وامكانيّة تحويل الفعل السلوكي إلى فعل أمر. ويمكن بيان هذه الشروط على النحو الآتي
_ أن يرّكز الهدف التعليمي على سلوك المتعلّم لا على سلوك المعلّم، إذ أن المراد هنا الاهتمام بسلوك المتعلّم خلال عملية التعلّم وليس بالمهام التي ينبغي على المعلّم تحمّل مسؤوليّاتها خلال عمليّة التعليم. فلا نقول مثلاً "تعريف المتعلّم بمستويات الأهداف التربويّة،" بل نقول "أن يعرّف المتعلّم مستويات الأهداف التربويّة."
_أن يصف الهدف التعليمي نواتج التعلّم لا الأنشطة التعليميّة، وذلك لأن موضوع التعلّم لا يمثّل الهدف المُراد تحقيقه لدى المتعلّم، ولكن الهدف التعليمي يعكس ما يمكن أن يستفيد المتعلّم أو يخرج به من موضوع التعلّم، حتى لا تصبح المادّة الدراسيّة هدفًا في حدّ ذاتها. بينما لا تمثّل هذه المادّة في الحقيقة سوى وسيلة لتحقيق أهداف أخرى عديدة. فلا نقول مثلاً "أن يكتسب المتعلّم معرفة بصياغة الأهداف التعليميّة،" بل نقول " أن يطبّق المتعلّم ما اكتسبه من معارف خاصّة بصياغة الأهداف التعليميّة في مواقف تعلّمية جديدة"25.
_ أن لا تشمل عبارة الهدف التعليمي على أكثر من فعل سلوكي واحد. وبمعنى أدقّ، يجب أن تتضمّن عبارة الهدف التعليمي ناتجاً تعلّميّاًً واحداً فقط، وذلك منعاً للخلط في نواتج التعلّم. فمن الخطأ القول "أن يعدّد المتعلّم شروط صياغة الأهداف التعليميّة وأن يطبّقها بدقّة عند استخراجه لأهداف درسه،" وذلك بسبب احتواء هذه العبارة على أكثر من ناتج واحد للتعلّم، وهما "يعدّد" و "يطبّق."
_ أن يكون الهدف التعليمي واضحًا في صياغته بحيث لا يقبل إلاّ تفسيراً واحداً. فهناك بعض الأفعال التي يكتنفها الكثير من الغموض، ممّا يؤدي إلى انتفاء صبغة السلوكيّة عنها. فأفعال مثل: يعرف، يدرك، يفهم، يعي... غير دقيقة بل وغير محدّدة، ولا يمكن أن يتّضح منها نوع السلوك الذي يجب أن يظهره المتعلّم 26.
_ أن يكون الهدف التعليمي قابلاً للقياس والملاحظة. فمثلاً لو قلنا "أن يحدّد المتعلّم أجزاء الهدف التعليمي،" فإنّه من السهل قياس هذا الهدف، حيث يستطيع ذلك المتعلّم تحديد جميع هذه الأجزاء أو بعضها، أو قد لا يستطيع تحديد أيّ منها على الاطلاق 27.
_ أن يكون الهدف التعليمي قابلاً للتحويل إلى فعل أمر يمكن ملاحظته عند القياس. فأفعال مثال: يلّم، يعي، يدرك، ينمّي... تمثّل أفعالاً لا يمكن استخدامها في صياغة عبارات هدفيّة لأنّها غير قابلة للتحويل إلى فعل أمر.
ز- تصنيف الأهداف التعليميّة(Taxonomy of Educational Objectives)
تمّ طرح العديد من التصنيفات المتعلّّقة بالأهداف التعليميّة في مجالاتها المختلفة. ويعتبر تصنيف بلوم (Bloom) وجماعته المحاولة الأولى والمهمّة في هذا الصدد، حيث تمّ تحديد ثلاثة مجالات لهذه الأهداف، وهي: المجال المعرفي أو العقلي (معارف، مفاهيم وحقائق)، والمجال الوجداني أو الانفعالي (اتجاهات وقيم)، والمجال المهاري أو النفس-حركي (عادات ومهارات).
وقد صدر عام 1956 المجلّد الأول للمربّي بلوم، تناول فيه هذه المجالات، ولكنّه ركّز على المجال المعرفي. في حين صدر المجلّد الثاني تحت اسم كراثوول(Krathwohl) عام 1964 واهتمّ بالمجال الوجداني أو الانفعالي. وقد توالت التصنيفات العديدة فيما بعد للحديث عن المجال المهاري أو النفس حركي، حيث برز منها تصنيف سمبسون .(Simpson) وقد تمّ تقسيم الأهداف وفق التصنيفات الثلاثة إلى عمليّات متسلسلة ومتتابعة وهرميّة، إذ يعتمد التعلّم في المستويات العليا على تحقيق الأهداف في المستويات الدنيا، وكل مستوى من هذه المستويات يتضمّن المستوى أو المستويات التي تسبقه. وجدير بالذكر أن المبدأ الذي ترتكز عليه هذه التصنيفات يتمثّل في التقسيم الكلاسيكي لجوانب الشخصيّة المعروف في علم النفس، ألا وهو التقسيم الثلاثي الذي ينظر إلى هذه الشخصيّة على أساس أنها عبارة عن هذه المجالات الثلاثة مجتمعة التفكير والانفعال والحركة والتي تحقّق النموّ المتكامل للمتعلّم 28.
لقد وفّرت هذه التصنيفات أساساً عامّاً أو "لغة اصطلاحيّة" للاتصال والتخاطب حول الأهداف، كما كانت أيضاً خير عون للتربويين تساعدهم في التفكير بأهداف لمتعلّميهم، والتفكير بوسائل تقويم متنوّعة ضروريّة لقياس هذه الأهداف المختلفة.
فيما يلي مستويات المجالات الثلاثة مرتّبة تصاعديّاً، أي من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى.
1-المجال المعرفي
يشمل المجال المعرفي الأهداف التي تتعلّق بالمعرفة العلميّة من مفاهيم وحقائق وقوانين ونظريّات، وبتطوير القدرات والمهارات الذهنيّة. ويحتوي على ستّة مستويات بدءاً بالقدرات العقليّة البسيطة وانتهاءً بالمستويات الأكثر تعقيداً، حيث تبدأ بالمعرفة ثم الفهم فالتطبيق والتحليل والتركيب وأخيراً التقويم، وكل مستوى من هذه المستويات يتضمّن المستوى أو المستويات التي تسبقه 29. فيما يأتي عرض لمستويات هذا المجال، وتعريف لكل مستوى، مع أمثلة على المحتوى الذي ينطبق عليه ذلك المستوى.
تأتي المعرفة في طليعة المستويات المعرفيّة. وهي القدرة على تذكّر واسترجاع وتكرار المعلومات والحقائق دون تغيير يذكر. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يعدّ، يذكر، يحدّد، يعرّف، يكمل، يتلو غيباً،..
أمّا الفهم فهو القدرة على تفسير أو إعادة صياغة المعلومات التي حصّلها المتعلّم في مستوى المعرفة بلغته الخاصة وتوظيف استخدامها في الصف أو في ميادين الحياة المختلفة. والفهم في هذا المستوى يشمل الترجمة والتفسير والاستنتاج 30.ومن أهم الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يعلّل، يفسّر، يترجم، يلخّص، يكتب بلغته الخاصة، يستنتج، يستخلص...
ويُعنى التطبيق بالقدرة على استخدام أو تطبيق المعلومات والنظريّات والمبادئ والقوانين التي درسها المتعلّم وفهمها في موقف جديد، سواء كان ذلك داخل الصف أو خارجه. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يطّبق، يحسب، يستعمل، يبرهن، يعطي مثالاً...
ويشير التحليل إلى قدرة المتعلّم على تجزئة أو تحليل المعلومات أو المعرفة المعقّدة إلى أجزائها الفرعيّة التي تتكوّن منها، والتعرّف على العلاقة بين الأجزاء والتمييز بينها. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يحلّل، يقارن، يفرّق، يصنّف، يقسّ...
أمّا التركيب فهو القدرة على جمع عناصر أو أجزاء لتكوين نمط أو تركيب غير موجود أصلاً، وهنا لا بدّ من تجميع الأفكار والعناصر الخاصّة بموضوع ما لتشكّل كلاًّ متكاملاً ينتج عنه تعميماً أو فكرة جديدة. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يركّب، يؤلّف، يقترح،يخطّط، يصوغ...
ويتعلّق التقويم بالقدرة على إصدار أحكام حول قيمة الأفكار أو الأعمال وفق معايير أو محكّات معيّنة. ويأتي هذا المستوى على رأس المستويات المعرفيّة وفي قمّتها 31. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يحكم على، يناظر، يُعرب عن رأيه، يقرّر...
2- المجال الوجداني
إذا كان على المتعلّم في المجال المعرفي السابق أن يتعامل مع العمليّات العقليّة بمستوياتها المختلفة، فإن المطلوب من هذا المتعلّم في المجال الوجداني أن يتعامل مع ما في القلب من اتجاهات ومشاعر وأحاسيس وقيَم، تؤثّر في مظاهر سلوكه المتعدّدة، وأنشطته المتنوّعة.
يحتوي هذا المجال على خمسة مستويات من الأهداف المتعلّقة بالاتجاهات والعواطف والقيم، تبدأ بالسهل اليسير في قاعدة الهرم، وتنتهي بالمعقّد الصعب في قمّته. وتتمثّل هذه المستويات الخمسة في الآتي: الاستقبال أو التقبّل، الاستجابة، التقييم، التنظيم، وتشكيل الذات.
في مستوى الاستقبال أو التقبّل، يبدي المتعلّم اهتماماً بموضوع أو مشكلة أو قضيّة أثارت انتباهه وتحسّس لوجودها، فأبدى استعداداً شعوريّاً للمشاركة فيها وبحثها. ويمكن لهذا التحسّس أن يكون إيجابيّاً. وقد يكون سلبيّاً بمعنى العاطفة السلبيّة، وإبداء الرغبة بالابتعاد عن موضوع أو مشكلة أو قضيّة معيّنة. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يجمع،يشارك، يهتم، يسأل، يختار...
ثمّ ينتقل المتعلّم في مستوى الاستجابة من مجرّد استقبال أو تقبّل ظاهرة ما، إلى الحضور الايجابي والمشاركة الفعليّة في الموضوع أو المشكلة بعد تحسّسها، فيقوم باتخاذ موقف منه مع الرضا، وتحمّل المسؤوليّة، والاقتناع بالدور. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يتابع، يتدرّب، يوافق، يكمل، يجيب...
يلي ذلك التقييم (تقدير القيمة)، وهنا يظهر المتعلّم سلوكاً يوحي بتبنّي القيمة وقبولها وتفضيلها والالتزام بها، ويكون السلوك المعبّر عن القيمة متماسكاً وثابتاً ومنسجماً بالكامل مع القيمة الملتزم بها. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يصف، يدعم، يحتج، يجادل، يناقش...
ومن ثمّ التنظيم، حيث يتم التركيز في هذا المستوى على تجميع عدد من القيَم وحلّ بعض التناقضات الموجودة فيما بينها، ومن ثمّ البدء ببناء نظام داخلي متماسك للقيَم. كما يتم الاهتمام أيضاً بمقارنة هذه القيَم وربطها وتجميعها وترتيبها. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يلخّص، يقارن، يرسم، ينظّم، يوازن...
وأخيراً تطوير نظام من القيَم حيث يمثّل هذا المستوى المستوى الأعلى في المجال الوجداني، وهو عبارة عن تطوير المتعلّم لنظام من القيَم يوجّه سلوكه بثبات وتناسق مع تلك القيَم التي يقبلها جزءاً من شخصيّته. وهنا تندمج الأفكار والمعتقدات والاتجاهات معاً لتشكّل أسلوب الحياة لهذا المتعلّم، أو تشكيل فلسفته في الحياة. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: ينقّح، يدير، يتجنّب، يقاوم، يثابر...
3- المجال المهاري ( أو النفس حركي)
يمثّل المجال المهاري الأهداف التي تركّز على إحدى المهارات العضليّة أو الحركيّة أو التي تتطّلب معالجة بارعة لبعض المواد أو الأشياء أو بعض الأعمال التي تتطّلب تنسيقاً دقيقاً بين أعضاء الجسم وعضلاته، وبين عقل الانسان وجهازه العصبي. لذا يرى التربويّون أن استخدام هذا المجال في التربية الرياضيّة والتربيّة الفنيّة ورسم الخرائط، هو أكثر من استخدامه في تخصّصات أخرى كاللغات والفلسفة. يبدأ هذا المجال من المستويات السهلة ويتدرّج في صعوبته للوصول إلى المستويات المعقّدة. فمن الادراك والميل في أدنى مستويات هذا الهرم، الى الاستجابة الموجّهة والآليّة والاستجابة الظاهريّة المعقّدة في المستويات المتوسّطة منه، إلى التكيّف أو التعديل ومن ثمّ الأصالة أو الابداع في أعلى مستويات هذا الهرم 32.
يعتبر مستوى الاستقبال أو الادراك الحسي أقل المستويات المهاريّة تعقيداً، وتتفاوت أهداف هذا المستوى من الاثارة الحسيّة أو الاحساس العضوي، إلى النشاط الحركي أو اختيار الأدوات الوثيقة الصلة بالمهارة الحركيّة. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يربط، يحدّد، يميّز، يختار، يصف...ويشير مستوى الميل أو الاستعداد إلى عمليّة التهيئة العقليّة للقيام بالمهارة الحركيّة. ويشترك في هذا المستوى كل من استعداد العقل واستعداد الجسم والانفعالات (الرغبة) للقيام بالعمل أو المهارة الحركيّة. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يتحرّك، يباشر، يردّ، يبرهن، يتطوّع 33...
أمّا مستوى الاستجابة الموجّهة فيتصل بتقليد مهارة معيّنة بشكل تجريبي في ضوء معيار أو حكم أو محك مناسب. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يجمع، يبني، يفحص، يقيس، يخلط...
وتشيرالآليّة أو التعويد إلى مستوى خاص يُعنى بأداء المهارة الحركيّة بشكل آلي وسريع، نتيجة تكرار السلوك عِدّة مرات، ممّا يؤدّي إلى إيجاد نوع من الثقة والكفاءة. وتستخدم في هذا المستوى الأفعال نفسها التي وردت في مستوى الاستجابة الموجّهة.
يتضمّن مستوى الاستجابة الظاهريّة المعقّدة أداء المهارة الحركيّة المركّبة بشكلِ جيّد في ضوء معايير السرعة والدقّة والمهارة. وتستخدم في هذا المستوى الأفعال نفسها التي وردت في مستوى الاستجابة الموجّهة.
يهتم مستوى التكيّف أو التعديل بالمهارات التي يطوّرها الفرد ويقدّم نماذج مختلفة لها، ويمارسها بسرعة ودقّة عاليتين، بشكلٍ يمكّنه من الحكم على مهارات الآخرين وتعديلها. ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يتكيّف، يغيّر، ينقّح، يعيد ترتيب شيئ ما، يعيد تنظيم شيئ ما 34...
أخيراً، يركّز مستوى الأصالة أو الابداع على القيام بالمهارات الحركيّة بدرجة عالية جدّاً من الاتقان والدقّة والابداع، نتيجة الخبرة الطويلة في التعامل مع مثل تلك المهارات). ومن أهمّ الأفعال المستخدمة في هذا المستوى: يرتّب، يجمع، يؤلّف، يصمّم، ينشئ 35...
1- سهيلة الفتلاوي، كفايات التدريس، ص 29.
2- محمّد دريج، التدريس الهادف، ص 303.
3- توفيق مرعي، الكفايات التعليميّة في ضوء النظم، ص35.
4- زيد الهويدي، معلّم العلوم الفعّال، ص35.
5-جودت سعادة، صياغة الأهداف التربويّة والتعليميّة في جميع المواد الدراسيّة، ص110.
6- بنجامن بلوم ورفاقه، ترجمة محمّد الخوالدة وصادق عودة،، نظام تصنيف الأهداف التربويّة، ص111.
7- يوسف قطامي ونايفة قطامي، سيكولوجيّة التدريس، ص70.
8- محمّد الدريج، التدريس الهادف: من نموذج التدريس بالأهداف إلى نموذج التدريس بالكفايات، ص80.
9-Michael Grenfell, Training Teachers in Practice, p.220.
10- بنجامن بلوم ورفاقه، ترجمة محمّد الخوالدة وصادق عودة،، نظام تصنيف الأهداف التربويّة، ص111.
11-Norman E. Gronland, How to Write and Use Instructional Objectives, p.21.
12-Michael Grenfell, Training Teachers in Practice, p.75.
13- Norman E. Gronland, opcit, p.22
14- جودت سعادة، صياغة الأهداف التربويّة والتعليميّة في جميع المواد الدراسيّة، ص110.
15- Norman E. Gronland, opcit, p.23
16- Orlich Donald, Teaching Strategies: A Guide to Better Instruction
17-مؤلّف كتاب Basic Principles of Curriculum and Instruction
18- Gaston Mialaret, La formation des enseignants133, p
19- محمّد الدريج، التدريس الهادف: من نموذج التدريس بالأهداف إلى نموذج التدريس بالكفايات، ص90.
20-Gaston Mialaret, La formation des enseignants, p131
21- جودت سعادة، صياغة الأهداف التربويّة والتعليميّة في جميع المواد الدراسيّة، ص138.
22- Gronland, How to Write and Use Instructional Objectives, p 219
23- Gaston Mialaret, La formation des enseignants, p141.
24- جودت سعادة، صياغة الأهداف التربويّة والتعليميّة في جميع المواد الدراسيّة، ص116.
25-Norman Gronland, How to Use and Write Instructional Objectives, p.222.
26- جودت سعادة، صياغة الأهداف التربويّة والتعليميّة في جميع المواد الدراسيّة، ص142.
27- Norman Gronland, How to Use and Write Instructional Objectives, p.222.
28-جودت سعادة، صياغة الأهداف التربويّة والتعليميّة في جميع المواد الدراسيّة، ص142
29- Gaston Mialaret, La formation des enseignants, p145.
30- جودت سعادة، صياغة الأهداف التربويّة والتعليميّة في جميع المواد الدراسيّة، ص117.
31-Patrice Pelpel, Se former pour enseigner, p210.
32- Gaston Mialaret, La formation des enseignants, p146.
33- جودت سعادة، صياغة الأهداف التربويّة والتعليميّة في جميع المواد الدراسيّة، ص119.
34-Patrice Pelpel, Se former pour enseigner, p212
35-Gaston Mialaret, La formation des enseignants, p146.